خلال مطالعاتي الفقيرة – إلى حد ما – عثرت على كتاب تحت عنوان "الحب في زمن العولمة".. لم يشدني مضمون الكتاب الذي قرأت بعض مقتطفات منه.. ولكن جذبني الأسم وظل يشغل تفكيري.. هل الحب والرمانسية في زمن العولمة اختلفا عن الأزمنة السابقة لها؟. هل تغيرت المشاعر الإنسانية والعلاقات الاجتماعية المتوجهة على أساسها؟..
في زمن العولمة تقع الأحداث بسرعة متناهية.. أحداث كثيرة متوالية تقع خلال نفس اللحظة من الزمن.. ففي مكان ما تقوم بعض الحروب والاشتباكات ينتج عنه عدد ما من القتلى أو الجرحى.. وفي نفس اللحظة ولكن بمكان أخر تندلع حرائق تلتهم مساحات ساشعة من المحاصيل أو الأشجار.. وأيضاً في ذات اللحظة بمكان أخر يقع حادث اختطاف لطائرة أو شخصية مهمة.. وهكذا يحتل عدد من الأحداث برهة واحدة من الزمن.. وتصل إلينا أخبار هذه الأحداث التي تقع في أماكن مختلفة من العالم بفضل وسائل الإعلام المختلفة..
ولكن هناك أحداث قد لا ترصدها كاميرات التليفزيون المحلي أو الفضائيات.. أحداث تقع على مدار حياتنا اليومية.. كذهاب شخص ما للعمل، خلال رحلة ذهابه يشاهد ويتعامل مع عدة مواقف: الاختناق المروري وملل الانتظار الطويل؛ مشاجرات وشتائم وسباب بين سائقي بعض المركبات بسبب مخالفات ومضايقات مرورية ارتكبت عن قصد أو دون قصد، صياح وصراخ وتمتمة بدعوات من بعض المارة بسبب عدم استطاعتهم العبور؛ نواح أمرأة سقط زوجها فجأة وحالة من الهلع تنتابها محاولة الاستنجاد بأي أحد، فهل من مجيب!..
يصل هذا الشخص لعمله بعد رحلة عاني فيها من قليل أو كثير من الأرهاق العصبي والتعب النفسي.. ولكن عليه أن يعمل، واجبه أن يعمل رغم شعوره أنه أصبح كآلة يتم استغلالها سواء من قبل رئيسه في العمل أو من قبل زملائه، أو من كلاهما، يستسلم لفكرة أنه يتم استغلاله في العمل لإيمانه بفكرة "هكذا النظام" وهو لا حيلة له بتغيره.. تتصل زوجته لتمليه مجموعة طلبات للمنزل، علاوة على ضرورة ذهابه لسداد فاتورة التليفون ومشاغل ومشاوير أخرى يجب أن تنفذ.. رحلة عذاب مرورية أخرى..
وأخيراً يعود لمنزله، طلبات تنهال عليه مرة أخرى، زوجته تشعر باعتلال صحي ما وتحتاج لمراجعة الطبيب، وأبنه يحتاج لمصاريف درس خصوصي في بعض المواد.. أعباء مالية أخرى تشغل باله.. تتصل ولدته، تعيب عليه لعدم السؤال وتخبره بأن والده معتل الصحة وجلسات العلاج الكيماوي قد لا تجدي.. تزداد حالة ضجره وضيقه ويشعر أنه بحاجة لمنفس.. أين المنفس؟؟.
يتوجه لتشغيل جهاز التليفزيون ويمسك بالريموت ويضغط، صور المذابح التي تتم في سوريا، يضغط.. إعلانات دعائية سخيفة ومملة، يضغط.. تغطية لما تم بمليونية أحد الجمع بالتحرير والاشباكات بشارع محمد محمود، يضغط.. برنامج حواري حول مسودة الدستور، يضغط.. إشارة إعلامية حول قانون الضريبة الجديد، يا ألهي مزيد من الأعباء المالية، يضغط.. أخبارية عما يحدث بأرض سيناء واستشهاد بعض الضباط والجنود، يضغط.. فيلم أمريكي يصور نهاية العالم عام 2012 ومحاولة بناء سفن ضخمة وانتقاء مجموعات مختارة من الأشخاص، يضغط.. مشهد محامية تقوم بذبح شاب انتقاماً منه على إلحاق الضرر بأبنتها.. وكأننا بحاجة إلى مزيد من مشاهد العنف وتعزيز ثقافة الانتقام، يضغط.. مسلسل تركي.. وأخيراً بعض المناظر الجميلة ذات الطبيعة الخلابة والبيئة النظيفة، ويسرح سائحاً بخياله متمنياً العيش بمثل هذا المكان، وتراوده أمنية السفر والهجرة إلى مكان تسهل فيه الحصول على سبل العيش دون معاناة أو ضغوط..
