محمد يوسف عدس
22
إبريل
2012
07:21 PM

 

 

أكاد أجزم أن ترشيح عمر سليمان لانتخابات الرئاسة ثم سحبه، لم يكن صدفة، وإنما هى لعبة قُصد بها تحقيق هدفين على الأقل: الأول- إشاعة مزيد من الاضطراب فى المشهد السياسى.. والثانى استبعاد أكثر المرشحين الإسلاميين شعبية وأكبرهم حظًا فى النجاح؛ وأعنى بهما حازم أبو إسماعيل وخيرت الشاطر، فى حزمة واحدة مع عمر سليمان.. ويأتى فى هذا السياق أيضًا التلويح بتعليق انتخابات الرئاسة حتى يتم وضع الدستور، وقد أصبح واضحًا أن دون ذلك عقبات، ستعيد الأوضاع كلها إلى نقطة الصفر، لنبدأ بالجدل مرة أخرى حول تشكيل اللجنة الدستورية.

هى إذن لعبة موصوفة لإطالة فترة المرحلة الانتقالية، وبقاء المجلس العسكرى فى السلطة؛ بكل مايعنيه هذا من وقف الحال، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وفقدان الأمن، وتعميق حالة اليأس والغضب لدى الجماهير، فإذا سألتنى مَنْ صاحب هذه  الوصفة..؟ أقول لك إنها تحمل بصمة خبراء علم النفس السياسى الأمريكيين: فهم يعلمون أن طاقة الغضب العارم مع اليأس المقنط، يمكن أن تنقلب لتدمير الذات، إذا عجزت عن تدمير العدوّ الخارجى.. بمعنى: أن تتحول إلى صراعِ عُنْفٍ أعمى بين أحزاب ضد أحزاب، وطوائف ضد طوائف أخرى، وجماعات ضد جماعات.. والأمر يحتاج إلى شرح قد نتطرّق إليه فى مقال مستقل.. فلنعد إلى لعبة ترشيح عمر سليمان للرئاسة..

لا بد أن نفهم أن هذا الرجل الذى أسقطه الشعب فى ثورته يستحيل أن يحظى بثقة الشعب أبدًا.. وليس هناك وطنى عاقل يتصور أن يفوز فى أى انتخابات حرة، فلن يصوِّت له إلا الفلول من أعداء الثورة، والذين نهبوا مصر وأفسدوها، والذين تربّحوا واستعْلَوْا فى ظل ديكتاتورية النظام السابق.. والذين ترتعد فرائصهم من استكمال المؤسسات الديمقراطية، خوفًا من يوم الحساب العسير.. وحتى لو أضيف إليهم فئات أخرى ونخب، تكره – بحكم انتماءاتها الطائفية والأيديولوجية - أى توجّه إسلامى، فهؤلاء جميعًا لا يمكن أن يشكلوا أغلبية تستطيع أن تحمل عمر سليمان إلى مقعد الرئاسة، فى إطار أى انتخابات حرة..  فعلى أسوأ الفروض ستهتز معادلة الأقلية (العشرين مئوية) فى مقابل الأغلبية (السبعين فى المائة) بعض الشىء.. ولكن الذى سيقرر مصيره هم جماهير الشعب الذين يكنّون لهُ كراهية شديدة.. وهم الذين سيقفون حائلاً بينه وبين الوصول إلى مقعد الرئاسة.. إلا بعملية تزوير فاجرة.. وأعتقد أن حدوث هذا دونه أنهار من الدماء...!

والذين يصوّرون للناس أن اعتراض الإسلاميين على ترشيح سليمان، وغيره من فلول النظام السابق هو انصراف الشعب عنهم أو خوفهم من هزيمة مرشحيهم - إنما يقومون بعملية تضليل، مصدرها خيال مسكون بهواجس وأهواء ومصالح أنانية من كل لون.. وما كان للإسلاميين وقد حمّلهم الشعب الدفاع عن مكتسبات ثورته ومصالحه أن يقفوا مكتوفى الأيدى.. فمجرد السماح بترشح هؤلاء يوحى بأن هناك فى قمة السلطة من يريد ضرب الثورة واستعداده لتزوير الانتخابات.. ومن ثم ليس على الإسلاميين وحدهم يقع واجب التصدّى لهذه الفتنة العمياء، ولكنه واجب كل الشرفاء والأحرار من أبناء مصر..

فتعالى معى نتفحص كلام الرجل الذى صرح فيه قائلا: لقد قررت خوض الانتخابات استجابة لمطالب شعبية ملحّة لمواجهة نفوذ الإسلاميين..."، إلى آخر هذا الكلام المنشور فى كل الصحف، إنه يكشف عن مكنوناته، وعن حقيقة مزاعمه وتناقضاته:

أولاً- بالنسبة لزعمه بأن الشعب استدعاه لمواجهة نفوذ الإسلاميين...! نسأل: أى شعب هذا الذى يمكن أن يدعو جلاده ليحكمه..؟! هل يتحدث الرجل حقًا عن الشعب المصرى، أم عن بضعة آلاف من الفلول والمستأجرين والبلطجية الذين لا يتمتعون بأى حسٍّ وطنى..؟

ثانيًا- أليس هذا الشعب هو الذى استجاب لخيارات الإسلاميين فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية..؟ وأليس هو نفسه الذى انتخبهم فى مجلس الشعب.. ثم فى مجلس الشورى..؟! وقد امتدت هذه التجربة لفترة زمنية طويلة لم يهدأ فيها القصف الإعلامى ضد الإسلاميين، ومع ذلك ظل تمسّك الشعب بهم على طول الطريق..؟؟ فهل كان الشعب نائمًا حتى وهو واقف فى الطوابير ساعات طويلة ليدلى بصوته، ويتحرى أن يكون للإسلاميين دون غيرهم..؟ هل يتحدث سليمان عن شعب مصر الثورة الذى لم يجد سواه لينقذه من الإسلاميين..! وهل يمكن أن يستنجد بهذا الرجل بالذات..؟! أقول مع الشاعر العربى القديم: "لقد هزلت - حـتّى بدا من هـزالـهـا - كـِلاها - وحـتّى سـامهـا كـلُّ مُـفْـلِسٍ"..

ثالثًا- تأمّل بإمعان عبارة الرجل: "تأثرت بأن مصر ذاهبة إلى قيادة لها شكل يختلف عما كانت..."، ألا تكشف لك هذه العبارة أن الرجل لا يستطيع أن يفهم، ولا أن يقتنع إلا بشكل ونوع القيادة التى اعتاد عليها ثلاثين عامًا، فى ظل الديكتاتورية التى تشرّبها، والتى وضعت هواها ومصالحها مع أعداء مصر فى الخارج..؟ ولا شك أنه من هذه الخلفية نفسها يستمد مقاييسه عندما يحكم على الإسلاميّين بأنهم لا يملكون كوادر صالحة  للقيادة..! وأنا هنا لا أملك إلا الموافقة، إذ يستحيل على أى جماعة وطنية مخلصة أن تعيد إنتاج صورة أخرى من قيادات الفساد والنهب والعمالة للأجنبى..

رابعًا - انظر إليه وهو يجيب على سؤال يتعلق بتحجيم دور الجيش فى السياسة.. فإذا به يهرب من الإجابة ويقول: لا يمكن للشعب أن يطلب من الجيش أن يكفّ عن الدفاع عن البلد، فمن الذى طلب أو فكر فى أن يكفّ الجيش عن الدفاع عن البلد..؟ وهل للجيش وظيفة أخرى غير الدفاع...؟! وهل يستطيع الرجل أن يفهم أن هذه الوظيفة – فى الدول الديمقراطية - لا تمنح للجيش صكًا يسمح له بحشر أنفه فى كل أزمة تحدث فى الدولة..؟ هذه عقلية "كيم إلْ سونج" والقذافى وبشار الأسد، وغيرهم من الطغاة، الذين يتعاملون مع شعوبهم بلغة الدبابات والمدافع.. وإراقة الدماء، وتعذيب المعارضين فى زنزانات الأمن والمخابرات..  لقد فضح الرجل نفسه بتصريحاته، ولم يفلح ذكاؤه الاستخباراتى فى إخفاء دوافعه وقناعاته الحقيقية.. تمامًا كما فضحته تصريحات أصدقائه فى الكيان الصهيونى، الذين عبّروا عن مشاعر البهجة بترشح كنزهم الاستراتيجى الثانى، واحتفت به الصديقة الأمريكية؛ وهكذا تجد تطابقًا مذهلاً بين أفكار الثالوث: سليمان وأمريكا والكيان الصهيونى.. ولكن هناك ضلع رابع مكمل لمربع أعداء الثورة وأعداء الديمقراطية الوليدة فى مصر، وأقصد بهم أدعياء الفكر والثقافة، المنتشرين فى الصحافة وأجهزة الإعلام الرسمى والمرتزق؛ فهؤلاء جميعًا يشتركون فى نفس الأفكار والمعتقدات.. والأهداف، تتعدد الصور والوجوه والحيل والأساليب، ويبقى الهدف واحدًا لا يتغير.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

306,225