بسم الله الرحمن الرحيم
الكـلام المصنــوع حسـب القياسات والمواصفات !!
قيل لهم أكتبوا ما يقال .. ولما كتبوا ما يقال .. قالوا ذلك قول مفترى وعليكم وزر المقال !! .. لا يقبلون بالصمت حين تمسك الأقلام .. ذلك الصمت الذي يخفي كامل الأحوال .. يخفي الشوائب ويخفي المحاسن .. ولكن يعشقون الإشهار بالقدر الذي يخفي الشوائب وتظهر المحاسن .. ويعشقون التملق والمدح المكرر ليلاً ونهاراَ .. فإذا نطقت الأقلام على سجيتها تنصف حين تمجد الأعمال وتصدق حين تفضح الأحوال نراهم يسبون الأقلام .. ويسفهون الأحلام .. يتحايلون لتحقيق نهج يمجد سيرتهم ولا ينتقد خطواتهم .. فإذا جاءت الأقوال ما يوافق المدح والثناء فرحوا بها .. ولكن إذا جاءت تقول الحقائق مجردة مقرونة بالبراهين والأدلة الدامغة غضبوا وسخطوا .. فهم لا يوجدون أفعالاَ تشرف المقال .. ولا يريدون صمتاً يستر الأحوال .. بل يريدون تمجيداَ بما لا يستحقون من مثقال .. ويريدون زيفاَ وأكاذيب ترفع من شأنهم ومقدارهم .. وذلك نهج يخالف قدسية الرسالة ويهين صاحب القلم .. يريدون عيوناَ فقط ترى ما يريدون .. ويريدون ألسناَ فقط تقول ما يريدون سماعها .. وتلك علة أوجدت في الساحات تلك الأقلام الجبانة التي تتعامل مع أوهام من كراتين المتسلطين .. تلك الكراتين التي تخشى الحقائق ولا تملك شجاعة الإقرار .. حالة تظهر المادح ذليلاَ وتظهر الممدوح أكثر إذلالاَ .. والرجل يملأ العين حين يواجه الحقائق بحلاوتها ومرارتها .. يقول تلك أعمالي حين يعمل .. ويقول تلك إخفاقاتي حين يخفق .. والأكثر منه رجولةَ ذلك العفيف القنوع الزاهد الذي يفر من ساحات المدح والثناء حين يعمل .. والذي يبكي في الخفاء حين يخفق ويفشل في الأداء .. والكمال لله وحده .. ثم يملك الجرأة والعزة والكبرياء في نفسه فيتنازل عن موقع يرى أنه قد أخفق في تحقيقه .. وبشجاعة يغادر ساحة الواجب .. ولا يتحمل وزر البقاء .. وفي نفس الوقت يرى أن هنالك من هو أولى منه في الأداء .. ولكن تلك المثالية مفقودة في عصر الأقزام والأوهام .. حيث الكتل العقيمة التي لا تملك المهارات والمؤهلات .. وحيث الساحات التي تعج بتلك البالونات المنفوخة بالغازات الخامدة التي تضر ولا تنفع .. هي جاهلة وتجهل أنها جاهلة .. وتلك من أكبر المنقصات .. تريد لنفسها نوعاَ من الكلام والمديح الرخيص الذي يليق بمقام الممدوح الرخيص .. وكما قال الشاعر المتنبي :
ولو لا فضول الناس جئتك مادحـاَ
بما كنت في سري بـه لك هاجيـاَ
والحرف لا يرفع المقدار إلا بقوة المعيار .. ولو قال الحرف عن كل محاسن القوة والإقدام والشجاعة والذكاء في الحمار فهو ذلك الحمار .. تلك الحقيقة الثابتة التي يعرفها الحمار قبل ذلك الثرثار .. والمصداقية لا تكون إلا حين تطابق العقل والمنطق .. فلا يمكن لقلم أن يقنع العالم بأن حماراً قد افترس أسداَ .. أو أن حملاَ قد أكل ذئباَ .. ومع ذلك نرى ونشاهد الآلاف من تلك الأقلام الباطلة التي تماثل أبواق البدائية في مجاهل الكهوف .. تلك الأبواق التي تأتي بأصوات النشاز .. وتتحدث عن أمجاد جماعة تخلفت عن ركب الحضارات منذ آلاف السنين .. وما زالت تعتقد أنها على الصواب .. وضعف الطالب والمطلوب .. والكلام الرخيص يفصل حسب القياسات .. فالرخيص يرخص رغم الإكثار من الأقوال .. وما أكثر زبد الحروف التي تماثل زبد البحار .. والغالي هو ذلك الغالي الذي ينال الرضا بالسيرة الحسنة وبالأفعال المجيدة .. وتتحدث عنه الأعمال قبل أن تتحدث عنه الأقلام .. والحروف قد يغطيها غلاف الكتاب .. أما الأعمال والإنجازات العالية فهي كالمنار .. تتحدى كل أنواع الغطاء .
ــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش