البعض لا يموتون
قصة قصيرة للكاتب المصرى
طلعت زيدان
أسرع الخطى ليلحق ببيته ، الثورة قادمة من الشارع الخلفى ، أغلق الباب متنفسا بعمق ، رايات كثيرة وهتافات لا يستطيع تمييزها الا من حركة الشفاه الراعدة الممطرة ، صعد درجات سلمه المتآكل ، يتذكر أن راتبه قد نفد من عشرة أيام ، لا يعرف ان كان قد اشترى كل ما سطرته الزوجة الاقتصادية الغاضبة على الدوام من حاجيات البيت أم لا ، مرة أخرى يضغط بغضب ذلك الجرس اللعين الذى تعطل من اعوام ، يدخل قدمه اليمنى ، لا زالت اليسرى مترددة في الدخول كاختها ، يلقى عقب سيجارته قبل ان يغلق الباب ، الجريدة التى اشتراها بنصف الثمن مكتظة بوعود الرئيس الجديد ، كل شيء سيكون على ما يرام ، يفتح التلفاز ، مدفعية تقصف الأحياء السورية ، ثورة عند السفارة الامريكية ، أزمة أنابيب ، بلطجية يهاجمون أحد البنوك ، اغتصاب طفلة ، لا شيء يعجبه ، أطفأ عقله قليلا بعد أن أطفأ عينيه ، الزوجه تعلن قدومها مجددا ، قائمة مشتروات جديدة تنتظره، حذاؤه أيضا يعلن ثورة جديدة ، التغيير مطلوب ، الابنة الصغيرة تحضر كتاب الحساب ، تريد حلولا لمشاكلها الصغيرة ، يتمدد بطول الكنبة المتراخية المنهكة ، يتأمل بنصف عينين الزهيرات التى لم ترتوِ منذ آخر اشعار للحكومة باصلاح مرشحات المياة ، دخل الى حجرة نومه ، ألقى نظرة خاطفة على صورته المائلة من سنوات ، لماذا أهمل مشروع اصلاح الميل ؟؟ استلقى على الوسادة ، أطال النظر في سقف الحجرة ، قطرة ماء أصابت أنفه ، على الجار أن يجد حلا لهذا التسرب الدائم ، دخلت الزوجة الملحة بقائمة مشترواتها ، المطلوبة ليوم غد ، أشارت الى أذنيها ... صارخة في غضب " عليك أن تعالج أذنيك حتى تستعيد سمعك "
غادرته ملقية بالقائمة في وجهه ، ظل يتأمل سقف الحجرة الذى يمطر بانتظام فوق أنفه .. انشق ثغره عن ابتسامة رضا ، أسلم نفسه لنعمة الفقد .... شد الغطاء مثلما كل مساء يشد حبل أمنياته قبل الضياع ...