بقلم : عبد الفتاح نيازي


يوم ١٦ مارس هو يوم المرأة المصرية ؛ يوم أن خرجت أول مظاهرة نسائية مكونة من 300 سيدة تقودهن السيدة / هدى شعراوي وطفن بالقنصليات والسفارات الأجنبية ببيان احتجاج على بقاء الاحتلال البريطاني لمصر ..

 

وقبل يومين من هذه المظاهرة الأولى من نوعها في تاريخ مصر ، وفي الرابع عشر من مارس سقطت أول شهيدة من سيدات مصر برصاص المحتل البريطاني ..

 

خرجت الشهيدة "حميدة خليل" على رأس مظاهرة نسائية من حي الجمالية تهتف بسقوط الاحتلال البريطاني ، وتطالب بعودة الزعيم المنفي سعد زغلول ..

 

وأمام مسجد الإمام الحسين كانت ملائكة الرحمن تنتظر لتزف الروح الطاهرة إلى جنة الخلد ؛ حيث انطلقت رصاصات الغدر البريطاني لتخترق الصدر المؤمن بربه وبوطنه وبعدالة قضيته .. شق الرصاص صدر السيدة "حميدة خليل" لتسقط أول شهيدة في ثورة 1919 ..

 

ولئن كانت "حميدة" أول شهيدة ، إلا أنها لم تكن الوحيدة ؛ فبعد استشهادها بأربعة أيام وفي حي بولاق سقطت السيدة "سعدية حسن" ، ثم تتالى سقوط الشهيدات المصريات ؛ فتبعتها شفيقة عشماوي وعائشة عمر وفاطمة رياض ونجية اسماعيل ..

 

ثم كانت المظاهرة النسائية الثانية في 20 مارس 1919 ما جعل المجتمع المصري ـ الذي كان يعتبر المرأة عورة لابد من سترها ـ يعترف بدور النساء حتى أن الزعيم سعد زغلول بعد عودته من المنفى يقول في أول خطاب له : "فلتصيحوا جميعا ، لتحيا السيدة المصرية" ..

 

ولاشك أن المرأة المصرية هي رمز للنضال والكفاح على مر العصور قديمها وحديثها حيث سجلت إنجازاتها بأحرف من نور في جميع المجالات .. وإذا كان التاريخ المزيف الذي ساهم المحتل البريطاني في كتابته قد أهمل وعتم على يوم 14 مارس الذي كان الشرارة لثورة المرأة المصرية ليس ضد المستعمر وحسب ، ولكن ضد كل الأفكار البالية التي كانت تعتبر المرأة وعاءا للإنجاب ليس إلا ، يسيطر عليها بكل جبروته "سي السيد" الذي يعطي نفسه مطلق الحرية والحقوق ، بينما يحرم زوجته وأم أولاده كما يحرم بناته من أبسط الحقوق الإنسانية وكأنهن لسن خلقا ممن خلق الله ..

 

لقد حرص المحتل الأجنبي البغيض وساعده من انساقوا وراء أكاذيبه وأباطيله على طمس الحقائق وتغييرها ؛ حيث أهملوا ذكر يوم 14 مارس الذي سقطت فيه أول شهيدة "السيدة حميدة خليل" ، وأهملوا ذكر من سقطن بعدها من الشهيدات ، وأختزلوا نضال المرأة المصرية في امرأة واحدة هي السيدة "هدى شعراوي" التي قادت يوم 16 مارس مظاهرة قوامها حوالي 300 سيدة من سيدات الطبقة العِلِّيوي حاملات معهن بيانا موجها للسفارات والقنصليات الأجنبية تنديدا بالاحتلال البريطاني لمصر ..

 

لقد تعامل المحتل والمتعاونون معه من رجال الشرطة مع النساء المتظاهرات من عامة الشعب أمام مسجد الإمام الحسين وفي حي بولاق وغيرها بالرصاص الحي ، بينما اكتفوا بمعاقبة سيدات الطبقة العِلّيوي بالوقوف في شمس الظهيرة لمدة ثلاث ساعات ..

 

واليوم وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وخروج المرأة المصرية منذ اليوم الأول للثورة واستمرار نضالها حتى لحظة كتابة هذه السطور لايسعنا إلا أن نفتش في تاريخنا المضيئ العطر عن الخوالد من نساء مصر اللاتي لم ينصفهن أبناؤهن وأحفادهن لمجرد أنهن من عامة الشعب ، وجرى التعتيم المتعمد على تاريخهن النضالي حتى لا تجد بنات اليوم من قدوة لهن سوى فنانة أو مطربة أو راقصة ، بينما تاريخنا يزخر بنماذج نسائية بطولية عظيمة لا نظير لها في أي بلد من بلدان العالم ..

 

وإذا كنا نتذكر اليوم أول شهيدة في القرن العشرين فلا يمكن أن ننسى شهيدة مصر العظيمة القديسة دميانة التي وقفت وهي فتاة في ريعان الشباب تنافح عن دينها وإيمانها بالله الواحد الأحد ، وترفض الانقياد لكفر الحاكم دقلديانوس ومعها أربعون عذراء اخترن الحياة البتولية وعزفن عن مباهج الحياة الفانية رغم الثراء الفاحش ورغد العيش ، وتحملن كافة صنوف العذاب على أيدي زبانية دقلديانوس وآلات التعذيب الجهنمية حتى استشهدن جميعهن ، وسمي العصر الذي استشهدن فيه بعصر الشهداء ..

 

وإذا كنا نتذكر الشهيدة البتولية فلا يمكن لنا أن نغفل دور امرأة حكمت مصر لفترة وجيزة استطاعت خلالها بكل حكمة أن تقود البلاد إلى النصر على الغزاة ألا وهي السيدة شجرة الدر التي أخفت موت زوجها سلطان مصر الصالح نجم الدين أيوب حتى لايفت ذلك في عضد المجاهدين ضد الغزو الأجنبي المتستر وراء الصليب ..

 

وفي فترة ما بين موت السلطان الصالح أيوب ، ومجيء ابنه توران شاه ، وهي فترة تزيد عن ثلاثة أشهر ، نجحت شجر الدر بمهارة فائقة أن تمسك بزمام الأمور وتقود دفة البلاد وسط الأمواج المتلاطمة التي كادت تعصف بها ، ونجح الجيش المصري في رد العدوان الصليبي وإلحاق خسائر فادحة بالصليبيين ، وحفظت السلطنة حتى تسلمها توران شاه الذي قاد البلاد إلى النصر ..

 

تحية من سويداء القلب لكل سيدة وفتاة تفخر بمصريتها ، وأقول لهن : يحق لكنَّ أن تفخرن وأن تسعدن بكونكن مصريات حفيدات لشهيدات العصر الروماني "القديسة دميانة والعذارى الأربعين" والسيدة "شجرة الدر" الملقبة بعصمة الدين ، والشهيدات "حميدة خليل" وشفيقة عشماوي وعائشة عمر وفاطمة رياض ونجية إسماعيل وغيرهن من عامة الشعب ، وللسيدات هدى شعراوي وسيزا نبراوي والعالمة الفذة التي استشهدت واغتالتها يد الغدر لأنها أصرت أن تخدم وطنها مصر بعلمها أول عالمة ذرة مصرية سميرة موسى ..

 

هنيئا لمصر ولكل امرأة وفتاة مصرية بهذا الطابور الطويل من الشهيدات والمناضلات ؛ طابور له أول ولن يكون له آخر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


منشور فى قسم عبد الفتاح نيازى (كُتَّاب الرئيس)

السبت, 16 مارس 2013 22:57

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 328 مشاهدة
نشرت فى 27 مايو 2013 بواسطة NIAZI

Abdel Fattah Niazi

NIAZI
هذا موقع شخصي »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

7,579