الكلمات لها روح، تحمل شحنة من الأفكار والمعانى والأحاسيس، تتمتع بشخصية أقرب للكائن الحى، بعضها شفاف، واضح الملامح، وبعضها لئيم، مراوغ، يخفى وراء أناقته سما قاتلا، خاصة حين يرتدى مسوحا فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها العذاب، تستخدم منفردة أو سياق مضلل، وفى كلتا الحالتين تحتاج لتأمل كى يدرك المرء ما تنطوى عليه من ظلم وغدر. إليك الأمثلة التالية التى يجدر بنا أن نأخذ بالنا من مخبرها، وكيفية استخدامها.
● الاستقرار، تلك الكلمة المشبعة بالحذر، لطيفة وفاتنة، تداعب أمانى كل إنسان، توحى بالأمان والسلام والرضا. ولكنها تغدو بشعة، قاتلة، حين يرددها، ويطالب بها، من يعبث بأرواحنا، وينهب، بانتظام، ثرواتنا، ويتبختر على صدورنا، ويقف فى مأمن فوق بناية عالية ليبول علينا، معبرا فى هذا الفعل المهين على سلطة تطالب بالاستقرار، ودوام الحال، والهدوء. «الاستقرار» هنا، يعنى الاستسلام للمهانة، لذا ليست مصادفة أن يلح عليها المستقرون بطغيانهم.
● الاعتذار: فعل أخلاقى متحضر، إنسانى ورقيق، حين يقوم به شخص اصطدم بآخر مصادفة، أو جرح إحساسه دون قصد، أو ارتكب أمورا ندم عليها.. الكلمة تتضمن وعدا بعدم تكرار وما حدث. لكن عندما ترتقى تلك «الأمور» إلى مستوى الجرائم، كفقء عيون وتنكيل ببشر وقتل، فإن المسألة تتطلب عقابا لا اعتذارا.. لذا، فإن ما يثير الدهشة، بل الاستنكار، أن يطالب البعض ــ بعد أن شاهدوا دهس مواطنين بمصفحات صفراء ثم سوداء ــ من الجناة، تقديم اعتذار.. هذه المطالبة تعبر عن خلل فى إدراك معنى العدالة، ونزوع للتنازل عن الحقوق، لن يؤدى إلا للمزيد من الجرائم.
«المناشدة بعدم الاستخدام المفرط للقوة»: جملة مكونة من خمس كلمات، يتم تداولها على نطاق واسع، فى المحافل الدولية، والمحلية، تبدو عاطفية، رحيمة، مهذبة، يمتزج فيها الرجاء بالاستجداء بالوهن.. عادة، يرددها الطرف المشاهد، الذى يقف على مسافة من الجلاد والضحية، بينما هو فى حقيقة الأمر، على درجة كبيرة من المراوغة، يتواطأ مع المجرم، ويحاول، بالمناشدة، التخفى وراء ستار من كلمات ذات ألوان جذابة.. سمعنا تلك العبارة من سياسيين أمريكيين، موجهة لإسرائيل التى تذيق الفلسطينيين شتى أنواع العذاب، ووجهها البعض، للسلطات الحاكمة المصرية، الآن، وهى تسحل بناتنا.. استخدام هذه الجملة يعنى، مبدئيا، الموافقة على ممارسة القمع، وقد يختلف قائله فى درجته وعنفه، لكن لم يذكر لنا ما هو الحد المشروع للعنف، وما هو السقف المسموح به. هل يقتصر على صفعات للوجه وفوق القفا مع بعض الشلاليت، أم يكتفى بالإهانات اللفظية والشتائم والاتيان ــ من بعيد ــ بحركات خادشة للحياء، بالأصابع، بالإضافة إلى التهديد بالاغتصاب وإقامة الحفلات على هدر كرامة البنات، وأين يقع الضرب بالعصى وإلقاء قنابل خانقة، مسيلة للدموع.. لزاما علينا أن نصرخ فى وجه المرائين: لا.. للإيذاء البدنى.. والمعنوى.
ساحة النقاش