<!--
<!--<!--
بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيــرة جـــداَ )
الباحـــث عــن المـــوت !!
<!--كان يجتاز المشوار بمحاذاة القبور .. يمد الخطوات ثقيلة فوق أرصفة الحياة .. حيث ذلك الفاصل الواهي الذي يحد بين أهل الصمت وأهل الصخب والحبور .. جدل يدور في نفسه حول رصيف وهمي يحاط بالطلاسم .. لقد كل ومل من ملاحقة الحياة .. وذلك العظم قد وهن وأشتعل الرأس شيباَ .. والأصوات في أعماقه تنادي وتبشر دائماَ بأنه غداَ سيكون مع أهل الدثار .. ومهما يطول به مقدار الأنفاس فلا بد يوما من ذلك الزوال .. وتلك الهواجس أصبحت ديدنا تشتد كلما تهب به عواصف الحياة .. وهو الذي قد نال الكفاية من ألوية الشقاء بين الأحياء .. يشتكي دائماَ من كثرة العناء كما يشتكي من كثرة العثرات والزلات .. يتمنى الموت ويقول في نفسه لما لا نتخطى تلك الدائرة العمياء ؟! .. حيث ساحات الأحياء المشوبة بطلاء الشقاء .. وكلما ترد في خاطره خاطرة الموت يجد في نفسه نوعا من العزاء .. ولكن تلك أمنية أبدا لا تجاري الأهواء .. وهي مستحيلة المنال والزوايا .. حيث أن الأعمال بآجالها .. وحيث أن المنايا بشروطها .. والموت ليس بذلك المتاح المباح عند المطالب .. وهو لا يلبي الأهواء ولا يجيب المنادي في كل الأوقات .. فهنالك جدل من المتناقضات يواجه المرء عند الاختيار .. وندرة الخيارات الممنوحة هي محك كما هو الحال في ساحات الأحياء .. حيث يستلزم الأمر التقيد بقيود الآجال والقضاء والأقدار .. فلا بد من الانتظار في صفوف السنين والأيام .. وإلا فهي تلك المستجلبات للوبال .. شقي يترصد الموت ثم ينادي بالانتحار .. وعندها تقع الطامة الكبرى حيث المشوار في أروقة النار والشرار .. فكم وكم بين الأحياء من يتمنى الخلاص ثم يخشى عاقبة القرار !! .. وتلك النفوس ملولة تشتكي من مطب الحياة وفي كثير من الأحيان تريد الفرار .
في الآونة الأخيرة بدأت الألسن تلوك سيرة وأحوال الشيخ عباس .. الذي طالت به مشاوير السنين والأيام .. لقد أفنى كالآخرين مراحل الطفولة والرعونة بأفراحها وأتراحها .. كما أفنى مراحل المراهقة والشباب والفتوة والصلابة بألوانها وأشكالها .. ثم أخيرا أجتاز أبواب الكبار والشيوخ وأولي الأوهان والهزال .. حيث صال وجال في أروقة أهل العقول والوجهاء والنبهاء .. وتلك التجاعيد في الوجه تتحدث عن مراحل الماضي العصيب .. وتؤكد أن الحياة درب من الكفاح والنضال المتواصل .. وهي تلك الحياة التي لا تصفو بوتيرة الأبدية .. كما أنها لا تمضي بوتيرة الأذية .. بل كعادتها هي متقلبة الأمزجة والعشيرة .. يوما تكون بمذاق الشهد والمن والسلوى .. ويوما آخر تكون بمذاق العلقم والحنظل .. وجاهل من يعاتب الدهر .. فإن الدهر عادل في حال العطية كما أنه عادل في حال الحرمان .. وكل الخطوات في الحياة بأسبابها .. ومسبب الأسباب لا يلام .. ولكن العجب ثم العجب حين ترد السيرة عن الأحباب .. حيث تتلاشى نوازع الأرحام التي تسقط في الأوحال .. وتكون القسوة أشد حين ترد من فلذات الأكباد .. حيث يصيب الجدب والقحط منابع العطف في الوجدان .. وإلا كيف يقع الجلل من الأبناء فهد وفريد ثم ذاك الحفيد طارق والحفيدة إجلال .. تلك الزمرة التي