ما قيل عن المشاورات الجارية للتنسيق بين حزب النور السلفى وبعض الأحزاب الأخرى التى فى مقدمتها حزب الوفد والكتلة المصرية لا يدخل ضمن الشائعات التى تتردد فى مصر هذه الأيام. ولكنها معلومات صحيحة ليس الدافع إليها مجرد مواجهة نفوذ الإخوان فى انتخابات رئاسة مجلس الشعب وهيئة مكتبه ورئاسة لجانه. وهو ما أشارت إليه جريدة «المصرى اليوم» يوم الأربعاء الماضى 11/1. ذلك إن معلوماتى تشير إلى أن ممثلين لحزب النور أجروا اتصالات مع بعض الشخصيات العامة للتشاور معها فى تبنى الحزب لموقف مستقل عن الإخوان، وفى كيفية تحسين أدائه بوجه عام لتصحيح الصورة النمطية التى روجت لها أغلب المنابر الإعلامية، التى استثمرت بعض التصريحات المسيئة التى صدرت عن أفراد من السلفيين وجرى تعميمها على الجميع. 
ورغم أن نتائج مشاورات التنسيق لم تعرف بعد، إلا أن دلالتها من الأهمية بمكان. من ناحية لأنها تعنى أن حزب النور الذى يمثله حتى الآن نحو 120 عضوًا فى البرلمان، لن يشكل بالضرورة تحالفا مع الإخوان يسيطر الطرفان بمقتضاه على أعمال مجلس الشعب أو اللجنة التأسيسية التى ستكلف بوضع الدستور، وهو الهاجس الذى يؤرق كثيرين من المثقفين والسياسيين فى مصر هذه الأيام. وقد أثبتت المشاورات الجارية ان ذلك السيناريو ليس دقيقا وليس أكيدا.
 
من ناحية ثانية، فإن مبدأ إجراء المشاورات من جانب حزب النور مع الأحزاب الأخرى العلمانية والتى يضم بعضها حزب التجمع اليسارى له أيضا دلالته المهمة، إذ يعنى أن حديث رئاسة الحزب المتمثلة فى الدكتور عماد عبدالغفور عن إمكانية التحالف مع الليبراليين هو الذى تم الالتزام به، على العكس من الموقف الذى تبناه الدكتور ياسر برهامى الذى وصف بأنه المرجعية الشرعية للحزب الذى عارض مثل هذه الخطوة قائلا بأنه: «لا يجوز التحالف إلا مع الأحزاب التى تنصر الحق وتطبق شرع الله».
 
    من ناحية ثالثة، فإن اتجاه حزب النور إلى محاولة تحسين أدائه ومعالجة الأخطاء التى وقع فيها بعض المنسوبين إليه يمثل خطوة ايجابية، تعنى أنهم يتعلمون من اخطائهم ويحاولون إصلاحها. وذلك مؤشر إيجابى رصده زميلنا الأستاذ ضياء رشوان الذى وجه يوم الأربعاء الماضى «تحية واجبة للتيارات السلفية على تطوراتها الايجابية، ومرونتها واستعدادها المستمر للتواؤم مع متغيرات العصر والواقع والأحوال المصرية».
 
هذا التسجيل للتطور الايجابى الذى يسعى إليه عقلاء السلفيين، لا يغير من رأينا فى منطلقاتهم الفكرية وآرائهم التى نتحفظ على أكثرها، بقدر ما نعترض على التعامل الإعلامى غير اللائق معهم، الذى سبق أن انتقدته من قبل فيما كتبته تحت عنوان «شيطنة السلفيين». وربما كانت هذه مناسبة لتجديد الدعوة إلى ضرورة احترام الفرقاء المختلفين فى الساحة السياسية، والتخلى عن أساليب التحقير والكيد والتنديد التى يستخدمها بعض الإعلاميين ورسامى الكاريكاتير هذه الأيام. وهذه الدعوة موجهة إلى الجميع، بمعنى أنها تشمل الذين يطلقون اتهامات التخوين والعمالة بقدر ما تشمل الذين يرمون خصومهم بالضلال والكفر والانحلال أو نحو ذلك.
 
فى هذا السياق، لا نستطيع أن نبرئ بعض المثقفين وأغلب الإعلاميين من المسئولين عن إعادة تشغيل فزاعة الإسلاميين والترويج للانطباعات السلبية والصور النمطية المحملة بالسخرية والازدراء والترويع. فقد كان هؤلاء من حذروا من بحر دم يغرق فيه البلد إذا ما أجريت الانتخابات، وعن عودة قوية لفلول النظام السابق من خلالها. ولم يحدث شىء من هذا ولا ذاك. وبعد ظهور النتائج جرى التخويف من تحالف الإخوان والسلفيين الذين سينقلون التجربة الإيرانية، وفى قول آخر الباكستانية والسعودية الوهابية فى قول ثالث. وما نحن بصدده الآن يثبت أن ذلك لا أصل له. وأحدث صيحة فى مسلسل الشائعات تحدثت عن صفقة بين المجلس العسكرى والإسلاميين تم من خلالها توزيع الأدوار وتبادل المواقع والمصالح، وهى شائعة مضحكة، لأن الذين حصدوا أعلى الأصوات لا يحتاجون لعقد صفقات، ولكن الأطراف الأضعف هى الأشد حاجة إلى ذلك لتحسين موقفها. وستكون المفارقة شديدة والمفاجأة صعبة التصديق إذا صحت التسريبات التى يهمس بها البعض عن أن ذلك حدث بالفعل للتخفيف من آثار الحضور القوى للإسلاميين فى مجلس الشعب.
 
أخشى إذا استمرت تلك التعبئة الإعلامية المغلوطة ان نضطر إلى المطالبة يوما ما بنشر تحذير على الصفحات الأولى للصحف، مماثل لذلك يوضع على علب السجائر يقول: لا تنس أن ما بين يديك كلام جرايد. إذا صدقته فقد يضر بصحتك النفسية.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 224 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

721,420

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته