الهاون
كتبها نبيل خالد سعيد خصاونة ،
بالامس كنت ذاهبا الى دائرة حكومية لانجاز بعض المعاملات استوقفني ذلك الجناح الخاص في الصالة الرئيسة الذي يمثل متحفا للتراث القديم وادواته من محماسة ودلة الى كانون الحطب ولكن اكثر ما استوقفني وشدني هو: الهاون المتألق بلونه الاصفر النحاسي وبجانبه يده المبرومة باحكام
لم أشعر بنفسي الا وانا جالس امامه وبحركة لا شعورية قبضت يده وحركتها فارتطمت بجسده فصرخ باعثا رنينا حادا ما لبث ان تلاشى ولكنه كان كافيا لتحملق بي مئات العيون المستهجنة فعلي ،ولا ادري هل أعجبهم الصوت فقد بدت عليهم الابتسامة فقرعته مرة اخرى ولكن هذه المرة جاءني الصوت من خلفي يا أخي اما قرأت اللافتة ممنوع اللمس فاعتذرت منه وقمت واقفا لكن صوت الهاون ما زال يرن في اذني
نعم لقد كانت امي توكل الي مهمة طحن الهيل والبهار فيه قبل ان تخرج علينا المطاحن الكهربية ما زلت اذكر وانا اطرق جوفه فينفجر الصراخ وله صدى يملأ اركان الغرفة وأكتم الصوت بتغطية يدي على فيه فيخرج مكتوما
الهاون كان صديق طفولتنا
كان يزين رف نمليتنا ويحتفظ دائما برائحة اخر حبة هيل يطحنها
لم تعد تسمح لي التقنية ان أطرب اذناي بصوت تاريخ الاجداد
لم تعد تسمح لي ان اكحل عيناي باشعة الشمس المنعكسة على جسمه النحاسي الجميل
نعم لقد سرقت منا الحضارة باكاذيبها الزائفة سفينة الاصالة ورمتها في بحر النسيان
أيها الهاون اين ذهبت؟
الى اي واد تدحرجت؟
اين رائحة الهيل تفوح من جسدك؟
لا ادري
بل ادري لقد رايتك في المتحف تزين الرفوف وصرنا نخاف من يدك الثقيلة ان تكسر اصابعنا الرقيقة
لا تحزن ايها الهاون فقد نسيناك ونسينا التاريخ والجذور حتى صرنا ريشة في مهب الريح