صلحٌ (قصةٌ قصيرةٌ)
كُتب لك عمرٌ جديد، بين الطعنة والقلب نصف بوصة، قد لا تنجو في المرة القادمة!
قال الطبيب ذلك، وقد أنهى خياطة جرح نافذ في الصدر، وآخر بطول ست بوصات أعلى الذراع.
الحداد الطيب مؤذن المسجد له ولدان: الأول أزهري يعمل إمامًا بوزارة الأوقاف، الثاني عاطل؛ يتعاطى الحشيش، والبانجو، والمخدرات، جاره الأدنى لأكثر من عشرين عامًا، يعمل بالمهنة نفسها، يصلي في المسجد ذاته، له ولدان جامعيان؛ لا تكاد تسمع لهما حسًّا.
الجار الذي ضاقت به سبل العيش، بعد تسريحه من الشركة مع مئاتٍ غيره، ولم يملك ما يفتح به ورشة خاصة، لم يجد بدًّا من السفر للخارج، نصحوه بالعدول عن السفر؛ لئلا يجني المال ويخسر الأولاد، ففي هذا السن يصعب على الأم وحدها قيادهم، في غياب الأب، غامر ومر العام الأول بسلام، كان هذا ظنه، فقد سافر وولده الثاني متفوق في الثانوية العامة، بمجموع تسعيني، أخفوا عنه رسوبه في العام الأول الجامعي.
بعد شهور من سفره الثاني، نشبت مشاجرة شبابيةٌ، طَعن فيها المدمنُ ولدَ الجارِ الجامعيَّ طعنة نجلاء، وجهها في الأصل لأخيه، لولا أن وثب هذا، فتلقاها في صدره وذراعه، فزع الجميع لمرأى الدم المندفع كالنافورة. سقط المطعون مغشيَّا عليه، فر المدمن لمكان مجهول، هرعوا به إلى أقرب مشفي، تمكن الطبيب من إنقاذه، تربص الباقون للمدمن الهارب، طار الخبر لعائلة المطعون، اتصل العم بأخيه المسافر متوعدًا الفاعل.
حذره الأب المكلوم من المساس بأحد من جيرانه، طلب منه الكف عن الرد، حتى يقدم من السفر، على عجل أنهى أعماله، تنازل عن بعض مستحقاته، لقاء السماح له بالسفر، نصحه أهل الحل والعقد بالصلح؛ لئلا يؤاخذ إذا ما أضير المدمن، من قبل أحد المتربصين به؛ لا سيما وهو من أرباب السوابق، وغرماؤه كثر، تقابلا بالأحضان في صلاة الفجر، اعتذر من جاره، أكد أن ابنه ابتلاء لا قبل له به، كابتلاء نوح عليه السلام بابنه الكافر، أقسم أنه لا يغمض له جفن، عندما يحل ولده بالبيت، ويتوقع مصيبة في أي لحظة عندما يكون في الخارج.
قبل الجار عذر جاره، اتفق الجميع على الصلح، مساء الجمعة عقدت جلسة صلح، بحضور كبار المنطقة، وأهل الفريقين والجيران، تم ذبح فدية، وأعلن الأب تنازله عن ثأر ولده، جئ بالمدمن وهو مكظوم ليقبل رأس ضحيته، بهت الجميع إزاء رفض الضحية أن يمس جلده جلده، ثار لغط وهياج، كاد الزمام أن يفلت، ولكن الله سلم بتدخل بعض العقلاء.
عاد الطلبة إلى جامعاتهم، غاب المدمن تارة أخرى، طال غيابه هذه المرة، كثرت التكهنات حول سبب اختفائه.
أحمد عبد السلام_مصر