المساءلة في الإدارة العامة-  د. نجلاء فتحي عبده 
   
  لا يخلو نظام بشرى من نظام المساءلة؛ فحيث توجد جماعة بشرية منظمة لابد أن توجد سلطة  تنظم سلوك الأفراد وتضبط العلاقات الاجتماعية وتحاسب كل من يخرق القوانين أو الأعــــــراف السائدة ؛ لذلك تعتبر السلطة والمسئولية وجهان لعملة واحدة, فلا توجد سلطة بدون مسئولية ولا يتسنى تجسيد المسئولية إلا بإخضاع القائمين على ممارسة السلطة للمساءلة .
   وقد أثير جدل كبير حول مفهوم المساءلة في الإدارة العامة  فهناك من يعرفها على أنها تعبير عن مسئولية الأفراد عما يمارسون من أفعال؛وقياساً على ذلك يتحمل جهاز الخدمة المدنيــــة ما يترتب على الأداء الوظيفي من سلوكيـــــات وتصرفات.
   وهناك من يرى أن المساءلة تعبير عن التزام منظمات الإدارة العامة بتقديم حساب عن طبيعة ممارستها للواجبات المنوطة  بها  بهدف رفــــع  الكفاءة والفعالية لهذه المنظمات , وهى منظــومة تضم آليات وعناصر لضمان النزاهة والشفـــافيـة والقضاء على الفساد الادارى وتحقيق الصالح العام , 
  وتبرز أهمية المساءلة في الإدارة العامة من كونها عاملا محوريا في تحديد قدرة الإدارة العامة على  تنفيذ السياسات العامة بكفاءة وفاعلية وبيان مدى استجابتها لإحتياجات المواطن ،
 وتبدأ منظومة المساءلة في الإدارة العــــامة بالمساءلة التقليدية التي تهتم بالمدخلات وتنتهي بالمساءلة الاجتماعية التي تركز على المخرجات  مرورا بمساءلة البرنامج التي تنصـــب على المخرجات أيضا ومساءلة العملية التي تتنـــاول الأنشطة والعمليات التي يتم من خلالها تحويل المدخلات إلى مخرجات ، وذلك على النحو التالى :                    
       أولا :- المساءلة التقليدية
  تهدف إلى التأكد من امتثال منظمات الإدارة العـــــامة والأفراد العاملين بها كل في موقعه الوظيفي للقوانين واللوائح المعمول بها فلا يحق تبعا لذلك اتخاذ قرار مخــالف للالتزامات القانونية التي تسنها وتضعها مؤسسات مستقلة خارج نطــاق المنــــظمة الإدارية (تشريعية وقضائية ).
  فنتيجة لمباشرة الوظائف في إطار القانون فلا بد من وجــود إجراءات وتعليمات وقواعد عامة وآليات للتنفيذ وتستخدم هذه الآليــــــات لتحقيق المساءلة التقليدية أهمها خضوع المرؤوس للرئيس والمراجـــعة المالية الصارمة عن طريق وحدات فنية متخصصة داخل المنظـــمة وخارجها لتحقيق الحياد والمساواة بالشكل الذي تصور ماكس فيبر إمكانية تحقيقه من خلال النموذج الذي وضعه للبيروقراطية ،ولا يعنى ذلك إغفال الاهتمام بالمدخلات وهى العنصر الاساسى في المســــــاءلة التقليدية من خلال الاهتــمام باعتبارات الكفاءة والاقتصاد خاصة فيما يتــــعلق بإنفاق الموارد العامة وتوظيف الموارد البشرية المتاحة في المنظمة العامة . فالالتزام بالقانون لا يكفى وحده للحفاظ على المال العام .

ثانيا :- مساءلة البرنامج
 تركز مساءلة البرنامج على نتائج الأنشطة الحكومية حيث يتم من خلال تطبيق البرامج الحكومية ترجـــــــمة وتجسيد أهداف السيــاسات العامة ووضعها موضع التطبيق ، وبذلك يكشف هذا المستوى من المساءلة عن حجم الأداء الفعلي للمنظمة الإدارية إذ لا يكفى توافر التـــــمويل الكافي والدعم السياسي لضمان تنفيذ البرامج الموضوعة بكفــاءة وفاعلية بل لا بد من الاستعانة بالأساليب التقنيـــة الحديثــــة ومن أبرزها أسلوب تقييم البرنامج وأسلوب المراجعة.
  وهناك أسلوب أخر متبع في عملية تطبيق البرامج وهو الإدارة بالأهداف ويعتبر هذا الأسلوب من الأساليب الناجحة في تحقيق أهـــداف متوسطة وبعيدة المدى ويقوم هذا الأسلوب على تحديد الأهداف والبدائل المختلفة, ووضع خطط لتنفيذ البرنامج الموضوع وتحديد المــــوارد المادية مالية وتقنية والموارد البشرية التي تســــاعد على انجـــاز المهام وأخيرا تقييم النتائج المتحققة على أساس من الكفاءة والفعالية .

ثالثا:- مساءلة العملية
  تركز مساءلة العمــــلية على جملة العمليات والأنشطة التي يتم خلالها تحويل المــدخلات ( التي هي محور اهتمام المســــاءلة التقليدية ) إلى مخـــــرجات ( محور اهتمام مســـاءلة البرنامج) وذلك من خلال عدة مؤشرات ومعايير كمية للمستفيدين من برنامج معين ومقارنتــه بالعدد الكلى للمستهدفين.
  ولنجاح عملية المساءلة العملية لابد من مشاركة الإدارة والمواطنين في السعي نحو رفع مستوى الخدمات العامة , فان المفاوضات المباشرة بين الجانبين تقود إلى نقطة التقاء مباشرة وتحقق بالضرورة رضاء الطرفين , ولذلك فان اللامركزية تسهم في تعميـــــق قيــمة المساءلة إذ يسهم نقل السلطات والصلاحيات في التخطيط والإدارة وتخصيص المـــــوارد من المركز إلى الهيئات المحلية في تعزيز قدرة الأفراد على مساءلة القيادات المحلية .

رابعا:- المساءلة الاجتماعية
  وهى تهتم بما يمكن تسميته بالآثار المجتمعية للبرامج الحكومية ومدى التزام المنظمات العامة بدورها الاجتمــــــاعي إزاء البيئة التي تباشر نشاطها فيها وكذلك المواطنين المستفيدين .
  وقد صارت المساءلة الاجتماعية مفهوما راسخا في النظام الادارى وإن ظل أكثر التصاقاً بالإدارة العامة نظرا إلى أن منظمات الإدارة العامة منظمات اجتماعية تؤثر في البيئة تأثيرا كبيرا .
وتتم مساءلة المواطن للإدارة العامة من خلال ثلاث مستويات :-
1- المشاركة في الأنشطة الإدارية.
2- الإنتاج المشترك مع الإدارة .
3- مساءلة الإدارة بشأن المنتج النهائي.

المصدر: 1-د.محمد مالكى – أهمية توطين مفهوم المساءلة– مجلة شئون عربية – العدد 135 –2008 . 2-د. صديق محمد عفيفى – الحوكمة لمراقبة وتحسين الاداء الحكومى – 2006 . 3-د.عطية حسين أفندى – الإدارة العامة – إطار نظرى – مداخل للتطوير وقضايا هامة فى الممارسة –– 2002.
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 57/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 3896 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

818,194

ابحث