هجرت دار النشأة منذ سنوات وسنوات .. ثم ازدادت الأيام تعاسة عندما رحلت رفيقة العمر عن الدنيا قبل أعوام .. وهي التي كانت تمثل نعم السند ونعم الدعم في أهلك الأيام .. وقد رحلت عن الدنيا حين قالت الأقدار قولتها .. وذاك عباس يكابد الحياة وحيدا وهو في أشد الحاجة لذلك الصدر الحنون .. وتلك الأقدار نافذة لا تجامل أحدا حين تستجيب .. وقد حكمت ليصبح عباس وحيدا يفتقد الصحبة والأنيس .. حتى هانت الدنيا أمام أعينه .. فأصبح يجاري حياة لا طعم لها ولا مذاق .. وتلك الأيام بدأت تمر بوتيرة ملولة تفتقد معالم النشوة والحبور .. ينام في مرقده كل ليلة وحيدا دون ذلك الأنيس أو الجليس .. ليصحو كل فجر في غابة من الصمت والسكوت .. والقلب يتوق لذلك الصاحب الذي يبشره ببوادر الإصباح .. حيث أناشيد التغريد والانشراح .. ولقد مل وكل من صمت القبور .. ثم بدأ يشتكي من ندرة الكلام والإفصاح والحروف .. حتى أنه لاحظ أن الحياة قد توقفت عن الحراك .. فإذا أجتهد يوما ووضع إناء الشرب على الأرض لا يجد من يتناوله ويحفظه إلا تلك الأنامل التي تشتكي من داء المفاصل .. وحتى أن تلك الأنامل قد تعجز عن رفع الإناء في بعض الأحيان .. وعندها تتجمع جيوش النمل على الإناء .. ثم لا ترحم العجز أو الإخفاق والخذلان .. وتلك حالة تجلب الأسى والأحزان .. فهو ذلك الظلم الذي يتمثل أمام ناظره من الأهل والخلان .. ذلك الظلم الجائر من أولي الأرحام .. حيث ألوان التهميش والهوان والمذلة والنسيان .. وهو الذي أفنى جل حياته يعاضد الخلان .. ولم يفرط يوما واجباَ يستحق الإخوان .. كما أنه لم ينسى يوما طلباَ لهؤلاء الذين كانوا يتمادون بالأهواء .. ولكنهم تنكروا الأفضال وتاهوا في بحار النسيان .. كما أنهم أجزءوا الإحسان بالنكران .. وتلك ذكريات الماضي تتردد في ذهنه مرارا وتكراراَ .. ويتراقص أمام عينيه ذلك المسكن الخالي الموحش الذي يشتكي من ندرة الإنسان .. والذي كان يمثل عش السعادة في يوم من الأيام .. وما زالت صدى الأصوات تتردد في الأرجاء .. حيث صخب الطفولة وأصوات الأخلاء والخلان .. فكيف تبدلت الأحوال من حال لحال ؟؟! .. وقد جفت القلوب وتصلبت .. وهي اليوم أصبحت أقسى من صخرة الجلمود .. فأين فلذات الأكباد الذين أفنى الحياة من أجلهم ؟؟ .. وأين أولي الأرحام الذين كانوا يتزاحمون عند الأبواب ؟؟ .. هل تناسوه كلياَ في خضم الركض من أجل الحياة الخاصة ؟!! .. أما تناسوه عندما نضبت عنهم منابع الإحسان ؟؟ .. ولما ذلك الجحود منهم والنكران ؟؟ ! .. ولما لا يكون جزاء الإحسان هو الإحسان ؟؟.. جلس وحيدا لساعات وساعات وهو يجترع وحشة الانفراد .. وفي جلسته تلك أبت أن تغادره ذكريات الماضي والأيام .. حيث خيالات الأبناء والأحفاد والأصدقاء .. وعندها جرت دمعة ساخنة فوق خدوده تلك المتهالكة .. حيث الأخاديد والتجاعيد التي مهدت للدموع أن تنساب نحو الأرض في تسارع وتلهف .. فإذا بصوت قادم من عمق القبور يناجيه ويقول : .. مهلاَ يا هذا فإن للأوجاع نهايات وخواتم .
<!--<!--[if gte mso 10]> <mce:style><! /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} --><!--[endif] -->
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش