جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
|
الدوافع للقتل- غالبا – نوعان : (1) نوع راجع إلى عوامل اقتصادية (2) نوع يعود إلى أسباب تمس العرض أما الأسباب الاقتصادية فقد شرع الإسلام لها الحلول التالية : (1) أنه دعا إلى فتح المجال أمام الطاقات الفردية لتعمل وتنتج وتعمر الأرض باعتبار ذلك أحد مقتضيات الاستخلاف في الأرض الذي حددته عدة آيات كمهمة أساسية للإنسان في هذه الأرض : ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)) (( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض )) ومن ثم أزاح كل العقبات المادية والمعنوية التي تمنع الإنسان من العمل . 2/ أنه كلف ولي الأمر بحل مشكلة التوازن الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية بحيث لا يظهر الغنى الطاغي إلى جانب الفقر المدقع وذلك بمنع احتكار الثروة عند فئة قليلة. ((كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) 3/ تحريم الربا والاحتكار وهما وسيلتا التضخم الرأسمالي الذي هو السبب الرئيسي في فقدان التوازن الاجتماعي . 4/ قرض الزكاة وهي حق معلوم يؤخذ من الأغنياء وجوبا – ويدفعونه بدافع إيماني – فيرد على الفقراء . 5/ نظام الإرث الذي يفتت الثروة عند كل جيل ويوزعها توزيعا دقيقا على الأقارب . 6/ مبدأ التأمين الاجتماعي عند العجز عن الكسب . 7/ مسؤولية الدولة عن فتح أبواب ومجالات العمل ضمن مسؤولياتها عن تحقيق المصالح العامة . 8/ إلى جانب ذلك كله يولى الإسلام عناية كبرى للضمير الفردي والوجدان فيربيه منذ الصغر على التوكل على الله والإيمان به وعلى قيم الأمانة والعفة والنزاهة ومشاعر الحب للآخرين وخلق التعاون والمشاركة الاجتماعية وبذلك يقضي على بذور الحقد في القلوب قال الله تعالى : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) قال الله تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )) أما الأسباب المتصلة بالعرض فقد شرع الإسلام لتلافيها ما يلي : 1/ تربية الفرد على التعود على ضبط غرائزه والتحكم في شهواته وتصريفها في الحدود المشروعة . قال الله تعالى : (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات الأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) 2/ كما ضمنت الشريعة الإسلامية محاصرة تلك الأسباب بالإجراءات التي شرعتها للوقاية من الزنا والتي سيتم التطرق لها لاحقا .وبهذه الإجراءات تكون عقوبة القتل عادلة ومنطقية وتنحصر دوافع هذه الجريمة في العدوانية البحتة التي تجب إيقافها عند حدها حتى لا يتعرض أمن المجتمع إلى اختلاف وفساد كبير . دوافع السرقة وعلاج الإسلام لها : وأما السرقة فدوافعها المعقولة هي الجوع والعجز عن الكسب واضطراب الميزان الاقتصادي للمجتمع ، إضافة إلى عوامل نفسية أخرى . وما ذكر في الفقرة السابقة عن علاج الإسلام لمسألة عدم التوازن الاجتماعي وما يقوم به من احتياطات في هذا السبيل يقال في السرقة كذلك وإذا حدث رغم تلك الاحتياطات أن وجد جائع يسرق ليأكل أو ليستكمل وسائل حاجته الضرورية فأن الإسلام لا يقيم عليه الحد في هذه الحالة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إدرءوا الحدود بالشبهات ) دوافع الزنا وعلاج الإسلام لها : ودوافع الزنا يمكن ردها إلى عنف الغريزة الجنسية ، وإلى اختلال النظام الاجتماعي الذي يعقد أمر الزواج ويضع في وجهه العراقيل ويدفع إلى التحلل من القيم الخلقية .وقد اتخذ الإسلام في معالجة هذه المشكلة (منعا لجريمة الزنا) تدابير واحتياطات عدة منها : تشريع الزواج والترغيب منه وتيسير إجراءاته قال صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) قال صلى الله عليه وسلم : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ومن ذلك دعوته المجتمع إلى تزويج الأيامى-غير المتزوجين ((وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)) ويدخل في هذا الإنكاح المأمور به في الآية ، المعونة المادية لمن عجز دخلهم عن تكاليف الزواج نسبة لغلاء المهور وغيره . 2/ تربية الإنسان منذ الصغر على قيم التقوى والعفة وخشية الله وتعميق الدافع الإيماني في نفسه وهو ما له أثره الفعال في الكف عن الحرام ((وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله )) مما يعود الفرد على ضبط شهواته والتحكم في غرائزه تعليقا وتأجيلا إلى أن يتيسر الزواج . 3/ إقامة المجتمع على أساس الفضيلة والقيم الأخلاقية والاحتشام وعدم التبرج والخلاعة في وسائل الإعلام وغيرها ومنع كل ما يثير الشهوات ويشيع الفواحش في المجتمع . (( إنن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم )) (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) 4/ شغل الفتيان والفتيات بما ينفس عن الطاقة الجنسية بالدراسة والرياضة والعمل الاجتماعي وغير ذلك . 5/الإكثار من الصوم لمن لم يتمكن من الزواج لعدم قدرته عليه ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ( وهي أعباء الزواج ) فليتزوج فإن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) 6/ الدعوة إلى العودة بالمجتمع إلى قيم الإسلام السابقة الذكر كلما جنح إلى الانحراف عنها سواء تعلق الأمر بإقامة العراقيل أمام الزواج أو التفريط في القيم الخلقية التي تحمي المجتمع وتعصمه من الوقوع في الرذائل أو تعلق بالتخلي عن قيم التكافل وإعانة العاجزين كي يتزوجوا أو بضعف التربية الإيمانية، فالمجتمع مطالب على كل حال أن يعود إلى رشده وأن يرجع إلى ربه، ومن أجل هذا شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) 7/ تشريع الطلاق لمواجهة الحالات التي يرغب فيها أحد الزوجين عن الآخر كرها أو لأنه لا يحقق له رغبته الجنسية ، وذلك من أجل أن يقترن بإنسان آخر يجد عنده المودة والحب وتحقيق الرغبة . (( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته )) دوافع شرب الخمر وعلاج الإسلام لها : تناول الخمر وغيرها من المسكرات أحد الأدواء الاجتماعية ذات الخطورة الكبيرة على الفرد في جسمه لما تؤدي إليه من الأمراض ، وفي عقله لما تدمر من طاقاته وتعوده على الهروب من معالجة المشكلات وفي ماله لما تتطلب من نفقات خاصة إذا أصبحت عادة يبذل فيها الفرد الغالي والنفيس. كما يمتد ضررها إلى الأسرة والمجتمع ككل ومظاهر ذلك بادية للعيان في كل مجتمع اعتاد هذه العادة السيئة ومن أجل تلك الأضرار حرمها الإسلام ، وشرع حدا على شاربها . ولكنه بالمقابل عالج أسباب تعاطيها وتتبع جذورها الاجتماعية . فالدوافع الاجتماعية للخمر ترجع في مجملها إلى فقدان التوازن الاجتماعي مما يؤدي إلى أن يعاقرها صنفان من الناس : أ/ الصنف الأول أهل الترف ، فالمترف بما يجده من فراغ وسآمة وتبلد في الحس يلجأ إلى الخمر ينشد فيها ما يحثه على النشاط ويضفي على نفسه البهجة والتجدد . ب/ أما الصنف الثاني فهم المحرومون ، فالمحروم يغيب بالخمر من واقعه التعيس ، ومتاعبه اليومية المليئة بالمشاحنات . وقد عالج الإسلام هذه الأسباب بما يلي : 1/ دعوته إلى إعادة توازن المجتمع كل ما جنح ميزانه إلى الاختلال حتى لا يصبح المال والأعمال ومصادر الثراء حكرا على طائفة من الناس كي لا تكون دولة بين الأغنياء . 2/ أنه يربط قلب المؤمن بالله ويجعله موصولاً به يشكل دائم ، فلا يعيش فيها لهمومه البائسة قال الله تعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره )) 3/كما أنه يعتبر العمل والكفاح من أجل تحصيل المعايش عبادة يثاب عليها صاحبه ، ما دام موصول القلب بالله مخلص النية له ، والشعور بذلك يكسب القلب ثقة بالله ونشوة في العبادة وروحا معنوية عالية لشعوره بمحبة الله له (( والله معكم )) 4/أنه يربي الفرد على مواجهة مشكلاته وعدم الهروب منها ، وعلى التوكل على الله في مواجهتها والتصدي لها،والإيمان بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أ خطأه لم يكن ليصيبه : (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) و يربيه على الثقة بالله وبأنه لن يتركه يواجه مصيره وحده بل هو محفوف بالعناية الإلهية للمؤمنين : (( والله معكم ولن يتركم أعمالكم )) أن مجهوده لن يضيع لأنه إن لم يجده في الدنيا والآخرة معا وجده في الآخرة قال الله تعالى : (( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا )) والرزق بيد الله يؤتيه من يشاء (( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )) فهذه القيم الإيمانية كلها تربي المؤمن على الصلابة والصبر لحلها وعدم الغيبوبة عنها بأي وسيلة،ومن ثم فالذي يحمل هذا القيم ويؤمن بها لن يلجأ غالبا في حل مشكلاته إلى مثل الخمر –أو غيرها من المغيبات ليهرب عن واقيعه ومواجهة مشكلاته . تدرج الإسلام في تحـريم الخمر : حينما واجه الإسلام الخمر لأول مرة في المجتمع العربي – وقد تأصلت فيه إلى أبعد الحدود – سلك منهجاً متدرجا حكيما في مواجهتها ففي البداية لفت الأنظار إلى آثارها الضارة التي تفوق ما فيها من منافع محدودة (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)) وفي مرحلة لاحقة حرم تعاطيها قبل أوقات الصلاة بحيث لا يأتي وقت الصلاة إلا والواحد منهم في أتم صحوه (( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) وبعد أن تهيأت النفوس لتحريمها وأصبحوا يتطلعون إلى اليوم الذي تحرم فيه تماما وكانوا يقولون ( اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ) جاء التحريم القاطع (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) وبهذا التدرج لم يجدوا أدنى صعوبة في امتثالهم لهذه الآية بل أراقوا الخمر في طرقات المدينة حتى امتلأت منها ومن ثم تأصل الابتعاد عن الخمر في العرف الاجتماعي عند المسلمين ، فرغم انحراف هذه المجتمعات وبعدها المتفاوت عن الإسلام إلا أن الإقبال على الخمر ضعيف فيها جدا مقارنة بالمجتمعات الأخرى ومن ثم فالنظر إلى شرب الخمر باشمئزاز متأصل في الوجدان الاجتماعي لهذه المجتمعات . وتلك هي ميزة الإسلام حيث يعالج المشكلات الاجتماعية بالمزاوجة بين عمل الضمير الداخلي المنفعل بالإيمان ، والرقابة الخارجية في صورة رأي عام يبسطه في المجتمع وعقوبة يكلف الدولة بتنفيذها . وبذلك يحاصر المشكلة من أن تتحول بمرور الزمن إلى عادة مستقرة ومقبولة اجتماعيا ، بل تظل في الهامش وفي نطاق غير المسموح به . ولنا أن نقارن في مشكلة الخمر بين حل الإسلام لها والحل الأمريكي في العشرينات من هذا القرن حيث فشلت هذه التجربة لارتكازها على الرقابة الخارجية وعدم اهتمامها بالقناعة الداخلية المستقرة في الضمير . دوافع الردة وعلاجها في الإسلام : غالبا ما تنشأ الردة عن نوبة من الشك في عقيدة المرتد. وقد عالج الإسلام هذه المشكلة بالآتي : 1/ إن الإسلام لا يكره أحداً على اعتناقه منذ البداية. فالمفروض أن الشخص – ما دام لا يتعرض للإكراه المادي والمعنوي – ألا يقدم على اعتناق الإسلام إلا عن اقتناع (( لا إكراه في الدين )) ((أ أفآمنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) 2/ أنه يحث على تنمية الملكة العقلية على التفكير في الأنفس والآفاق وبحث على تدبر القرآن والتاريخ (( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) (( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض )) (( أفلا يتدبرون القرآن )) (( أ فلم يدبروا القول )) ((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق )) (( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين )) (( أ فلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها )) ومن ثم يطالب الإسلام ببناء القناعة به على نتائج التبصر والتفكير المعمق في الكون والنفس والحياة والتاريخ وفي القرآن نفسه من خلال اكتشاف دقة التدبير وبديع الصنع وما يلزم من ذلك من إفراد الله بالألوهية فتؤسس القناعة بالإسلام على هذه النتائج الباهرة ، مما يعطي إيمانا قائما على البرهان لا على التقليد وعلى الحجة لا على الظنون . 3/ أنه يتيح للمرء فرصة التوبة لفترة محدودة يمكن فيها من عرض مشكلته ومناقشتها معه مناقشة حرة يتم من خلالها إزالة الشبهات عنه وتوضيح الأمور التي يشك فيها انطلاقا من برهان العلم ودليل الحس ، وحجة العقل فإن رجع ولو بلسانه فقط عصم دمه وحفظت له حقوقه وحصانته . الإفساد في الأرض وعلاج الإسلام له : أما الإفساد في الأرض فهو تقريبا مركب من الجرائم السابقة . فأسبابه في الغالب هي نفس أسباب تلك الجرائم والإجراءات التي يقوم بها الإسلام لنزع فتيل تلك الجرائم ووأدها في مهدها تحاصر كذلك جريمة الإفساد في الأرض وتقلل من فرص وجودها . وهكذا – وبتلك التدابير- يواجه الإسلام مشكلة الإجرام فيقضي عليها في مهدها بل ويتلافى أسباب وقوعها، فلا يهيئ لها الفرص للنمو ولا المناخ الملائم للتكاثر، فيحفظ للمجتمع أمنه ويرعى الفرد ويعالج دوافعه للإفساد بإعطائه حقوقه وعلاج مشكلته ونزع بذرة الإجرام من نفسه . فتقل بذلك الجرائم إلى أقصى حد ممكن ، ويعيش الفرد والمجتمع كلاهما في سلم وأمان.
جميع الحقوق محفوظة - الإسلام اليوم 1421-1429هـ
|
لا يوجد