أسس الدراما
البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
الانفراجــــــــة
الانفراجة فى ابسط معانيها هى نقطة تحول
الانفراجة يقصد بها وقوع الحادثة أو الحدث بعيدا ، ولكن للبطل دخلا فى حله ، وهو الذي يسبر أغواره ، ولذلك يتسبب فى العودة من الاتجاه غير الصحيح الذى أجبر البطل على سلكه ، إلى الاتجاه الصحيح المبشر الذي يشعر منه البطل أنه اقترب من الوصول إلى هدفه وتحقيق حاجته ؛ لأنه عاد إلى الخط المستقيم والطريق السليم الذى رسمه لنفسه من البداية ، وأجبره الابتلاء على تغييره ، ومبنى أيضا على الاحتمال أو الحتمية ، وأنه يسير فى الطريق المقرب الصحيح وتكون البشارة – النجاح فى الاختبار - للبطل نفسه بنفس القدر من البشارة للمتابعين أقصد بهم نحن 0
الانفراجة هى اليسر ، هى الاستجابة من الله لتضرع البطل ، من بعد تعقيد عظيم يلاقيه ومجابهين ومصارعين اقوياء يحاصرونه جل المحاصرة وليس هناك من امل لنجاته والخروج من ورطته ، وكذلك تضرعنا نحن أيضا من أجله والذي طهرنا من السلبية والتخاذل والأنانية والجبروت وزرع بداخلنا الرحمة والرأفة والشفة والتعاون والتكافل ، إنها النعمة الكبرى والمنة العظيمة من الله الذى هو قريب مجيب من عبده المتضرع الداعى له فلا يرد دعوته ، وهو الذى لا يحتاج إلى وسيط أو دليل أو إذن ، فهو الذى لا يغفل ولا ينام ، وهو العليم بكل شيء يحدث قبل أن يحدث وسبق علمه به وكتابته فى اللوح المحفوظ ، حتى ولو كنت تكتب شيئا خياليا قصصيا أو دراميا تمثيليا .
الانفراجة فى الأغلب الأعم تأتى من الله ، وهنا يأتي دور جودة الصنع أى الحبكة عندما ألجأت البطل إلى الله ، ويعد ذلك ذروة ما تصنع ، حدث ذلك فى جميع القصص فى القرآن ، مما يحق للمؤلف عند التعقيد الكامل أن يجعل البطل يستعين بالله ، ثم يمحص المؤلف ويأتي بحدث مستحيل يبدو خياليا يقع بعيدا عن البطل , ويأتي الممكن أن يكون حل هذا الحدث بيد البطل أو على الأقل بمشاركة منه ؛ لأنه القادر على تنفيذه وجعله ممكنا هو واجد الوجود القادر على كل شيء وبيده كل شيء وأمره بين الكاف والنون ، ولذا يكون سببا فى حل العقدة ، وليس لمقيّم أو ناقد أو رقيب حق فى رفضه المؤلف أن ما أوجده خيالا ؛ لأنه إن بدا كذلك فى أوله وهو فعلا لابد أن يكون كذلك , ولكن عندما نكتشف نحن أن محققه وفاعله ومقدره هو الله أصبح حقيقة وواقعا لا خيالا0 ويثاب المؤلف على ذلك ؛ لأنه يعظم ويؤمن بشعيرة من شعائر الله , مما تعمق لدينا نحن الإيمان بالله وتعظيمه وتنزيهه وإكباره وشكره وحمده ، والاعتراف بوحدانيته وقدرته والتضرع إليه وطلب العون والمساعدة منه لا سواه ، وجميعهم نوع من العبادة التى تطهر نفوسنا من الآثام ، وتفرحنا لأننا سنثاب على ذكر الله وشكره ، فعندما تدفعنا لنقول سبحان الله من هول ما يلاقيه البطل من ظلم لم يقصد منه سوى الخير، وعندما ينجح ويتخلص من ظلم أو مصيبة نقول : الحمد لله ، قد أدينا حديثا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " [ صحيح البخارى ، كتاب الدعوات ، باب التسبيح ، رقم 5927 ] وكذلك إن ألمت بنا مصيبة لا قدر الله أن نتضرع إلى الله ، فأنت تساعدنا على الإيمان بالله0
أم سيدنا موسى التى قابلتها أكبر عقدة حيث تلد ولدها فى سنة قتل الغلمان بأمر من فرعون ويوحى الله لها لتخرج من هذه العقدة بأن تضع ولدها فى تابوت وتلقيه فى النيل ، تبعد عنه موتا محتملا لتلقى به إلى موت محقق ، فهل غرق موسى فى النيل ؟ أو هل قتل أو ذبح كما كان يذبح جنود فرعون من مثله من الغلمان أجب أنت؟ كذا سيد الخلق وحبيب الرحمن صلى الله عليه وسلم عند أشد بلاء وأعقد عقدة استعان بالله وجاءه الحل من عند الله وكشف له الذين جاءوه بالإفك , فهل نعيب على المؤلف أن يجعل بطله يتضرع وتحل عقدته وإن بدا حلها خيالا ولكنه منسوب إلى الخالق الأعظم فهل تظل خيالا؟! لا أعتقد ذلك على الإطلاق ، وإلا أين الإيمان بالله ؟!! لا عليك أيها المؤلف بمن لا يؤمن ، فليس عليك هداهم ولا الاستماع لاعتراضهم ولا الأخذ به وحسبانه رأيا 0
بداية الانفراجة: حدث يقع بعيدا عن البطل ولكنْ له دخلُ فيه ، حل هذا الفعل يتوقف على مشاركة البطل ، ولكن يظل معلقا إلى أن يتم التفكير فى الاستعانة بالبطل ليشاركهم حل ما هم فيه ويرسلون إليه يستعينون به0
ذروة الانفراجة : اهتداء من يحتاجون إلى البطل ، عن طريق أضعفهم وأقلهم مكانة وقيمة ، فهو الذى يدلهم على من يخرجهم من عقدتهم وعقدته وعقدة البطل نفسه دون أن يعرف أنه يساهم فى إخراج البطل من عقدته ، إنه الشخص الذى يقيضه الله تبارك وتعالى ليساعد الجميع ويساعد نفسه بالطبع دون أن يمتلك أى أدوات تذكر سوى معرفته بالبطل ، الذى سبق أن أحسن إليه وساعده فى مشكلة كانت تهمه ، فيذهب إلى البطل يعرض عليه المساعدة ، ولا يتأخر البطل الذى يجد فى نفسه أداة يمتاز بها ولكنها عطلت بسبب التعقيد ، فيفعلها ويستغلها بالذهاب لمساعدة من يحتاج إليه دون أن يطلب لنفسه المساعدة ، مما يكون محل إعجاب واحترام وتقدير من حل مشكلتهم وساعدهم فى الخروج من أزمتهم ، فيفكرون فى أمره وكيفية رد جميل صنعه
حل الانفراجة : يرد من ساعدهم البطل يردون له جميل صنعه بأن يقفوا إلى جواره عندما يعرفون أنه يمر بأزمة خانقة ، فيساعدونه جل المساعدة حتى يحصل على حاجته ، وبذلك يخرج من عقدته ، بل ويعود إلى خط سيره الصحيح السليم المستقيم الذى رسمه لنفسه من البداية ، ومنه يستطيع الحصول على حاجته التى يجاهد من أجلها جل المجاهدة وتمام البذل والتضحية والفداء وتحمل العناء والآلام والصبر المرير، فتكون مدعاة له لأن تسعده وتسره وتغبطه ، كما تسرنا نحن وتسعدنا وتفرحنا0 وتطمئننا على نصرة الله لنا من أنه يغفر الزلات ويقبل التوبة ويفرج الهموم مما تعمق بداخلنا الإيمان بالله ومخافته وطاعته واللجوء إليه عند أى مصيبة من الممكن أن تصيبنا وليس هنالك من ينجو منه أو يضمن السلامة فيه0
الانفراجة تكون سببا لتغيير مسار خط سير البطل نحو غايته وهدفه ويعتبر عكس الابتلاء فهو استجابة وانفراجة نحو الحل0 وتعتمد على المفارقة والاستجابة من الله نظير التضرع من المحتاجين الذين يواجهون التعقيد الصعب لدى البطل الذى لا يملك ومن يظن فيه المساعدة الذى يملك ، ويكون الحل بالانفراجة على يد الضعيف الفقير المحتاج النبيل المتواضع الذي لا يتمتع بالذكاء العادي ، حتى يعينه ذكاؤه المتواضع ويفكر فيما يراه يحدث أمامه ، وأنه بإمكانه الاستفادة منه أقلها فى صورة رفع المعاناة عن نفسه قبل غيره ، فيعرفهما ببعضهما البعض ، ويحل من لا يملك عقدة من يملك ، ومن يملك يحل بالضرورة والحتمية عقدة من لا يملك ، ومنهما يستفاد ويعز الفقير الأضعف0
فى قصة يوسف: يوسف لا يزال فى السجن وقد أغلقت جميع الأبواب فى وجهه ، فيقع حدث: الملك يرى حلما ويعجز جميع خاصته عن تفسيره ، فندرك نحن المتابعين أن الذي يستطيع تفسير الحلم هو يوسف ، ولكن من الذي سيخبر الملك أن القادر على تفسير حلمك هو يوسف ، وهنا يأتى دور الاحتمال وهو أن يتذكر الساقي يوسف وعلمه فيخبر الملك عنه، أم لا ، الساقي يخبر الملك عن أمر يوسف فيقع الاحتمال وهو أن يطلب الملك يوسف ويخرجه من السجن ، فخروج يوسف أرجعه إلى خطه المرسوم لينال المنزلة العالية0
من كتاب أسس وقواعد الدراما من القرآن
مكتبة البشاير ، الانجلو ، حراء ، المكتبة الازهرية ، الاداب ، الكيلانى
ساحة النقاش