السيد البابلي | 10-10-2011 00:32

في عام 1983م كنت مراسلا لجريدة " الجمهورية " في العاصمة الأمريكية واشنطن عندما توجهت إلي مبني الكونجرس الأمريكي لحضور جلسة استماع خاصة حول المساعدات الأمريكية لمصر.

وقد دخلت قاعة اللجنة التي كانت تناقش هذه القضية مرفوع الرأس وخرجت منها منكسرا أسفا وحزينا علي ما سمعته وما لمسته.

فما سمعته عام 1983م هو نفس ما يقال الآن عند مناقشة المساعدات الأمريكية لمصر، من استعلاء وفرض للوصاية ومحاولة للتدخل في القرار الداخلي لمصر، ومن شروط لإنفاق المساعدات تجعل منها سيفا مسلطا فوق رقابنا بدلا من أن تكون جزءا من اتفاق مصالح بمقتضاه تقدم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم هذه المساعدات سنويا لمصر ولعدد أخر من دول المنطقة.

وفي جلسته الاستماع رأيت وسمعت كيف يتحدثون عن مصر كأحدي دول العالم الثالث، وكيف يعتقدون أن هذه المساعدات هي التي أنقذت مصر من الانهيار الاقتصادي.

ولقد خرجت في ذاك اليوم حزينا لأنني أعرف أن بلادي في مقدورها أن تستغني عن هذه المساعدات الأمريكية بقليل من ترشيد إنفاق المال العام، وتعليل من الضمير في العمل والإنتاج.

ويتكرر الموقف كله الآن عندما يحاول مجلس الشيوخ الأمريكي أن يضع شروطا قاسية علي المساعدات الأمريكية لمصر، حيث يحاولون ربط هذه المساعدات بتقديم هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية لتعهد بأن مصر لن تحكم من قبل منظمة إرهابية!!

وهو تعهد ليس له إلا معني واحد وهو أن واشنطن هي من يقرر مصيرنا وأن قرارنا ليس بأيدينا وأن هذه المساعدات تبيع لهم التدخل في شئوننا الداخلية وفي رسم معالم مستقبلنا أيضا..!

وهو أمر خطير يجب أن نتوقف كثيرا عنده، وأن نعيد التفكير والمراجعة في علاقتنا الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية الحليف والصديق والشريك في عملية السلام..!

فنحن لسنا دولة تابعة للولايات المتحدة، والمساعدات الأمريكية لمصر كانت في معظمها تعود إلي الأمريكان مرة أخري، وكانت طريقا وبابا شرعيا لدخول الأجهزة الأمريكية المعلوماتية والاستخباراتية بلادنا تحت ستار تنظيم والإشراف علي إنفاق المعونة الأمريكية.

وحتى بعثات التعليم والتدريب التي خرجت من مصر متوجهة إلي أمريكا تحت ستار البرنامج المنح الدراسية للسلام إلي مصر كانت له أهدافه السياسية في التطبيع مع إسرائيل، بإرسال الطلاب المصريين للدراسة والتدريب ليكونوا جنبا إلي جنب مع طلاب قادمين من إسرائيل بهدف التعارف وإزالة رواسب الماضي وخلق أجيال جديدة لا تؤمن بالعداء والصراع التاريخي الممتد والقائم بين العرب وإسرائيل.

وهى أمور تجعلنا نتساءل عن جدوى هذه المساعدات الاقتصادية وفائدتها لنا، وتجعلنا نشعر بالأسف بأننا خلال كل هذه الأعوام التي أعقبت معاهدة السلام في كامب ديفيد عام1979، لم نستطع أن نحقق برامج التنمية والرخاء التي تجعلنا نعتمد علي إمكانياتنا ومواردنا وأن نتوقف عن تلقي هذه المساعدات المشروطة والمشبوهة والتي تقيد قرارنا وتحد من دورنا العربي والإقليمي.

فهم هناك في واشنطن لا يريدون مصر القديمة التي تقود ولا تنقاد، والتي تعمل علي إحياء فكرة العروبة والوطن العربي الكبير، وهو يريدوننا دولة كثيرة السكان، قليلة الموارد وكثيرة المشاكل تكون أشبة ببنجلاديش، يستفيدون فقط من قدراتها البشرية عندما يريدون، ولكن دون أن يكون لها دور تأثيري أو محوري يتناسب وهو القوى البشرية والموقع الجغرافي والمكانة التاريخية.

ولقد آن الأوان أن نعمل علي الخروج من عباءة الوصاية أو الهيمنة من أي قوي عالمية، فقد خروج الرئيس السادات من الوصاية السوفيتية ليضعنا تحت الوصاية الأمريكية، ولابد أن تعمل الثورة المصرية الجديدة علي أن تكون الإدارة المصرية مستقل، والقرار المصري مستمد من المصالح والثوابت المصرية.

ولن يكون ذلك ممكنا إذا استمرت بعض منظمات المجتمع المدني في تلقي الأموال من أمريكا تحت أي ستار أو مسمي، وأن نستمر في الجدال السياسي العقيم السائد دون أن يقابل ذلك مجهودات وعمل حقيقي من أجل التنمية والرخاء.

أن قيمة ثورة يناير هو أنها جاءت ليرفع الإنسان المصري قامته ويعيد صياغة وصناعة التاريخ في بلاده وفقا لمنظورة وتطلعاته، ولن يكون هذا ممكنا إذا لم يكن القرار المصري متحررا من كل ضغوط، والتحرر يبدأ بالاكتفاء الذاتي، وبالقدرة علي إنتاج رغيف الخبز، فمن لا يملك رغيف خبزه لا يملك قراره أبدا..!!

[email protected]

 

المصدر: المصريون
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 51 مشاهدة
نشرت فى 17 أكتوبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,482