فى مثل هذه الأيام المباركة تتعلق أفئدة ملايين المسلمين ببيت الله الحرام لأداء فريضة الحج وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تقصد البيت العتيق فى كل عام، يأتون من كل بقاع الأرض لأداء هذه الأمنية الغالية لكل مسلم ويتابع المسلمون فى كافة أرجاء الدنيا الحج بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يكتب لهم أداءها لتتحقق لديهم أغلى الآمال وأسمى الأمنيات بحج بيت الله والطواف بالكعبة المشرفة والتى قد بناها نبى الله ابراهيم أبو الأنبياء وابنه إسماعيل امتثالاً لأمر الله.. وهكذا أصبحت الكعبة هى الدرة الغالية التى تستقبلها جموع المسلمين فى شتى بقاع الأرض فى صلواتهم ابتغاء وجه الله وحين الدعاء اليه سبحانه وتعالى، كما أن هذه الكعبة التى تتوسط المسجد الحرام صارت مركزا لعقيدة التوحيد على يد خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليه.. وقد تواترت روايات كثيرة حول بناء الكعبة وكسوتها وكلها موثقة توثيقا تاريخيا فى وجدان المؤمنين وهذا الملف يعرض لبعض من هذه الروايات.
كانت رحلة الحج قديما تحمل العديد من المخاطر و تستغرق أسابيع أو شهورا، وللتاريخ فى هذا الأمر العديد من النوادر والحكايات حول رحلات الحج خاصة التى كان يقوم بها الملوك والأمراء يحكيها ل «أكتوبر» المؤرخ إبراهيم عنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب حيث يقول: إن التاريخ سجل الاستعدادات التى حرص عليها حكام مصر فقد كانوا يقومون بتسيير قوافل الحج وسط احتفالات كبيرة، بالإضافة إلى الاهتمام بكسوة الكعبة وتقديم الهدايا والأموال لأهل مكة.
وفى القرن التاسع عشر، كانت القاهرة تحتفل بخروج المحمل فيسير الجمل الحامل للهودج وحوله وأمامه الجنود الراكبة والراجلة حتى ينتهى الموكب إلى ميدان القلعة وتطلق المدافع تحية للمحمل ثم يتابع الموكب سيره إلى العباسية حيث يتفرق الناس وينزل ركب المحمل إلى خيامهم فى فضاء بالعباسية وينصب المحمل فى وسط ساحتها ليزوره من يريد التبرك به ثم يرحل المحمل من العباسية إلى السويس على قطار خاص ومنها بحراً إلى جدة ثم إلى مكة، وعند عودة المحمل كانت الحكومة المصرية تحتفل به رسمياً، ويسير الموكب من العباسية إلى القلعة وتطلق المدافع وتحفظ كسوة المحمل بمخزن وزارة المالية، وكان من ضمن وظائف المحمل وظيفة اسمها أمين الكساوى والحلوى ويقوم بتوزيع الحلوى والكساوى التى كانت ترسل إلى أهل مكة ثم استعيض عنها بأثمانها، وكان يخرج معه موظف يسمى «مأمور الذخيرة» فى عهدته كميات كبيرة من «البقسماط» ليسد الحاجة إذا قلت الأقوات بمكة وكان للمحمل عشرون جملاً تحفظ فى مكان خاص ببولاق ويتولى شراءها موظف يدعى «شيخ الجمل»
وفى عصر الفاطميين 972م كان المحمل يتكلف مائتى ألف دينار حيث يضم كسوة الكعبة وهدايا من خيرات مصر، وكانت الكسوة ترسل مرة كل عام ثم أصبحت ترسل مرتين سنوياً ويكون خروج المحمل على ظهر جمل فى ثوب مزركش.
وفى عام 972م تأسست دار الكسوة بحى الخرنفش بالقاهرة وخصصت لها ميزانية 4550 ديناراً وتم تطويرها وتزويدها بالآلات ويعمل بها ستون من الفنيين فى الحياكة والتطريز ويحرص كبار الشخصيات على التوجه إلى دار الكسوة للمشاركة فى حياكة الكسوة ولو بغرزتين لتحل عليهم البركة.
