الرئيسية مقالات اليوم

المحرضون على الانقلاب

11 Share on print طه خليفة 09 يوليو 2012 08:16 PM

 

قرار الرئيس محمد مرسى بعودة البرلمان لممارسة دوره التشريعى جاء مفاجئا، واعتبره المعارضون أنه صادم.

وكالعادة انقسمت النخبة بحدة حول القرار، أما الشعب فهو فى واد آخر حيث لم يعد مشغولا بمثل هذه القضايا إنما ما يشغله هو لقمة العيش والأمن والوظيفة، والدليل أن المصريين البسطاء يتفاعلون مع إنشاء ديوان المظالم، حيث يتقاطر الألوف منهم لتقديم شكاواهم ومظالمهم الخاصة، فضلا عن الوقفات الفئوية أمام القصر الجمهورى، لكن لا أحد منهم مستعد للخروج ليقف مع عودة البرلمان، أو مع بقائه منحلا.

من داخل النخبة نقف أمام أساتذة القانون الدستورى أصحاب الفقه والعلم فى قضية مجلس الشعب، حيث نجدهم منقسمين بحدة بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، وهو استمرار لنفس الانقسام بنفس الأسماء منذ صدور قرار المحكمة الدستورية ببطلان بعض المواد أو الفقرات فى قانون انتخابه وما ترتب عليه من قرار للمشير حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى بحله.. بل إذا وسعنا دائرة النظر فسنجد أن النخبة التى أراها أحد أسباب الأزمات المتتالية منقسمة منذ استفتاء التعديلات الدستورية فى مارس الماضى إلى اليوم وهو انقسام يلحق الضرر بمصر شعبا ودولة.

لكن الخطير جدا أن يتجاوز البعض رصانة التحليل، وتنوير الناس بالرأى المعتبر، وعرض وجهات نظرهم حتى لو كان الحق فى جانبهم فى مسألة عودة البرلمان إلى ممارسة دور المحرض الصريح للمجلس العسكرى للانقلاب على الرئيس المنتخب، بل وعزله، ومحاكمته أيضا بتهم غليظة وصلت إلى درجة الخيانة العظمى، هكذا بكل بساطة مما لم يحصل مع مبارك الذى سقط فى ثورة شعبية.. وما حدث ليلة صدور قرار الرئيس يؤكد مرة أخرى أننا لا نسير على طريق الديمقراطية، وتقبل الرأى والرأى الآخر، والنقاش البناء، والنظر للمصلحة الوطنية إنما انتهاز الفرص من جانب أهل الغرض للإمعان فى الخصومة وتصفية حسابات شخصية مع التيار الذى يعادونه، فمن الواضح أننا مازلنا أسرى أجواء الاستبداد وأن الطريق مازالت طويلة لإدارة الخلاف بطريقة ديمقراطية والخوف ألا نكون مستعدين للتغيير الحقيقى ويكون الحنين إلى الحكم الديكتاتورى هو جين وراثى يصعب علاجه لا بإصلاح هادئ ولا بثورة شعبية.. فحينما تتم الاستغاثة بالمجلس العسكرى باعتبار أنه يملك القوة على الأرض للانقلاب على الرئيس المنتخب فهذا لا يبشر بخير، فهل مع كل خلاف قانونى أو سياسى سنسمع الأصوات ذاتها تستقوى بالمؤسسة العسكرية؟، إذن ما الضرورة للانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين، كان الجيش بقى حاكما وانتهى الأمر؟.. ثم هل دور المؤسسة العسكرية هو حفظ الأمن ودرء الأخطار الخارجية أم الانقلابات والانغماس فى الشأن السياسى الداخلى على النمط التركى القديم والفاشل، وقد ثبت أن إدارة الأوضاع الداخلية هو عبء ثقيل عليها لم يكلل بالنجاح خلال عام ونصف العام من الحكم بعد الثورة؟.. والمؤسسة العسكرية ليست دولة داخل الدولة، وليست مؤسسة فوق المؤسسات، ولا ينبغى تحويلها إلى فزاعة للرئيس أو السلطة التشريعية المنتخبين إذا أصدرا ما لم يكن على هوى البعض.

