بسم الله الرحمن الرحيم
مشــوار البطـل الخائــب !!
يلتقي مجبراَ مع كوابيس الماضي .. يتفادى المحنة محاولاَ النسيان والتهرب .. ولكن الذاكرة تلح وتكرر الصورة بإصرار شديد .. لتوجد حالة تشبه رقصة ( الدبكة) فوق جرح ينزف .. ثم تلك النسخ المتلاحقة لمدية تعيد الخطوات فوق خنجرة الذبيح .. والذبح فوق الذبح يعني الموت ألف مرة .. آلام لا تنحني إذلالاَ للصيحات والأنات .. وهي مكبوتة في فقص صدر يشتكي الضائقة وتماثل الحمم في جوف البراكين .. والنفس شغفة تتمنى الخلاص من ذلك الجحيم .. رحلوا جميعاَ وابتعدوا عن الساحة .. وقد أكملوا المشوار والمراسيم بحذافيرها دون نقصان .. ولكن بقيت أصداء التعذيب تردد الذات .. لم يحسنوا الذبح حين ذبحوا .. ولم يعرفوا مبررات الرحمة .. بل أكملوا مشوار التعذيب بالرغم من أن الروح كانت حية تتجاوب .. وما زالت تنادي وتنازع .. كانوا قساة قسوة صخرة في قلب جهنم .. أوجدوا بعزم صورة لوحة جميلة تحترق رويداَ فوق جمرة تتوقد .. كانت الصورة تفقد معالمها وذكرياتها تحت وطأة الآلام .. لتشكل في النهاية رزمة سوداء كالحة تفقد العنوان والهوية
يلوم النفس كثيراَ وقد تلقى النصائح من قبل .. ولكن أبى القلب أن يميل للنصائح .. والعزة في النفس أرادت التطاول بجرأة الشجعان .. فأمتطى فرس الإصرار لمواصلة مشوار المخاطر .. والظن منه أن التهديد والتلميح مجرد مزحة تقبل التجاوز .. فكان لا يبالي بمخاطر العواقب .. ونسي أن للمدينة سننها ونهجها .. تلك المدينة الغارقة في الأسرار .. تعشق الصمت عند الصعاب .. وأثقال الهموم في تلك المدينة تمثل وهجاَ ساطعاً يحجب أعين الناس .. فلا يتجرأ أحد أن يرفع الرأس ليتحدى بالتحديق والنظر في لب الشمس التي تعني الحقيقة .. فتلك نظرات الناس دائماَ وابدأَ خائبة تميل نحو الأرض .. وقد تعودت الانحناء في مذلة .. تريد السلامة في ساحات المشانق والموت .. وتريد الصبر في ساحات الجوع والمعاناة .. فطرة خائبة كامنة في نفوس تعلمت الخوف .. وجموع مضطربة تفقد البوصلة .. تفقد الخريطة التي توصلها لشواطئ الأمان والسلام .. كما تفقد الحيلة التي تخرجها من مزارع الألغام .. والخسارة في أراضي الخيبة والخائبين واردة في كل الأحوال .. فهي تلك الثمرات العجفاء العقيمة التي تسقط من الأشجار الخبيثة .. والاستجداء بأطواق الضعفاء والمغلوبين على أمورهم كالاستجداء بالرمضاء عند إطفاء الحرائق .. وهنالك يفقد الإقدام والشجاعة والنضال المعاني المراد لها في المعاجم .. لتصبح مجرد رموز مجهولة الهوية تشكل الحروف الحزينة عند حوائط المبكى .. وللهول فإن تلك الصورة الشيطانية للمدينة الواحدة تعدت لتكون المـدن في المشارق والمغارب .. هنا وهنالك في بقاع مختلفة .. والصورة الواحدة أوجدت من أرحامها صوراَ من المدن المستحيلة والحواضر التي تقبع تحت الويلات .. وفي كل الأحوال فإن المحصلة النهائية تؤكد أن الموازنة في تلك المدن الموبوءة الحزينة لا تكون إلا بمقدار الدموع المبذولة .. وقد تعودت الناس أن تبذل تلك الدموع منذ سنوات طويلة .. والأحوال هي تلك المعهودة مجرد الانتقال في سرادق جهنم .. لتصبح الواحات النضرة والمروج الخضراء مجرد أحلام بعيدة المنال تراود الأذهان .. والمؤشرات تؤكد أن الأجيال تلو الأجيال سوف تنتظر طويلاَ حتى ينقشع فجر ذلك اليوم الذي يعني السعادة والهناء .. أمنيات أصبحت هي حلم الأجيال .. وذلك البطل الواهم أراد أن يتسلل من كوة تؤدي لساحات الرحمة .. ولكنه تعلق عند فتحة الكوة .. نصفه يتلقى الويلات ونصفه يواجه الحسرات .. أراد أن يخلص الذات ثم يجمع أطواق النجاة للآخرين .. ولكنه نسي أن الآخرين بلغوا باعاَ طويلاَ في عوالم التوهان والنسيان .. وقد ابتعدوا عنه فزعاَ وهم يجهلون حقيقة الأسرار !!.
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش