في القصاص وَالدَّيَة والعفو


قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (البقرة:178).

المفردات
( كُتِبَ ) أي فرض ( الْقِصَاصُ ) المساواة والمماثلة في الجراحات والديات.

بين يدي الآية
الكليات الخمس أي الأمور الخمسة التي هي المقاصد الكبرى للشريعة هي حفظ الدين والنفس والعرض والمال والعقل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" حديث حسن.

نادى الله عباده المؤمنين ليعلمهم حكما شرعيا، عليه مدار تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع الإسلامي المبارك، وهذا الحكم هو فرضه تعالى على المؤمنين القصاص في القتلى.

وقد جمع الإسلام عقوبة القتل بين العدل والرحمة, فجعل القصاص حقا لأولياء المقتول إذا طالبوا به وهو عدل.

وشرع الدية إذا أسقطوا القصاص عن القاتل –وذلك رحمة- ( فَمَنِ اعْتَدَى ) على القاتل بعد أخذ الدية ( فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة.

فائدة:
كان في اليهود قصاص ولم يكن فيهم الدية، وكان في النصارى الدية ولم يكن فيهم القصاص، فأكرم الله هذه الأمة المحمدية وخيرها بين القصاص والدية والعفو، وهذا من يسر الشريعة الإسلامية التي جاء بها الإسلام.

لقد كان حيان من العرب يرى أحدهما أنه أشرف من الثاني، فيقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة، فأبطل الله تعالى هذا الحكم الجاهلي، وأعلمهم أن العدل هو أن يقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى لا بالرجل، وبقى الأمر هكذا حتى نزلت آية المائدة ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) (المائدة:45) فأصبح الحكم العادل النافذ هو أن يقتل القاتل، سواء قتل رجلا أو امرأة حرا أو عبدا، إلا أن يعفو أهل القتيل عن القاتل، فلا يطالبوا بقتله: إما لرضاهم بالدية، وإما لاختيارهم أجر الآخرة عن أجر الدنيا، فتركوا القصاص والديه معا.

ثم أخبر تعالى المؤمنين بأن ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) بأن تنازل الولي عن القتل قصاصا ورضي بالدبة ، فعلى المطالبة بالدية أن يطلبها بالمعروف وهو الرفق واللين وعدم الشدة والعنف، وعلى مؤديها أن يؤديها بإحسان لا بالمماطلة والتأخير أو الانتقاض وعدم الوفاء.

ثم أخبر تعالى عباده المؤمنين بأنه رحمة بهم خفف عنهم فخير ولي الدم بين العفو أو أخذ الدية أو القصاص في حين أن أهل الكتاب قد شدد عليهم، فاليهود لا دية عندهم ولا عفو، بل القصاص فقط.
والنصارى لا قصاص ولا دية، ولكن العفو فقط، وهذا بناء على ما علم سبحانه من حالهم، فشرع لهم ما يناسبهم تأديبا وتربية لهم.
وقوله تعالى في آخر الآية ( فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ) أي بعد أن رضي بالدية وقبلها وقتل القاتل ( فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وهو عذاب الآخرة.
وأخيرًا: اعلم أيها القارئ الكريم أن هناك خلافًا بين فقهاء الإسلام من أهل السنة والجماعة وهي في المسائل الآتية:

1- في قتل الحر بالعبد حيث ذهب الجمهور أن الحر إذا قتل عبدًا لا يقتل به، ولكن يدفع قيمته لمالكه بحجة أن العبد يباع ويقوم بقيمة، فلذا من العدل أن لا يقتل حر به ولكن يعطي مالكه قيمة مثله. وذهب أبو حنيفة (رحمه الله تعالى) إلى أنه يقتل به الحر أخذا بظاهر الآية: ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) والذي يظهر أن الأمر يرجع إلى الإمام فإن خاف فتنة واضطرابًا أخذ بالآية وهي القصاص، وإن لم يخف ذلك أخذ بمذهب الجمهور وهو دفع قيمته لمالكه لا غير.

2- ذهب البعض كالحسن البصري وعطاء وهما تابعيان إلى أن الرجل لا يقتل بالمرأة ولكن تدفع الدية، ورد هذا الجمهور وقالوا بالقصاص لآية المائدة: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم".

3- ذهب الجمهور إلى أن الجماعة إذا اشتركوا في قتل واحد يقتلون به، لقول عمر (رضي الله عنه) في غلام قتله سبعة فقتلهم وقال: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم"، وقال غير الجمهور لا يقتل الجماعة بالواحد، وهذا أيضا قد يرد إلى الإمام حيث ينظر في عواقب الأمور ويحكم بما فيه خير الأمة وصلاحها.

ملحوظة:

القصاص كما يكون بالنفس، فإنه يكون بالأعضاء، لقوله تعالى: ( وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ ) (المائدة:45).

ما يستفاد من الآيات:
1- حكم القصاص في الإسلام وهو المساواة والمماثلة، فيقتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، والمرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، ويقتل القاتل بما قتل به الحديث: "المرء مقتول بما قتل به".

2- محاسن الشرع الإسلامي وما فيه من اليسر والرحمة، حيث أجاز العفو والدية بقتل القصاص.


(نداءت )

المصدر: نداءت القران الكريم
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 100 مشاهدة
نشرت فى 23 أكتوبر 2015 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

900,933

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.