استمعت فى برنامج واحد اسمه "مصر تقرر" على قناة الحياة إلى ثلاثة وهم يتنافسون فى التحريض والدعوة للانقلاب، هم: الدكتور إبراهيم درويش، والمهندس ممدوح حمزة، والخبير العسكرى اللواء حمدى بخيت، فماذا لو كنت قد تمكنت من متابعة عشرات البرامج الأخرى، الأكيد أن قائمة المحرضين ستكون طويلة.. كما قرأت تصريحات عديدة تسير فى نفس الاتجاه، استفزنى منها ما هو منسوب لأستاذ القانون الدكتور شوقى السيد أحد رجال نظام مبارك الذى عاد للظهور مع أحمد شفيق وهو يطالب المجلس العسكرى بمحاصرة القصر الجمهورى، وكذلك مجلس الشعب لمنع دخول النواب!

الجنرال بخيت منحاز بالكلية للمجلس العسكرى ولقراراته أيا كانت، فهو ضابط سابق ودوما متحمس ومستفز خلال ظهوره على الفضائيات، وأفهم أن يدعو للإطاحة بمرسى فهو عسكرى قلبا وقالبا حتى لو خلع البذلة العسكرية، والعسكر بطبيعتهم لم يتدربوا على الديمقراطية وتعارض الآراء، إنما على السمع والطاعة وهذا لا يصلح عندما ينخرطون فى الشأن السياسى.

وألاحظ دوما أن الجنرالات الذين خرجوا من الخدمة وتحولوا إلى خبراء ما زالوا يحتفظون بعقليتهم العسكرية رغم أنهم يمارسون حياتهم المدنية وتحللوا من القيود الانضباطية العسكرية، كما ألاحظ ذلك أيضا مع لواءات الشرطة السابقين حيث لم أستمع لواحد منهم ينتقد ولو على خفيف سلوك بعض العناصر أو تجاوزاتها ولو بالنصيحة بل هم فى موقف الدفاع الدائم عن الشرطة البريئة.

ممدوح حمزة بطريقته الرعناء تجاوز كل الحدود فى دعوته الانقلابية التى يمكن أن تضعه تحت طائلة المحاسبة، حيث طالب قادة وضباط الأفرع الرئيسية بالجيش بالانقلاب المزدوج على المجلس العسكرى الذى يتهمه بالتقاعس وعلى الرئيس فى نفس الوقت، هذا واحد من ثوار التحرير يتجاوز كل المحرمات والخطوط الحمراء ليكون فوضويا مدمرا بدل أن يقدم نموذجا فى الخلاف الديمقراطى الحر.

لكن المشكلة فى إبراهيم درويش الذى يعتبر أن قرار مرسى كارثة على مصر أكبر من كارثة 67، تصوروا إلى أى مدى يصل فقيه دستورى فى التوصيف الذى ينضح بالخصومة والشخصنة، ولذلك يطالب المجلس العسكرى بالانقلاب على الرئيس، ويعلن بوضوح أنه حاول الاتصال بالأعضاء الذين يعرفهم فى المجلس العسكرى ليدفعهم لاتخاذ قرار واضح - أى التحريض على الانقلاب - لكنهم لم يردوا عليه!

درويش يضع نفسه فى خدمة المجلس العسكرى، ويقال إنه هو الذى وضع الإعلان الدستورى المكمل وهو يشن هجوما لا يتوقف على المؤسسات المنتخبة لأن غالبيتها من لون سياسى يختلف معه وهذا هو الخطير عندما يخلط هو وتهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية بين دوريهما القانونى والقضائى - الذى يجب أن يكون منزها عن الهوى - بموقفيهما السياسى، وهو أمر شبيه بالخلط الفج للدين فى السياسة فتكون النتيجة - فى الحالتين - إفساداً لهما وإشعال حرائق.

على كل، ما يجرى فى مصر اليوم هو حلقة جديدة من حلقات الفوضى التى تضرب البلاد منذ الثورة. لا أحد يفهم شيئا فى أى شىء، ولا أحد متفق مع أحد على أى شىء.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 158 مشاهدة
نشرت فى 9 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,366