8 د. هشام الحمامى 23 يونيو 2012 07:18 PM

 

ثمة خيط ممدود موصول بين خروج الحملة الفرنسية 1801م إلى تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد فى 2011م هذا الخيط يمر بنفاذ فى قلب المؤسسة العسكرية العريقة.. تلاقت فيه وتصارعت إرادات وأهداف وغايات.

ومع كل التأكيد على الثقة الكبيرة فى الجيش العظيم إلا أنه لفت نظرى تكرار موقف يكاد يستنسخ نفسه فى النتيجة، وإن تنوعت مقدماته وأسبابه.. هذا الموقف يتمثل فى أن كل مكسب سياسى حققه الجيش باتجاه السلطة والحكم جاء على أثر شقاق وصراع بين الإسلاميين.. علماء كانوا أم ومفكرين أم حركيين..

خذ مثلا الشقاق الممدود بين عمر مكرم وأنصاره وبين العلماء(الشيخ المهدى والشيخ الدواخلى وغيرهم..) 1803م وهو الشقاق الذى سار فيه العسكرى الأول( محمد على) بدهاء تاريخى مشهود فكان أن انتصر على الجميع وانفرد بالسلطة تمامًا وسخر الجميع لخدمة طموحه الشخصى الذى امتزج بطموحه الإستراتيجى لأمته.. فنجح فيما نجح وأخفق فيما أخفق.. وبقيت تلك العبرة للمعتبرين بالتاريخ: الشقاق والصراع والغل والحسد بين الإسلاميين الذين كانوا وقتها علماء وشيوخًا. 

بعد حركة عرابى1882م، وإلى العام 1952م استقرت العلاقة بين الجيش والسلطة السياسية والشعب على نحو هادئ فالبلاد كانت محتلة وإسرائيل سكنت فى السويداء من قلب الأمة.. وكان طبيعيًا أن يتأثر الجيش بما يفور ويمور من حوله فامتلأ بالتنظيمات التى سرعان ما وجدت لها أنصارًا من كل الاتجاهات.. وانتهى الأمر إلى ما نعلمه جميعًا من الحركة العسكرية، التى قامت ليلة 23يوليو.

كان المجتمع المصرى وقتها يعيش السياسة بشكل جيد، وإن لم يكن ممتازًا.. لكنه كان عامرا بالأحزاب والساسة الكبار ورجال وفقهاء القانون والدستور العمالقة أمثال السنهورى وسليمان حافظ وفتحى رضوان، وأيضًا أركان الدولة الذين خبروا العمل السياسى داخل وخارج السلطة..

مجلس قيادة الثورة لم يكن شيئًا.. حتى نصح الرئيس السورى (أديب الشيشكلى) البكباشى جمال عبد الناصر بأن يضمن الجيش.. ففعل الأفاعيل ليسلمه لصديق عمره الحميم عبد الحكيم عامر، وبعد أن حقق مراده تخلص من الجميع..

ولم يبق أمامه إلا التنظيم الشعبى العريض(الإخوان المسلمون) الذى اعتراه_بعد استشهاد الأستاذ البنا_ ما اعترى الإسلاميين وقت(محمد على)من شقاق وصراع وغل وحسد فكانت الفرصة التاريخية لعبد الناصر والجيش بقياداته الجديدة، التى انتقاها عبد الحكيم عامر حسب الولاء والثقة. 

فسار فى نفس الطريق المشقوق الذى سار فيه عسكرى مصر الأول(محمد على).. وجاءته فرصته التاريخية بذلك الخلاف المريرين قيادات التنظيم الشعبى العريض الذى كان يتحسب له عبد الناصر ألف حساب. 

فكان أن تمكن منهم جميعًا.. وبعد أن قطع الأوصال التنظيمية بينهم حاول أن يضمنهم مشروعه كأفراد.. فوافق البعض ورفض البعض وسارت عجلة التاريخ فى طريق معتم معوج ملىء بالإخفاقات.

وبقيت نفس العبرة للمعتبرين بالتاريخ: الشقاق والصراع والغل والحسد بين الإسلاميين مفكرين وحركيين وعلماء.

بعد تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد فى 2011م.. كان يدرك أن طرف الخيط الذى بدأ بعسكرى مصر الأول(محمد على) ومربـ "إبراهيم باشا" وعرابى وعبد الناصر والسادات ومبارك قد استقر الآن فى يده.. وأن عقيدته الإستراتيجية تفرض عليه عبأ كبيرًا نحو الحفاظ على الوطن ومصالحه العليا ومستقبله.. 

نعلم جميعا أن الجيوش فى كل العالم (كتنظيمات عقائدية مغلقة) لديها نفس الشعور المتسامى نحو الذات المتشكك نحو الآخرين. 

على أن الأمر ليس بهذه المثالية المفرطة فى كل أحواله فهناك مصالح عميقة تتعلق بمكتسبات تاريخية تراها الأعين وتتناقلها الألسن. 

إن يكن من أمر فقد اشتاقت الحالة التاريخية (إياها) إلى أن تتمثل فى الوجود.. (حالة الغل والحسد والصراع والشقاق). 

وبدأت الأمور تسفر عن واقع ضيق يشير إلى أنه ليس هناك فى الوطن إلا الإسلاميون والجيش.. والباقون كانوا على حالتهم القديمة التى شرذمهم عليها عبد الناصر.. يساريون وليبراليون ووفد.. أما المصريون العاديون فقد أصبحوا كأصحاب كهف فى عميق سبات.

وسرعان ما بدأت مسارات الشقاق تمتد طولا وعرضًا لدى الإسلاميين.

فها هو التيار السلفى يغادر مواقعه الأولى اللا سياسية واللا حزبية.. وإذا به يغطس فى بحر السياسة السحيق متحصنا بالمفاهيم الإيمانية تجاه النصوص ودلالة الألفاظ فى الأمر والنهى. 

وإذا (بالإدارة الحالية المؤقتة) للتيار الإسلامى العريض تحدث صدعا كبيرا بموقفها المروع من أحد أبنائه، الذى ترشح للرئاسة.. وإذا بأحدهم يتبدى على صفحة التاريخ كأنه (جلمود صخر حط على سهل).. فيدعو مجلس الشورى(لاستصدار) قرار بالترشح للرئاسة.. ظاهره تغير الموقف السياسى وباطنه حرمان(أبو الفتوح) مما بات قريبًا منه!!

 فيرفض مجلس الشورى مرتين ويوافق(مرغمًا) فى الثالثة فى سابقه (عددية) غير مسبوقة فى تاريخ الهيئات والمؤسسات لمداولة قرار بعينة. (فى أى موضع من قيعان التاريخ سيوضع هذا المشهد؟)

وإذا بنا جميعًا أمام مشهد الرئاسة الحزين المخجل، والذى بدا فيه كيان الإسلاميين مليئا بالشقاقات والصراعات والغل والحسد..

فإلى من نسوم عتابنا.. وقد أخطأ الجميع فى حقنا؟

على أن طبيعتى تتأبى على اليأس والقنوط والعياذ بالله.. وأرى فى الدكتور مرسى رمزًا قديرًا إن شاء الله.. ولعل الحملة أظهرت له كم كان رجال حملته وغيرهم بالآلاف داخل مصر وخارجها من أهل (الصمت المدوى) يمثلون(روحا جديدة) فى التيار الإسلامى العريض ملىء بالنقاء والصفاء والتصالح والقدرة والحرفية..

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 97 مشاهدة
نشرت فى 24 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,689