مجتمع واحة سيوة
يتّجه بهاء طاهر في روايته « واحة الغروب » إلى واحة سيوه ، لتكون مسرحاً لأحداثه. يغوص في تاريخ الواحة حتى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، ويفتح لنا نافذة نطل منها على مجتمع شديد التعقّد بحدوده وعاداته وطبقاته ، يمثّل مادّة خاماً شديدة الثراء لهذه الرواية ، وعبر فصول الرواية ، نرى مجتمعاً أنهكته الحدود والأسوار ، الحدود العشائرية تقسمه إلى عشيرتين كبيرتين ، الشرقيين والغربيين ، لم تنقطع بينهما الحروب عقوداً طويلة ، تهدأ أحياناً حقباً قليلة مشحونة بالتوتر من الجانبين ، ثم تندلع نارها ثانية مع أقل شرارة ، والحدود الطبقية تقسم هذا المجتمع إلى فلاحين وسادة ، يملك الأجواد الأرض والبساتين ، ويسكنون في البلدة الكبيرة ، ويتحكمون بقراراتهم في كل صغير وكبير من شئون الواحة وأهلها ، أما الفلاحون فهم مجندون للعمل في فلاحة الأرض ، يعملون وينامون في البساتين ، وممنوع عليهم دخول المدينة وعبور أسوارها بعد غروب الشمس.
وعلى الرغم من الخلاف المزمن بين عشيرتي الواحة ، والأحقاد التي تراكمت عبر السنين ، تدفعهم الحاجة إلى التوحد حيال خطر أكبر يأتيهم من الخارج ، هذه الخطر هو الحكومة ورجالها ومحاولاتها فرض سلطانها عليهم ، فالواحة التي عاشت على مر قرون ، أرضاً مستقلة لا تخضع لأي دولة أو قوة خارجها ، تقاوم خضوعها لسلطان الدولة المصرية ، ترسل الحكومة جنودها ورجالها ، فيثور أهل الواحة عليهم ، ويمتنعون عن دفع الضرائب ، ويلهب الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر في ذلك الوقت هذا الخلاف ، فتتسع الهوة ، ويستحيل على الطرفين التوصل إلى حل أو اتفاق.
يتخذ بهاء طاهر من هذه الأرض خلفية لروايته ، ثم ينسج أحداثها حول خيطين يستمدهما أيضاً من تاريخ الواحة ، أول الخيطين هو حادث انهيار معبد أم عبيدة بالواحة عام 1897م ، والخيط الآخر هو سؤال يؤرق علماء الآثار عن مكان وجود مدفن الإسكندر الأكبر ، والنظرية التي لم تثبت صحتها بعد عن وجود هذه المقبرة في واحة سيوه ، يتناول الكاتب هذين الخيطين ، بسلاسة فائقة وحرفية عالية ، ويعقدهما معاً ، من طريق ربطهما بشخصيتي الرواية الرئيسيتين ، الضابط محمود عبد الظاهر ، وزوجته الإنجليزية كاثرين .
يتبع فى الجزء الثالث من ملخص الرواية
المقال التالى ( واحة الغروب - 3 )