أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

<!--

<!--<!--

صاحب الفضيلة

الإمام الشهيد حسن البنا

    يصّاعد إلى السماء من المسجد النبوى  فى هالة نورانية عظيمة بطوله المعروف ونحافته يتدثر فى الثياب البيض ، تحمله الغمام تشق السحاب الداكن فى ليلة صمت عظيم ، ويدخل سماء مصر التى تتقلب فى الظلمة تتخللها نجوم منكسرة حزينة ، وتتهادى به الغمام حتى يدخل إلى بناية فى الغورية ، ينير جنباتها ويبدد ظلمتها وارق صاحبها الذى ينام على سريره يتقلب على شوك وسهاد وحزن عظيم وانكسار مهول ، ويصدح بصوته يقول: أنا عمر ابن الخطاب يا حسن ، لقد أديت الرسالة ، فهنيئا لك الشهادة . فينتفض انتفاضة عظيمة تغسل أدرانه وأحزانه غير مصدق تلك الرؤيا وهذه البشارة العظيمة التى لا يتخيلها ، ويقص على أبيه الشيخ الكبير ما رآه ، ويحزن والده حزنا شديدا ويخبره بتأويل رؤياه التى لا تحتاج إلى تأويل من انه سيقتل ، وعلى ارض الواقع الدلائل تنطق واضحة إذ صادَرت الحكومةُ سيارتك الخاصّة ، واعتقلت سائقك ، وسحبت سلاحك المُرخص ، وقبضت على شقيقيك اللذين كانا يرافقانك في تحركاتك ، ويمنعوا عنك من تبقى يعرفك ولم يدخل السجن ، سيقتلونك يا حسن ، يتآمر عليك الجميع من الملك إلى الانجليز إلى قادة الأحزاب إلى رئيس الحكومة ، لا تخرج من بيتك أبدا مهما كانت الأسباب . ولكنه يرد عليه بقوله تعالى (، من كتب عليهم القتل ان يهبوا من مضاجعهم .....) ويسكت والده المؤمن المحتسب الصبور . وهو يغادره إلى الباب : لقد دعتنى الحكومة للتفاوض وقد قبلت ولن اخلف موعدى ، ويتوقف عنده يذكره ببدايات دعوته ويشرد بناظريه الحادتين الغائرتين المنكسرتين الحزينتين ، ويتبادل معه النظرات وكأنه يتذكر بداياته  .

      قوات الجيش تندفع فى الشوارع تحاصر قصر الخلافة ، وتقتحمه وتكبل الخليفة وأولاده وتجرده من ملكه وما يملك ، وتنهى خلافته للمسلمين ، ويعلنون سقوط الخلافة الإسلامية وتحتفى دول الغرب بهذا الانتصار العظيم . وتحط تلك الأخبار الفاجعة على مصر تبحث عن قلب يثمن قيمة الفاجعة ، ليعمل فى سبيل رفعها حتى لو يكون بمفرده ، فما بدأت الرسالات العظيمة إلا بفرد بشر ، ويظهر هذا الشاب العفى الذى أسسه والده ونشأة التنشئة الصحيحة الراشدة وكأنه يعده ليتحمل أعباء رسالة ما لم يكن نفسه يعرفها ، ولكن ولده تتخلق فى فكره تلك الإرهاصات التى تبدأ فى التبلور بسقوط الخلافة ،  حيث يحزن ويفجع لما حدث وهو يوقن الخلافات بين المسلمين التى لا يحسمها إلا إمام المسلمين ، وقد تآمروا على الإمام والإمامة ، فلابد أن يكون للمسلمين أماما ، والموجات العلمانية الحاضة على التحرر الاخلاقى والسلوكى الذى يحمل فى طياته كل معانى انفراط هوية المصريين ، ويحمل لوائها الكثير من المفكرين والكتاب ويشجعهم المحتل الانجليزي الذى يسيطر على مصر وشعبها رغم وجود ملك البلاد المفدى فؤاد الأول ، وأحزاب تتصارع على السلطة لا يهما الدين الذى يحارب وتتبدل ملامحه وقناعاته لدى معتنقيه بدعوى التحضر والوطنية والمواطنة حتى كانت بيوت البغاء برخصة رسمية ، فيا لها من حكومات ويا لها من مصر التى خلقوها ويريدونها رغم أنها محتلة .  يتجول فى شوارع القاهرة التى لم يكن يعرفها يتفحص مظاهر حياتها وسلوك ناسها ومظاهر الفساد فيها من بغاء وإباحية وتحرر للمرأة وتقليدها للغرب ، ويثور على كل ما يراه ، يعقد العزم على أحياء الدين فى النفوس قبل أن  يهدم الفاسد ، ويعد بعض زملائه ليكونوا دعاة مصلحين مثله ، وينشر دعوته بين زملاءه فى دار العلوم بل فى الجامعة كلها ، ويحدد حاجته بدقة حيث يريد  تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي . كما يحدد هدفه العظيم السامي أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلاميّة حرّة . إذ لابد من السعي لإصلاح الشرق وتوجيه جهود الأمم إلى غاية منتزعة من روح الشرق ، وملائمة لمزاج أهله لا تنحصر في تقليد لأوروبا ولا لغيره ، بل قوامها إنهاض الشرق من كبوته واستخدام قواه الكامنة ، وأن المحاولات الدءوبة المتسارعة لتقليد واستنساخ الغرب فى كل شيء هو الخطر الحقيقى لإذابة هوية الأمة ، لابد من تمكين الإسلام فى نفوس الناس . ويخلق له هذا النهج العداوات والخصوم والمصارعين من الساسة والمفكرين والكتاب  .

       تصل أخباره إلى قادة الأحزاب ، ويعرفون انه يتناول الأمور السياسية بالنقد أللاذع كما يتناول الأمور الدينية بخطابة ولغة وسلوك جديدين ، وهم من يريدون أن تكون لأحزابهم الغلبة بين شباب الجامعة ولفكرهم الشمول  ، وبخاصة الوفد ويجتمعون يتدارسون الأمر ، ليصلوا لمن لزعمائهم من أولاد يدرسون حتى يواجهوا هذا الشاب المعمم ، ويفسدوا عليه دعوته ويشتتوا من يجتمع حوله يناصره ويساعده . وتتولى ليلى ابنة احد الأعيان وزميلها سامى ابن احد أعيان وتجار الإسماعيلية وغيرهما ، ولم تكن ليلى فى حاجة إلى وصاية لمن  أعجبت  به لاستقامته وملبسه الذى يجلب له التوقير والاحترام والتقدير من الجميع ولا يعرها اهتماما كما يفعل الكثير من الطلبة المأخوذين بجمالها وأناقتها وغناها ومكانة والدها وتحررها  ، لكنها  تريد أن تقف على حقيقية هذا الطالب المستقيم من انه يستحق هذا التوقير والاحترام أم انه مجرد ملبس يرتديه هو من يضفى عليه هذه الهالة ، وتحاول الاحتكاك به وامتحانه ، ولكنه لا يستجيب لغوايتها ولا يلفت لاهتمامها ، فهم الأمة اكبر وما يواجهه صعب وشاق . ولكنها تظن أنها انتصرت عليه وكانت من أسباب تغير هيئته وملبسه من العمامة إلى الطربوش وهو الشاب القوى المدافع بشدة عن لواء الإسلام فى الجامعة والواقف للتحرر والعلمنة والتسيب والاختلاط وهى تضحك فى سخرية فى وسط ناديهم الكبير ووسط الكثير من البشوات والسياسيين من الوفديين وغيرهم ، ووالدها لا يتحرج من فعلها وسلوكها بل يباركه ويفاخر بها أنها من تقف فى سبيل الرجعية والتجمد مثله وتدعوا إلى التحضر والتثقف والانفتاح ، وأوصها وزملائها وزميلاتها وشباب الأحزاب أن يقفوا بالمرصاد لفكر حسن وزملائه الرجعيين واستعمال كل الوسائل معهم من خديعة وتقليب الطلبة والطالبات عليه فى كل محفل يحط فيه ، حتى ولو كان الملك فؤاد نفسه الذى يؤمم الجامعة الأهلية ويجعلها حكومية وهى تقوم على العلمانية _ يجعل الأزهر يدعمها وهذا ما لم يكن له أن يفعله أبدا وبخاصة وهم يوقنون انه يريد ضرب التحركات السياسية فى الجامعة  ، وتوغلا فى الصراع والعداوة  يرشدون الأمن ولإدارة الجامعة أيضا وينقلون كل ما يقوم به ، لكى يتم الوقيعة به من أى من تلك الجهات ويشددون عليه الحصار لإرهابه حتى يرجع عن فكره ودعوته ويحطمون آماله وييئسونه من منهجه ، وتنجح فى ذلك بتنفير الكثير من الطلبة والطالبات بنشر الصحف والمجلات الحزبية  بغير ثمن بينهم حتى يقبلوا على فكر الثقافة الغربية الداعية إلى الحرية والتحرر ولإضعاف أى اثر لاى دين ، والتى تؤثر فى نفوس الطلبة وتجد ثم هوا كبيرا فى قلوبهم وهم المتشوقين إلى إشباع غرائزهم ورغباتهم بتحرير ما تبقى فى قلوبهم من عقيدة وهم فى فوران الشباب الجامح مع وجود الاختلاط فيشجع العلاقات غير الكريمة ولا الراشدة بينهم  .

   لكنه يتمسك بهدفه وحاجته وهو يوقن أن دعوة الحق فى كل زمان ومكان لا بد أن تجد لها من المعارضين والمناوئين من يقف فى طريقها ويعمل على معاكستها وإحباطها ، ولكن هيهات أن ينالوا من عزيمته وإصراره وإيمانه ، ويوسع من نشاطه وصحبه ويخرج من اسوار الجامعة الى براح الدنيا والناس ، ويقرر ان يدعوا الناس باسلوب جديد على القهاوى وفى كل تجمع باسلوب بسيط غير منفر وغير معيب عليهم سلوكهم وفعلهم ، وينجح فى ذلك رغم غرابة الاسلوب الى حد غير كاف ، ولذلك يريد دعما ويريد رجالا يساعدونه ويهبوا لنصرة الدين ، فهو ونفر معه لا يستطيعون مع تغول الآخرين الذين يساندهم الساسة والآلة الإعلامية من صحافة واذاعة ومجلات تدعمها السلطة والمال حتى أنهم يصلوا إلى كل الناس . ويذهب إلى كبار مشايخ الأزهر ويحضهم على القيام بدورهم ، حتى أن البعض يتهمه بالتطاول عليهم ، ولكن العقلاء يستنهضهم كلامه وحميته ، ومنهم الشيخ يوسف الدجوى الذى يجمع ويدله على بعض العلماء الذى يتوسم فيهم الخير وحمل الأمانة ، ويستنهضهم ويحمسهم ليفكروا فيما يجب عمله ، يصدرون مجلة يردون فيها علي دعاة الإلحاد أو يؤلفون جمعيات يأوي إليها الشباب وينشطون حركة الوعظ والإرشاد ، ويوافق الشيخ ويتم كتابة أسماء العديد من العلماء والوجهاء حتى تتكون نواة طيبة من هؤلاء العلماء ، ويكون من نتيجتها أن يصدرون مجلة الفتح الإسلامية التى تنشر أفكاره وأفكارهم تصد كيد العلمانيين من الكتاب والأدباء ، ومن كوكبة منهم تتكون جمعية الشبان المسلمين.

    ما تحقق لا يشبع طموحه ولا يحقق كل أهدافه ، وفكرته تأخذ فى التبلور والنضوج وتسعى نحو اكتمالها بأهدافها الكلية بتحرير الوطن وإقامة دولة الإسلام الحديثة ، ويطلب منه أستاذه أن يكتب موضوعا إنشائيا عن آماله بعد التخرج ، فإذا به يصيغ مشروعه ويضع معالمه ويختار أن يكون مرشدا ومعلما بالخطابة والمحاورة والتأليف والكتابة والتجوال والسياحة بين المدن والقرى ، هذا هو النهج وهذا هو الطريق ولابد من الفعل الواقعى على ذلك ، ويتخرج من الجامعة  .  ولكنه لا يعين فى القاهرة ، بل يعينوه مدرسا للغة العربية فى الإسماعيلية التى لا يعرف عنها شيئا ، ويغضب لهذا التعين فى هذا المكان البعيد عن القاهرة والذى بدوره سيبعده عن أهله ، وعن حاجته وهدفه وأن القاهرة هى القلب ما تحتاج إلى العلاج قبل أى طرف آخر  . ويذهب يعترض على هذا القرار ولكنه يقابل واحدا من أبناء الإسماعيلية يفضى إليه ببعض ما فيها  ، ويؤيده فى هذا الرأى والده الذى يقول: اعتمد على الله والخير فيما اختاره  فالله اعلم حيث يجعل رسالته ، ويكون همه الدعوة وكيف سيكون الأسلوب الذى سيبدأ به بعد أن يترك القاهرة معقل المواجهة والصراع ، وللهجرة عن الأهل والأحباب وقع عظيم لا يتحمله الكثير من الناس غير أولى العزم وعند سفره يودعه صاحبه يقول: إن الرجل الصالح يترك أثرا صالحا فى كل مكان ينزل فيه ونحن نأمل أن تترك أثرا صالحا فى هذا البلد الجديد ، وتحفر هذه الكلمات الدالة فى وجدانه وقلبه وعقله ويعتبرها وقودا وزادا فى هجرته ، فقد هاجر الرسل بدعوتهم فلما لا يكون مثلهم .

 

     فى الإسماعيلية يعتاد عمله ويسكن فى فندق ، ويتفحص الحياة التى يجدها فى مجملها تختلف عما عداه من المصريين ، حيث الحياة الأوربية غالبة ، فى مظاهر الحياة من ملبس وحانات وبيوت بغاء ، خلقها الاحتلال الانجليزى الذى يتمركز فى شرقها القنال وغربها معسكرات الجيش ، وكأن الانجليز يطوقون المدينة من كل جانب ، وما يتركونه بوسطها البغاء والخمور والمجون  تكمله . ورغم ذلك على وجه آخر يجد خلافا كبيرا يقسم ما تبقى من عافية المدينة إلى فريقين هذا يؤكد المتشددين من السلفيين وهذا يؤيد المتصوفين الذين يريدون هجر الحياة والاعتصام بالحضرة يمدحون الله ورسوله ويزهدون فيما عدا ذلك لا يأبهون باحتلال انجليزي يتحكم فيهم ويستعبدهم ويجعلهم فى مرتبة متدنية عن باقى البشر ، مع أنهم أصحاب البلد التى يحتلها الغابرون ينهبوا خيراتها ويستعبدوا أبنائها فى القناة والمعسكرات ، والخلافات تصل حتى داخل المسجد ، ويكون عليه أن ينضم لأحد الفريقين كما ينتسب كل غريب موظف ، فيعمل على رأب الصدع ويزور أعيان البلد وسادتها من كلا الفريقين يقرب بينهم ، فهو لا يحب الخلاف بل يريد اللحمة والقوة ولكن الخلاف شديد، ويعود إلى طريقته التى تجمع ولا تفرق وإلى أسلوبه ويبدأ من القهاوى يقدم فيها محاضراته ودروسه ويعجب الناس الذين استغربوا هذه الفكرة الجديدة ، وتسمع عنه ابنة احد أعيان الإسماعيلية أخذت تتبع أخباره ويعجبها قوله ودعوته وطريقته وصلابته  وتحدث بها مثيلاتها من البنات والسيدات ومن هذا الغريب الذى لفترة قليلة يعرفه أهل المدينة ، ويبدو أن الإعجاب يأخذ فى نفسها منه منحا جميلا ، لحميته ودينه وصلاحه وخلقه حتى أنها تتمناه أن يكون فارسا لأحلامها فهى محبة لكتاب الله وسنة رسوله وتقبض على إيمانها رغم غوايات الثقافة السائدة والموضات المتجددة ومظاهر الحداثة الرائعة من مظاهر أجنبيات يعشن بينهن ويغذين مدينتهن ، وتطالعها وجوه الحياة الأوربية فى كل مكان ، ولكن هيهات فكيف القربى منه وهو غير ذى عوج . 

     يشتد التفاف الناس حوله فى القهاوى وغيرها وهو يقتصد فى حديثه ويجعلهم فى شوق مستمر لحديثه ، وهو يتعمد ذلك حتى يربيهم ويخلق فى نفوسهم الحمية لنصرة دين الله ويكون له ما يريد ولكن الانجليز لا يتركونه فقد عرفوه وعرفوا ما يقوم به ولم يكن يروق لهم ذلك فيضيقون عليه الخناق بأن يتعمدوا الضجيج وشرب الخمر فى القهاوى التى يقدم فيها درسه ، وكذلك بعض مناصرى التيارين المتأصلين فى المدينة  الذين يحضروا دروسه ويوسعونه أسئلة خلافية وفلسفيه تصعب على الآخرين فهما ، وهم يعمدون على تنفير الناس منه لو خاض فى مثل هذه القضايا الخلافية ، ولكنه لفطنته ينتبه ، ويحاول لقياهم فى بيوتهم وتقديم الهدايا لهم والنصح والإرشاد وتقديم الكتب ، وهو يريد كسب ودهم حتى لا يشتتوا درسه ويبعدوا عنه مريديه ، منهم سامى  من كان يعرفه فى الجامعة صديق وزميل ليلى التى كانت تناصبه العداء – يفاجأ به انه من أهل الإسماعيلية وانه ابن واحدا من أعيانها ومن كبار تجارها وساستها حيث يتزعم والده الوفد فى المدينة ، ويأخذ سامى يقلب عليه الناس وبعض الشيوخ ويشيع الفرقة ويسخر من طريقته وعظته على القهاوى إذ كيف يكون واعظا يجلس على القهاوى ويحاكى الناس ، ولم يكن سامى يصادق الشيوخ إلا لكى يسألهم عن أهم القضايا الخلافية حتى يسأله عنها أمام مريديه ليحرجه ويفرقهم من حوله كما ينعم على بعضهم ليشاركوه مأربه من الشيوخ وأتباع الطرق والمذاهب .

     ولكن بعض من الناس فى شوق لما يقول ويطالبونه بالزيادة فى درسه وخطبه ، ويقترح عليهم إن كانوا يريدون المزيد أن يكون لهم مكان يخصهم غير القهوة مكان قصى لا يزعجهم فيه احد ولا يقطع عليهم درسهم احد فيجدون له المكان ويعاونوه فى بناءه ، فقد ألهب حميتهم  وأحبوا أن يعرفوا كيف يرضوا الله تبارك وتعالى ويكونوا مسلمين على حق . بعد أن افسد الانجليز حياتهم بعاداتهم وتقاليدهم وملبسهم وسلوكهم الذى اثر على أهل المدينة حتى  أن البغلاء علانية بين دورها الفقيرة ، من ذلك المكان الخاص يبدأ أول نواة صالحة يعلمهم أصول دينهم بالحسنى واللين والاحترام والتقدير، حتى انه يبدأ معهم وكأنهم لا يعرفون شيئا عن الإسلام حتى لا يتحرج من لا يعرف أمام من يعرف فهو يعمد إلى التعليم والتهذيب والإصلاح بدون تكلف ولا زيادة ولا نقصان كأنهم طلبة فى الصف الأول  ، وهو يعمل على ألا يهدم عقيدة فاسدة قبل أن يبنى عقيدة صالحة ، وتتواصل الناس معه ويصبح له جمهور كبير ومريدين يتعهدون على نبز أى خلاف حتى لا تعطلهم عن أهدافهم وتهيئة النفوس الجامحة للدعوة  ، مما يجلب له الحقد والغيرة من غيره ممن فى قلوبهم مرض.

