أمضى تاكيشى سوزوكى ثلاثين يوما على الباخرة التى نقلته من ميناء «كوبه» اليابانى لكى يصل إلى ميناء السويس فى مصر. كان الرجل قد دخل فى الإسلام وأراد أن يؤدى فريضة الحج. ونظرا لعدم وجود تمثيل سعودى فى اليابان آنذاك، فقد تعين عليه أن يحصل على تأشيرة الدخول إلى المملكة من مصر، وان ينضم إلى الحجاج المسافرين من السويس إلى الأرض المقدسة. وهى الرحلة التى قام بها عام 1938، وسجل تفاصيلها فى كتاب بعنوان «يابانى فى مكة» (ترجمه إلى العربية الدكتور سمير عبدالحميد إبراهيم وسارة تاكاشى وطبع فى السعودية عام 1999). 
استوقفنى فى الكتاب لقطة سجلها صاحبنا بعدما تحركت الباخرة بالجميع من السويس متجهة إلى جدة. إذ عرض على الركاب (الحجاج) فيلمًا فكاهيًا أمريكيًا أضحك الجميع وأشاع بينهم جوا من المرح كانوا بحاجة إليه، لأنهم يعلمون أنهم مقبلون على رحلة شاقة. وبعدما انتعشوا وضحكوا كثيرا، عرض عليهم فيلمًا آخر تبين أنه كان يروّج للقطن المصرى، ويحرض على رفض المنتجات اليابانية، الأمر الذى اعتبره صاحبنا «دعاية سيئة للغاية».
 
وهو يصف الفيلم قال إنه بدأ بمنظر فى قرية مصرية ومكان أقيم فيه مهرجان أو حفل «ترقص فيه بعض النسوة بطريقة غريبة، بحيث تحرك كل واحدة أردافها بطريقة عجيبة على وقع موسيقى انبعثت من آلات بدائية» ــ (واضح أن الرجل كان يتحدث عن الرقص الشرقى). وبينما الحفل مستمر والرقص «الغريب» متواصل، إذا بسيدة من الجالسات تنهض من مكانها وتنضم إلى الراقصات، إلا أن بعض الجالسين تدخلوا وجذبوها من ثيابها التى تمزقت. وفى حين ظلت الراقصات يؤدين مهمتهن فإن جذب ثوب المرأة وتمزقه لم يتوقف، حتى بدت شبه عارية فى النهاية.
 
ما جرى بعد ذلك ــ فى رواية الحاج تاكيشى الذى أصبح اسمه الحاج محمد صالح ــ أن الراقصات تجمعن حول المرأة المسكينة التى مزقت ثيابها وسألنها عن مصدر قماش ثوبها فأرتهن «ماركة» الثوب، التى ظهرت على الشاشة بوضوح يلفت الأنظار. وحينئذ صاحت النسوة فيها وشرعن فى توبيخها، وهن يرددن السؤال: لماذا صنعت ثوبك من هذا القماش. فتعجبت المرأة وتضايقت واشتبكت مع الراقصات. وتحول الاشتباك إلى عراك طال الثياب التى كانت الراقصات يرتدينها. لكن تلك الثياب لم تصب بسوء. فى حين تحول ثوب المرأة إلى نتف صغيرة. فانكشف معظم جسدها، الأمر الذى جعلها تصرخ وتبكى، فقالت لها الراقصات (والكلام للحاج تاكيشى): لماذا اخترت مثل هذه المنتجات اليابانية الضعيفة؟ إن فى مصر أقمشة أفضل وأمتن ألف مرة من الأقمشة اليابانية؟ ــ وشركة مصر للأقمشة تصنع أقمشة رائعة. يجب أن تتخلى عن الأقمشة المستوردة. وعلى المصريين أن يستخدموا المنتجات المصرية. انظرى لقد تمزقت ملابسك بسهولة، بينما ملابسنا التى أنتجتها شركة مصر للأقمشة لم تنقطع منها «فتلة». انك إذا لبست ملابس من منتجات هذه الشركة المصرية فسوف نصبح صديقات حميمات.
 
أضاف صاحبنا قائلا: إن المرأة ذهبت باكية إلى المدينة، واشترت قماشا من إنتاج شركة مصر، وعادت إلى الحفل، فرحبت بها الراقصات وصرن جميعا أصدقاء لها.
 
وهو يعلق على الفيلم قال إنه «كان دعائيا سخيفا» قصته بسيطة بدون تفاصيل، لكنها قصة ماكرة وأسلوبها فى جذب قلوب الناس ماكر أيضا. اعترف بذلك.. ورغم أنه ضد بلادى. إلا أنه فيلم ناجح دعائيا بلا شك.
 
أصابه التشهير بالأقمشة اليابانية بالغيظ، واشتد حنقه حين وجد أن الحاضرين صفقوا له طويلا بعد انتهاء عرضه، وقد لاحظ أن الذين شاهدوه كانوا خليطا من المسلمين المصريين وغير المصريين الذين قدموا من مختلف الدول العربية والأفريقية، لكنه استعاد هدوءه وضحك كثيرا حين تفرّس فى شاشة عرض الفيلم فى اليوم التالى، فشاهد فى إحدى زواياها مربعا صغيرا كُتب عليه أنها «صنعت فى اليابان».
 
حدث ذلك منذ نحو ثلاثة أرباع القرن. إذ دافعنا عن الصناعة المصرية فى الفيلم ولم ندافع عنها فى الحقيقة، حتى كتب الشيخ محمد الغزالى بعد نصف قرن أننا لو قلنا لكل شىء نلبسه عد إلى بلادك لسرنا عرايا ولكانت فضيحتنا بجلاجل. وهذه الأيام، بعد ثلاثة أرباع القرن عدنا ننادى «لنشترى المصرى».
 
إننا نريد أن نترجم غيرتنا على الصناعة المصرية بحيث نحوّلها من هتاف إلى فعل. وأرجو ألا يهاجم أحد السلفيين فكرة الفيلم الذى عرض عام 1938 لمجرد أن الراقصات ظهرن فيه!

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 295 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

761,378

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته