ليسانس حقوق (قصة قصيرة)

(لا تأتي المصائب فرادى) مثل فرنسي لم أكن أعيره اهتمامًا، فأنا أؤمن أن كل شيء بقدر؛ لكن صديقي سعيد متمسك بهذا المثل، لا يفتأ يردده، ويضيف أن المصائب الخاصة به شخصيًّا، تأتي جمعًا وليس أي جمع، وإنما جمع التكسير؛ الذي لا تقوم للمرء بعده قائمة.

بعد تعرضه للظلم في عمله، وتخطيه من الترقيات بلا سبب، وحيث لا ظهر له، فقد تعب بطنه من كثرة الضرب.  قرر في النهاية دراسة الحقوق؛ ليعرف ما له وما عليه، وليزيد مرتبه طبقًا للائحة الشركة، وليستفيد من الدعم المخصص للدراسة والتدريب. قوبل قراره هذا برفض رب العمل؛ المغلف في صورة نصيحة لغير وجه الله. إذ أشار عليه بصرف النظر عن الدراسة ومتاعبها، في هذا السن الكبير؛ لينال قسطه من الراحة، ويعطي لبيته حقه، وللعمل حقه. أما زملاء العمل فقد سخروا منه، واتخذوه مادة للتفكه والتندر، بينما خشي أولاده التضييق عليهم في الجامعة؛ لكنهم اطمأنوا، حين علموا أنه انتساب، ولن يواظب على الحضور، إلا لأداء الامتحانات النهائية. الوحيدة التي شجعته كانت زوجته، بل قررت الدراسة معه، لغرض في نفسها، لا يعلم إلا الله مدى العذاب الذي عاناه، حتى أصبح بينه وبين الليسانس مادة أخيرة. في اليوم السابق لامتحانها، أنهى مادة الجريمة في العاشرة مساءً، وليطمئن قلبه، عاود النظر في أسئلة العام الماضي، فوجد فيها أسئلة غريبة! اتصل بصديقه الذي كان همزة الوصل بينه وبين الكلية، فتوقف الأخير قليلًا، ثم صاح: لا تقلق، للمادة كتاب ثان بعنوان العقاب، سأوافيك به حالًا، أنهى الكتاب الجديد في منتصف الليل، ليرن هاتف صاحبه، استأذنه الأخير أن يأتيه بعد ساعة، بنسخة مصورة من كتاب ثالث بعنوان الإرهاب، أخبره زميل آخر، أنهم قرروه هذا العام لأول مرة. عكف عليه حتى صلاة الفجر، ثم صلى وغفا قليلًا، ليصحو فزعًا، ويخطف مفاتيح السيارة، ويتناول كيس القمامة، ليلقيه في الصندوق الكبير، أوقف السيارة في الشارع الشهير، وضع الكيس على ظهرها، جال ببصره يبحث عن صندوق القمامة،  فلما وجده، كان راكب إحدى الدراجات النارية، قد خطف الكيس، ومضى كالبرق، كاد يلحق به، ثم تذكر محتويات الكيس، فانفجر ضاحكًا وهو يتخيل صدمة السارق، حين يرى حفاض المحروس الصغير، ضمن الغنيمة التي ظفر بها، أوشك على الوصول للجنة، لم يجد حافظته، وبها بطاقة الكلية ورقم الجلوس، فكر في الاتصال بالبيت لموافاته بهما، حين رن الهاتف فجأة، ذعر لما رأى رقم الشركة، سمع صوت رب العمل الغاضب دائمًا، يأمره بالتوجه فورًا، لتنفيذ إعلان للشركة بعشرات الألوف، أنهى الإعلان، وضاع الامتحان. دخل الدور الثاني للمادة، ونجح، رفضوا تسليمه الشهادة، حتى يجتاز اختبارًا جديدًا في اللغة الفرنسية، اجتاز الاختبار، لم تعترف الشركة بأحقيته في زيادة الراتب؛ لأن وظيفته لا تتطلب هذا المؤهل، كما لم يسترد الدعم المقرر للدراسة؛ لأنها خارج برنامج التدريب السنوي، فكر في التقاعد، والعمل بالمحاماة، فوجيء بالرسوم الألفية للتسجيل بالنقابة، علاوة على تأثر المعاش سلبًا في حال التقاعد المبكر، كما أن فترة التدريب ستكون مجانية، باعتباره هو المستفيد بالخبرة، وليس المكتب الذي سيتولى تدريبه، واصل حياته، واشترى إطارًا مذهبًا، أحاط به الشهادة، وعلقها على الحائط خلفه.

 

       

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 68 مشاهدة
نشرت فى 14 سبتمبر 2015 بواسطة ahmed1957eg

عدد زيارات الموقع

19,361