الجمعيات الأهلية والإصلاح السلوكى والاجتماعى - أ.د. محمد ماهر الصواف
شهدت مصر تغيرات متعددة أعادت الروح والوعى للحياة السياسية بها، وانقذت مصر من الصراعات الطائفية والحرب الأهلية والتقسيم ، وتكونت الإرادة لتحريك مسيرة التنمية وإحدات تطوير سياسي وإقتصادي . ونعتقد أن الإصلاح والتغيير يجب أن يمتد ليشمل جوانب اجتماعية وسلوكية في المجتمع يصعب إحداثها من خلال خطوات ومبادرات عفوية مخلصة تتخذ لظروف طارئة وبشكل مؤقت، إنما مثل هذا النوع من التغيير يتطلب: جهود شعبية منظمة ومتكاملة تتسم بالدوام إلى حد كبير، وفى اطار مؤسسى مدنى ومتحضر، وجهود يؤمن القائمون بها بضرورة التصميم والحرص علي مواصلة المسيرة نحو التغيير وتحقيق الإصلاح الشامل.
والتساؤلات التي تطرح نفسها الآن هي : كيف يمكن استكمال هذه المسيرة السلمية والمدنية لنتمكن من تحقيق الإصلاح السلوكى والاجتماعى المعضد للتنمية والتقدم؟ وما هى سبل مواجهة مجموعة الخاسرين من جراء الإصلاح السياسى وممن يعملون على مقاومة التغيير ؟ وكيف يمكن الوقوف في مواجهة محاولات إحداث الفتن الطائفية والدينية ؟
وللإجابة علي هذه التساؤلات يجب أن نسلم أن ما حدث حتى الآن يعد خطوات مهمة علي طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي ، إلا أنه لابد أن يتبع ذلك خطوات أخرى تمس الإصلاح الإخلاقي والسلوكي ومجالات إجتماعية مختلفة بهدف العمل علي الحد من الفساد الأخلاقي والإداري . ومن الضرورى مواصلة الحوار حولها ؟ وتحديد أولويات التغيير والتطوير والوصول إلي توافق عام حولها. ولاشك ان عملية الإصلاح الأخلاقي والسلوكي تعد من الأمور العسيرة المعقدة لاختلاف الإتجاهات والآراء حولها.
وفى تقديري أن أحد أهم آليات التحديث الثقافي والأخلاقي هو تفعيل جهود المجتمع المدني بصفة خاصة الجمعيات الأهلية، والتى تعد من أهم صور المنظمات الاجتماعية المعاصرة ، التى انبثق عنها الفكر الإنساني المتقدم تعبيراً عن القيم الإنسانية النبيلة كالتكافل والتساند والمشاركة الإيجابية؛ للتخفيف من المعاناة فى مواجهة المشكلات المجتمعية .
وتتسم الجمعيات الأهلية بكونها ذاتية الحكم؛ بحيث يصبح فيها المواطن جزء من كل، وينتقل المواطن من خلالها من النزعة الفردية إلى الجماعية، وتنمى لدية ثقافة عمل الفريق والروح المدنية والمسئولية الإجتماعية؛ بما يساعد على تقوية التلاحم والانتماء وقبول الآخر وإحترام حقوقه . ويتمحور عمل الجمعيات الأهلية حول مهام عديدة ويقودها أشخاص ذو اهتمامات مشتركة، وهى تؤدى طائفة متنوعة من الخدمات والوظائف الإنسانية، ويمكن أن تكون ذات تأثير فعال في تعديل السلوك الإجتماعي خاصة أنها تلقي القبول المجتمعي.
ومن جانب آخر فإن الهيكل المؤسسى للجمعيات الأهلية يجعلها تتسم بالدوام، والقدرة على وضع الأهداف المتجددة، والبحث عن مصادر للتمويل اللازم، والتخطيط لتحقيقها بفعالية وكفاءة . ويتدرب الشباب من خلالها على قيادة فرق العمل والحوار والديمقراطية والتفاوض للوصول للحلول الوسط للأهداف والمصالح المتنافسة. بل وتشير التجارب أن أعضائها من الشباب يكتسبون صفات سلوكية إيجابية هى التفكير الابتكارى، والمبادأة ، وإحترام الرأي الآخر، وإدارة الوقت.
ومن هنا فنحن في حاجة إلي تعديل القانون رقم 84 لسنة 2002 المنظم للجمعيات الأهلية؛ وذلك لتحرير هذه الجمعيات من القيود التى تقيد تأسيسها أو تحد من إتاحة الفرصة للمشاركة المجتمعية الفعالة فى إحداث التغيير السلوكى والاجتماعى, وكذلك لوضع القواعد التى تحفز على المشاركة للعمل التطوعى الخيرى، وترسيخ قيم المساءلة والشفافية وثقافة تداول السلطة فى قيادة هذه الجمعيات؛ وحتي يصبح سلوكا مكتسبا مع مرور الوقت، كما نأمل في العمل علي تحفيز الشباب لتأسيس الجمعيات والانضمام لها فى كل المستويات المحلية، ولممارسة كافة الأنشطة الاجتماعية أو الرقابية.
وأخيرا نأمل ان تسعي أجهزة الدولة لتمكين الجمعيات الأهلية، وبصفة خاصة الجمعيات الثقافية والعلمية ، بدعمها بالبيانات و المعلوم الموثقة والصادقة والمتعلقة بسياسات الدولة والخدمات العامة وشروط وإجراءات الحصول عليها ، و استطلاع رأيها فى بعض الأمور العامة المنشغلة بها لإعلاء دورها وتفعيله ، والإعتراف بكونها وسيط مجتمعي بين الحكومة والمواطنين ، علاوة علي تحفيز موظفيها علي الإنضمام لهذه الجمعيات وعقد الإجتماعات والندوات المشتركة مع أعضائها. والله ولي التوفيق