يضغط.. و يضغط.. و يضغط.. ويشعر أنه هو المضغوط عليه.. في ظل زمن العولمة حيث تتزايد الضغوط: غلاء معيشي والسحب التدريجي لدعم الدولة لكثير من السلع الأساسية، ضعف معظم الخدمات، أزمات وعدم توافر سلع معينة، ازدحام وتلوث بيئي.. الخ.
وهذه صورة لحياة شخص عادي، ربما ينتمي إلى الطبقة فوق المتوسطة.. فهو قد لا يعلم أسباب هذه الضغوط.. لا يعي أو يدرك التأثيرات المباشرة أو غير المباشرة للآليات العولمة.. زمن العولمة الذي يتسم بسرعة الأحداث واختصار الأزمنة والمسافات.. وبقسوة التنافسية وبطغيان النزعة المادية على معظم التوجهات.. النزعة المادية التي مسخت المشاعر الحميمية وصور الحب والرومانسية في العلاقات الاجتماعية بجميع أشكالها..
ولكن بالرغم من الوحشة التي غمت علينا بسبب رياح العولمة وعواصفها.. إلا أن طبيعتنا البشرية مازلت تحتفظ بمكان – كبرت مساحته أم صغرت – لصور الحب والرومانسية والمشاعر الإنسانية.. مازال هناك أعمال فنية تنتج وأدبيات تبدع في رسم المشاعر الإنسانية في مختلف حالاتها.. سعيدة, تعيسة.. محبة، كارهه.. منتعشة وحية، متوجعة ومتعبة..
ذكر الحب في القرآن في 76 آية تقريباً، توضح حب الإنسان لأشياء معينة، أو توضح حب الله عز وجل لصفات معينة على الإنسان التحلى بها..
"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" - 222 البقرة.
"والله يحب المحسنين" - 134 آل عمران.
"فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" - 159 آل عمران.
أو توضح صفات غير محببة ومكروة..
"إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" - 36 النساء.
"إن الله لا يحب من كان خوانًا اثيماً" - 107 النساء.
وغيرها من الآيات التي تشير للحب/ الكره والتعاملات الإنسانية القائمة على أساسهما..
فلا جدال أن الحب هو الذي يسمو بشجرة العطاء ويجعلها مثمرة.. الحب هو الذي يعطي مزيد من الحماسية في الاستمرارية للكفاح ومواصلة رحلة الحياة.. حب الله عز وجل، حب الأهل، حب الأمل، حب العمل، حب التعاون مع الأخرين للتعمير والبناء.. الحب هو الذي يمنحنا القوة والشجاعة لإجتياز أختبارات الحياة.. الحب هو الاحترام والتقدير لشخص آخر، شخص تعلم ما الذي يسعده وتسعى جاهداً لتحقيقه لترى البسمة والفرحة على وجهه، سواء كان هذا الشخص يمثل لك: أب/ أم، زوج/ زوجة، ابن/ ابنة، صديق/ صديقة.. وغيرها من العلاقات الإنسانية (الميمزة) لأشخاص مختلفة في محيط حياتنا، نمدهم بالحب، وعلى ضوء سعادتهم نواصل النضال خلال رسالة وجودنا.
ولكن هناك أحداث قد لا ترصدها كاميرات التليفزيون المحلي أو الفضائيات.. أحداث تقع على مدار حياتنا اليومية.. كذهاب شخص ما للعمل، خلال رحلة ذهابه يشاهد ويتعامل مع عدة مواقف: الاختناق المروري وملل الانتظار الطويل؛ مشاجرات وشتائم وسباب بين سائقي بعض المركبات بسبب مخالفات ومضايقات مرورية ارتكبت عن قصد أو دون قصد، صياح وصراخ وتمتمة بدعوات من بعض المارة بسبب عدم استطاعتهم العبور؛ نواح أمرأة سقط زوجها فجأة وحالة من الهلع تنتابها محاولة الاستنجاد بأي أحد، فهل من مجيب!..
يصل هذا الشخص لعمله بعد رحلة عاني فيها من قليل أو كثير من الأرهاق العصبي والتعب النفسي.. ولكن عليه أن يعمل، واجبه أن يعمل رغم شعوره أنه أصبح كآلة يتم استغلالها سواء من قبل رئيسه في العمل أو من قبل زملائه، أو من كلاهما، يستسلم لفكرة أنه يتم استغلاله في العمل لإيمانه بفكرة "هكذا النظام" وهو لا حيلة له بتغيره.. تتصل زوجته لتمليه مجموعة طلبات للمنزل، علاوة على ضرورة ذهابه لسداد فاتورة التليفون ومشاغل ومشاوير أخرى يجب أن تنفذ.. رحلة عذاب مرورية أخرى..
وأخيراً يعود لمنزله، طلبات تنهال عليه مرة أخرى، زوجته تشعر باعتلال صحي ما وتحتاج لمراجعة الطبيب، وأبنه يحتاج لمصاريف درس خصوصي في بعض المواد.. أعباء مالية أخرى تشغل باله.. تتصل ولدته، تعيب عليه لعدم السؤال وتخبره بأن والده معتل الصحة وجلسات العلاج الكيماوي قد لا تجدي.. تزداد حالة ضجره وضيقه ويشعر أنه بحاجة لمنفس.. أين المنفس؟؟.
يتوجه لتشغيل جهاز التليفزيون ويمسك بالريموت ويضغط، صور المذابح التي تتم في سوريا، يضغط.. إعلانات دعائية سخيفة ومملة، يضغط.. تغطية لما تم بمليونية أحد الجمع بالتحرير والاشباكات بشارع محمد محمود، يضغط.. برنامج حواري حول مسودة الدستور، يضغط.. إشارة إعلامية حول قانون الضريبة الجديد، يا ألهي مزيد من الأعباء المالية، يضغط.. أخبارية عما يحدث بأرض سيناء واستشهاد بعض الضباط والجنود، يضغط.. فيلم أمريكي يصور نهاية العالم عام 2012 ومحاولة بناء سفن ضخمة وانتقاء مجموعات مختارة من الأشخاص، يضغط.. مشهد محامية تقوم بذبح شاب انتقاماً منه على إلحاق الضرر بأبنتها.. وكأننا بحاجة إلى مزيد من مشاهد العنف وتعزيز ثقافة الانتقام، يضغط.. مسلسل تركي.. وأخيراً بعض المناظر الجميلة ذات الطبيعة الخلابة والبيئة النظيفة، ويسرح سائحاً بخياله متمنياً العيش بمثل هذا المكان، وتراوده أمنية السفر والهجرة إلى مكان تسهل فيه الحصول على سبل العيش دون معاناة أو ضغوط..
يضغط.. و يضغط.. و يضغط.. ويشعر أنه هو المضغوط عليه.. في ظل زمن العولمة حيث تتزايد الضغوط: غلاء معيشي والسحب التدريجي لدعم الدولة لكثير من السلع الأساسية، ضعف معظم الخدمات، أزمات وعدم توافر سلع معينة، ازدحام وتلوث بيئي.. الخ.
وهذه صورة لحياة شخص عادي، ربما ينتمي إلى الطبقة فوق المتوسطة.. فهو قد لا يعلم أسباب هذه الضغوط.. لا يعي أو يدرك التأثيرات المباشرة أو غير المباشرة للآليات العولمة.. زمن العولمة الذي يتسم بسرعة الأحداث واختصار الأزمنة والمسافات.. وبقسوة التنافسية وبطغيان النزعة المادية على معظم التوجهات.. النزعة المادية التي مسخت المشاعر الحميمية وصور الحب والرومانسية في العلاقات الاجتماعية بجميع أشكالها..
ولكن بالرغم من الوحشة التي غمت علينا بسبب رياح العولمة وعواصفها.. إلا أن طبيعتنا البشرية مازلت تحتفظ بمكان – كبرت مساحته أم صغرت – لصور الحب والرومانسية والمشاعر الإنسانية.. مازال هناك أعمال فنية تنتج وأدبيات تبدع في رسم المشاعر الإنسانية في مختلف حالاتها.. سعيدة, تعيسة.. محبة، كارهه.. منتعشة وحية، متوجعة ومتعبة..
ذكر الحب في القرآن في 76 آية تقريباً، توضح حب الإنسان لأشياء معينة، أو توضح حب الله عز وجل لصفات معينة على الإنسان التحلى بها..
"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" - 222 البقرة.
"والله يحب المحسنين" - 134 آل عمران.
"فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" - 159 آل عمران.
أو توضح صفات غير محببة ومكروة..
"إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" - 36 النساء.
"إن الله لا يحب من كان خوانًا اثيماً" - 107 النساء.
وغيرها من الآيات التي تشير للحب/ الكره والتعاملات الإنسانية القائمة على أساسهما..
فلا جدال أن الحب هو الذي يسمو بشجرة العطاء ويجعلها مثمرة.. الحب هو الذي يعطي مزيد من الحماسية في الاستمرارية للكفاح ومواصلة رحلة الحياة.. حب الله عز وجل، حب الأهل، حب الأمل، حب العمل، حب التعاون مع الأخرين للتعمير والبناء.. الحب هو الذي يمنحنا القوة والشجاعة لإجتياز أختبارات الحياة.. الحب هو الاحترام والتقدير لشخص آخر، شخص تعلم ما الذي يسعده وتسعى جاهداً لتحقيقه لترى البسمة والفرحة على وجهه، سواء كان هذا الشخص يمثل لك: أب/ أم، زوج/ زوجة، ابن/ ابنة، صديق/ صديقة.. وغيرها من العلاقات الإنسانية (الميمزة) لأشخاص مختلفة في محيط حياتنا، نمدهم بالحب، وعلى ضوء سعادتهم نواصل النضال خلال رسالة وجودنا.