الرئيسية رأي

رسالة إلى الرئيس من مواطن مغترب

Share on print محمد يوسف عدس 09 يوليو 2012 08:38 PM

 

كلما هَمَمْت أن أكتب ناصحا للرئيس محمد مرسى بأمور رأيت أنها حيوية لنجاح مهمته فى هذه الظروف الاستثنائية الصعبة التى يحكم فيها، كلما وجدت نفسى أتراجع متردّدا؛ يقول عقلى ولِمَ لا تفعل وأنت واحد من آلاف المصريين الذين يحملون فى صدورهم همّ مصر فى هذه المرحلة المقلقة...! ويتمنون أن تعبرها سالمة قادرة على مواصلة طريقها فى الإصلاح والنهضة. 

ولكنى أتوقف لحظات أتأمل فيها الأوضاع المحيطة بهذا الرئيس الجديد، فأشعر بحرج، أن أشارك فى هذا الطوفان من النصائح والمطالبات التى تنصبّ على رأسه كل يوم، مصحوبة بالتهديدات الخفية أحيانا والمعلنة أحيانا أخرى. 

هذا النشاط المحموم فى أكبر شطر منه له مبررات مفهومة؛ فهو ردّ فعل طبيعى لعقود طويلة من كبت الشعب وحرمانه من التعبير عن نفسه، ومن ممارسة حقه الطبيعى بالمشاركة فى صُنْعِ القرارات التى تمس وجوده وحياته؛ هذه المبالغة فى إنكار حقوق الشعب، واستبعاده من عملية اتخاذ القرارات المتعلِّقة  بمصيره، ليس مستغربا أن تولّد حافزا جماهيريا عاما فى الاتجاه المضاد، وأقصد بذلك مبالغةً مساويةً فى تأكيد الذات والحرص على ممارسة الحقوق المهدرة.. لدرجة أن عامة الناس أصبحوا يتجرأون - ليس على الاقتراب من القصر الجمهورى فحسب.. وكان هذا من أكبر المحرمات - وإنما على تسلق أسوار القصر، وإلقاء مطالبهم وشكاواهم إلى حُرّاسِه فى الداخل، على أمل أن تصل إلى يد الرئيس نفسه ليبِتّ فيها.. 

هذه الظاهرة تدل على أن الجماهير، لا تثق إلا فى شخص واحد هو  الرئيس دون سواه، ولا يمكن أن تمنح ثقتها لغيره، وأعتقد أن هذا سوف يستمر لفترة من الزمن - حتى يثبت لديها أن هناك جهات ومؤسسات فى الدولة والحكومة، لديها ما يكفى من الحساسية والتجرد، والعزيمة على إنصاف الناس ومساعدتهم فى التغلب على صعوباتهم والخروج من أزماتهم والاستجابة لمطالبهم، واسترداد حقوقهم المسلوبة.. 

بهذا الوصف تُعْتَبَرُ الظاهرة أزمة حقيقية بالنسبة للرئيس الذى لا يمكن - من الناحية العملية - أن ينظر بنفسه كل يوم فى عشرات بل مئات الآلاف من المطالب والشكاوى الفردية والفئوية، يستوعبها ويحققها ويصدر قرارات بشأنها.. تذهب لشتى الجهات والإدارات.. ثم يتابع تنفيذ قراراته، وأخيرا يتأكد من وصول الحقوق لأصحابها.. هذا مستحيل..!

ولقد أحسن الرئيس إذ أصدر قرارا بإنشاء ديوان للمظالم فى قصر الجمهورية، وأعلن عن نيته فى تعميم هذه الدواوين لتلقّى الشكاوى ومتابعتها.. ولكننا مرة أخرى نواجه مشكلة الإدارات المنفذة فى المحافظات والإدارات المحلية وأقسام الشرطة، فكلها إدارات لا تزال تنتمى - بقياداتها وبلواءاتها وممارساتها القمعية - إلى النظام البائد، ولا تشعر بأى التزام تجاه الرئيس الجديد، ولا تحترم إرادة الشعب ولا يهمها مصالحه؛ لذلك أتوقّع أن تتراخى فى تحقيق وتنفيذ قرارت الرئيس، كما أتوقع الاستهانة والسلبية فى استجابتها لمطالب ديوان المظالم، ولا أستبعد أن تتعمد  إمداده بمعلومات خاطئة للتضليل والمراوغة، وإعاقة جهود الرئيس فى تحقيق وعوده للشعب. 

وتتفاقم المشكلة مع ازدواجية السلطة العليا؛ بجود سلطة أخرى موازية ومناوئة لسلطة الرئيس، متمثلة فى المجلس العسكرى، وعدم وجود برلمان يشد من أزره ويرجّح كفته فى هذا الصراع الخفى..

أنا لم أصادف فى حياتى الطويلة ولا فى قراءاتى المستفيضة عن رئيس جمهورية فى هذه الدنيا، مثل الرئيس محمد مرسى فى حجم النصائح والمطالب، بل الأوامر التى يطرحها الناس عليه.. وكأن الجميع ينكرون عليه أن يمارس حقه الشرعى فى أن يأمر هو وأن يتوقع الاستجابة من الدولة والإدارات التى يرأسها بحكم وظيفته: ابتداء من المجلس العسكرى نزولا إلى حكومة الجنزورى وانتهاء بأبسط موظف فى الإدارات المحلية وأقسام الشرطة.. نحن إذن فى حاجة إلى حكومة جديدة غير حكومة الجنزورى، يكون ولاؤها للرئيس المنتخب، لا للمجلس العسكرى، وبالتالى يصبح ولاؤها للشعب ولثورته التى جاء هذا الرئيس لتحقيق أهدافها..  

ليسمح لى السيد الرئيس أن أقترح عليه ربما لأول مرة وآخر مرة: 

أولاً- ألا يعبأ كثيرا بالمطالبات التى تحاول بعض القوى السياسية فرضها عليه كشرط لتعاونها ومشاركتها فى الحكم.. فقد تجاوزت حدود المنطق والمعقولية.. وهى فى أكثرها تعبر عن مصالح شخصية وحزبية، وإن تسترت بمصالح الشعب وثورته.. وليس صحيحا ما يزعمه أصحابها بأنها وحدها هى وسيلة النجاة التى لا غنى عنها. 

ثانياً- أن يحزم أمره ويتوكل على الله، معتمدا على فطرته السليمة فى اختار من يتوسّم فيهم الخير والكفاءة والتجرد لخدمة الأمة. 

وليشكّل من هؤلاء الحكومة التى يثق هو فيها، والتى يعتقد أنها مستعدة وقادرة على مساعدته للخروج بالبلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية، والمعيشية الملحّة.. والمفتعلة فى معظم الأحيان..! 

ثالثا- ما أظن أن فكرة نواب الرئيس فكرة عملية أو ناجحة فى هذه المرحلة المائعة، التى تضطرب فيها القوى السياسية وتحاول قياداتها إعادة تشكيل نفسها فى أحزاب وتحالفات جديدة' وكل واحد يبحث عن موضع قدم [لا فى الخدمة] بل فى المعارضة، أو الهدم الصريح لما تم بناؤه وإنجازه، وهو يتطلع إلى انتخابات الرئاسة التالية.. ويهمّه أن يفشل الرئيس الحالى..! 

رابعا- تستطيع أن توسّع فى دائرة مستشاريك من كل التخصصات والخبرات، من المستقلين، ومن مختلف الطوائف والتيارات والقوى السياسية، واجعل للشباب - على وجه الخصوص - نصيبا متميزا فى مجموعة المستشارين.. اجمعهم واصنع منهم تنظيما قويا، ووزع عليهم تكليفات جادة واجتمع بهم اجتماعات دورية، واجعل هذه التجربة الجديدة تنمو لتصبح علامة من علامات الديمقراطية الثورية فى مصر.

خامسا- ابتعد فى اختيارك عن الشخصيات المثيرة للجدل، وعن الشخصيات التى لا تكف عن التعبير عن امتعاضها وعدم إيمانها بكل ما أثمرته الثورة وكل ما ترتب على الاستفتاء والانتخابات النيابية والرئاسية، فمثل هؤلاء لن يقتنعوا بشرعية منصبك كرئيس للجمهورية، وسوف يصعب العمل معهم أو توقّع الخير على أيديهم، إنهم أسرى لأفكارهم الخاصة ولن يقتنعوا بشىء غيرها، كما يقول المثل الشعبى: "لا يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب".

سادسا- لا أظن أنك تتوقّع الثناء ولا الشكر من أحد.. فمهما فعلت أو لم تفعل لن تنجو من النقد والهجوم؛ لن يمدحك أحد على إنجاز أونجاح حققته، ولسوف يبحثون لك عن أتفه الهفوات لتضخيمها، ومواصلة الردح والهجوم والافتراءات.. هذا قدرك ياسيدى.. وهى مسئوليتك أمام الله وأمام هذا الشعب.. ولكننى واثق أن الله لن يتخلى عنك.. ولن يتخلى عنك هذا الشعب.. والله يتولى المتقين.

[email protected]

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 9 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,371