والكسوة يتم تصنيعها من الخيوط الحريرية والقطن والمقصبات مثل المخيش وهو نوع من الخيوط السلكية الرقيقة من الفضة الخالصة أو المذهبة، وكان العمال يرتدون ملابس نظيفة ويشترط الوضوء قبل أن يلمسوا خيوط الكسوة على أن يسبق العمل ترديد جماعى لفاتحة القرآن الكريم والتكبير بصوت جهورى ثم يطلق البخور، وأمام العمال أطباق بها ماء الورد ليغسل بها العامل يده إذا ابتلت (بالعرق) أثناء العمل، وكان خروج المحمل من أرض الخفير بالعباسية حتى حى الحسين ثم إلى مكة المكرمة بصحبة «أمير الحج» بدرجة وزير.
رحلة المحمل
ويقول إبراهيم عنانى ان النفقات التى صرفت من المالية المصرية على المحمل عام 1909م بلغت خمسين ألف جنيه مصرى، بالإضافة لتكاليف الكسوة للحرمين الشريفين التى وصلت هى الأخرى خمسة آلاف جنيه مصرى.
وكان المحمل قوامه عشرون جملاً وأمامها الطبالون، وكان نصارى مصر يشاركون فى توديع المحمل، حيث كانت أرجاء سراى عابدين تمتلئ بطوائف الشعب من مسلمين ونصارى، وظلت مصر ترسل الكسوة حتى عام 1961م إلى أن قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء دار أم الجود لصناعة الكسوة وتشمل الكسوة: ثمانية أربطة تتكون من اثنين وخمسين ثوباً من القماش اللمخي، وستارة باب الكعبة، وستارة باب التوبة، وستارة باب سطح الكعبة، وكيس مفتاح الكعبة، والمحمل هو الهودج المرفوع على الجمل ويتكون المحمل من مربع خشبى ذى قمة هرمية الشكل مغطى بستر من الديباج الأسود عليه كتابة وزخارف مطرزة بالذهب يعلوه منظر للمسجد الحرام، أما فى الداخل فيوجد مصحفان أحدهما على هيئة لفائف والآخر على هيئة كتاب وكلاهما داخل صندوق من الفضة المذهبة ويرفع المحمل على جمل طويل يتم اختياره بعناية ويصبح هذا الجمل سعيد الحظ إذ يعفى بعد رحلته من العمل بقية حياته وترافق المحمل الكسوة التى كانت تأتى من القلعة إلى مسجد الحسين لتخاط أقسامها الأربعة استعداداً للرحيل وهى من الديباج الأسود الغليظ مغطاة بنقوش لآيات قرآنية منسوجة من الحرير وتأتى محملة على حمير يقودها الحمارون من الفلاحين بلباسهم الأزرق العادى ويسيرون وسط عدد هائل من المصريين، ولقد جاءوا لمشاهدة الرحلة، بعدها يأتى الحزام وهو الشريط الذى يخاط بالكسوة فيحيط الكعبة عند ثلث ارتفاعها مرفوعاً فوق لوح طويل من الخشب يحمله قرابة عشرين رجلاً ثم تأتى جماعة (البلطجية) وهى الجماعة التى تحمل البلطة لأجل تسهيل الطريق أمام الحجاج بقطع الأشجار وإقامة الحصون.
ويذكر أن الإعداد للمحمل كان يبدأ قبل موسم الحج بأربعة أشهر حيث كانت تهتم الدولة العثمانية به اهتماماً بالغاً ويكلف الباب العالى لجنة لمتابعة أمور المحمل فى الأقاليم الإسلامية وتصدر الأوامر الصارمة لولاة البلدان والأمصار لتوفير احتياجات المحمل وتأمينه لأن هيبته من هيبة الدولة.
وكان المحمل المخصص للحج له مواصفات خاصة حيث كان يبدأ بالبيرق وهو لواء مربع من الحرير يتوسطه شعار أبيض وخلف البيرق يأتى جميع الحجيج كل اثنين يركبان جملاً وعلى الجمل صندوقان من كل جهة بها الأثاث والاحتياجات الضرورية، وكما كان الجمل عظيماً فى قدرته على التحمل كان أجدادنا أكثر عظمة فلنا أن نتخيل رحلة كهذه تبدأ من القاهرة ودمشق وبغداد وكل العواصم العربية وتنتهى فى المملكة العربية السعودية ورغم أهوال السفر ومخاطره فقد تحملوا كل الصعاب والآلام عشقاً فى زيارة الديار المقدسة وكثيراً ما كانت الجمال تموت من طول مسافة السفر والإجهاد ولكن كل ذلك يهون من أجل حج بيت الله والطواف بالكعبة المشرفة 

 

المصدر: http://www.masress.com صديقة حسين نشر في أكتوبر يوم 06 - 11 - 2011
ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 135 مشاهدة
نشرت فى 27 أكتوبر 2012 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

614,352