بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الجــروح لا تقبــل المــزح   !! 

بدأت تنتشر في الأوساط  مزحة تتحدث عن شعار معكوس يقول ( النظام يريد إسقاط الشعب ) .. والديباجة هي عكسية لتلك الشعارات التي ترفعها الشعوب عادة عندما تثور وتنادي بشعار ( الشعب يريد إسقاط النظام ) .. والمزحة بدأت مزحة في إطار التخفيف من معاناة الشعوب .. ولكنها أصبحت شبه جادة من بعض القادة الذين أخذوا يرمون التلميحات ويجارون المزحة برميات السخرية والتندر  .. وبدءوا يطلقون العبارات الجارحة على عواهنها .. وتلك الرميات والتصريحات يحسبونها هينة وهي قاتلة ..  ورمية ( الزنقة زنقة ) ما زالت تدور في أذهان الناس .. تلك الرمية التي كالت الويلات لأصحابها ..  والآن بدأ البعض من القادة في رمي التصريحات المماثلة ضمناَ أو علناَ .. ويصفون الشعوب بأنها كسولة شاكية باكية لا تستحق الشفقة .. فنحس في تلك التصريحات بالجرأة المقرونة بنوع من التحدي المبطن باليأس .. كما نحس بوقاحة ليست مسبوقة وليست في موضعها ..  فالشعوب عادة بريئة جداَ .. وخالية من كل ألوان اللوم والعتاب .. فهي لا تسطو أو تدخل عنوة في ديار القادة والحكام والزعماء ويلزمهم ليكونوا الحكام .. ولا يغصبهم بالقوة ويجرهم لكراسي الحكم جبراَ وقسـراَ  .. ولكن العكس هو الذي يحدث فالبعض من هؤلاء القادة والزعماء هم الذين يمتطون الظلام ليختلسوا على الشرعية القائمة بالقوة .. ثم يصلون لكراسي الحكم بالعنوة والسطوة  .. ولا يكتفون بالغنيمة العامة المتاحة بل يريدون المزيد من الطاعة والمجاراة والتصفيق من الشعوب  .. وطاعة أولياء الأمور تلزم شرعاَ وديناَ لو كان إقدامهم من الأساس عن طريق الأبواب الشرعية .. ولكن إقدامهم كما نعلم يتم عبر المنافذ الخلفية ليحتلوا كراسي الحكم عنوةَ ثم يفرضون واقعاَ جبرياَ يلزم المبايعة والطاعة .. وعندها تقع إشكالية فقهية دينية كبيرة .. والطامة الكبرى عندما يتمكنون من القبضة على زمام الأمور والأحوال ..  فإنهم يجدون مراغم كثيرة ثم يتمتعون بلحظات الهناء وهم سعداء فرحون رقصون  ..  فإذا انتهت مواسم التنعم والحفلات ونفذت موارد الدولة التي تضيع هباءَ في الإسراف والبذخ والاختلاسات .. وعندما تجئ مواسم المعاناة والشقاء .. تلك المواسم التي تقتضي مواقف الرجال الأشداء الأقوياء نراهم يشتكون ويتذمرون ثم يرمون الشعوب بالتخاذل  .. وهم بذلك يريدون أن يرحلوا عيوب الأحداث والأحوال التي تسببوا فيها إلى صفحات الشعوب  .. لتتحمل الشعوب مغبة الأخطاء السياسية والإدارية من تلك النظم المتعدية .. وبذلك يريدون أن يتملصوا من المسئولية  .. تلك المسئولية التي حملوها طائعين راغبين غاصبين مغتصبين غانمين  .. وكان الإنسان ظلوماَ جهولاَ ..  فنقول لهؤلاء الذي تسلقوا الحوائط وجاءوا عبر المنافذ الخلفية هناك مثل يقول :  ( الذي يحمل الحجر الثقيل فوق رأسه طائعاَ مختاراَ راغباَ فلا يشتكي من الثقل بل يتحمل العواقب كاملةَ ) .. فهم تسلقوا الجدار عنوة ليحملوا المسئولية فوق أعناقهم برغبة مقرونة بالتعدي   .. ولذلك عليهم أن يتحملوا التبعات مهما كانت تلك التبعات  .. والأعجب أن الشعوب رغم تلك البادرة المعيبة بالتعدي السافر تضع آمالها المفقودة في هؤلاء ثم تجتهد وتتعاون معهم من قبيل القول  ( رب ضارة نافعة ) .. كما أنها تجاري المتعدين أيضاَ في لحظات آمال ووعود واعدة بالجنان يقدمها القادمون عبر النوافذ .. فتستقبلهم بالهتاف والتصفيق والرقص فوق المنابر .. ثم يقدم لهم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي .. ولكن عندما تحين مواسم الجفاف وتنضب مستودعات الجميع بفضل الخطوات والسياسات الغير صائبة والغير موفقة من تلك النظم .. فإن تلك النظم تفقد ملذاتها وتفقد النعيم المقيم التي هي فيها .. ثم هي أول من تبدأ في التذمر .. وتريد المزيد المستحيل من الشعوب .. والشعوب أصلاَ تفقد تلك الملذات وتفقد تلك اللحظات الهانئة ولذلك فهي متعودة مسالك الجروح والمعاناة .. فلا تنالها لحظات نعيم لتتحسر على فقدانها .. أما تلك النظم  فهي تبدأ في إيصال التلميحات بأن الشعوب هي السبب في المعاناة والشقاء  .. فترمي كل عيوبها على أكتاف الشعوب المغلوبة على أمرها .. بل أكثر من ذلك فإن تلك النظم تدخل في مراحل تحدي سافرة لشعوبها .. ذلك التحدي الذي لا معنى له حيث الندية المفقودة وغير العادلة وغير المنصفة  ..  وحيث مهزلة المتعافي المتمكن الذي يواجه المريض العليل  .. وعليه فإن شعار المزحة ( النظام يريد إسقاط الشعوب )  هو شعار تحصيل حاصل لأن المنطق يقول ( لا يمكن إسقاط المسقوط ) بأي حال من الأحوال ..  فالشعوب هي مسقوطة بطبيعة الأحوال المتردية .. والضرب على الميت حرام .. إنما يقبل المنطق أن يكون الشعار هو ( الشعب يريد الإسقاط ) .. وفي كل الأحوال فإن التجارب في الساحات أثبتت أن كل الشعارات المرفوعة اليوم هي شعارات خاوية جوفاء فارغة خالية من المنافع ولا تقبل المزح  .. فبقاء النظم المتسلطة هو درجة من درجات الجحيم .. كما أن إسقاط النظم المتسلطة ثم الأحوال بعده أيضاَ درجة من درجات الجحيم .. والمزحة تظل مزحة ولكن لا تضحك أحداَ .. بل تكون المزحة ممجوجة على هؤلاء القادة الذين يجاهرون بالتنديد الصريح والتهكم على الشعوب التي ترضخ تحت المعاناة والشقاء ثم توصف بأنها لا تستحق الشفقة .. فأي شفقة تفيد سكان القبور ؟؟؟ ..  بل نجاري المزحة بمزحة فنقول تلك الشعوب هي محسودة حتى في موتها .. فهي لا تستحق الموت والراحة لأنها عاجزة عن التصفيق للقادة والزعماء !! .  

ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 140 مشاهدة
نشرت فى 4 ديسمبر 2013 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

801,255