authentication required

 

أهالى الضحايا معذورون                

 فى الشهر الماضى تلقيت اتصالا هاتفيا من بنى سويف، من شخص قال لى إنه أب لأحد الشهداء الذين قتلتهم الشرطة أثناء الثورة، ولأنه يعرف اسم ضابط أمن الدولة المسئول عن قتله، فقد قدم بلاغا ضده إلى النيابة العامة، ولكنه فوجئ بمن يطرق بابه ويعرض عليه 50 ألف جنيه إن هو تنازل عن بلاغه أو غير فى أقواله. ومما قاله أيضا إنه يعرف آخرين من أمثاله تعرضوا للإغراء الذى تعرض له، وبعضهم قبل المبلغ الذى بدا أنه مرشح للزيادة إلى مائة ألف جنيه. وإن المسألة لا تقف عند حد الإغراء المادى، وإنما حين يأتى العرض من طرف يمثل ضابط أمن الدولة فإن «الجزرة» تكون فى يد، فى حين تظهر العصا فى اليد الأخرى.

كان حامل رسالة العرض يقول. لا تنس أنها من ضابط أمن الدولة الذى يستطيع أن يفعل بك الكثير إذا لم تستجب، وباب تلفيق القضايا مفتوح على مصراعيه، بدءا من الاتهام بالاتجار فى المخدرات وانتهاء بقضايا الدعارة مرورا بالاعتداء على المال العام وسرقة وتسميم الماشية.

لم يكن لدى وسيلة للتثبت من صحة الكلام. فسجلته فى أوراقى واحتفظت به حتى يتاح لى ذلك. إلا أننى وقعت فى جريدة «الشروق» الصادرة فى 19/6 على خبر بالصفحة الأولى كان عنوانه كالتالى: تغيير أقوال الشهود فى محاكمة الضباط المتهمين بقتل الثوار (أمام محكمة جنايات الجيزة). وتحت العنوان ذكرت الصحيفة ان شهود الإثبات فجروا مفاجأة، حيث غيروا أقوالهم الواردة بتحقيقات النيابة. حيث نفى عيد محمد يوسف سائق «ميكروباص» مشاهدته للمتهمين (الضابطان) هانى شعراوى ومعتصم سالم أثناء اطلاقهما النار على المتظاهرين أمام قسم بولاق الدكرور. فيما أكد مشاهدة المتظاهرين وهم يحاولون إضرام النار فى قسم الشرطة وضرب الضباط وأفراد الشرطة الموجودين بداخله. وأنه نقل صديقه الذى لقى حتفه برصاصة فى رأسه إلى المستشفى، دون أن يحدد هوية من أطلق الرصاص.

لفت نظرى فى التقرير المنشور ان محامى الدفاع سأل الشاهد عن سبب تأخره فى الإدلاء بشهادته من 28 يناير حتى 14 فبراير، فرد على السؤال قائلا انه كان مسافرا إلى بلدته دشنا بمحافظة بنى سويف(!!).

فى التقرير أن شاهدا آخر يعمل سائقا أيضا ذكر أنه كان معه ابن خالته، الذى أصيب برصاصة حين كان بالقرب من قسم الشرطة، فنقله إلى المستشفى. وهناك أخبره عدد من الموجودين باتهام الضابطين اللذين سبق ذكرهما بأنهما من أطلقا الرصاص وقتلا ابن خالته، وان أولئك الأشخاص أجبروه على اتهام الضابطين حتى يحصل على حقه من الحكومة ولا يذهب دم قريبه هدرا. وأضاف فى شهادته أنه فوجئ بالمتظاهرين يلقون الطوب على مقر قسم الشرطة ويحاولون حرقه. وهو ما أثار غضب أهالى الضحايا الذين اتهموا الشاهدين بتغيير أقوالهما والتواطؤ مع الضباط المتهمين.

القصة تكررت فى السويس، وفى الإسكندرية حيث ذكر خبر الأهرام (فى 21/6) ان خمسا من أسر الضحايا تنازلوا عن حقهم بعد «تصالحهم» مع ضباط أمن الدولة. (المبلغ الذى دفع لقاء ذلك التصالح لم يذكر!) ولم تكن تلك هى الملاحظة الوحيدة، لأن الملاحظة الأخرى المهمة أن الجلسة تأجلت إلى يوم 17 أكتوبر المقبل أى بعد أربعة أشهر، علما بأن القضية تتعلق بشباب قتلوا أثناء جمعة الغضب يوم 28 يناير الماضى.

سألت الأستاذ جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن معلوماتهم بخصوص تغيير أقوال الشهود فى قضايا قتل المتظاهرين، فقال إنها شائعة وتكررت فى عدة محافظات أخرى وإن الشبكة قدمت بلاغا إلى النيابة العامة بهذا الخصوص، ولكن أحدا لم يتحرك لحماية الشهود، وأضاف أنه لا يستغرب حدوث ذلك، لكنه يستغرب أمورا عدة، منها أن الضباط المتهمين بالقتل الذين يفترض أن يتم احتجازهم، يذهبون إلى المحاكم فى الصباح كمتهمين ثم يعودون إلى مكاتبهم فى المساء لكى يمارسوا ترهيب الشهود وأهالى الضحايا. منها أيضا أن أولئك الضباط لهم علاقاتهم التاريخية الوثيقة مع بعض وكلاء النيابة الذين يتسترون على ممارساتهم ويتبادلون معهم المجاملات. وهؤلاء هم الذين يسجلون أقوالهم وقد يتلاعبون فيها.

إن كل الشواهد تدل على أن هناك تسويفا فى محاكمة ضباط أمن الدولة المسئولين عن قتل المتظاهرين، كما أن هناك تدليلا لهم غير مبرر. إضافة إلى التلاعب فى شهادات الشهود الذى من شأنه تبرئة القتلة وربما إدانة الضحايا فى تهمة الاعتداء على مقار الشرطة والضباط «الأبرياء» العاملين فيها.

إذا شاعت أمثال تلك الانطباعات فى أوساط أهالى الضحايا، ألا يدعونا ذلك إلى اعذارهم والتعاطف معهم، وتوجيه الاتهام والإدانة إلى الذين سوفوا وتلاعبوا ودللوا القتلة وتستروا عليهم، حتى لا يقال إن «الفلول» هى التى تحاكم أولئك الضباط.

 

 

المصدر: الشروق المصرية / بقلم : فهمي هويدي

التحميلات المرفقة

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 30 يونيو 2011 بواسطة TAHAGIBBA

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

734,405

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته