مبادئ مهمة لتحقيق اللامركزية في الإدارة المحلية / د. ندى فهد الناصر
على الصعيد المحلي، هناك صلة قوية بين الانتخابات المحلية وبين استقلالية السلطات المحلية، فالانتخابات تعتبر العنصر الأساسي للإدارة المحلية، وفي هذا الصدد، أكد فرانسوا ميتران (1990)، أن « اللامركزية ليست غاية في حد ذاتها ... فهي ضرورية لأنها حاملة للحرية و لأنها أداة للديمقراطية ».
وتوجد العديد من المبادئ لتحقيق اللامركزية في الإدارة المحلية، من أهمها:
أولا: مبدأ الانتخابات المحلية:
تتطلب اللامركزية الإدارية أن تدار الشؤون المحلية من خلال ممثلين منتخبين من قبل المواطنين وليسوا معينين من قبل السلطة المركزية. الانتخابات تعزز العلاقة بين السكان المحليين و بين الوحدة الإدارية التي يسكنون فيها من جهة ، وتوفر للسلطة المنتخبة الاستقلالية و حرية التعبير من جهة أخرى. فآلية الانتخاب تضع إذاً نهاية لمبدأ التسلسل الهرمي.
1- الحق في انتخاب ممثلين محليين :
مشاركة المواطنين في الانتخابات المحلية مهم لأنه سوف يولد مفهوم المواطنة ويسمح لهم في التعبير عن إرادتهم فيما يتعلق بالمصلحة المحلية. فالمشاركة في الحياة المحلية تعبر عن التحدي الديمقراطي وتولد الشرعية الديمقراطية على المستوى المحلي. ينبغي منح حق التصويت لجميع الناخبين في المجتمع المحلي دون تمييز قائم على أساس الدين أو الجنس أو الرأي السياسي. ويجب ضمان المساواة بين الرجل والمرأة في القدرة على اختيار ممثليهم في المجالس المحلية.
2 - الشروط القانونية لأهلية العضو المنتخب Les conditions d’éligibilités)) :
يجب أن يتم منح الحق في تقديم طلب الترشيح لعضوية المجالس المحلية لجميع سكان الوحدة المحلية. للناخب حق التصويت باعتباره فرداً في الوحدة المحلية ، إلا أنه يجب أن نميز بين امتلاك الحق في الترشيح و بين ممارسة ذلك الحق. في الواقع، إن أهلية الترشيح لعضوية مجلس محلي ليست متاحة للجميع ولكن فقط للبعض الذين استوفوا الشروط التي يقتضيها القانون، وينص المشرعون غالبا على الشروط التالية:
- شرط الجنسية: هذا الشرط يثير مسألة مرتبطة بعدم قدرة الأشخاص المقيمين ضمن نفس الوحدة المحلية تقديم طلب الحصول على عضوية المجلس المحلي لهذه الوحدة. في الحقيقة، إن حرمان غير المواطنين من الحقوق السياسية له ما يبرره من حقائق ، حيث أن « الجنسية هي معيار ولاء الفرد تجاه أمته. بمعنى أنها دليل على وجود صلات الارتباط التي يمكن للمواطن العادي أن يتقاسمها مع المواطنين الأخرين، مثل الأصل والتقاليد والطموح. أما الأجنبي فهو غير مستوف للعناصر المكونة للمواطن، وبالتالي فهو محروم من ممارسة الحقوق السياسية ».
- شرط السن : يستند هذا المعيار إلى امتلاك الحد الأدنى للسن التي يحددها القانون والتي تمكن الشخص من أن يقدم ترشيحه. بموجب هذا الشرط فإن إدارة الشؤون المحلية ليست متاحة لعموم السكان، ولكن فقط للبعض الذين يملكون القدرة الفكرية الكافية. و بالتالي فهذا يشكل خرقاً للمبدأ الديمقراطي: فكلما كانت السن المطلوبة مرتفعة، كلما قوض المبدأ الانتخابي بسبب انخفاض أعدد المرشحين المحتملين في الوحدة المحلية. بشكل عام، إن ميل المشرعين لتحديد العمر يهدف إلى زيادة عدد المرشحين الحاصلين على مستويات كافية من التعليم من أجل تحسين كفاءة المجالس المحلية وتعزيز قدراتها. و لكن في الحقيقة، إن هذا الشرط ليس معياراً مؤكداً لضمان إدارة سليمة للشؤون المحلية؛ فالفرد الذي لم يبلغ السن الذي يقتضيه القانون للتقدم بطلب للحصول على عضوية مجلس محلي يمكن أن يكون قادراً على إدارة شؤونه الخاصة بشكل تام.
- شرط التعليم : الهدف منه هو رغبة المشرع في خفض عدد الأميين في المجالس المحلية من أجل تحسين كفاءتها الوظيفية. يجب أن يعرف المرشح القراءة والكتابة.
- شرط التمتع بالحقوق المدنية.
- شرط الإقامة في الوحدة المحلية: و هو شرط هام لأن عدم النص عليه يضعف الجانب اللامركزي. إن وجود صلة بين المرشح لعضوية المجلس المحلي و بين الوحدة المحلية ينبع من المفهوم نفسه للامركزية. فشرط الإقامة هام للاعتبارين التاليين : أولاً، من الواضح أن الأعمال المحلية سوف تكون مدارة بشكل أفضل من قبل أشخاص يرتبطون بوحداتهم المحلية بصلة قانونية و ذو معرفة و دراية بالمشاكل المحلية مقارنة مع الأشخاص الذين يقيمون خارج الوحدة المحلية. ثانياً، شرط الإقامة يتيح من الناحية الجغرافية تحديد الإطار المحلي الذي يمارس فيه الشخص حقوقه.
ثانيا: مبدأ انتخاب أعضاء المجالس المحلية :
إن تطبيق مبدأ الانتخاب لا يدخل فقط في تشكيل بنية المجالس المحلية، بل لا بد أن يطبق أيضاُ على طريقة التصويت وعلى فترة عضوية هذه المجالس.
1- تشكيل المجالس المحلية : يجب أن يتم تشكيل المجالس المحلية من خلال الطرق التالية:
- تمثيل مختلف الفئات الاجتماعية: التمثيل المتوازن في المجالس المحلية لمختلف الفئات الاجتماعية هو عنصر أساسي من أجل إحياء الديمقراطية المحلية. من المؤكد أن اللجوء إلى الانتخابات كطريقة لتعيين ممثلين محليين هو أمر ضروري بحيث أن هذه الطريقة تضمن حرية التعبير.
- تخصيص مقاعد لكلا الجنسين : الرجال والنساء، و هذا عامل خصب للديمقراطية المحلية.
- تحديد عدد من أعضاء المجالس المحلية ينبغي أن ينشأ على أساس ديمقراطي، فانقطاع العلاقة بين عدد أعضاء المجالس و عدد سكان الوحدة المحلية يضعف فعالية المجالس المحلية لأن « التمثيل الشعبي يقوي العلاقة بين السلطة المحلية وبين السكان المقيمين من خلال تسهيل تنفيذ سياسة المجلس». إن اعتماد هذه القاعدة هي نقطة الانطلاق التي نستطيع من خلالها أن نقيس مدى احترام مبدأ الديمقراطية المحلية. لذلك، لا بد من تحديد عدد أعضاء المجالس على أساس موضوعي، بحيث لا يشمل فقط التركيبة الديمغرافية للوحدة المحلية ولكن أيضاً النطاق الجغرافي للوحدة المحلية وحقائقها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
2- طريقة التصويت: لا بد من اعتماد التصويت القائم على الاقتراع العام المباشر. هذا النظام يضمن استقلالية الأعضاء المنتخبين ويقوي موقفهم سواء داخل الجهاز المحلي أو تجاه السلطة المركزية. بالإضافة إلى ذلك فإن طريقة التصويت هذه تسهم في إبعاد كل عنصر من عناصر التمييز في تعيين أعضاء المجالس المنتخبين، مثل : الدين أو العرق أو الوضع الاجتماعي.
3- فترة عضوية المجالس المحلية: ما هي المدة المثالية كي يتمكن أعضاء المجالس المحلية من ممارسة صلاحياتهم المخولة بموجب القانون ؟
من الناحية القانونية، ليست هناك قاعدة عامة في تحديد مدة عضوية المجالس المحلية. تعتمد هذه المسألة على السلطة التقديرية للمشرع في كل دولة.
لم يتبنى الحقوقيين رأياً بالإجماع حول المدة المثالية لعضوية المجالس المحلية. فهنالك اعتبارات إدارية أو سياسية تؤدي إلى تحليلات متباينة :
يرى أنصار المدة الطويلة (ست سنوات مثلاً ) أن طول مدة العضوية في المجالس المحلية يشكل عاملاً هاماً في تحقيق مشاريع وبرامج طويلة الأجل في الوحدة المحلية. يبررون رأيهم بأن هذه المدة تحقق الاستقرار في المجالس المحلية. و أن الأعضاء يكتسبون الخبرة اللازمة و يشعرون بالثقة و بأنهم أكثر حرية في مواجهة أية ضغوط احتمالية كتلك التي تنشأ مع الانتخابات المتكررة. بالإضافة إلى ذلك فإن المدة الطويلة للعضوية تقتصد التكلفة و مصاريف الانتخابات المتكررة ، وتقلل من الصراعات القبلية التي تولدها الانتخابات المحلية في كثير من الأحيان.
بالمقابل فإن أنصار المدة القصيرة يبررون موقفهم بأن قصر مدة العضوية في المجالس المحلية تشجع المنتخبين على العمل بوتيرة سريعة و منتظمة لضمان حسن سير الشؤون المحلية. فالمدة القصيرة تشكل فرصة لممارسة الديمقراطية بشكل مكثف، و تدريباً للمواطنين حول كيفية ممارسة حقوقهم السياسية و تصريحاً لهم بممارسة الرقابة الفعالة على أعضاء المجالس المحلية، و تجديداً للدم في أوردة وشرايين المجالس المحلية بشكل دائم.
بدون أدنى شك، إن اتخاذ الطريق الوسط بين هذين الطرفين المتعارضين هو الحل المناسب. يجب أن توجه مدة عضوية المجالس المحلية لخدمة الديمقراطية المحلية و أن تحقق فرص انتخابية متساوية بين المواطنين و أن تسمح للمجالس المحلية بإنهاء مشاريعها وبرامجها. لذلك فإننا نضم صوتنا إلى رأي الدكتور حمدي سليمان القبيلات ، الذي يرى أن فترة العضوية في المجالس المحلية يجب أن تكون فترة معقولة، تحقق الاعتبارات السياسية والإدارية في وقت واحد ، وهذا يعني ألا تكون طويلة جداً ولا قصيرة جداً، بحيث تتيح لأعضاء المجالس المحلية أن يستقروا في وظائفهم ويكتسبوا الخبرة اللازمة لممارسة مهامهم، وتسمح في الوقت نفسه للمواطنين بممارسة حقهم الانتخابي بطريقة دائمة ومتجددة .
ثالثا: مبدأ انتخاب السلطة التنفيذية المحلية :
تتمتع الوحدات المحلية، مثل الدولة، بوجود سلطة تنفيذية مسؤولة عن تنفيذ قرارات أعضاء الهيئة التداولية، فإن الاستقلالية المحلية - حجر الزاوية للامركزية - لا تتعلق فقط بأعضاء المجالس المحلية و إنما أيضا بسلطاتهم التنفيذية.
1- انتخاب أعضاء السلطة التنفيذية المحلية :
إن الاستقلالية المحلية للسلطة التنفيذية المحلية تجاه السلطة المركزية تمر من خلال الانتخابات من قبل ناخبي الوحدة المحلية؛ حيث تحقق المشاركة للمواطنين في اختيار السلطة التنفيذية مبدأ اللامركزية في الإدارة المحلية وتضمن تطبيق المبدأ الديمقراطي الذي يشكل الأساس و الضمانة لإدارة لامركزية فعالة.
يشير البروفسور Franck MODERNE، في تقرير حول المجتمعات الإفريقية و العربية، أن « طريقة التمثيل المعتبرة سمة من سمات الاستقلالية للهيئات المحلية هي الانتخاب : الانتخاب ليس فقط لأعضاء الهيئة التشاورية ، ولكن أيضاً للهيئة التنفيذية المحلية، بحيث تملك هذه الهيئات شعوراً بإدارة قضاياهم الخاصة دون تدخل من السلطة المركزية » .
2- فترة عضوية أعضاء السلطة التنفيذية المحلية:
يتم تحديد فترة العضوية التي تمارس فيها السلطة التنفيذية المحلية مهامها من خلال التشريعات المنصوص عليها في كل دولة. و بالتالي فإن فترة عضوية الهيئة التنفيذية المحلية تختلف عن فترة عضوية الحكومة التي تكون غير محددة المدة.
من الصعب جداً تقدير مسألة طول أو قصر فترة عضوية السلطة التنفيذية المحلية، فالآراء تنقسم و لا شك في أنه يجب ألا تكون المدة طويلة جداً ولا قصيرة جداً ولكن معقولة من أجل تحقيق متطلبات اللامركزية والإدارة المحلية الفعالة في نفس الوقت.
وأخيرا تتطلب فعالية وحسن سير العمل في الإدارة المحلية فريقاً محلياً متكاملاً منتخباُ بشكل مباشر من قبل المواطنين و قادراً على العمل بجودة.