الضابط المصرى وعالمة الآثار الأيرلندية
تبدأ الرواية حين يصدر قرار تعيين الضابط محمود مأموراً لواحة سيوه ، أرسله رؤساؤه إلى هناك لجمع الضرائب التي يرفض أهل الواحة تسليمها ، عرف محمود أية مهمة صعبة تنتظره ، ويعرف كذلك أن شكوك رؤسائه في ولائه للنظام كانت سبب اختياره لتلك المهمة ، فهو في نظرهم الضابط المتمرد المغضوب عليه بسبب ماضيه في الكفاح الوطني ضد الاستعمار الإنجليزي ، هذا الماضي الذي تبرأ منه قبل سنوات حين علم رؤساؤه بموقفه المعادي للإنجليز والحكومة، فوجهوا إليه تهمة الخيانة .
« هما إجابتان قصيرتان في تحقيق القومسيون ، أحاول نفيهما من ذاكرتي باستمرار، ولكنهما تقبعان داخلي كالجمر:
سؤال: هل كنت تؤيد أحمد عرابي وزمرته ؟
جواب: بل كنت من الساخطين على أفعال البغاة » .
بدأت بهذه الإجابة أزمة محمود مع نفسه ، فهو لم يستطع أن يتمسك بمواقفه أمام التهديد ، ولكنه في الوقت نفسه لم يستطع أن يسوغ ذلك أو يغفره لنفسه فظلت إجابته تلك عاراً يحمله معه طول الوقت ، وإلى جوار محمود ، نجد كاثرين زوجته الإنجليزية ، ذات الأصول الأيرلندية ، والباحثة في علم الآثار ، التقاها حين كانت تزور مصر بعدما انتهى زواجها الأول الفاشل برحيل زوجها عن الحياة ، حين التقيا كان كلاهما يحاول أن يجمع أشياء مبعثرة في داخله ، وجمع بينهما بالإضافة إلى ذلك كراهة كل منهما لما يفعله الاحتلال الإنجليزي في بلديهما ، وماضٍ فشل فيه كل منهما في أن يجد نفسه ، ويحيا حياة متسقة في ظاهرها وباطنها .
رسم الكاتب شخصيتي محمود وكاثرين بدقة ، فهما شخصيتان تختلفان مقدار تشابههما ، وتتحركان بين جانبي طيف واسع من المتناقضات ، منذ الفصول الأولى نعرف أن محمود يعيش أسيراً لماضيه ، تعذبه أخطاؤه ، ويود دوماً لو كان أرقى ، لكنه يَعلق بهذا الماضي الذي لا يرضى عنه ، دون أي جهد حقيقي لتغييره ، أو إغلاق ملفاته القديمة والبدء من جديد ، لذلك نراه منذ بدء الرحلة إلى الواحة يتحدث كثيراً عن الموت ، حديثاً هو مزيج من النبوءة والرغبة ، فروحه اليائسة ترى أن الموت هو الخلاص الوحيد المحتمل ، وحساب عقله يؤكد له صعوبة المهمة التي أوكلت إليه ، واحتمال أن تنتهي حياته على يد أهل الواحة كما انتهت حياة المأمورين السابقين .
« خوفي من وصول القافلة سالمة إلى مقصدها لا يقل عن خوفي من أن تضل الطريق ، أعلم جيداً أني ذاهب إلى المكان المنذور لقتلي » .
وباليقين نفسه الذي يرى به محمود أن رحلته إلى الواحة هي رحلة النهاية ، تراها كاثرين فرصة للبدء من جديد في كل شيء ، في علاقتها بنفسها، وبمحمود ، وفرصة لتحقيق مجد علمي باكتشافها دليلاً على وجود مقبرة الإسكندر في سيوه ، أو ربما اكتشاف المقبرة نفسها ، فهي ترى الدنيا عبر منظار شخصي للغاية ، لكنها لا تغرق في ذاتها كما يفعل محمود ، وإنما يدفعها ماضيها الحافل بالخيانة والخيبات ، تماماً كماضي محمود ، إلى أن تتحرك للأمام وتبني مستقبلاً مختلفاً .
« لا أفهم أي معنى للموت ، لكنه مادام محتماً فلنفعل شيئاً يبرر حياتنا ، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها » .
بعد رحلة طويلة في الصحراء ، يصل محمود وكاثرين إلى الواحة ، يفاجأ محمود بفقر أهلها ، ويرى جسامة الضرائب التي تطالبه الحكومة بجمعها منهم ، فيكتب لرؤسائه مقترحاً خفضها إلى النصف ، ويسعى في أن ينجز مهمته دون العنف الذي ينصحوه به ، يحاول كسب ود أهل الواحة واحترامهم ، فيذهب إلى صلاة الجمعة في مسجدهم الكبير ، ويمشي في الطرق وحيداً بلا حرس أو مواكب ، ويخرج على رأس مجموعة من الجنود يطارد لصوص البدو ، ويحمي الواحة من غاراتهم ، لكن ذلك كله لم يفلح في أن يمتص بعضاً من نظرات الكراهية والتوجس التي لم يخطئها محمود وكاثرين ، في كل العيون منذ لحظة وصولهما ، فمحمود مهما فعل ، في نظرهم المأمور مبعوث الحكومة المكلف جمع ضرائب تثقل كواهلهم ، وكاثرين هي المرأة الأجنبية التي تقتحم بلدتهم وتفتش فيها بحثاً عن كنز الواحة الذي خبأه الآباء الأقدمون .
يتبع فى الجزء الرابع من ملخص الرواية
المقال التالى ( واحة الغروب - 4 )