كسر القضاء
بقلم حلمى النمنم ٧/ ٣/ ٢٠١٢
طوال الوقت كنا نعرف أن القضاء المصرى ليس مستقلاً تماماً، وهناك نضال طويل للقضاة ورجال القانون كى يتحقق الاستقلال الكامل للقضاء، وفى سنة ٢٠٠٦ كانت هناك حركة استقلال القضاء والقضاة، والتف رموز المجتمع حول هذه الحركة، وحتى هذه اللحظة لم يكتمل استقلال القضاء، ورغم هذا فنحن على يقين من نزاهة القضاء المصرى، وذلك مصدر اطمئنان لنا، فى كل معارك الصحافة والصحفيين مع رجال الاستبداد والفساد، كنا نثق فى أننا فى النهاية سنذهب إلى القضاء للفصل بنزاهة وشفافية فى هذه المعارك.
ومن الخطأ والخطر أن يتم الزج بالقضاء فى معاركنا السياسية وآخرها معركة منظمات التمويل الأجنبى، هذه معركة تضاغط بين الولايات المتحدة ومصر، وسوف يستمر هذا التضاغط ما بقيت العلاقة بين الدولتين، والولايات المتحدة هى القوة العظمى الأولى فى العالم، ومصر قوة إقليمية مؤثرة، لذا فإن الاحتكاك والتقاطع وارد بين الدولتين، والواضح أن معركة المنظمات المدنية كانت حلقة من حلقات الاحتكاك والتضاغط، وبالتأكيد دخلت مصر هذه المعركة ولها أهداف تريد تحقيقها ورسائل محددة توجهها نحو الولايات المتحدة، والولايات المتحدة من جانبها كان لديها ما تريده من مصر وتضغط عليها، وصعدت مصر وصعدت الولايات المتحدة نبرة الهجوم، حتى وصل الأمر إلى التهديد المباشر بقطع المعونة، والواضح أنه تم التوصل إلى حل ما بين الدولتين.
الخطأ المصرى - هنا- يكمن فى أمرين.. الأول أنه تم الزج بالقضاء فى هذه المعركة.. والثانى أنه تم تسويق القضية إلى الرأى العام المصرى باعتبارها قضية وطنية، فى المقام الأول، ولذا تحمست قطاعات واسعة من الرأى العام، وظهرت مبادرة الشيخ حسان وغيرها.. وفى لحظة تم تسوية المسألة.
على المستوى الوطنى حدث نوع من الإحباط الحقيقى، ولأول مرة أرى أناسا بسطاء غاضبين من المجلس العسكرى، رغم دفاعهم الدائم عنه.. ومن الخطاب الردىء القول إن المواطنين الأجانب دفعوا كفالة قدرها ٥ ملايين دولار، وكأن الكرامة الوطنية تقدر بثمن مادى، وهو فى النهاية ثمن بخس للغاية.
الواضح أن صناع القرار والسياسة فى مصر، أثاروا هذه القضية من البداية وهم يعلمون أنها مناورة سياسية وأن لديهم هدفاً ما يريدون تحقيقه، ولا مانع من ذلك فى السياسة والعلاقات الدولية. حتى الآن لم نعرف ما هى الأهداف التى كانت وراء هذه الأزمة ولا نعرف ما الذى تحقق لصناع السياسة، ما الذى أخذوه وما الذى قدموه فى لعبة التضاغط، لكن اللعب على الضمير الوطنى محفوف بالمخاطر، أما الزج بالقضاء فى معارك من هذا النوع، فهو خطأ فى التقدير وأمر معيب من البداية.. المواطنون الأجانب كان يمكن ترحيلهم من البداية، أما وأنه لم يحدث ونحن نعرف أن القضية ضعيفة قانونيا، فكان يجب الانتظار حتى يفصل القضاء فى المسألة.
الآن وضح من تنحى القاضى النزيه محمود شكرى وهيئة المحكمة أن هناك ضغوطا مورست وتمارس على القضاة وعلى القضاء، وهذا يضر بسمعة القضاء المصرى، خاصة أننا نحاكم رموز النظام السياسية، وأننا نطالب برد أموالنا المهربة، نحن نقول للعالم إن تدخلا سياسياً يعترض عمل القضاة، وإن ضغوطا تمارس عليهم لاتخاذ قرارات بعينها أو توجيه الأحكام فى طريق يراه صناع السياسة.
لقد وضع القضاء فى مأزق ولابد من تجاوزه باتخاذ خطوات صارمة وفتح هذا الملف بجرأة وشجاعة، ملف الزج بالقضاء والقضاة فى المعارك السياسية، سواء ذات الطابع الدولى أو المحلى.
اهتزت صورة وزارة الداخلية وتم كسر المؤسسة الأمنية، وحاول البعض تكرار الشىء نفسه مع القوات المسلحة، واليوم نرى الأمر نفسه مع القضاء والقضاة، وهذه المرة لم يكن هناك اضطرار ولا ضرورة لذلك، سوى الخطأ فى التقدير والحسابات.
كل الشبهات توجه الآن نحو المستشار عبدالمعز إبراهيم، والمشكلة أنه نفسه كان رئيس اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، ومن المهم التحقق من كل شىء، وأن يتحدث هذا الرجل عن دوره فى موضوع محاكمة منظمات التمويل الأجنبى.
نزاهة القضاء على المحك ومن الضرورى أن يحتفظ المواطن المصرى باطمئنانه وثقته فى القضاء المصرى، وذلك لن يتحقق إلا بفتح الملف كاملاً وبشفافية تامة.
ربما تكون مصر حققت بعض المكاسب السياسية من هذه القضية وربما تكون سجلت نقطة على الولايات المتحدة وربما.. وربما، لكن المؤكد أن الضمير الوطنى تعرض للاهتزاز العنيف وأن القضاء يجرى كسر سمعته وهيبته، ترى هل يوازى أى مكسب سياسى تلك الخسارة؟