    تتمكن الدعوة وفكره من قلوب خلصاء ستة نفر يشعرون بعد هذه التنشئة الرائعة أن جاء عليهم الدور ليقدموا شيئا فعليا للدعوة والإسلام غير الكلام ولكن بفعل بين الناس ، ويطرحون ذلك عليه  وفي صوتهم قوة ، وفي عيونهم بريق ، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم ، ويقولون : “ لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريق العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين ، ولقد سئمنا حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب . ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا ، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة من قوت أبنائنا ، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك ، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف ، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله ، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل ، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه ، وتموت في سبيله ، لا تبتغي بذلك إلا وجهه ، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عدتها . يتأثر بقولهم ولا يستطيع أن يتنصل مما طلبوا وهو ما كان يحلم به وما يدعو إليه وما يعمل من اجله ويحاول جمع الناس عليه   ، ويقول لهم علينا العمل وعلى الله النجاح . فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة . ويقول  قائلهم : بم نسمي أنفسنا؟ وهل نكون جمعية أو ناديا ، أو طريقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل الرسمي؟  فيرد عليهم : لا هذا ، ولا ذاك ، دعونا من الشكليات ومن الرسميات وليكن أول اجتماعنا وأساسه الفكرة والمعنويات والعمليات. نحن إخوة في خدمة الإسلام ، فنحن إذن” الإخوان المسلمون،  وجاءت بغتة ، وتولد أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة حول هذه الفكرة ، على هذه الصورة وبهذه التسمية.

    ويبنون أول بنيان لهم صغير متواضع ينشأ فيه أتباعه ويعلمهم منهجه حتى يشبوا مثله داعون ينشرون أصول دعوته مثله تماما ويكونوا هم طليعة الإخوان ، فيتوسع فى عمله لتتسع دعوته ويعمل على بناء دار للإخوان ومسجدا ، ويقدم نموذجا للبزل والتضحية وإخلاص النية لله ، ويعرف الناس ما يريدون فعله ،  وسرعان ما يتبرعون ليقيموا هذا البناء .

   ولكن سامى يحاربه فى مشروعه ويذهب بين الناس يشيع ويدعى أن الأخوان يدعون إلى مذهب جديد خامس وهم شباب طائش لا يحسن عملا ولا يؤتمن على مشروع لتتبرعوا له  ، لا يقصدون من وراءه غير أن ينتفعوا ويأكلوا أموال الناس بالباطل إذ يشرعون فى بناء المسجد فى الحى الذى تنتشر فيه بيوت الدعارة ، ثم يحرض الداعرات والعاهرات من انه سيقضى على مورد أرزاقهن وسيقضى على تلك الأماكن ، ولن يكون لهن عملا ، ويستطيع أن يقلبهن عليه وهن نسوة فجره وكيدهن عظيم ، ويدبرون لخلق المتاعب له بما يعرفن من خواجات وكبار القوم والمؤثرين فى المدينة  ، حتى  أن من اشتروا منه الأرض يتراجع في بيعه.

    يحاول أقناع الناس بمشروعه بعد أن أفسدهم سامى وغيرة ويأخذ يدعوهم من جديد ، ويسانده بقوة الشيخ حامد عسكرية الذى يعمل فى مشروع الوعظ والإرشاد الذى يتبناه الأزهر ، وتعود الناس تؤمن وتتبرع . ويضع حجر الأساس فى وسط سرادق كبير يدعون فيه كل الناس على اختلاف طبقاتهم وتوجهاتهم ، ويبدأ البناء فى الظهور والارتفاع .

    ويخطو بنجاح في بناء المسجد ويرتفع البناء ، وأذن بالنهاية الموفقة فاشتدت تبعاً لذلك -الدسائس والفتن من حوله ، وقام المغرضون من كل مكان يريدون الحيلولة دون تمام هذا العمل النافع ، فلم يجدوا سلاحاً إلا الدس والوشايات والعرائض المجهولة فيكتبون بهذا إلى السلطات المحلية بالإسماعيلية من البوليس والنيابة وغيرها. ولما لم يجدهم ذلك نفعاً كتبوا عريضة بتوقيع لفيف منهم  إلى رئيس الحكومة رأساً وهو إذ ذاك صدقي باشا ضمنوها أموراً غريبة منها: أن هذا المدرس شيوعي متصل بموسكو ويستمد المال من هناك لأنه يبني مسجدا وداراً ويصرف على جمعية ودعوة ولا يكلف الناس مالا فمن أين له هذا؟ وكانت بدعة الشيوعية ذنبا عظيما ، لان صدقي باشا رئيس الحكومة يحاربها أشد المحاربة ، كما يتهموه انه وفدي يعمل ضد النظام ويقول إن الانتخابات بهذه الصورة باطلة وأن دستور سنة 30 باطل كذلك ، وأنه إنما سافر إلى البحيرة لعمل دعاية ضد هذا النظام ، وأنه يتفوه ضد جلالة الملك فؤاد والي النعم بألفاظ يستحي من ذكرها، وان ملوك هذا الزمان يأخذون أموال الرعية بالباطل.

   يستدعيه الناظر وقاضي المحكمة الأهلية ووكيل النيابة ومأمور المركز ومعاون البوليس للتحقيق وان رئيس الوزراء صدقى باشا هو الذى يطلب بالتحقيق معه بناء على الشكوى المقدمة فى حقه من أهل الإسماعيلية ، ويجبهم : إذا كنا نخدع الناس بهذا الجهاد في سبيله وهذه الدعوة إلى دينه فإن محكمة الجنايات وجهنم قليل على الذين يخدعون الناس عن الدنيا بلباس الدين ، ويواصلون استجوابه كما يواصلون تحرياتهم ، وهو يستميت فى الدفاع عن نفسه ، ويستمسك بحاجته الجليلة وهدفه العظيم ، ورغم كل التهم إلا انه يقف صامدا قويا بل متحديا لان ما يقوم به هو مرضاة لله ورسوله وإخلاص لهذا الوطن الذى يريد له الخير والعزة والكرامة والتحرر من الغاصب المحتل وإحياء العقيدة فى نفوس الناس الذين اختلط عليها الأمر وبدت تضل طريق الحق والرشاد ، ومن هذه الإجابات الدالة القاطعة الصادقة يعجب به من يحقق معه ، ويستغل هذا الإعجاب ويدعوه ليرى بنفسه ويقف على حقيقة دعوته فعلا لا قولا فقط ، ويعده المحقق ، الذى سرعان ما يوفى بوعده ويذهب ويذهل مما يراه عند بنايات المسجد والمدرسة من جمع خفير من الناس وأتباع الجماعة وكبار أهل المدينة من الوجهاء والكبراء والأعيان ، ويتبارى زجالى الجماعة رغم اختلاف تعليمهم وثقافتهم يمدحونه ، ويحاصره الترحيب الحار ، ويجد أنهم مدرسة حقيقية لا ترتبط بسن ، ويجد نفسه ينفعل بحب ويقوم يخطب فيهم ، ويعلن انضمامه للإخوان المسلمين ، وتكون فرحة غامرة للجميع ، ويواصلون البناء والعلو، ولكن الغوانى يزداد رعبهن على مستقبلهن فى البغاء ويتآمرن عليه باستغلال ما يعرفن من كبار القوم والسلطان يعتمدن على الشهوات التى تزل أعناق الرجال  .

     وينتصر على الحاقدين والكارهين بعد أن أجهدوه وهددوا مشروعه ودعوته بكل أنواع السبل والحيل ، وفى هذه الظروف تأتيه والدته لتطمئن عليه بعدما سمعت وقرأت فى الصحف ما يواجهه من مصاعب ومحن وأن الدولة كلها تكاد تقف أمامه لأنه يهددها ، ومن أول رئيس الوزراء والحكومة حتى الملك نفسه الذى يهدد عرشه ، تريد أن تطمئن عليه وتكون إلى جواره حتى تمر تلك المحنة الكبيرة وهذه المؤامرة التى  تحاك ضده ، وهذا الابتلاء العظيم الذى يرزح فيه ، ويفرح بها ويسعد وتطمئن نفسه ويطمئنها أن الخطأ لا يعرف طريقه نحوه فى قوله أو فعله ، وتصدقه أمه التى تثق فيه حيث ربياه أحسن تربية وعلماه أحسن تعليم وأنشأته التنشئة الإسلامية السليمة الرشيدة وحفظاه القرءان . ويعرف بها بعض أصدقاءه فيبادرون إلى ضيافتها ، وجاءتها إحدى زوجات أعيان المدينة تدعوها على العشاء ، وتستجب لها وتذهب وتسمع صوت فتاة تقرأ القرآن بصوت جميل ، وتسأل عنها وتتعرف عليها ، فتعجب بها ، وسرعان من تعود إليه تطرح عليه انه حان الوقت لان يتم دينه ويتزوج ، وأنها وجدت له من تناسبه ، وأخبرته عن سماتها وجمالها وحلاوتها وأنها تريد أن ترى أولاده قبل أن تموت . ومن غيره لا يبر بوالدته ولا يستجيب لدعوتها وأملها ، ويذهب يخطب تلك الفتاة ، التى يرحب والدها به ويتوافقون على كل شيء ،  ولكن الكارهين والحاقدين يستكثرون عليه هذه الفرحة ، وهو الذى يرى مشروعه يكتمل فى البناء ويحتاج إلى مال كثير ، ويتلقى عرضا من شركة القنال بتبرع من المال نظير ما يقوم به من عمل يرونه خيرا فيقبله .

        يقيم الحاسدون والحاقدون الدنيا ولا يقعدونها وينشرون فى كل مكان انه يتلقى تمويلا خارجيا ، وهى تهمة عظيمة كفيلة بأن تقضى على مشروعه وسمعته ودعوته ، بل يذيدون بان الصلاة فى مثل هذا المسجد حرام ويفتى أهل الهوى من الشيوخ بذلك مما يزيد من أوار المعركة . ويهب يدافع من جديد بكل عزم يقنع الناس من أن القناة والبحر والأرض ومن يعمل فى اغلبهم من المصريين ، وعليه يكون ما تلقاه من مال هو مصرى وليس تمويلا خارجيا ، كما أن القناة تتبرع بمبلغ كبير جدا لبناء كنيسة كبيرة ولم يتكلم احد ولم يتهم القائمين عليها بنفس هذه التهمة  ولم يفتى قساوستهم بان العبد فيها حراما ، لماذا الكيل بمكيالين ؟! ويستطيع تطويق ما لحق به من دنس منهم لثقة الناس وأتباعه فيه  ، ويكتمل بناء الجامع والمدرسة ، ويشعر أن دعوته فى الإسماعيلية وتوابعها قد نضجت وحان الوقت أن ينتقل بها إلى قلب الأمة القاهرة  ثم يطلب نقله إليها  ، بعد أن اطمئن على جماعته ودعوته فى الإسماعيلية وغيرها من الشعب فى عدة مدن ومحافظات .

       فى القاهرة الكبرى قلب الأمة  التى يعود إليها مرشدا صاحب جماعة الإخوان المسلمين التى سمعوا عنها وآمن بها بعض الإتباع والمريدين .  ويريد أن يثبت أقدامه فيها ويبدأ فى نشر دعوته بعد أن انتقل المركز العام للإخوان معه إلى القاهرة ، حيث يحتاج المركز إلى مكان كبير جميل يليق باسم الجماعة ويتسع لمريديها ومن كل شعبها الذين سيجتمعون بها ، وليس معه من المال ما يكفى لإقامة هذا البناء وهذا المركز الضرورى لهم . ويتبرع بعض الأخوة ويريدون شراء قصر لأحد الأعيان يريد بيعه  ، ولكن المال لا يكفى ، والدعوة لا تزال ناشئة في القاهرة وهم في مسيس الحاجة إلى المال والإسماعيلية لا تزال تمدهم بمساعدة شهرية ، يعرض عليهم أن يروجوا للوضع السياسي القائم وهو حكومة صدقي باشا بما أرادت من دستور وانتخاب فيجيبهم بالرفض التام ، وأخفقت كل المحاولات لحمل الإخوان على هذا التأيد ، مما يخلق بوادر التأزم من هذه الوزارة له ولجماعته الفتية الناشئة ، فيتخذ من دور فى بناية يسكنها تكون مركزا عاما حتى يفتح الله له فى التوسع .

     ويجتمع الإخوان ويروا أن رسائل المرشد العام لا تفي بنشر الدعوة وتضمن أخبارها على الوجه الذي يجب أن تصل به إلى الناس عامة ، فيقرر  إصدار مجلة أسبوعية تسمى”جريدة الإخوان المسلمين”، تفاؤلاً بأنها ستكون جريدة يومية، ولكن المال لا يكفى لما يريد  حتى يتبرع احد الاخوة بجنيهين  ، ويقابل السيد محب الدين الخطيب ويعرض  عليه الفكرة وأن يكون مديراً للمجلة ، ويبتسم الرجل المؤمن المجاهد ويوافق على ذلك ، فيصدر التصريح ويبدأ الطبع ، وتظهر جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية ويحملونها بأنفسهم يوم صدورها ليوزعوها على الناس بأيديهم حتى تتسع الدعوة ويتعرف الناس على فحواها .

  كما يفكر أن يزاول الإخوان النشاط الرياضي  ، فيؤلف فرق الكشافة ، ويدرب فيها أقوى أتباع الجماعة على كل الأعمال الرياضية والعسكرية حتى يكون نواة لجيش المسلمين الذى سيواجه به الانجليز المحتلين حتى يتم تحرير البلاد ، فهو يؤمن أيمانا كاملا بتكوين الفرد المسلم  تكوينًا حقيقيًا يشمل جميع جوانبه العقَدية والفكرية والنفسية والجسدية والعبادية وأن يكون ذلك فى السر ، حتى يتحقق إصلاحُ المجتمعِ والدولةِ . ومن ناحية اخرى لا تقل أهمية فى العلن استصدر مجلة النذير ويظهر منها واضحا اتجاه الإخوان الوطني وابتداء اشتراكهم في الكفاح السياسي في الداخل والخارج ، ليوضح للناس كافة ولجميع من يعمل يهتم بمجريات الأمة المصرية ، وانه وجماعته لن يكون بعيدا عن هذا المجال أبدا وبخاصة بعد أن شبت جماعة قوية فتية لها مكانتها وسمعتها وانتشارها فى مصر ، ولها فرقها الخاصة المدربة القادرة على الفعل والجهاد بالنفس فى سبيل الوطن بالقول والفعل ، وما من فعل يعلى من شأن الوطن مهما كان فلن يتأخر الأخوان بكل ما يملكون ، ويظهر ذلك فى افتتاحية المجلة ويكتب : أيها الإخوان الإسلام عبادة وقيادة ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، وصلاة وجهاد ، وطاعة وحكم ، ومصحف وسيف ، لا ينفك واحد من هذين عن الآخر و”إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، كانت مصر يوم أن نبتت هذه الدعوة المجددة لا تملك من أمر نفسها قليلاً ولا كثيراً يحكمها الغاصبون ويستبد بأمورها المستعمرون وأبناؤها يجاهدون في سبيل استرداد حريتها والمطالبة باستقلالها ولم يخل الجو من منازعات حزبية وحزازات سياسية تذكيها مآرب شخصية ولم يشأ الإخوان المسلمون أن يزجوا بأنفسهم في هذه الميادين فيزيدوا خلاف المختلفين ويمكنوا للغاصبين ويلوثوا دعوتهم، وهي في مهدها بلون غير لونها ويظهروها للناس في صورة غير صورتها. فتقلبت الحكومات وتغيرت الدولات وهم يجاهدون مع المجاهدين ويعملون مع العاملين، منصرفين إلى ميدان مثمر منتج هو ميدان تربية الأمة وتنبيه الشعب وتغيير العرف العام وتزكية النفوس وتطهير الأرواح وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس.

      الانجليز يزعجهم خطابه ودعوته ، يخلقون مشرعا ليتآمروا على جماعته ودعوته بدعوة مضادة وذلك بإرسال الإرساليات التى تبشر بالمسحية ، ويكون عنوانها مساعدة الفقراء والأيتام والمعوزين ، وذلك بتقديم  العون المادى والمعنوى الذى به ينشرون فكرهم ، ويعرف بذلك من خلال شعب الأخوان المنتشرة فى كل مكان ، ويجتمع مع قادة الشعب ليفكروا ويتدبروا رد هذا العدوان غير الظاهر من المبشرين ، لابد من التدخل بإعانة المحتاجين والأرامل والأيتام والمعوزين بالمال والمعرفة وإعادة من ارتد إلى دينه ردا جميلا ، ولكن ذلك يحتاج إلى المال الكثير ، ويطلب منهم التبرع ، ويسارعون إلى ذلك ، وعلى كل رئيس شعبة أن يبدأ فى العمل والبحث عن هؤلاء الفئة تلك ، وتجهيز الأماكن يؤون من لا بيت له ، ومن لا عمل له ، ومن لا تعليم قد حصل عليه ، حتى يشبوا إلى حياة كريمة لا يستغلهم احد ، ويعود بمن تنصر إلى ما كان عليه من إسلام . ويكتبون إلى جلالة ملك البلاد إلى سدة صاحب الجلالة الملكية حامي حمى الدين ونصير الإسلام والمسلمين مليك مصر المفدى. يتقدم أعضاء مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين برفع أصدق آيات الولاء والإخلاص للعرش المفدى ولجلالة المليك وسمو ولي عهده المحبوب ويلجئون إلى جلالتكم راجين حماية شعبكم المخلص الأمين من عدوان المبشرين الصارخ على عقائده وأبنائه وفلذات كبده بتكفيرهم وتشريدهم وإخفائهم وتزويجهم من غير أبناء دينهم الأمر الذي حظره الإسلام وحرمه وتوعد فاعليه أشد الوعيد وقد جعلكم الله تبارك وتعالى حماة دينه والقائمين بحراسة شريعته والذائدين عن حياض سنة نبيه وقد عرف العالم كله لجلالتكم المواقف المشهورة والمشاهد المذكورة في الإستمساك بحبل الدين المتين والحرص على آدابه وشعائره، وحمايته من المعتدين عليه ونشر تعاليمه وتشجيع أهله والعناية بكتاب الله تبارك وتعالى أجزل العناية وإن مصر زعيمة الشرق ورعية الملك المسلم العادل لا تقبل أن تكون يوماً من الأيام مباءة تبشير أو موطن تكفير تستمد ذلك من غيرة مليكها وقوة إيمانها.  لهذا لجأنا إلى سدتكم العلية راجين أن يصدر أمر جلالتكم الكريم إلى حكومتكم الموفقة بالضرب على أيدي هذه الفئة وإنقاذ الأمة من شرها والوصول إلى هذه الغاية بكل وسيلة ممكنة ونعتقد أن من الوسائل الناجعة:  فرض الرقابة وسحب الرخص وأبعاد كل من يثبت انه يعمل على إفساد العقائد منع المعونات عن هذه الجمعيات .

     الانجليز يعلنون الأحكام العرفية على مصر، بعد أن  فشلوا في كسب تأييد الجماعة لها  في الحرب ضد قوات المحور ، حيث ازداد "ضغطهم  على الحكومة المصرية فى وزارة حسين سرى باشا، وكان من نتائجه أن تعطلت اجتماعات الأخوان  ، وتوقفت نشاطهم ، وتراقب  دورهم ، وتغلق صحفهم ومجلاتهم، وتمنع الجرائد جميعًا من أن تذكر اسمهم فى أية مناسبة ، أو تشير إليهم بكلمة ، بل وتغلق مطبعتهم  ، ويواصلون ضغطهم   وتضاعف الحكومة شدتها . ويتم نفيه  إلى قنا ، ولكن يقف لهم وللحكومة من يؤازره من أعضاء المجلس النيابى بعد أن  ثار الرأي العام لنفيه  ، وقامت المدن والقرى والهيئات المختلفة بإرسال البرقيات إلى الديوان الملكي ؛ للمطالبة برفع الظلم وعودة الإمام  إلى عمله ، فتعيد نقله إلى القاهرة ، ويذهب يعقد مؤتمر الأخوان فى دمنهور ويهاجم الانجليز بشراسة ، مما حدا بهم على أرغام الحكومة على اعتقاله وسرعان ما تلقى القبض عليه وبعض صحبه المهمين ، ولكن بعض أعضاء المجلس النيابى يواصلون استجواباتهم وضغطهم حتى الإفراج عنه ، ويتواصل الضغط الشعبى من هيئات الأخوان ، ويفرج عنه ومن معه . 

      حينها ينتبه إلى أهمية المجلس النيابى الذى يسن القوانين وله دور عظيم ، فيعمل على الدخول فى هذا المعترك السياسى المهم الذى سيساند الجماعة لتحقيق أهدافها فى صورة قوانين تصدر وحتى يعلم الجميع أن الجماعة لا تقف عند حدود الوعظ والإرشاد والخطابة ، ولكنها تحاول أن تشق طريقها إلى المنابر والمجتمعات الرسمية ، وأن على المؤمنين بهذه الدعوة أن يهيئوا أنفسهم لهذا الميدان ، ويعد مع جماعته الاستعداد لذلك . وسرعان ما تشكلت حكومة النحاس باشا التى تأتى بدعم وعون من الانجليز بعد أن حاصروا قصر الملك لإرغامه أن يشكل النحاس باشا الحكومة ليحقق ما يريدوه ، وقد استجاب الملك مطرا ،  ، وأقدم النحاس باشا على حل مجلس النواب ، وفتح باب الترشيح لانتخابات جديدة ويفقد الوفد الكثير من شعبيته بين الناس وفى الجامعات والمدارس وغيرها ، فى الوقت الذى تزداد فيه جماهيرية الإخوان  ، الذين يعدون عدتهم للانتخابات ويتقدم الإمام للترشح وتكتب الصحف انه سيصبح زعيم المعارضة بلا جدال ، وعلى عكس من صحف أخرى تتهمه انه ينحرف عن دعوته ويدخل المعترك السياسى ، ولكن هذه الفرحة وهذا الأمل لم يدوما طويلاً؛ فسرعان ما تبدد الأمل كأنه حلم ، فلم يكن لقوى الشر أن تسمح له باعتلاء منصة مجلس النواب ، وإبلاغ دعوتهم للعالم من فوق أعلى هيئة تشريعية في البلاد ، ولذا فقد أسرع الانجليز فى  مطالبة  النحاس  بالضغط عليهم  لإثناء الإمام  عن الترشيح بأي ثمن وإلا فسيتم إعلان الحرب عليهم  بكل وسيلة، ويحتار النحاس الذى لا يجد بدا من لقاء الإمام حتى يتم التفاهم ويفضى إليه بما عنده وما هو مأمور به ، ولكنه يرفض طلبه ويتمسك بحقه فى الترشح . فيتخذ النحاس باشا قراره بغلق جميع شعب الإخوان ، ويجاهد الإمام من اجل إعادة فتحها ، ويدخل فى مفاوضات مع النحاس باشا الذى يفرض عليه أن يبتعد عن الترشح عن الانتخابات البرلمانية مقابل فتح الشعب ، ويضطر إلى موافقته ويشترط عليه بعض الشروط مثل إلغاء البغاء ويوافق النحاس ويفتح الشعب .

    قد ازدادت شراسة الإنجليز ضده وضد الإخوان، فبعد كل ما قاموا به وجدوا أن الدعوة قد ازدادت قوية وأن الأمام عصى على الاحتواء ، وزاد عدد أنصاره حتى وسط طلبة الجامعة وربوع الشعب الذى يخرج فى التظاهر ضدهم ، ومن ثَمَّ كان لا بد من عَمَل عملٍ ينفر الناس من هذه الدعوة، فوجدوا بغيتهم أثناء تقدم روميل بأن قاموا باتهام الأخَوَان إعداد جيش للترحيب بمقدم روميل، وإحداث بلبلة وسط المجتمع ، وتسارعت الصحف تتناقل الكذبة وتلك الفرية ، ولكن صحف أخرى تتناقل أخبار المجاهدين من رجال الجماعة وهم يقاومون اليهود الغاصبين لفلسطين ، وكذلك تنشط حركة المقاومة للانجليز فى الداخل بعمليات استشهادية مؤثرة ، تصاحبها فعاليات الضغط الشعبى والسياسى والتحرك بآليات جديدة لتفعيل المقاومة الشعبية ودعم الزخم الطلابى ، وتهب المظاهرات القوية وبخاصة من طلبة الجامعة ، للتعبير عن سخطهم للوضع الذي تحياه البلاد ، من تصرفات المحتل الذي أذل العباد وانتهك أعراض الحرائر في الشوارع ، غير أن قوات البوليس- والتي كان النقراشي باشا وزيرًا للداخلية كما كان رئيس للوزراء- قامت هذه القوات بمحاصرة الطلبة فوق الكوبري ثم قامت بفتح الكوبري وهاجمت الطلبة من الجانبين مما دفع الطلبة إلى إلقاء أنفسهم في النيل فغرق كثيرا منهم غير من اعتقل ومن نال من الضرب ألوانًا ، كل ذلك إرضاء للإنجليز مما أثار غضب الطلبة واتهموه بالعمالة للإنجليز.

    ويدعو إلى مؤتمر عام لكل شعب الأخوان ، ويعلن فيه بأنه يجب على بريطانيا الاعتراف بحق مصر فى الاستقلال التام ورفع القيود الاقتصادية والتجارية عنها ، وان لا تتدخل فى شؤون السودان ، وان تعترف الأمم المتحدة بحق مصر فى ذلك . كذلك رفض أى معاهدة قبل الجلاء التام عن وادى النيل . ويرسل واحد من زعماء الأخوان إلى أمريكا أثناء عرض قضية مصر على مجلس الأمن ليرد على افتراءات الانجليز ويطالب بالجلاء التام ، ويعقد المؤتمرات الصحفية ويسد الضعف والتراجع الذى يكون عليه الوفد المصرى  الذى تأخر فى عرض قضية مصر أصلا .  فى الوقت الذى يعد فيه المجاهدين ويدربهم اعلي تدريب ، وكذلك يشترى لهم السلاح من كل صوب حتى يكونوا على تمام الجاهزية ، للقيام بعمليات نوعية ضدهم فى اى مكان ، والتواصل مع فرق المجاهدين فى فلسطين ، ويحقق المجاهدين فى الداخل والخارج عمليات جبارة موجعة للاحتلال ، مما حدا بالانجليز إلى الضغط على الملك والحكومة المصرية بحل هذه الجماعة وقتل إمامها ، وتستغل الحكومة مظاهرات الأخوان بقيادة الأمام فى جامع الأزهر والتى تهب لتأيد النقراشى باشا رئيس الحكومة نفسه ومساندته عندما يطرح القضية على مجلس الأمن ، ورغم سماح البوليس بها ، إلا أنهم اتخذوها فرصة لاغتياله ، وذلك بحصار الجامع وتفريق من يخرجون منه حتى ينفردوا به وهو آخر من يخرج  فيحاصروه بالقوة كلها راكبة الخيل وهو منفرد ، ويختطف عصا من أحد أفراد القوة وأخذ يضرب بها كل حصان علي أنفه فيرفع الحصان رجليه الخلفيتين فيهوي الجندي الذي يمتطيه علي الأرض ، وبذلك تمكن من إسقاط القوة كلها ، ويعود الأخوان  يلحقوا به من خلال هذه المنازلة البارعة والتفوا ولم تكد المظاهرة السلمية تصل إلي ميدان العتبة ، وفي مقدمتها سيارة تحمله وبعض الأعضاء حتى انطلقت الأعيرة النارية في كل صوب ، فنزل ليستطلع الخبر فإذا بعيار ناري يطلق عليه وتستقر رصاصة في ساعده . ويقرر الحج ، وتقرر الحكومة قتله هناك ، حيث يصطحب حامد جوده رئيس مجلس النواب معه بعض الخطرين ، وتستشعر الحكومة السعودية ذلك من خلال أجهزتها وتضرب حراسة شديدة عليه ، وتفشل الحكومة فى قتله مرات . ولكنها من خلال البوليس السياسى تعثر على سيارة جيب بها جميع أسرار النظام الخاص للجماعة ، وتستغلها الحكومة  التى تقرر حل جماعة الأخوان المسلمين ومصادرة أموالها وأملاكها واعتقال كل أتباعها وكل من ينتسب لها ، ويقبضون على الجميع ويغلقون كل المقرات بالقوة .

     هذه الأمور دفعت بعض شباب الأخوان في ظل غياب قادتهم  أن ينظروا إلى النقراشي على أنه خان القضية وباع البلاد وحل الجماعة  فقرروا الانتقام منه ، ويقوم الطالب عبد المجيد بالترصد له حتى يستطيع  إطلاق الرصاص عليه أمام المصعد داخل وزارة الداخلية ، وتنقلب الدنيا على الأمام والجماعة رغم أن جميعهم فى السجون والجماعة منحلة ، ولم يبق غير الأمام حرا ، وحاصروه لكى يدين هذا الحادث المفجع ، ولكنه يقول إن الجماعة لا تتحمل وزر هذا الحادث لأنها غير موجودة بحكم القانون فكيف تتحمل عمل فرد ليس لديها القدرة على محاسبته ، كما أنه يتبرأ من هذه الحادث ، ويؤثر هذا الموقف تكثيرا عظيما على شباب الجماعة الذين غضبوا من ذلك ،  ويطالب رئيس الوزراء الجديد إبراهيم عبد الهادى وهو صديق النقراشى باشا لذلك عمل على الانتقام منه ومن جماعته كلها ويذيقهم ألوان العذاب هم وذويهم ، ويطالبه أن يلتقي بأعضاء جماعته حتى يلجم حماسهم لكن الوزارة رفضت وحالت بينه وبين أعضاء الجماعة . ويبقوا عليه منفردا ، ويسحبون مسدسه ، ويجردونه من حارسه الخاص ومن سيارته ، ويعتقلون أخويه ، يضيقون عليه الخناق من كل جانب ، وهو يريد المخرج من اى كوة ، حتى يأتيه محمد اليثى رئيس جمعية الشبان المسلمين يخبره بأن الحكومة تريد استئناف المفاوضات معه ، وان مندوبا من الحكومة سيحضر إلى الجمعية ليلتقوا به ، ويوافق على التفاوض ويضرب لهم موعدا عله يجد مخرجا وينقذ الجماعة من الضياع وحلم العمر من الفناء ، ولكن ممثل الحكومة لم يحضر وطال الانتظار ، ثم يطلب منهم أن يستوقفوا له تاكسى ، وما يكاد يخرج إلى الشارع الخالى ويفتح باب التاكسى حتى تصوب الرصاصات الغادرة نحوه ، وينطلقون به إلى القصر العينى ، ولكن البوليس يضرب عليه الحصار ويمنعه من التداوى ، فيصفى دمه ويلقى مصرعه شهيدا ، ويمنعون عنه من يمشى فى جنازته ، حتى تحمله النسوة وأبوه المسن ومكرم عبيد باشا ، ويوارى الثرى .

 

 

 

 

aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2012 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

128,945