يبدأ مع منتصف شهر سبتمبر موسك صيد سمك السردين فى الجزء الغربى من البحر المتوسط ، مما يجعل الصيادين فى مدينة بورسعيد مشتاقون لظهور أسراب السردين أمام شباكهم المنصوبة أمام الشاطئ.
بطول 5 كيلو مترات هى امتداد بورسعيد على البحر المتوسط تصطف عشرات القوارب الخشبية ، تنتظر قرار نزولها إلى المياه لبدء الصيد ، فيما ينتظر بجوار كل قارب 15رجلا تقريبا إشارة البدء فى سحب الشباك المحملة بالأسماك.
طوال شهرى سبتمبر وأكتوبر تمثل أسماك السردين وجبة أساسية لسكان مدينة بورسعيد والمدن الساحلية على البحر الأحمر، وتكون بمثابة "فاتحة خير" على الصيادين الذين ينتظرون السردين كختام سخى لموسم الصيد قبل التوقف فى الشتاء بسبب الرياح الشديدة وسرعة الأمواج التى يصعب معها التحكم فى قوارب الصيد.
يقول محمد غنيم "صياد" وقف ليساعد زملائه فى جر الشباك فى ظهيرة يوم الثلاثاء الماضى: "نقوم بهذه العملية مرتان يوميا، الأولى فجرا ثم فى فترة الظهيرة، أحيانا نكررها مرتان متتاليتان فى الظهر".
ويتحكم فى فترات الصيد مواعيد عمل أسواق الأسماك ، ويفضل الصيادين الصيد فى الفجر وقبل خروج الموظفين من أماكن عملهم بعد الظهر.
وغنيم يعمل طول عمره فى مهنة الصيد التى ورثها عن والده وجده اللذان عملا فى الصيد بالجرف على شاطئ بورسعيد منذ أربعينيات القرن الماضى، ويضيف، فى الصيد كلنا نتساوى، نقتسم حصيلة الصيد كل بحسب خبرته أو جهده، فمن يقوم بالتجديف له أجر إضافى عن من يقوم بالجر فقط أو ضبط وضعية الشباك.
تمتلك بورسعيد أسطولا كبيرا من قوارب الصيد الآلية التى ترسو فى ميناء الصيد شرقى المدينة ، ولكن الصيد بجر الشباك من الشاطئ له تكتيك مختلف ، يشتهر به سكان حى المناخ المواجهة لشاطئ البحر مباشرة.
يقول غنيم "الصيد بهذه الطريقة يسمى الجرفة"، لأن الشباك تجر من القوارب إلى الشاطئ ونجمع ما بها من أسماك"
فى طريقة الجرفة يوضع شباك الغزل على قارب خشبى كبير "فلوكة" ليبحر بها خمسة أو سبعة صيادين لفرد الشباك فى أماكن محددة ويسمك بطرف الشباك مجموعة صيادين على الشاطئ، ومعهم طرف الحبل المتصل بالغزل وتبدأ مجموعة الفلوكة بالدخول إلى البحر وإنزال الحبال ، حتى إلقاء أول علامة شباك وهنا تبدأ مجموعه الشاطئ فى شد هذا الحبل ، وفى الوقت الصيد فجرا يطلق القارب إشارة بالكبريت لمجموعه الشاطئ لبدأ عملية الشد.
ينزل القارب الشباك إلى البحر على شكل نصف دائرة ويعود القارب بطرف الحبل الثانى إلى الشاطئ يشكل نصف دائرة قطرها 300مترا، ويبدأ الجميع بشد الحبل ، إلى أن يصلا إلى علامات الشد ، ثم ينقسم العمل إلى مجموعتين الأولى لسحب الطرف السفلى للشباك وما به من ثقل ، والأخرى لرفع الحبل العلوى بعلامات الطفو نصف الدائرة. ولذك سميت هذه الطريقة بالجرفة لأنه بهذا الأسلوب تجرف الأسماك بواسطة الشباك.
يبلغ عدد الصيادين فى شد الحبال 20 صيادا ، ويساعدهم أحيانا المصطافين على الشاطئ، لتكون تجربة ممتعة بعد مشاهدة نتاج الصيد ، وأحيانا ما يكافئ صاحب المركب من شارك فى الشد بكمية من الأسماك الصغيرة ليلهو بها الأطفال.
يقول يوسف فرح صياد شاب ، حصيلة الصيد تقسم لثلاثة أجزاء ، ثلث للقارب وثلث للشباك ، وهما لأعمال الصيانة المستمرة ، والثلث الأخير يقسم بين الصيادين كأجر يومى .
ويضيف "كميات الأسماك لم تعد كما كانت ، ولكن الرزق نحمد الله عليه فى الماضى كان الرزق وفيرا خاصة فى مواسم أسماك السردين والباغة، ولكن حاليا أعداد الأسماك قلت بشدة وأيضا أعداد الصيادين بالجرف ، بسبب العمل على قوارب الصيد الكبيرة.
ويباع السمك مباشرة على الشاطئ للمصطافين الذين يترقبون القوارب وينتظرون الأسماك الطازجة، حيث يقام مزاد سريع بعد تجميع الأسماك بحسب نوعها فى صناديق بلاستيكية، ويختلف سعر الأسماك بحسب حجمها ونوعها.
موسم السردين كان له طقوسا فى بورسعيد، حيث كان يخرج له مواكب من ميناء الصيد وحتى أماكن السوق يتقدمه شيخ الصيادين مفتتحاً الصيد الذى كان يستمر 70 يوما تقريبا، وورائه العربات المليئة بالسردين تمر أمامنا على مدار ٢٤ ساعة، حتى أن أسفلت الطريق كان يبقى عليه رائحة الخير حتى تزيله الأمطار.
وكشف تقرير إحصائى لهيئة تنمية الثروة السمكية فى مصر عن انخفاض نتاج الصيد فى البحر المتوسط ومن بينها مدينة بورسعيد ، طبقا لأخر إحصاء رسمية لعام 2015 بنسبة 8.2%، بسبب عمل قوارب صغيرة بالمناطق الضحلة بحرفة الجر مخالفة للحرفة المرخص بها لهم وذلك خلال الأعوام الثلاث الماضية مما جرف القاع على امتداد الساحل أمام دلتا نهر النيل وهى أكثر المناطق كثافة بالصيادين خاصة القوارب الصغيرة (أقل من 15متر طول) وكذلك مناطق الأعشاب البحرية بغرب الإسكندرية ، وعدم حصر الإنتاج السمكى من مراكب النزهة لهواة الصيد بالسنار ، وعدم تطبيق قانون حظر الصيد بالساحل المصرى للبحر المتوسط لمدة شهرين .
ويشكو صيادين الجرفة ببورسعيد من توقف الصيد لمدة أربعة أشهر على الأقل طوال العام بسبب منع الصيد ، بالإضافة إلى الأيام التى لا يستطيعون فيها النزول إلى المياه بسبب أحوال الطقس.