المصدر: مختارات إيرانية
بقلم:أ.د. محمد نور الدين عبدالمنعم
تستخدم كلمة "تكية" وجمعها "تكايا" فى اللغات العربية والفارسية والتركية، ويرجع البعض أصلها إلى الفعل العربى "إتكأ" بمعنى استند أو اعتمد، وهى مكان إقامة الصوفية. واتكأ فى اللغة العربية بمعنى جلس متمكنا، أو جلس وأسند ظهره أو جنبه إلى شئ. وأَتْكَأَ فلاناً أى أَجْلَسَهُ ومَكَّنَه فى مجلسه، وقد وردت هذه الكلمة فى الشعر الفارسى كثيرا فها هو الخاقانى (متوفى عام 595 هـ) يقول:
بر فضل تست تكيه اميد او از آنك پاشنده عطايى وپوشنده خطا
أى:
إن آماله تستند على فضلك وكرمك، لأنك تغدق العطايا وتستر العيوب.
ويقول الشاعر سعدى الشيرازى (متوفى عام 691 أو 694هـ):
روز بهارست خيز تا به تماشا رويم تكيه بر أيام نيست تا دير آيد بهار
أى:
اليوم يوم الربيع، فانهض لنذهب للتنزه، فلا اعتماد على الأيام حتى يعود الربيع من جديد .
ويقول أمير خسرو الدهلوى (متوفى عام 725 هـ):
مرد نه محتاج به يارى كس است همت او تكيه پشتش بس است
أى:
لا يحتاج المرء إلى مساعدة أحد، فهمته تكفى لكى تكون مسندا ومتكأ له .
وقد استخدمت الفارسية كلمة تكية فى تركيبات عدة منها على سبيل المثال الفعل المركب "تكيه كردن": أن يتكئ أو يستند، و"تكيه كاه" بمعنى المتكأ أو الملاذ أو نقطة الارتكاز، كما يطلق على الشخص الذى يقيم فى التكية إسم "تكيه نشين".
والتكية كما هو واضح هى مكان اجتماع الصوفية ومزارات مشايخهــم، وهى أيضا مكان الإقامة المؤقت لهم أثناء ترحالهم، ومكان استقبال الضيوف المجانى فى المدن التى تضم مزارات وأضرحة، أما فى إيران على وجه الخصوص فهى مكان تقام فيه مراسم التعزية الخاصة بأئمة الشيعة، وخاصة مراسم شهر المحرم. وربما يرجع السبب فى إطلاق إسم التكية على هذا المكان إلى أن المقيمين فيها كانوا يعتمدون فى حياتهم المعيشية على دخل الأوقاف والمساعدات التى يقدمها أهل الخير .
وقد استخدمت كلمة "التكية" لأول مرة فى العالم الإسلامى كمكان لإقامة الصوفية فى الدولة العثمانية، وهى تتشابه فى معناها مع أماكن أخرى كالرباط والزاوية والخانقاه والمزار وغير ذلك. وقد انتشرت تكايا الصوفية فى البلاد العثمانية منذ القرن الثامن الهجرى تقريبا، وكانت تتشابه مع بعضها بعضاً فى كونها أماكن للعبادة والاعتكاف، وذكر كثير من الزائرين لمدينة اسطنبول فى القرن الثالث عشر إلى عشرات التكايا الخاصة بالطرق البكتاشية والشاذلية والمولوية والنقشبندية وغيرها. ومن بين هذه التكايا كانت توجد للطريقة المولوية وحدها ست تكايا تقام فيها جلسات السماع أسبوعيا وينفق عليها من دخل الأوقاف الكثيرة .
وتشتمل التكية فى الدولة العثمانية على أقسام هى: "السماع خانه" أو "التوحيد خانه"، وهو مكان الذكر، و"التربة"، وهو مدفن الشيخ ويسمى أيضا "بالبقعة"، و"الحرم" وهو مكان سكن عائلة شيخ الطريقة، و"السلامليك"، وهو عبارة عن غرف استقبال الدراويش والضيوف ومحل إقامتهم، والمطبخ. ويضاف إلى ذلك أحيانا المسجد أو الزاوية الخاصة بالخلوة. وقد قام أتاتورك فى عام 1303 هـ / 1886م بالحد من أنشطة التكايا ونفوذها، فانتقل كثير من التكايا، خاصة التكايا البكتاشية إلى ألبانيــا، وما إن إستولى النظام الشيوعى على تلك البلاد إلا وقام أيضا بالحد من نشاط هذه التكايا فى ألبانيا إلى أن سقط هذا النظام وعادت التكايا إلى سابق عهدها وازدهارها منذ عام 1990.
والمعروف أن كثيرا من التكايا قد أقيمت فى البلدان العربية التى كانت خاضعة للدولة العثمانية، ومن ذلك التكية التى بناها فى دمشق السلطان سليم خلال إقامته هناك فى عام 923 هـ، وهى ذات أهمية كبيرة من الناحية المعمارية، كما شيدت زوجة السلطان سليمان القانونى فى عام 959 هـ تكايا وخصصت لها الأوقاف اللازمة للإنفاق عليها فى دمشق أيضا وغيرها من مدن الشام. وقد ازدهرت فى العراق أيضا بعض التكايا ومنها تكية البكتاشية فى النجف، وقد شيدت لاستقبال زوار مزار سيدنا على رضى الله عنه، وكذلك التكية الكبرى بجوار مزار الإمام الحسين رضى الله عنه التى كان يتولى الدراويش المقيمون فيها مسئولية إضاءة مدفن سيد الشهداء.
أما فى القاهرة فقد كانت هناك تكايا قديمة خصصت لها أوقاف كثيرة منها تكية المولوية (بنيت عام 715 - 721هـ) وتكية البكتاشية أو تكية عبدالله المغاورى (المتوفى عام 857 هـ)، وتكية الجُلشنى (الكلشنى) الخاصة بالطريقة القادرية (بنيت عام 926 - 931 هـ) والتكية السليمانية (بنيت عام 950 هـ) وغيرها. والغريب فى الأمر أن هذه التكايا الموجودة بالقاهرة كانت تخص فى الغالب المتصوفة الإيرانيين والأتراك، وتتميز التكية فى مصر عن الخانقاه بوجود مدفن للدراويش فى التكية، وكذلك وجود مسجد صغير وسبيل (سقاخانه) بجوارها .
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن التكايا فى إيران، نجد أن بعض المصادر قد تحدثت عن بناء كثير من هذه الأماكن على يد الأمير بهلول الدُنبَلى (متوفى عام 762 هـ) وأطلق عليها إسم تكايا. كما بنى مير حيدر التونى (متوفى عام 830 هـ) شيخ الطريقة الحيدرية، وهى فرع من الطريقة القلندرية، كثيرا من التكايا فى المدن المختلفة. وقد أطلق الشاه عباس الصفوى (996 هـ = 1587م) إسم "بابايى تكيه حيدر" فى أصفهان على بابا سلطان القمى المتخلص بـ"لوايى". وما أن نصل إلى العصر الصفوى فى إيران (907 - 1149هـ = 1502 - 1736م) إلا ونجد الكثير من التكايا فى أصفهان، وقد ذكر الرحالة الفرنسى شاردان أن الإيرانيين يطلقون على مكان تجمع الصوفية وخلوتهم اسم التكية، غير أن انتشار التشيع والنزاعات الطائفية وأحيانا السياسات السلبية تجاه الصوفية من قبل السلاطين الصفويين أدى إلى تخريب التكايا وتحويلها إلى أماكن للهو والفجور.
وفى العصر القاجارى أطلق على مزارات الزهاد والمشاهير بأصفهان، والتى كانت عادة موضع تجمع للصوفية والعبادة اسم التكية، كما وجدت تكايا أيضا فى بعض أحياء أصفهان التى لا توجد بها مدافن أو مزارات، ومن ذلك تكية الوالهية فى منطقة "?جهار باغ" .
وقد ازدهرت تكايا الصوفية فى شيراز حتى العصر القاجارى (1210- 1343 هـ = 1795 - 1924م) ومن جملة ذلك تكية "?ـهل تنان" (وبها أيضا مقبرة أبى إسحق الأطعمة) وتكية "هفت تنان". والغريب فى الأمر أن كلمة تكية قد أطلقت فى القرون التالية وفى العصر القاجارى حتى على قبرى الشاعرين سعدى وحافظ الشيرازيين.
ومنذ أواخر العصر الصفوى ومع رواج المذهب الشيعى وانتشاره تغير دور التكية فى إيران تدريجيا، حيث استخدمت معظم التكايا ذات الأفنية الواسعة، والتى كانت تجرى فيها مراسم السماع والرقص والدوران لإقامة مراسم التعزية فى شهر المحرم، واتضح هذا التغيير بشكل أكبر، خاصة فى المدن الرئيسية فى إيران، وقد شاع هذا الاستخدام للتكايا فى مدينة قزوين عاصمة الصفويين الأولى، وعلى عهد سلطنة الشاه طهماسب الأول (930 - 984) وأصبحت التكايا مركزاً للأنشطة الثقافية الواسعة، حيث كانت تقام فيها المناظرات الأدبية وجلسات الشعر فى بعض الأوقات، خاصة فى ليالى شهر رمضان، بالإضافة إلى احتفالات التعزية.
وكانت هذه الجلسات تعقد فى غرف التكية التى يتولى تزيينها أهل المنطقة، ويوفر لها الأثرياء الحلوى والشموع والمصابيح، وأصبحت كلمة تكية تطلق على كل مكان يشيد من أجل إقامة مراسم التعزية. وكان أوج ازدهار التكايا وانتشارها هو عصر ناصر الدين شـ(1264 - 1313هــ = 1847 - 1896م) وحتى قيام الثورة الدستورية، فقد وردت فى المصادر أسماء أكثر من خمسين تكية فى طهران وحدها. ومن أبرز تكايا طهران وأكثرها شهرة تكية السادات الأخوية التى كانوا يشعلون فيها الشموع عند ولادة الأطفال ثم يشعلون الشموع الأطول تبعا لنمو الطفل، حيث كانت حديقة هذه التكية تمتلئ كل عام بالشموع التى تتساوى فى طولها مع طول قامة الأطفال. وكذلك تكية عباس آباد أو الحاج ميرزا آغاسى التى كانت مقرا حكوميا لإقامة مراسم التعازى، وتكية عزت الدولة أخت ناصر الدين شاه التى كانت تقام فيها مراسم التعزية أيضا، وهى مخصصة للنساء.
ويستفاد من أسماء التكايا أن الذين كانوا يشيدونها عادة ما يكونوا من التجار أو جماعات من الأقاليم ممن يقطنون العاصمة، أو من الأغنياء وذوى النفوذ. وكانوا يبنون هذه الأماكن كتكايا، وأحيانا ما يبنونها لتكون سكنا لهم، ويخصصونها فيما بعد لإقامة مراسم التعزية فى شهر المحرم، ويجعلونها وقفا على التعزية وقراءة الروضة. ومن هنا كان كثير من المنازل التى يسكنها الأمراء والأعيان قد بنى بطريقة توفر المكان المناسب لإقامة التعزية، خاصة بعد أن تنصب خيمة كبيرة فى فنائها ويغطى حوض الماء الموجود فى وسطها.
أما الأماكن أو الأبنية التى كانت تشيد خصيصا لكى تكون تكايا، فإنها غالبا ما كانت تربط حيين ببعضهما على الطريق الرئيسى. وكان مبنى التكية يقسم إلى ثلاثة أقسام فى الغالب الأعم وهى: الفناء الذى كان يطلق عليه إسم "العباسية"، وفيه تقام الاحتفالات الخاصة بحضرة العباس حامل راية الإمام الحسين رضى الله عنه، والفناء المغطى ويطلق عليه إسم "الحسينية"، والغرف الخلفية التى كان يطلق عليها إسم "الزينبية". أما التكايا التى لا تقع على طرق رئيسية مثل تكية "رضا قليخان"، وتكية "سرتخت"، فقد كانت خالية طوال العام ومهملة، ولا تنظف إلا فى أيام تعزية الإمام الحسين بن على يد أصحاب الشهامة والهمة .
وقد بلغت أهمية التكايا فى إيران إلى أنها أصبحت مكانا تطرح فيه مشكلات الطوائف المختلفة بالمدينة والمشاكل الاقتصادية، بالإضافة إلى وظيفتها الأصلية، وهى إقامة المراسم والطقوس الدينية. وكان هناك طريقان للإنفاق عليها أحدهما هو ما يوفره أهالى المنطقة الموجودة بها التكية من دعم مالى وإهداء بعض الأدوات ولوازم واحتياجات الاستضافة، والثانى دخل الأوقاف والحوانيت أو الخانات.
وتوجد فى شمال طهران تكايا ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، وهى تتميز بعمارتها الفخمة، ومن بينها تكية "نياوران" ذات اللوحات التى رسمها بعض مشاهير الفنانين من أمثال محمد مدبّر، ومحمد ار?نـ?ـى، وكذلك تكية إبن الإمام قاسم "امامزاده قاسم" ورسومها الجدارية التى قام برسمها قوللر آقاسى.
وما زالت هناك تكايا متميزة من الناحية المعمارية قائمة فى إقليمى جيلان ومازندران منذ العصر القاجارى، كما تضم مدن رودسر ولاهيجان ولنكرود تكايا قديمة وجميلة كذلك. وتوجد فى مازندران تكايا ذات أربع زوايا وسقف خزفى، وأرضيتها على شكل مستطيل، ومنها تكية "مُقْرى كلا" فى بندپى بابل وتكية "كله بست پا زَوار" فى بابلسر، وتكية "فيروز كلا" فى آمل. وبعض هذه التكايا مزين برسوم زهور وحيوانات، ومن ذلك تكية "قرآن تالار" فى بابلكنار قائم شهر .
ومن الخصائص اللافتة للنظر فى تكايا مازندران وجود أبنية تسمى "سَقّانفار" بجانب بعضها، وهذا المبنى الذى يطلق عليه أيضا "ساقى نفار" أو "سقانپار" أو "سقاتالار" هو عبارة عن مبنى بسيط مربع الشكل يرتكز على قواعد خشبية، ويمكن الوصول إلى جزئه العلوى عن طريق سلم. وقد تأثر بناء الـ"سقانفارات"، الذى كان يشيد مستقلا فى بعض الأحيان عن التكايا، بالعمارة التقليدية فى مازندران، وهو يعكس الحياة الزراعية والرعوية البسيطة، وبناء على الكتابات الموجودة عليها فإن تاريخ بنائها يرجع إلى العصر القاجارى. وهذه الأبنية هى أساسا نذر لأبى الفضل العباس سقا كربلاء، وهى تعد مزارا عاما ومكانا تمد فيه موائد أبى الفضل. ومن أمثلة هذه الأبنية الهامة يمكن ذكر "سقانفار كيجا" الخاصة بتكية بابل المزينة جدرانها برسوم تضم جنودا يحملون عتادهم الحربى، وصورا من الحياة القروية، وبعض القصص الأسطورية، وزخارف نباتية وخطوطا جميلة، وأحيانا كانت تبنى "السقاخانه" (السبيل) بجوار التكايا مثل سقاخانه "مشبك جوبى" المجاورة لتكية "يالورود نور" فى مازندران. وتضم محافظة مازندران، وحدها 1135 تكية من 1807 تكايا فى البلاد.
ومن التكايا الهامة والتاريخية فى إيران أيضا تكية "پهنه" وتكية "ناسار" فى سمنان، وتكية "عزاخانه"، وتكية "وزير" فى كرمان. ومن أجمل التكايا الإيرانية وأكثرها فخامة وعظمة، خاصة من ناحية الرسوم والصور والزخــارف، تكية "معاون الملك" فى كرمانشاه. وقد أدى انتشار التكايا فى إيران إلى تسمية بعض القرى والبلدان بإسم "تكية". وقد ذكر العلامة دهخدا فى موسوعته أسماء أماكن عدة تضم أيضا كلمة تكية مثل "تكيه سپهسالار" و"تكيه جوستان"، و"تكيه ناوه" وغير ذلك، وكلها أسماء قرى داخل إيران .
وبالإضافة إلى التكايا الثابتة، فإن عددا كبيرا من التكايا المؤقتة أو المتنقلة يقام كل عام فى العشرة الأوائل من شهر المحرم فى المدن والقرى الإيرانية، ويتم إقامة هذه التكايا على جوانب الشوارع والطرقات، وتعلق على جدرانها الصور واللافتات التى تضم عبارات من الأدعية والأحاديث والمراثى. وتؤثث هذه التكايا المؤقتة تبعا لإمكانات أهالى المنطقة التى تقام فيها، ويتوافد عليها المعزون من كل حدب وصوب، ويقوم الأهالى بإكرام وفادتهم وتقديم الطعام والشراب لهم، ويدير هذه التكايا بجانب الشيوخ الشباب والفتية .
ومن التكايا الهامة داخل طهران "تكيه دولت" أو تكية الحكومة، وهى عبارة عن بناء تقام فيه طقوس التعزية ومراسم قراءة الروضة "روضة خوانى" فى أيام عاشوراء، وقد استمر بناؤها من عام 1285 هـ = 1810م وحتى عام 1290 هـ = 1873م تقريبا. وقام ببنائها دوستعلى خان معيّر الملك بأمر من ناصر الدين شاه وبنفقات تقدر بأكثر من ثلاثمائة ألف تومان. ويقع هذا البناء فى الضلع الجنوبى الشرقى من حديقة قصر "كلستان"، والجنوبى الغربى من "شمس العمارة". كان هذا المبنى مستديرا، ويصل قطره إلى نحو ستين مترا وارتفاعه إلى نحو أربعة وعشرين مترا، ويضم ثلاثة طوابق بالإضافة إلى الطابق السفلى، وتصل مساحته الإجمالية إلى نحو 2824 مترا مربعا .
وكان لتكية الدولة ثلاثة مداخل: المدخل الرئيسى والكبير فى الضلع الشرقى من التكية وهو للرجال، ومدخل الضلع الغربى وهو للنساء من ناحية ميدان "ارك"، أما المدخل الثالث فقد كان عبارة عن ممر متعرج مظلم يوصل بين القسم الخاص بمجلس الشاه فى التكية والضلع الجنوبى لقصر "?لستان"، وكان يمر فيه الشاه لدخول التكية .
وعلى جوانب صحن التكية كان يوجد عشرون غرفة (عرض كل منها سبعة أمتار ونصف المتر) ذات جدران وأعمدة مغطاة بالقيشانى، وكانت غرف الطابق الأول مخصصة للوزراء وحكام الولايات، أما غرف الطابق الثانى فقد كانت مخصصة لنساء الحرم. وكانت غرف الطابق الثالث مخصصة لقارعى الطبول ويحيط بها سياج. وتقع غرفة الشاه فى الطابق الثانى، وارتفاعها أكبر وسقفها أعلى من غيرها، ويُسدل ستار أسود على مدخلها. ويتم الدخول إلى الغرف والخروج منها عن طريق دهاليز تقع خلفها. وقد أزيل الطابق العلوى فى عهد مظفر الدين شاه (1313هـ- 1324هـ= 1895 - 1906م) عندما خُشى من سقوط المبنى .
وفى وسط صحن التكية كانت توجد مصطبة مستديرة الشكل يصل قطرها إلى تسعة أمتار ونصف المتر وارتفاعها متر واحد تقريبا، ويوجد على جانبى المصطبة سلّمان ذاتا ثلاث درجات. ويرى حول المصطبة فناء له سياج بعرض ستة أمتار تقريبا، وذلك لعبور الخيول والفرق الموسيقية، كما يوجد بالتكية منبر له عشرون درجة، كل جانب من جانبيه مصنوع من قطعة واحدة من المرمر، ويصل ارتفاعه إلى ارتفاع طابق تقريبا، وقد أُخرج هذا المنبر من التكية فى زمن الثورة الدستورية، ووضع فى ميدان المدفعية "ميدان توپخانه"، وكان يخطب من فوقه الشيخ فضل الله نورى. وعلى جوانب التكية الأربعة توجد أحواض مليئة بالماء، يقوم الفتيان بسقاية الحاضرين منها، وهم يرتدون ملابس عربية كنوع من وفاء النذور التى نذرها والديهم، كما كانت توجد مدافئ فى عدة أماكن من أجل توفير التدفئة فى فصل الشتاء. وكانت الشمعدانات تستخدم للإضاءة، بالإضافة إلى وجود ثريا كانت تضاء لفترة بالكهرباء فى وسط سقف التكية، ويزين التكية تيجان من الورود، وستائر من القماش، ومرايا، وتفرش أرضيتها بالسجاد الغالى القيمة. أما الجزء الخاص بالدراويش فكان يزين بمقاعد مغطاة بالجلد وتعلق على جدرانه الكشاكيل والأبواق والمسابح.
وقد بلغت فخامة هذه التكية الحكومية وعظمتها ومساحتها حدا جعل الشاه ورجال البلاط يدعون السياح الأجانب إلى زيارتها على الرغم من حرص الإيرانيين الشديد على عدم السماح للأجانب بحضور مراسم التعزية خوفا من ردود فعلهم غير المناسبة. وهكذا، فإنه يمكن اعتبار هذه التكية رمزا من رموز طهران فى العصر الناصرى، وقد أكد كثير من الباحثين على وجود تأثير معمارى أوروبى على بنائها، وتشابهه مع مسرح فيرونا VERONA، وقاعة ألبرت هول ALBERT HALL فى لندن، إلا أن البعض الآخر من الباحثين ينكر هذا التأثر، ويعتبر عمارتها عمارة تقليدية، إذ إن ناصر الدين شاه قد سافر إلى أوروبا لأول مرة عام 1296 هـ أى بعد بناء "تكيه دولت" .
ظلت "تكية دولت" قائمة حتى نهاية العصر القاجارى، حيث حمل إليها جثمان مظفر الدين شاه فى مراسم مهيبة، وظل بها إلى أن نقل إلى العتبات المقدسة. وفى محرم من عام 1326هـ كان محمد على شاه يذهب أيضا إلى التكية كالمعتاد، ومن أهم الأحداث التى وقعت فى هذه التكية أن المجلس التأسيسى الذى شكل فى الخامس عشر من شهر آذر عام (1304ش = 1924م) عزل أحمد شاه وعين رضا خان فى رئاسة الحكومة المؤقتة هناك، وظلت هذه التكية مهجورة لعدة سنوات بعد ذلك إلى أن تم هدمها فى عام (1325 ش = 1945م) من أجل بناء فرع للبنك الوطنى الذى شغل معظم مساحتها.
أما الـ "توحيد خانه" فيعنون بها فى اللغة الفارسية مكان إجتماع الصوفية وإقامتهم فى العصر الصفوى فى مدينة أصفهان. وتختلف التوحيد خانه عن الأماكن المشابهة لها كالخانقاه والزاوية والصومعة من ناحية الباعث على تأسيسها، وكذلك القواعد والنظم التى تطبق فيها، حيث إن السلوك الفردى للمتصوفة كان هو الدافع على تأسيس تلك الأماكن وازدهارها فى الغالب الأعم.
وأول وصف تفصيلى للتوحيد خانه نصادفه فى المصادر المختلفة هو ذلك الوصف الذى ذكره الرحالة الفرنسى شاردان فى كتاب رحلاته، حيث كان يقيم فى إيران فى أواخر سلطنة الشاه عباس الثانى الصفوى (1052 - 1077 هـ = 1642 - 1666م) وعصر الشاه سليمان (1077 - 1105هـ = 1666م - 1693م)، إذ ذكر أن الصوفية كانوا يقيمون فى أحد الشوارع التى كانت توصل إلى قصر "عالى قاپو"، وكانوا يتجمعون فى أيام الجمع فى مكان محدد فى نفس هذا الشارع ويزاولون طقوسهم.
وهناك اختلافات كثيرة حول أول من بنى توحيد خانه وتاريخ بنائها، إذ يرى البعض أن أول من بنى توحيد خانه كان الشاه إسماعيل الأول الصفوى. فى حين يرى البعض الآخر أن أول من أمر ببناء توحيد خانه كان الشاه طهماسب الثانى الصفوى (حكم من 1135 هـ إلى 1145هـ = 1722م - 1732م)، وهو الذى أطلق عليها هذا الاسم.
وخلال العصر الصفوى كانت وظيفة الإشراف على شئون صوفية التوحيد خانه من اختصاص من يطلق عليه لقب "خليفة الخلفاء"، وهو شخص يعينه الشاه إسماعيل للقيام بإرشاد المتصوفة والسالكين فى التوحيد خانه والإشراف على شئونهم.، وكان من جملة واجباته تعليم الذِكْر الجلى والخفى، وآداب الطريق، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتعيين العاملين فى التوحيد خانه، وكذلك توزيع الطعام والحلوى والشمع وتسجيل النذور.
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام2010