<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

قال لي أحدهم وهو يجادلني: أنت لست حر الفكر !

قلت : لماذا ؟

قال : هل تؤمن بوجود إله ؟

قلت : نعم .

قال : وتصلي له وتصوم ؟

قلت : نعم .

قال : إذن فلست حر الفكر ! !

قلت مرة أخرى : ولماذا ؟

قال : لأنك تؤمن بخرافة لا وجود لها !

قلت : وأنتم ؟ بماذا تؤمنون ؟ من الذي خلق الكون والحياة ؟

قال : الطبيعة !

قلت : وما الطبيعة ؟ !

قال : قوة خفية ليس لها حدود ، ولكن لها مظاهر يمكن أن تدركها الحواس .

قلت : أنا أفهم أن تمنعني من الإيمان بقوة خفية لتعطيني بدلاً منها قوة محسوسة , ولكن إذا كانت المسألة قوة خفية بقوة خفية ، فلماذا تأخذ مني إلهي الذي أجد الأمن والراحة والسلام في الإيمان به ، لتعطيني بدلاً منه إلهاً آخر لا يستجيب لي ولا يسمع مني الدعاء ؟ !

*     *     *

تلك هي قضية حرية الفكر لدى التقدميين ! حرية الفكر تعني الإلحاد ! وإذ كان الإسلام لا يبيح الإلحاد ، فهو إذن لا يبيح حرية الفكر !

وتسأل هؤلاء القرود أو هؤلاء الببغاوات : ما ضرورة الإلحاد في ظلّ الإسلام ؟ !

لقد كان الإلحاد ضرورة في أوربا لأسباب محلية ليس من الضروري أن تتكرر في كل مكان . فالصورة التي أعطتها الكنيسة الأوربية للعقيدة المسيحية من جهة ، وخنق الكنيسة لحركة العلم ، وتحريق العلماء وتعذيبهم ، وفرض الخرافات والأكاذيب على الناس باسم كلمة السماء من جهة أخرى .. كل ذلك قد فرض الإلحاد فرضاً على أحرار الفكر من الأوربيين ، ومزق سائرهم بين الاتجاه البشري الطبيعي للإيمان بالله ، وبين الإيمان بالحقائق العلمية من نظرية وتجريبية .

وكانت فكرة الطبيعية مهرباً يخلص به الناس من هذا الإشكال شيئاً من الخلاص . فكأن الأوربيين يقولون للكنيسة : خذي إلهك الذي تستعبديننا باسمه ، وتفرضين علينا الإتاوات المرهقة والدكتاتورية الطاغية ، والأوهام والخرافات ، والذي يقتضينا الإيمان به أن نتنسك ونتعبد ونترهبن .. وسوف نؤمن بإله جديد ، له معظم خصائص الإله الأول ، ولكنه إله ليس له كنيسة تستعبد الناس ، وليس له عليهم التزامات خلقية أو فكرية أو مادية ، فهم في رحابه طلقاء من كل القيود .

أما نحن في الإسلام فما حاجتنا إلى الإلحاد ؟

ليس في العقيدة إشكال يحير الذهن . إله واحد هو الذي خلق الكائنات كلها وحده ، وإليه مرجعها وحده لا شريك له ولا معقب لكلماته . فكرة بسيطة واضحة لا يختلف عليها أحد ولا ينبغي أن يختلف عليها عاقل !

وليس في الإسلام " رجال دين " كالذين كانوا في أوربا : فالدين ملك للجميع . ينهلون منه ، كل على قدر ما تطيقه طبيعته ومؤهلاته الفكرية والروحية ، والجميع مسلمون " ولكل درجات مما عملوا " وأكرم الناس عند الله أتقاهم ، سواء كانت وظيفته أنه مهندس أو مدرس أو عامل أو صانع . وليس الدين حرفة من بين هذه الحرف . فالعبادات كلها تتم بغير وساطة رجال الدين . أما الجانب الفقهي والتشريعي في الإسلام فطبيعي أن يتخصص في أناس باعتباره الدستور الذي يقوم عليه الحكم . ولكن موقفهم هو موقف كل المتخصصين في الفقه الدستوري والتشريعي في كل بلد من البلاد ، لا يملكون بصفتهم هذه سلطة على الناس ولا امتيازاً " طبقياً " عليهم . وإنما هم مستشارو الدولة وفقهاؤها فحسب . والذين يسمون أنفسهم " هيئة كبار العلماء " أحرار في أن يتسموا بهذا الاسم أو غيره . ولكن ليس لهم سلطان على أحد . ولا يملكون من أمر الناس شيئاً إلا في حدود الشريعة . والأزهر معهد علمي ديني . ولكنه ليس سلطة تحرق العلماء أو تعذبهم ، وكل ما يملكه أن يطعن في فهم أحد الناس للدين ويخطِّئ رأيه . وهو حر في ذلك ، لأن الناس أيضاً يملكون أن يطعنوا في فهم رجال الأزهر للدين ويخطئوا آراءهم . لأن الدين ليس حكراً لأحد ولا هيئة ، وإنما هو لمن يحسن فهمه وتطبيقه .

وحين يقوم الحكم الإسلامي لن ينتشر " علماء الدين " في الدواوين ، ولن يتغير في نظام الحكم شيء إلا قيامه على الشريعة الإسلامية . ولكن شئون الهندسة تظل في يد المهندسين ، وشئون الطب في يد الأطباء ، وشئون الاقتصاد في يد الاقتصاديين ( على شرط أن يكون الاقتصاد الإسلامي هو الذي يحكم المجتمع ) وهكذا وهكذا في كل شئون الحكم .

وليس في العقيدة الإسلامية ولا النظام الإسلامي ما يقف في طريق العلم بنظرياته  وتطبيقاته ، ووقائع التاريخ هي الحكم في هذا الشأن . فلم نسمع بأن عالماً حرق أو عذب لأنه اكتشف حقيقة علمية . والعلم الصحيح لا يتعارض مع عقيدة المسلم في أن الله هو الذي خلق كل شيء . ولا يتعارض مع دعوة الإسلام للناس أن ينظروا في السموات والأرض ويتفكروا  في خلقها ليهتدوا إلى الله . وقد اهتدى إلى الله كثير من علماء الغرب الملحدين أنفسهم عن طريق البحث العلمي الصحيح .

أي شيء إذن في الإسلام يدعو إلى الإلحاد ؟ إلا أن تكون شهوة التقليد الأعمى للسادة المستعمرين ؟

يقولون إنهم يريدون أن يكونوا أحراراً في أن يكتبوا ضد العقائد والعبادات ، وأن يسخفوها للناس ويدعوهم إلى التحلل منها دون أن يقعوا تحت طائلة القانون .

نعم . ولكن لماذا ؟ إن هذا ليس كما يفهم الحمقى هدفاً في ذاته ، وإنما هو كان في أوربا وسيلة لهدف آخر هو تحرير الفكر من الخرافة ، وتحرير الناس من الطغيان . فإذا كانوا يملكون هذه الحرية وتلك في ظل الإيمان، فما الهدف الذي يريدون تحقيقه ؟

يريدون الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية بغير رادع ، تلك هي حقيقة المسألة . وليس الجانب الفكري إلا ستاراً يغطون به عبوديتهم للشهوات ، ثم يزعمون أنهم أحرار الفكر . وليس الإسلام مكلفاً أن يطيع العبيد وهو يدعو إلى التحرر من كل سلطان بما في ذلك سلطان الشهوات .

*     *     *

ويقولون إن نظام الحكم في الإسلام دكتاتوري بطبعه . لأن الدولة فيه تملك سلطة واسعة، ويزيد الأمر سوءاً أنها تملكها باسم الدين ، باسم شيء مقدس له على نفوس الناس سلطان . فما أسهل ما يغري هذا السلطان بالدكتاتورية ، وما أسهل ما تستنيم لها الدهماء . وبهذا تختنق حرية الرأي ، ويصبح الخارج على الحاكم عرضة للاتهام بالخروج على الدين .

فمن أين جاءوا بهذا القول الغريب على الدين ؟

أمن قول الله عزّ وجلّ : " وأمرهم شورى بينهم " ( ) ؟ وقوله : " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " ( ) .

أم من قول أبي بكر : " .. فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " ؟

أم من قول عمر : " فإن وجدتم فيّ اعوجاجاً فقوموه " فيقول له رجل من المسلمين : " والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد السيف " فيغتبط عمر ويرضى ويحمد الله على ذلك؟!

نعم وجد الطغيان باسم الدين في التاريخ ، ويمكن أن يقوم في أي وقت . ولكن من ذا الذي يقول إن الدين وحده هو ستار الطغيان في الأرض ؟ وهتلر ؟ هل كان يطغى باسم الدين؟ وستالين ؟ لقد اعترفت الصحافة الروسية ذاتها بدكتاتورية ستالين – بعد موته – وقالت إنه كان يحكم روسيا حكماً بوليسياً فظاً لا يجوز أن يتكرر ! وفرانكو ؟ ومالان في جنوب افريقيا ؟ وشان كاي شك في الصين الوطنية ؟ وماوتسي تونج في الصين الشيوعية ؟ كل هؤلاء يطغون باسم الدين ؟ ! لقد رأى هذا القرن " المتحرر " من سلطان الدين أبشع دكتاتوريات التاريخ ، بعنوانات أخرى لامعة لا تقل قداسة في نفوس أتباعها عن قداسة الدين في نفوس المؤمنين .

وما يدافع أحد عن الدكتاتورية ، وما يرضاها إنسان حر الفكر والضمير . ولكن استقامة الطبع والفكر تقتضي الإقرار بالحق الخالص دون ميل مع الهوى والشهوات . والحق أن كل معنى جميل يمكن استغلاله والتستر وراءه لقضاء المآرب الشخصية وقد ارتكبت باسم الحرية أفظع الجرائم في الثورة الفرنسية . فهل نلغي الحرية ؟ وباسم الدستور سجن الأبرياء وعذبوا وقتلوا ، فهل نلغي الدساتير ؟ وباسم الدين قام الطغيان حقاً في الأرض فهل يبرر ذلك أن نلغي الدين ؟ كان هذا يكون مطلباً معقولاً لو أن الدين في ذاته ، بتعاليمه ونظمه يؤدي إلى الظلم والطغيان . فهل يصدق ذلك على الإسلام الذي ضرب من أمثلة العدل المطلق – لا بين المسلمين وحدهم ، بل بين المسلمين وأعدائهم من المحاربين – ما أقر به حتى أولئك الأعداء في أكثر من حادث وأكثر من فترة على مدار التاريخ ؟

إنما علاج الطغيان أن ننشئ شعباً مؤمناً يقدر الحرية التي ينادي بها الدين ويحرص عليها ، فيصد الحاكم عن الظلم ، ويقف به عند حده المرسوم . ولست أحسب أن نظاماً يهدف إلى ذلك مثل النظام الذي جعل من واجب الشعب تقويم الحاكم الظالم . فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره .. ( ) " ويقول : " إن من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند إمام جائر ( ) " ..

طريقكم إذن للتحرر أيها التقدميون ليس إلغاء الدين . وإنما هو تعليم الناس هذه الروح الثائرة التي تنفر من الظلم وتقوّم الظالمين . وإنها في صميمها لروح هذا الدين

 (محمد قطب)

=====================

akramalsayed

مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 72 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2011 بواسطة akramalsayed

ساحة النقاش

اكرم السيد بخيت (الطهطاوي)

akramalsayed
ثقافي اجتماعي ديني »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

861,906