الرقابة الإدارية على الوحدات المحلية / د. ندى فهد الناصر
بداية لا بد من إلقاء الضوء على الدلالة القانونية للرقابة الإدارية من قبل السلطات المركزية على الهيئات اللامركزية، ومن ثم نتطرق إلى دراسة وسائل الرقابة الإدارية المطبقة.
أولاً: الدلالة القانونية للآلية بين الوصاية والرقابة :
تعرف الوصاية من الناحية القانونية بأنها « الرقابة التي تمارسها سلطات الدولة على أعمال الهيئات اللامركزية لضمان الشرعية ومنع التجاوزات المحتملة والحفاظ على المصلحة الوطنية بالنظر إلى المصالح المحلية أو التقنية ».
هناك فرق واحد بين « الرقابة » و « الوصاية ». هذان المصطلحان لا يملكان نفس المعنى. إذا كان يقصد بمصطلح « الرقابة » ضمان حسن سير العمل، فإن مصطلح « الوصاية » يعود إلى القانون المدني و يقصد به حماية شخص ما لأنه غير قادر على حماية نفسه. بالنسبة للبعض : « الحديث عن الوصاية على الوحدات المحلية، يعني أننا ننظر إليها كقاصر غير قادر من الناحية القانونية على اتخاذ قرارات نهائية. يتم تأكيد قرارات هؤلاء القاصرين فقط بموافقة شخص حيث من المفترض أنه يملك حكماُ أكثر أماناً و صحة من القاصر ».
في فرنسا، و منذ قانون 2 آذار 1982، تم استبعاد مصطلح«الوصاية » و حل محله مصطلح « الرقابة ». هذا و إن دل على شيء فإنما يدل على رغبة المشرع في ضمان استقلالية الوحدات المحلية و منحها حرية في الإدارة.
ما الدلالة القانونية للسلطة المعطاة  للجهات المركزية في دول الشرق الأوسط ؟ هل هي رقابة أم وصاية ؟
إن الإجابة على هذا السؤال يجب أن تستند إلى معرفة مدى الوجود المستمر للسلطة المركزية فيما يتعلق بالرقابة على السلطات المحلية. من الملاحظ أن الرقابة المرتبطة بالطابع الوحدوي لكل دولة عربية تقود إلى الاعتقاد بأن الرقابة هي القاعدة بينما حرية الإدارة فهي الاستثناء. وبطبيعة الحال، من أجل تجنب كل ارتباك ناجم عن تشابه المصطلحات التي تملك طبيعتين مختلفتين، فإن مشرع هذه الدول قد استبدل مصطلح « الوصاية الإدارية » بمصطلح « الرقابة الإدارية ». إلا أنه بالنظر إلى المفهوم الفرنسي للرقابة فإننا نجد أن المصطلح المستخدم في الدول العربية هو أقرب إلى « الوصاية الإدارية ».
كيف يمكن تبرير الوصاية على الهيئات اللامركزية في البلدان العربية ؟ وما هي آثارها المترتبة على حسن سير عمل هذه الهيئات ؟
« الوصاية » أو « الرقابة » هما آليات ل اللامركزية. عند الانتقال من المركزية إلى اللامركزية تستبدل السلطة التسلسلية بسلطة الوصاية أو الرقابة . فالرقابة تشكل « النتيجة القانونية » ل اللامركزية ، تبرر الوصاية على الهيئات المحلية في البلدان العربية لأسباب تاريخية واجتماعية تعود إلى المشاعر الناشئة عن التقاليد والأعراف القبلية المنحدرة من الفترة العثمانية.
فوائد الرقابة كثيرة من وجهة نظر الدولة: فهي تحافظ على مصالح الدولة ضد الانتهاكات التي يمكن أن ترتكبها السلطات المحلية وتهدف إلى ضمان الإدارة السليمة للامركزية بتلافي أخطاء وتقصير السلطات المحلية. يمكن للحكومة المركزية أن تسهم عن طريق الرقابة في تعزيز الكفاءة الوظيفية داخل المجالس المحلية. بعبارة أخرى، فإن الرقابة التي تمارسها سلطة الدولة تشكل عاملاُ إيجابياُ لتنمية الوحدات المحلية. ولكن يجب أن تكون هذه الرقابة محدودة كي لا تؤثر على مبدأ الاستقلال المحلي.
ثانياً: وسائل الرقابة :
تطبق الرقابة الإدارية على السواء على الأشخاص المحليين والأعمال المحلية.
أ. الرقابة المطبقة على الأشخاص المحليين : الإجراءات التأديبية
تتمثل رقابة السلطات المركزية على الأشخاص المحليين في عدة أشكال : تسمية و تعيين الأشخاص المحليين و فرض عقوبات تأديبية. إن دعوة المجلس المحلي لعقد اجتماعات استثنائية وحضور جلساته تشكل واحدة من صور تدخل السلطة المركزية و رقابتها على الأشخاص المحليين.
إن تسمية سلطات أو مسؤولين محليين يتمتعون بثقة الدولة من الناحية السياسية يعكس النهج اللامركزي و يكرس التبعية السياسية للوحدة المحلية تجاه الدولة. إنه إجراء يتعارض مع مبادئ اللامركزية والديمقراطية لأنه «لا يمكن إلا أن يقيد الديمقراطية ويكرس الوصاية على الوحدة المحلية » .
يتجلى تدخل سلطات الرقابة أيضاً من خلال فرض عقوبات تأديبية على السلطات المحلية بموجب تدابير تطبق سواء على نحو فردي (الأشخاص) أو على نحو جماعي ( المجلس المحلي ككل ). تشمل الإجراءات التأديبية المطبقة على المجالس المحلية :
I. العقوبات التأديبية المفروضة على أعضاء المجالس المحلية :
تستطيع سلطة الرقابة فرض عقوبات تأديبية على أعضاء المجالس المحلية بشكل فردي من خلال الإقالة الإلزامية أو بشكل جماعي على المجلس المحلي ككل من خلال سلطة حل المجلس.
- الإقالة الإلزامية:
الإقالة الإلزامية لها طابع العقوبة الشخصية التي تضع نهاية لمهام عضو المجلس المحلي. هذا الإجراء يؤثر بشكل غير مباشر على استقلالية المجلس المحلي. إن تقدير دافع الإقالة لا يجب أن يترك بين يدي سلطة الرقابة بل لابد أن يسند إلى سلطة حيادية. كذلك يجب أن يكون هذا الإجراء قابلاً للطعن أمام القضاء كي يضمن استقلالية أعضاء المجالس المحلية وحريتهم في العمل.
- حل المجالس المحلية :
حل المجلس هو عقوبة تطبق على المجلس المحلي ككل. في بعض الأحيان عندما ينشأ أي نزاع أو خلاف خطير داخل المجلس المحلي فإن فرض هذه العقوبة يكون الحل الوحيد لتجنب أي شلل أو فوضى في الإدارة المحلية. يعتبر هذا الإجراء إذاً ضمانة لحسن الإدارة المحلية ».
إن عدم تحديد الأسباب التي يمكن أن تبرر حل المجالس المحلية من قبل السلطة المركزية يعطي هذا الإجراء طابع السلاح المسلط على هذه المجالس. فكما قال الدكتور سالم جنيدي « يمكن أن يظهر حل المجالس كسيف ديموقليس المعلق فوق المجلس لردعه ». إن هذا الصمت حول تبرير أسباب قرار يترك للسلطات الرقابية حرية اللجوء إلى تقدير غير موضوعي (شخصي) من شأنه أن يهدد استقلالية المجالس المحلية. هذا الصمت لا يعني أن هذا القرار لا يحتاج إلى اعتبارات تسبقه وتعبر عن دوافع اتخاذه. حول هذه النقطة ، فإن فقه القضاء الإداري الفرنسي ترك بصمته حيث « اعتبر القاضي الإداري أنه عندما لا يتطلب القانون أن يكون القرار معللاُ بشكل صريح فهذا لا يعني أن القرار لا يحتاج إلى أن يكون مسبوقاُ باعتبارات تعبر عن دوافعه و تجعله عاماُ أو على الأقل معروفاُ من قبل الشخص المهتم » .
لحماية المجالس المحلية من الاستخدام التعسفي أو العشوائي لهذه العقوبة من قبل سلطة الرقابة لا بد من أن يكون قرار حل المجلس المحلي قابلاُ للطعن أمام القضاء.
بسبب الآثار السلبية المحتملة على استقرار الحياة المحلية من خلال الاستخدام المتكرر للعقوبات التأديبية فإننا نرى أنها يجب أن تبقى استثنائية.
II- العقوبات التأديبية المفروضة على السلطة التنفيذية المحلية :
العقوبات التأديبية المفروضة من قبل سلطة الرقابة يمكن تطبيقها أيضاً على السلطة التنفيذية المحلية (رئيس المجلس المحلي). تملك هيئات الرقابة سلطة واسعة وغير محدودة لإلغاء وظيفة السلطة التنفيذية المحلية. يمكن أن تضع نهاية لهذه الوظيفة و ذلك « للمصلحة المحلية » حتى في حالة عدم وجود مخالفة تأديبية.
مخاطر سوء استخدام هذه العقوبة من قبل سلطة الرقابة كبيرة جداً، فالاستقلالية المحلية لا بد أن تتأثر سلباً. لذلك يجب أن يكون القرار الإداري قابلاً للطعن أمام القضاء الإداري لضمان هذه الاستقلالية.
ب. الرقابة المطبقة على الأعمال المحلية :
إلى جانب الرقابة الإدارية المطبقة على الأشخاص المحليين، تمارس هيئات الرقابة رقابة على أعمال السلطات المحلية.
بدايةً سوف نتطرق إلى الحديث حول طبيعة العلاقة القائمة بين أعمال السلطة التنفيذية المحلية والسلطة المركزية قبل النظر في وسائل الرقابة المطبقة على أعمال المجالس المحلية.
I. طبيعة ونطاق العلاقة بين أعمال السلطة التنفيذية المحلية مع السلطة المركزية :
هل للرقابة الإدارية على أعمال السلطة التنفيذية المحلية طبيعة تسلسلية ضمن اللامركزية الإدارية؟
تمتلك السلطة الإدارية تحت نظام المركزية الإدارية سلطة الرقابة على كامل نشاطات مرؤوسيها من خلال الأوامر والتعليمات التي تضعها. في نظام اللامركزية الإدارية، يعتقد بعض الباحثين أنه من الممكن تطبيق الرقابة التسلسلية على أعضاء السلطة التنفيذية المحلية عند ممارستهم صلاحيات معينة يحددها القانون وذلك بصفتهم ممثلين تابعين للدولة. يستند هذا الرأي إلى فقه قضاء مجلس الدولة الفرنسي الذي اعتبر أنه «في سياق قانون اللامركزية الإدارية لعام 1982، إذا بت رئيس البلدية بصفته ممثلاُ للدولة على طلبات الحصول على رخص بناء فإنه يوضع تحت الرقابة التسلسلية للمحافظ».
II. الرقابة الإدارية على أعمال المجالس المحلية :
إن تدخل الدولة في أعمال المجالس المحلية يمكن أن يتم من خلال مشاركتها في قرارات هذه المجالس، أو تعليق أو تأجيل تنفيذ هذه القرارات، أو من خلال سلطة الحلول.
- المشاركة في قرارات المجالس المحلية :
يمكن أن تظهر هذه الرقابة من خلال الموافقة أو المصادقة على قرارات المجالس المحلية. هذا الإجراء الرقابي يتيح للسلطة الإدارية تقدير مدى ملاءمة قرارات السلطة المحلية ، وبالتالي عدم إعطاء قوة قابلة للتنفيذ إلا للقرارات التي يوافق عليها. المطلوب من سلطة الرقابة إذا هو إعطاء رأيها بالموافقة أو بالرفض. أي إما قبول دخول أعمال السلطة المحلية حيز التنفيذ أو عدم القبول. « إن إرادة السلطة اللامركزية تبقى عاجزة عن خلق أي معيار إذا لم تقبله السلطة المركزية ». فموافقة السلطة الرقابية هو شرط ضروري لتجنب عرقلة سريان بعض القرارات الصادرة من قبل السلطة المحلية. يمكن وصف هذه الرقابة بأنها « سلطة شخصية » لأنها تقييم شخصي ممزوج بالمشاعر الإنسانية.
الموافقة على أعمال المجالس المحلية كشرط لنفاذها يؤثر على استقلالية هذه المجالس. لذلك لا يجب أن تكون هذه الرقابة ضيقة وشديدة وأن يقتصر نطاق تطبيقها على مراقبة مشروعية الأعمال المحلية. و من المهم أن تكون الرقابة عن طريق الموافقة بدون أي تأثير قانوني على الوجود نفسه لقرار المجلس المحلي و ذلك من أجل تفادي التناقض مع الوظيفة نفسها للرقابة الإدارية.
 في أغلب الأحيان يحدد القانون مهلة لنقل مداولات المجالس المحلية والموافقة عليها من قبل ممثل الدولة في أثناء ممارسة لمهمته الرقابية. عدم وجود هذه المهلة يؤثر على حرية عمل المجالس المحلية و استقلاليتها و على المفهوم نفسه للامركزية. لذلك ينبغي على المشرع أن يحدد مهلة زمنية لإرسال قرارات المجلس المحلي الواجب إخضاعها للموافقة ومهلة للتصديق عليها من جانب سلطة الرقابة. هذه المهلة هي ضرورة قانونية تسهم في تسريع سير الشؤون المحلية وتساعد على تفادي تأخيرها إلى أجل غير مسمى من جانب سلطة الرقابة. عند انقضاء هذه المهلة القانونية المنصوص عليها في القانون، وفي حال غياب رأي السلطة الرقابية، يجب اعتبار ذلك بمثابة موافقة ضمنية على قرار السلطة المحلية.
- إيقاف أو تأجيل تنفيذ قرارات المجالس المحلية :
تدخل سلطة الوصاية في أعمال السلطة المحلية يتمثل أيضا من خلال إيقاف أو تأجيل تنفيذ القرارات المحلية.
إن القرارات اللامركزية لها طبيعة تدبير مؤقت، فمن حيث المبدأ، لا ينبغي أن ينسب لها أي ضرر مباشر. بشكل عام، فإن قرار الإيقاف لا يرتب المسؤولية على عاتق سلطة الرقابة إلا إذا ارتكبت خطأً في استخدام سلطتها .
-سلطة الحلول  (الإحلال) :
هو إجراء يسمح للسلطة الرقابية بالحلول محل السلطة المحلية عندما تخفق أو ترفض هذه الأخيرة القيام بعمل ما يقتضيه القانون (على سبيل المثال). الإحلال يهدف إلى احترام الشرعية وحماية المصلحة العامة.
هل تتعارض الوصاية عن طريق سلطة الإحلال مع مبدأ اللامركزية ، ما هي الفائدة العملية لها ؟
بالنسبة للبروفسور جاك مورو Jacques MOREAU))، « يجب أن تظل الوصاية عن طريق سلطة الإحلال استثنائية لأنها تضع فكرة اللامركزية في خطر ». لا يمكن للمرء إلا أن يتفق مع هذا الحكم مع إعطائه نسبية من خلال الرؤية التالية والتي مفادها أن إخفاق أو تقصير السلطة المحلية في القيام بأعمالها المكلفة بها من قبل القانون يشكل أيضاً خطراُ على استقلالية الوحدة المحلية و يعرض سير الشؤون المحلية للخطر. بالتالي يمكن تبرير سلطة الإحلال بالمزايا التي تحققها للوحدات المحلية من خلال مواجهة مخاطر الشلل أو التقصير داخل الوحدة المحلية.

المصدر: (1) VEDEL (G.), avec la collaboration de DELVOLVE (P.), Droit administratif, P. U. F., Paris, 1992. (2) Rapport sur « le projet de loi pour le développement des responsabilités locales », J. O. Sénat n° 4006, T.I, par le Sénateur Lionel de Tinguy du Pouet en 1979, p.39. (3) GONIDEC (P. F.), L'Etat africain, L. G. D. J., 1984. (4) HAURIOU (M.), Précis de droit administratif, 7ème édition, Recueil Sirey, Paris, 1911. (5) AL CHEIKHLI (A), La théorie de l'administration locale et l'expérience jordanienne. (6) JONAIDI (S.), Les collectivités locales : Étude comparative entre la France et la Jordanie (7) C. E., 24 mai 1945, R.D.P., 1954 (8) AL KHOURY (Y.), La loi administrative publique - organisation administrative, des actes et des contrats administratifs. (9) C. E., 11 juin 1982, Berjon, Le groupe des décisions du Conseil d'Etat français, p.221 (10) EISENMANN (Ch.), Centralisation et décentralisation. (11) QABANI (B.), Le contrôle administratif, le Caire, 1985
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2267 مشاهدة
نشرت فى 31 أغسطس 2016 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

809,671

ابحث