بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيــرة )
قصـة النخيـل الـتي نامـت علـى الأرض !
فجأة استيقظ من نومه .. ولم يستطع أن يحدد مسافة الليل .. هل الليل ما زال بكراَ أم نال حظاَ من المشوار ؟.. وهل ينتصف أم يشارف الصباح ؟ .. ووجد القمر في كبدا السماء يحتفل بليلة التجلي العظيم .. تلك القمة في مراحل القمر .. حيث جمال البدر في زاوية الأربعة عشر .. وكم من شاعر قد تغني بروعة البدر في تلك الليلة .. ثم كم من رابط ربط الجمال ببدر ليلة الأربعة عشر .. يصف به مخلوقاَ يستحق التشبيه بنعمة المثال في روعة الجمال .. كان الهدوء عجيباَ في تلك الليلة النوبية الصامتة .. تحرك من مرقده بقوة تدفعه إلى المجهول .. وصوت يناديه في العمق .. ويجذبه إلى الانطلاق للخارج .. فخرج من داره دون أن يدرك الأسباب والدوافع التي قطعت وأوقفت نومه فجأة ليجاري تلك الأحداث العجيبة .. فكان في حيرة شديدة وهو يجاري الرغبة الملحة المجهولة التي تنادي في داخله بالتجوال في تلك الليلة المقدسة الصامتة .. والأقدام كانت تصر بالسير وتقوده بتلهف إلى الأبعد من ساحة الدار .. فوجد نفسه يقترب من سواحل النيل الخالد .. حيث الحقول والمزارع والسواقي .. فأحس بالصمت المقدس الذي تجسد في وقار وسكون الليل .. ثم ذلك الهدوء الذي شمل كل مخلوقات الأرض .. ومن ضمنها تلك النخيل الباسقة العالية .. كانت النخيل مشغولة في تعبدها ومناسكها .. ولا تصدر إلا وشوشة خفيفة بأطراف سعفها .. تلك الوشوشة المستحيية التي تقارب تسبيحه الشيخ العابد في جوف الليل .. ومر في طريقه بحظائر الأبقار والبغال والنعاج .. وتلك المخلوقات كانت راقدة في هدوء بعد عناء النهار .. وكانت مشغولة بحالات الاجترار .. والقمر في كبد السماء كان يصر ويضئ الليلة بروعة ليس لها مثيل .. والتقت السماء النوبية بالأرض النوبية في ليلة مباركة زاهية عجيبة .. لتجري الأحوال بأمور فوق خيال البشر .. سارت به الأقدام بعيداَ .. ومرت به في الكثير من الحقول والمزارع والسواحل .. ولم تزعج براءة وسكون الليل في تلك اللحظات إلا لمسة أقدامه للأرض .. ثم ذلك الصوت البعيد لكروان ينادي ويفضح المستور .. أقدام تكد وتجد مسيرة غير مخيرة .. وكروان يشتكي الهجرة من خل معاند فينادي بالوصال .. وتلك الظواهر كلها تخرج عن نطاق المألوف .. وتتناقض مع الواقع الذي يطابق منطق العقل دون الخيال .. فلم تتمكن الأقدام أن ترفض الأمر وتعلن الكف والعصيان .. كما لم يتمكن الكروان أن يجاري الاستحياء ويتوقف عن النداءات المباغتة الفاضحة .. ولكن كانت الأحداث تجري بوتيرة الإعجاز في مجريات السيرة .. حيث الانطلاقة من الهيمنة النوبية لأسرار الخيال .. تلك الأسرار التي تخفي الكثير من قصص الخيال النوبي العجيب . قال الشيخ الجليل في حلقة الدرس بمسجد القرية بأن ليلة القدر لها علامات .. والصالحون الأوفياء فقط هم الذين قد ينالون قسطاَ من تلك العلامات .. أما صاحبنا فلم يتجرأ أن يكني نفسه في زمرة الصالحين .. ولكنه في تلك الليلة كان مجبوراَ أن يجاري المجريات وقد فرضت عليه المشاوير .. ووجد نفسه مرغماً يجاري الأحداث .. وكان عليه أن يواصل تلبية نداء الأسرار في تلك الليلة الغير معهودة .. وقد قيل أن ليلة القدر تكون في العشر الأخير من الشهر الفضيل .. ولكن هو في ليلة هي ليست في العشر الأخير .. كما أنه في شهر هو ليس بالشهر الفضيل .. ومع ذلك كان خياله يتناول الأحداث بوتيرة غير منطقية أو قياسية .. وإلا فكيف رقدت ونامت فجأةَ تلك الأشجار الباسقة من النخيل وغير النخيل على الأرض .. وكذلك رقدت ونامت النباتات والأزهار وتركت وجه الأرض خالية من كل العلامات البارزة .. لا ترى فيها عوجاَ ولا أمتاَ .. وعندها توقف فجأة عن السير وهو في ذهول شديد .. ففي تلك اللحظة كان هو القائم الوحيد فوق وجه الأرض .. أما المخلوقات الأخرى فقد آثرت الرقاد وآثرت احتضان سطح الأرض بجوانبها .. وقال له صوت مجهول .. أنت تستحق تلك الرفقة مع حور الجنان .. وسوف يتحقق لك كل أمنية تتمناها في هذه اللحظة المباركة .. أما ذلك الكروان فقد أبى أن يتقي بالصبر .. وقد فضح المستور من أمره وأسراره حين نادى بالمكشوف شاكياَ باكياَ .. وعليه فهو محروم من مزايا هذه الليلة المباركة .. مرت اللحظات عليه متداخلة وهو يعيش في عالم بين الحقيقة والخيال .. وأدرك أنه في بوتقة ومرحلة تفقد الزمان والمكان .. ففكر الصاحب المذهول أن يعود لداره بسرعة .. ولكن السرعة كانت غير مسبوقة بقدر عجيب .. حيث الخطوة ثم التالية فوجد نفسه أمام الدار .. وقد اختفت واندثرت فجأةَ تلك المسافات الطويلة التي قطعها .. دخل الدار ووجد المرقد مازال فيه دفئ الجسد قبل لحظات .. كما وجد الليل ما زال عند الخطوة التي كان عليها حين ركب المشوار دون حراك .. ووجد القمر ما زال في ساحة الخانة الأولى داخل الدائرة الفضية .. وحين يحكي الصاحب قصة تلك الليلة الفريدة فإن الحديث يطيب له كثيراَ .. ويقول دائماَ أن صدره قد أنشرح كثيراَ منذ تلك الليلة العجيبة .. والشيخ الجليل يجادل وينكر الحدث .. ويقول أنا لم أقل أن تلك المجريات التي جرت لصاحبكم من علامات الليلة المباركة .. وللشيخ أن يجادل ويحاجج كما يشاء .. فالناس تعودت أن تروي الأحداث لنفسها بالنهج الذي يطيب مزاجها .. وبالنهج الذي يقربها من الصالحين ويطابق أحلامها .. فهي تريد الأحداث أن تجري بتلك الأريحية وبذلك الدراما الذي يطيب خاطرها وأحلامها .. ولكن في النهاية والمحصلة فإن المحور يلتف حول الوقائع التي تلبس الحقائق .. وإلا فإن الأحداث تدخل في مسميات الأساطير .. والمعجزات الكبرى يحق للأنبياء والرسل .. أما عامة الناس فالكثير منهم يجتهد ليقترب من ساحة الصالحين .. وتلك تدخل ضمن الأمنيات في أحلام البشر .
ــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش