صلاح فتحى هَلَل   |  21-01-2012 15:32

نقلنا قبل هذا من نصوص العلماء ما يدل على أنّ الحق واحدٌ لا يتعدد، وقد قال بهذا جماعات أهل العلم قديمًا وحديثًا؛ منهم: الغزالى، والرازى، والشاطبي، وابن القيم، وابن كثير، ومحمد رشيد رضا، وابن عاشور، والألبانى.

ونقل الشيخ محمد رشيد رضا [«تفسيره» (2/207)] عن الشيخ محمد عبده قوله: «هذه الآيات حُجَّةٌ لعلماء الأصول القائلين بأنَّ الحق واحدٌ لا يتعدَّد» أهـ.

ويقول الشيخ الشعراوى [«تفسيره» (2/1062)]: «لا يوجد فى الوجود حقان، فالحق واحد، فلا يقولن أحد: إنه على حق وخصمه على حق. لا، إن هناك حقًّا واحدًا فقط»أهـ. وقال (19/11744): «فلا يوجد فى الشىء الواحد حقَّان، فإِنْ كان أحدهما هو الحق فغيره هو الباطل، فالحق واحد ومقابله الباطل»أهـ.

وقال الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق [«تفسيره» (5/222)]: «الحق واحد، والباطل ما خالفه وهو كثير فيشمل الأديان الباطلة، والبدع الفاسدة، والشبهات الزائفة، والفرق الضالة وغيرها»أهـ.

ولا يُعكِّر على هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم، وسكوتهم على المعتبر منه؛ فهنا أمورٌ لابد مِن معرفتها: أولها: الحق وهو واحدٌ لا يتعدد، فإما صواب وإما خطأ، وثانيها: طريق الوصول للحق فلابد أنْ يُبنى على قواعد معتبرة سليمة، وثالثها: محل الاختلاف المعتبر وهو الاجتهاديَّات التى تتنازع فيها الأنظار لعدم وجود النص، أو خفاء دلالته على المقصود، ورابعها: ثمرة الاختلاف فيُنكر على المخالف فى القطعيات، ولا يُنكر عليه فى الاجتهاديَّات.

وسكوتُ العلماء على بعض الخلاف لا يُخرجه عن دائرة الخطأ والصواب، وإنما حسبه أن يكون خلافًا لا يُنْكَر فيه على المخالف؛ لوجود حظٍّ مِن النظر والاعتبار لخلافه، فالسكوت عن الإنكار لا يجعل جميع الأقوال المختلفة حقًّا فى وقتٍ واحدٍ؛ لأنَّ الحقَّ والباطل، أو الصواب والخطأ، لا يجتمعان فى شيء واحدٍ؛ وإنما حصل السكوت لفقدان الدليل القاطع بالصواب يقينًا، فالسكوت هنا مجرَّد توقُّفٍ لفقدان اليقين القاطع لطرفٍ على آخر؛ ولو وُجِد لتبعه الإنكار، فشتَّان بين دائرة الصواب والخطأ، وبين عدم الإنكار على المخطئ فى الاجتهاديَّات، ولهذا وردَ فى الحديث وصف مَن لم يُصِب الحق بأنه: «اجتهدَ فأخطأ» فأطلقَ عليه وصفَ الخطأ مع أن له أجرًا واحدًا، فهو مأجورٌ على اجتهاده غير مصيبٍ للحق بعدُ.

ثانيًا: الاختلاف ليس حجة شرعية:

وفى قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}: دليلٌ على ضرورة السعى لرفع الاختلاف، والوصول إلى الحقِّ فيه، ولو كان حجة لما أُمِرْنا بالخروج منه.

وقد قال ابن عبد البر فى «الجامع» (ص/922): «الاختلاف ليس بحجة عند أحدٍ علمتُه من فقهاء الأمة، إلاّ من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة فى قوله. قال المزنى: يقال لمن جوَّزَ الاختلاف، وزعمَ أنَّ العالِمَيْن إذا اجتهدا فى الحادثة؛ فقال أحدهما: حلال، وقال الآخر: حرام، فقد أدَّى كلُّ واحد منهما جهده وما كُلِّف، وهو فى اجتهاده مصيبٌ للحق؛ أَبِأَصْلٍ قلتَ هذا أم بقياس؟ فإنْ قال: بأصلٍ، قيل له: كيف يكون أصلا والكتاب أصلٌ ينفى الخلاف؟ وإِنْ قال: بقياس؛ قيل: كيف تكون الأصول تنفى الخلاف ويجوز لك أنْ تقيسَ عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يُجَوِّزه عاقلٌ فضلا عن عالِمٍ، ويقال له: أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى معنًى واحدٍ فأحلَّه أحدهما وحرَّمه الآخر، وفى كتاب الله أو فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلٌ على إثبات أحدهما ونفى الآخر؛ أليس يُثبت الذى يُثبته الدليل ويُبْطَل الآخر ويُبْطَل الحكم به؛ فإِنْ خفى الدليل على أحدهما وأَشْكَل الأمر فيهما وجب الوقوف؟ فإذا قال: نعم ـ ولابد مِن نعم وإلاّ خالَف جماعة العلماء ـ قيل له: فلِمَ لم تصنع هذا برأى العالِمَيْن المختلِفَيْن؛ فتثبت منهما ما أثبته الدليل وتُبطل ما أبطله الدليل؟» ثم قال ابن عبد البر: «ما أَلْزَمَه المُزنى عندى لازمٌ» أهـ.

ولهذا يقول الغزالى فى «المستصفى» (72): «الحكم لا يثبت إلا بنصٍّ أو قياسٍ على منصوص» أهـ.

وتبقى أقوال الرجال بعد ذلك منارات يستنير بها العالم، فالنص أصلٌ والأقوال الواردة فى تفسيره: تابعٌ، والنص معصومٌ والتابع: يخطئ ويصيب.

[email protected]

المصدر: المصريون
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 31 مشاهدة
نشرت فى 21 يناير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

309,423