- عن عَلْقَمَةَ قال: كنت أمْشِي مع عبد اللَّهِ بِمِنًى، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ - رضي الله عنهما -، فَقَامَ معه يُحَدِّثُهُ، فقال له عُثْمَانُ: يا أبَا عبد الرحمن! ألا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً؟! لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ ما مَضَى من زَمَانِكَ! قال: فقال عبد اللَّهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لقد قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: « يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ ».
* قوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب»:
قال أهل اللغة: المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف. فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، فكذا ما أشبهه.
والشباب: جمع شاب، ويُجمع على شُبَّان وشُببة. وهو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة.
* قوله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم الباءة»: خصَّ الشباب بالخطاب؛ لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ، وإن كان المعنى معتبراً إذا وُجد السبب في الكهول والشيوخ.
فقه الحديث :
1 - حسن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وجَّه الخطاب إلى من هم أولى به.
2 – حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه لأمته؛ غذ ذكر الحكم وعلته.
وبالمناسبة فإن ذكر علل الأحكام فيه ثلاث فوائد:
الأولى: بيان سمو الشريعة وعلوها وأن أحكام مبنية على رعاية المصالح.
الثانية: زيادة طمأنينة المخاطب؛ لأن المخاطب إذا عرف الحكمة اطمأنَّ إلى الحكم.
الثالثة: قياس ما شارك هذا المعنى أو المحكوم به في المعنى؛ لأن القاعدة في هذا أن الشريعة لكمالها واطرادها لا تفرِّق بين متماثلين... كما أنها لا تجمع بين المتفرقين.
3 – أن غضَّ البصر مطلوب شرعاً؛ لأنه إذا كان قد أمر بالنكاح من أجل غضِّ البصر صار سبب الحكم أولى بالحكم من المسبب .. هذا حكم أخذناه من الحديث، وإلا فإنَّ الله تعالى أمر بغضِّ البصر في كتابه: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن خبير بما يصنعون)).
4 – حكمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما إذا تعذَّر الشيء حسًّا أو شرعاً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم يذكر البديل عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم»، فإذا لم يمكنك القيام بالنكاح قدراً لأنك معسر فعليك بالصوم.
5 – أن الإنسان لا ينبغي له أن يستقرض – يعني لا يطلب القرض – ليتزوج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن لم يستع فعليه بالصوم» ولم يقل: «فليستقرض» أو «فليستدن» ! ويدل على هذا - أيضاً - قوله تعالى: ((وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله)).
ويؤيده أيضاً حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في قصة الواهبة – وسيأتي معنا -، «التمس ولو خاتماً من حديد!».، ولم يجد الرجل، ثم إنه زوَّجه بما معه من القرآن، ولم يأمره بالاستدانة.
6 – استحباب نكاح الشابة، ولاسيما إذا كانت بكراً؛ لقول عثمان لابن ابن مسعود – رضي الله عنهما - : «ألا نزوِّجك جاريةً شابةً».
قال النووي: «وفيه استحباب نكاح الشابة؛ لأنها المحصلة لمقاصد النكاح؛ فإنها ألذُّ استمتاعاً، وأطيبُ نكهةً، وأرغبُ في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح، وأحسنُ عشرةً، وأفكهُ محادثةً، وأجملُ منظراً، وألينُ ملمساً، وأقربُ إلى أن يعوِّدها زوجها الأخلاق التي يرتضيها».
7 - في الحديث إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم؛ لأن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل، تَقْوَى بقوته وتضعُف بضعفه.
8 - استدل الخطابي بالحديث على جواز المعالجة لقطع شهوة النكاح بالأدوية، لكن ينبغي أن يكون ذلك دواء يسكِّن الشهوة دون ما يقطعها بالكلية؛ لأنه قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه! للاتفاق على منع الجَبِّ والخصاء، فيلحق بذلك ما في معناه من التداوي بالقطع أصلاً.
9 - استدل به الخطابي – أيضاً - على أن المقصود من النكاح الوطء. ولهذا شرع الخيار في العِنَّة.
10 - الحث على غض البصر وتحصين الفرج بكلِّ ممكن.
11 - عدم التكليف بغير المستطاع.
12 - يؤخذ من الحديث أن حظوظ النفوس والشهوات لا تتقدَّم على أحكام الشرع، بل هي دائرة معها.
13 – تحريم الاستمناء باليد (العادة السرية).
ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه عند عدم القدرة على الباءة، ولو كن جائزاً لأرشد إليه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أهون عليه من الصوم، ولأن الشاب يجد متعةً .. بينما الصوم لا يجد فيه إلا الجوع والعطش.. وقد عُلم من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يخيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ الأمر الذي يدل على أن الاستمناء فيه إثم! لأنه أيسر الأمرين (الصوم – الاستمناء)؛ فلم لم يختره عُلم أنه إثم. وهو مذهب المالكية، واختيار الشيخ ابن عثيمين.
وأباح طائفة من العلماء الاستمناء باليد، وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية، لأجل تسكين الشهوة.