التغير الإجتماعي
التغير هو التحول من حالة إلى أخرى؛ والتحول الذي يطرأ على التنظيم أو البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم و الأدوار الاجتماعية خلال فترة زمنية وقد يكون هذا التغير إما ايجابي أو سلبي. والتغير الاجتماعي ظاهرة عامة
مستمرة تحدث من خلالها اختلافات وتعديلات في العلاقات الإنسانية أو القيم الاجتماعية والأدوار والمراكزوالأفراد
وقد قال الفيلسوف اليوناني هرقليطس " إن التغير قانون الوجود , وإن الاستقرار موت وعدم " فقد شبه فكرة التغير بجريان الماء بالنهر فعندما يكون يجري يبقى نقيا إما عندما يكون لا يتحرك فانه يأسن أي يخرب وتطلع رائحته.
أشكال التغير الإجتماعي:
أولا: التغير في القيم الاجتماعية
ثانيا: التغير في النظام الاجتماعي
ثالثا: التغير في الأدوار والمراكز الاجتماعية
تؤثر القيم الاجتماعية في مضمون الأدوار الاجتماعية كالانتقال من النمط الإقطاعي للمجتمع الى النمط التجاري أو الصناعي , ويصاحب ذلك تغيرا في القيم التي ترتبط بأخلاقيات هاتين الطبقتين في النظرة الى العمل وقيمه والقائمين عليه.
الحراك الإجتماعي:
يرتبط التغير الاجتماعي بالحراك الاجتماعي ويقصد به تحرك الأفراد والجماعات من مركز اجتماعي الى مركز اجتماعي أخر في نفس المجتمع أو في غيره, ويؤدي ذلك الى لعب ادوار جديدة تترجم بسلوكات متوقعة للفرد داخل الجماعة, هذه السلوكات مرتبطة بالمركز الاجتماعي للفرد . و المركز الاجتماعي يشغله الفرد بحكم سنه أو جنسه
أو تحصيله العلمي الذي يؤثر أيضا على دخله ونمط معيشته والاحترام الذي يناله في المجتمع كالمعلم والمحامي والمهندس والطبيب وغيرهم وقد يكون المركز الاجتماعي موروثا.
عوامل التغير الإجتماعي:
أولا: العامل الديموغرافي (السكاني) : ويقصد به الآثار المترتبة عن الوضع السكاني في اختلاف حجمه أي عدد
سكان لمنطقة ما وكثافته, ومعدلات المواليد والوفيات بالزيادة أو النقصان , وهجراته الداخلية والخارجية , فقد تسبب
هذه العوامل تفككا في الحياة الاجتماعية , وقد تسبب حراكا اجتماعيا في مجتمعات أخرى.
ثانيا: العامل الإيدولوجي ( الفكري ): تعد الايدولوجيا حركة فكرة هادفة تؤثر على سلوكيات وعلاقات وأنماط حياة
البشر, ولها دور كبير في التغير الاجتماعي , كمان أن للظروف دورا في تشكيل إيديولوجيات الناس .فالأيديولوجية الاشتراكية مثلا تكونت بسبب تحكم الرأسمالية في قوى الإنتاج واضطهاد العمال, الأمر الذي جعل الطبقة العمالية
تتمسك بالاشتراكية أملا في الخلاص من النظام الرأسمالي, ولتحقيق العدالة والمساواة .
ثالثا: العامل التكنولوجي( التقني ): إن للابتكارات العلمية تأثيرا مباشرا على الحياة الاجتماعية وعلى سلوك الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية , فقد أدى استخدام التكنولوجيا في الصناعة مثلا الى ضخامة الانتاج والتخصص في العمل , وتركيز القوة في المدن وزيادة الهجرة إليها , وظهور علاقات اجتماعية وقيم فرضتها الحياة الجديدة ساعدت في إيجاد تغير اجتماعي سريع. كما إن التقدم التكنولوجي في المجالات الطبية ساعد في تخفيض معدلات الوفيات وهذا يؤثر على التركيب السكاني وبدوره يؤثر في الحياة الاجتماعية.
رابعا:العامل الايكولوجي (البيئي): إن الظروف المناخية والبيئية التي يعيش بها مجتمع ما تتطلب إقامة أشكال اجتماعية تختلف حسب بيئتهم وهذا يوجد تفاوتا بين سرعة التغير الاجتماعي من مجتمع لأخر. فمثلا نرى اختلاف التغير الاجتماعي لسكان إقليم حوض البحر المتوسط عن سكان إقليم التندرا أو سكان المناطق الاستوائية من حيث عاداتهم
وقيمهم وتطور أساليب معيشتهم.
خامسا: العامل الاقتصادي : إن طبيعة النشاط الاقتصادي للسكان يؤثر على العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والجماعات لان العامل الاقتصادي هو المحور الأساسي لبناء المجتمع وتطوره وان أسلوب الإنتاج هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسية والروحية في حياة الأفراد. ومن الأمثلة على التغير دخول المرأة بقوة الى سوق العمل في أوروبا حيث لعبت أدوارا مهمة في العمل والوظائف الحكومية و الأعمال المهنية الأخرى.
سادسا العامل الثقافي: تنتشر بعض السمات الثقافية من منطقة الى أخرى, أو من مجتمع الى أخر , سواء أكانت أفكارا أم معتقدات أم فنونا أم أية معرفة تنتشر عن طريق وسائل الاتصال , وتحدث تغيرات في نظم المجتمع و أفكار أفراده وهذا
يعرف بالانتشار الثقافي . فانتشار فكرة الحرية والديمقراطية في مجتمعات كثيرة ساعد على تغير شامل في حياة هذه المجتمعات ولنظمتها السياسية والاقتصادية والتعليمية.
سابعا العامل السياسي: إن للإحدات السياسية كانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 والحرب العراقية مع أمريكا وحلفائها
أو أية حروب أو ثورات أو هجرات قسرية اثرا اقتصاديا وفكريا على أفراد المجتمع وهذا بدوره يؤثر اجتماعيا على أفراد المجتمعات.
عوائق التغير الإجتماعي :
العوائق الاجتماعية:
وتقسم إلى ثلاث أقسام الأول الثقافة التقليدية والثاني البناء الطبقي للمجتمع والثالث الميل للحفاظ على الامتيازات.
تعد الثقافة التقليدية عائقا للتغير الاجتماعي في المجتمعات التي تسود فيها الثقافة التقليدية القائمة على العادات والتقاليد, والتي تميل الى الثبات , وتقاوم التغير والتجديد . ففي الهند مثلا يعيش غالبية سكان بعض المناطق في حالة سوء تغذية شديدة , رغم امتلاكهم أعداد هائلة من الأبقار التي تحرم الطائفة الهندوسية ذبحها.
وكذلك فان نظام الطبقات في الهند يحدد المهن التي يعمل بها أفراد كل طبقة , ويتوارثونها بغض النظر عن الكفاءة وهذا النظام يعيق عملية التغير الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى تخاف بعض فئات المجتمع على امتيازاتها وحقوقها المكتسبة , لذا تواجه التغيرات الاجتماعية مقاومة من هذه الفئات مما يعيق مسيرة المجتمع وتطوره , ومثال ذلك مقاومة الإقطاعيين للإصلاح الزراعي خوفا على مصالحهم , وقيام العمال بتحطيم الآلات في بداية الثورة الصناعية خوفا من ضياع فرص عملهم والاستغناء عنهم.
العوائق الاقتصادية:
وتقسم الى ثلاثة أقسام هم : ركود حركة الاختراعات والتكلفة المالية ومحدودية المصادر الاقتصادية.
إن عدم توفر مواد خام وقلة الإمكانات المادية , وانخفاض المستوى التعليمي , والاجتماعي , وغياب التشجيع والتحفيز في المجتمع , كل ذلك يؤدي الى ركود حركة الاختراعات. وكذلك فإن شح الموارد الاقتصادية لدى بعض المجتمعات , وعدم توفر الثروات المعدنية أو الطبيعية , أو عدم امتلاك الوسائل التكنولوجية الحديثة يؤدي الى انخفاض معدلات الاستثمار والتقليل من نجاح خطط التنمية فيها , وينعكس ذلك على خصائص المجتمع.
العوائق السياسية:
وتقسم الى قسمين هما : السياسة الداخلية والسياسة الخارجية.
تتلخص العوائق السياسية الداخلية بعدم التجانس في تركيب المجتمع بسبب الأقليات في بعض المجتمعات مثل) الاتحاد اليوغسلافي سابقا). وعلى العكس من ذلك , نلاحظ كيف تقبل الأردن العديد من الأقليات,التي اندمجت فيه. و أصبحت جزءا لا يتجزأ منه , فضلا في إسهامها في نهضته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأثرت المجتمع الأردني بالعديد من التغيرات الاجتماعية الايجابية. وتتمثل السياسة الخارجية بما يخلفه الاستعمار والحروب التي تستنزف موارد مالية وبشرية هائلة تبقي المجتمعات في مشاكل اجتماعية واقتصادية تشغلها عن النهوض بمستوى معيشة أفرادها وتقدمها.
مشكلات التغير الإجتماعي:
ينتج عن التغير الاجتماعي بعض المشكلات منها:
أولا الصدمة الثقافية : وتحدث للفرد عندما يواجه تغيرات سريعة مثل تغيير مكان إقامته (من الريف الى المدينة و النتيجة هي عدم قدرة الفرد على التكيف السريع مع المتغيرات الجديدة.
ثانيا التفكك الأسري : قد يحدث التغير الاجتماعي ضعفا في العلاقات الأسرية مما قد يعقد حياة الأسرة ويضعف قدرتها على القيام بمهماتها التربوية والاجتماعية.
ثالثا الفجوة الثقافية : تتكون كل حضارة إنسانية من جانبين : مادي ملموس , ومعنوي محسوس. فعندما يحدث تسارع في تطور الجانب المادي وتباطؤ في الجانب المعنوي يحدث ما يسمى بالفجوة الثقافية.ومثال ذلك قبول أفراد المجتمع عمل المرأة خارج المنزل بهدف تأمين تكاليف المعيشة وزيادة دخل الأسرة, في حين يرفض الكثير من الرجال المشاركة في الأعمال المنزلية. فالتطور الذي يحدث في النواحي المادية يكون أسرع بكثير من تقبل الناس لما يخلفه هذا التطور من أثار في العلاقات الاجتماعية.
رابعا خلاف الأجيال: يحدث هذا الخلاف عندما يظهر سلوك اجتماعي أو أخلاقي جديد يناقض تقليدا أو قيمة قديمة لا يمكن الجمع بينهما في وقت واحد,كتمسك جيل الآباء والأجداد بقيم كانت سائدة ومطالبة الجيل الجديد التمسك بها.
خامسا ظهور أنماط سلوكية جديدة عن الشباب : يؤدي التغير الى ظهور أشكال متعددة من المغيرات المادية التي لا يستطيع بعض الشباب إشباع حاجاتهم منها بطرق مشروعة فيلجئون الى الوسائل غير المشروعة لتلبية هذه الاحتياجات.
مشكلات المجتمعات الصناعية:
المجتمع الصناعي هو المجتمع الذي يستخدم الآلات والتقنيات الحديثة بشكل واسع,ويتميز بالإنتاج الصناعي وتعاني المجتمعات الصناعية عددا من المشاكل نتيجة للتقدم السريع في قطاع الصناعة منها:
أولا: الهجرة الواسعة من الريف الى المدن الصناعية وازدياد الطلب على الخدمات
ثانيا: مشكلات التلوث البيئي بسبب كثرة المصانع
ثالثا: سيادة الاتجاه نحو المادية فالغاية تبرر الوسيلة في هذه المجتمعات
رابعا: كثرة الميل نحو الأنانية والفردية,وإهمال النواحي الروحية والعقائدية
الأصالة والمعاصرة في ظل التغير الإجتماعي:
يتميز الوقت الحاضر بتسارع التطورات العلمية والتكنولوجيا التي لا يمكن لأحد أن يعيش بمعزل عنها, ولكن ثقافة ومعتقدات وخصائص ك لمجتمع تحدد أشكال تفاعله مع هذه التطورات, وعلى أفراد المجتمع أن يتمسكوا بثقافاتهم ومعتقداتهم , ويتفاعلوا مع تطورات العصر .فالأصالة والمعاصرة عنصران متكاملان وضروريان في مجتمعنا فيكون
في الأصالة الثبات والرسوخ والعراقة في القيم العربية والإسلامية وفي المعاصرة فهم لروح العصر ومواكبة مستجداته , والاستجابة لضروراته,والدعوة الى فهم الحاضر والتطلع الى المستقبل.