التصوُّف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنـزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية... ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف عام بمذهب التصوف:
التصوُّف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنـزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية... ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة(1).
بدايات التصوف في العالم الإسلامي:
يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية بدايات التصوف بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر، وبني دويرة للصوفية، وهي أول ما بني في الإسلام، أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع، صار لهم حال من السماع والصوت، إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين"(2).
علاقة التصوف بإيران "فارس":
على يد أبي سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني (430هـ) وُضع أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة.
ويذهب مؤلف موسوعة الصوفية "عبد المنعم الحفني" وغيره إلى أن عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية (471ـ 561هـ)، هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها وكانت الرفاعية هي ثاني طريقة، وتلت هذه الطريقة المولوية المنسوبة إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي...
فقد مثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية... كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت 540هـ)... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549ـ 587هـ) صاحب مدرسة الإشرافالفلسفية(3).
رموز الصوفية من الأصول الفارسية:
برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا، كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم(4).
نشأة التصوف بإيران والموقف الصفوي منه:
في مقال له بعنوان "الصوفية والصفوية" الإخوة الأعداء للباحث أحمد فهمي أشار إلى أن ظهور التصوف في إيران كان ردة فعل للتفسخ الأخلاقي والاختلال الاجتماعي الذي أحدثهما المغول في المجتمع الفارسي، فيقول في مقاله: "اكتسح المغول بلاد فارس حينما كان غالبية أهلها من السنة، وبعدما عاثوا فيها دماراً وخراباً وسفكاً، انهار المجتمع وشاع الظلم مع سيطرة المغول على حكم البلاد، ومن ثنايا التفسخ الأخلاقي والاختلال الاجتماعي تسربت دعاوى الصوفية بين جنبات المجتمع حيث وجدت المجال خصباً لنشر أوهامها المعروفة عن الزهد وترك الدنيا، وتكاثرت زواياهم ومراكزهم ومدارسهم والتي كانت تعرف بـ"الخانقاه"(5).
العلاقة بين الاثني عشرية والطرق الصوفية:
عندما بدأت الدعوة الصفوية الاثني عشرية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، اتخذت من الصوفية ستاراً ومعبراً لاختراق الأغلبية السنية في بلاد فارس، ومن خلال تحليل تاريخي للعلاقة بين الدعوة الاثني عشرية والطرق الصوفية في بلاد فارس يمكن ملاحظة مرحلتين أساسيتين مرت بها تلك العلاقة:
أولاً: المرحلة الأولى: الصوفية أداة لاختراق المجتمعات السنية:
كان الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية المنسوبة إليه يتخذ من انتمائه لإحدى الطرق الصوفية ستاراً لتشيعه، ونشط مع أبنائه وأعوانه في توظيف التمدد الصوفي في المجتمع السني وقتها؛ لكي يجعل من الصوفية جسراً بين التسنن والتشيع، وقد نجح في تحقيق نتائج قوية مكنت أبناءه من تأسيس الدولة وتمديدها، ومن ثم إجبار من بقي من السنة على التحول إلى الاثني عشرية، وظل المتصوفة المتشيعة يتمتعون لفترة بمكانة وحرية داخل الدولة الجديدة.
ثانياً: المرحلة الثانية: الصوفية أداة لتفكيك المجتمعات الشيعية:
عندما نشطت عملية تهجير علماء (جبل عامل) الشيعة من لبنان إلى إيران لتدعيم نشاط التشيع، اتخذ علماء جبل عامل موقفاً عدائياً من الصوفية، وساعدهم في ذلك تقريب الحكام الصوفيين للعامليين(6).
التمازج الصوفي الشيعي:
عن علاقة التصوف بالتشيع يشير الباحث الإيراني الأهوازي محمد حسن فلاحية في دراسته عن التصوف في إيران أنه وبعد زوال الحكم الصفوي في إيران ازدهر الفكر الصوفي أثناء الحكم القجاريين، الذين حكموا إيران حوالي مائتي عام (1779-1924) فقد ظهرت العديد من الفرق الصوفية التي هي أساساً ممزوجة بالمذهب الشيعي، في هذه الفترة تحديداً، فمن أهم الفرق الصوفية التي نشطت في هذه الفترة هي: "نعمت اللهي غونابادي، صفي عليشاهي، مونس عليشاهي، منورعليشاهي، كوثر عليشاهي، أويسية و غيرها من الفرق الصوفية التي تعتبر مزيجاً بين الفكر الصوفي القديم والفكر الإسلامي كما أحيى البعض من الصوفيين فرقاً كانت مندثرة مثل: الـ "خاكسارية، ذهبية و القادريه ". وظهرت فرق جديدة وهي عرفت فيما بعد على أنها أديان لكنها في الواقع طوائف صوفية ممزوجة بالمذهب الشيعي من أمثال الـ "البابية و البهائية"،على حد قول فلاحية(7).
وهناك العديد من الجوانب المهمة التي تميز الطرق الصوفية التي نشأت وما تزال قائمة في فارس/إيران، وأهم جانب يمكن ملاحظته هو التزامهم بالمذهب الشيعي (عرفان شيعي)(8).
عداء الاثنى عشرية للتصوف:
يضيف فلاحية في دراسته أنه على الرغم مما أشير إليه من روابط بين التشيع والتصوف، وتوثيقها بمستندات إلا أنَّ هنالك الكثير من المفارقات التي تحتم علينا عدم الربط الكلي بين التصوف والتشيع، ورغم أن الأئمة الاثنى عشر لدى الشيعة هم الأئمة أنفسهم، الذين يحتفي بذكرهم الصوفيون، إلا أن الشيعة هم أكثر الطوائف الإسلامية التي رفضت بشكل قاطع التصوف في كتبها. وتوجد الكثير من الأحاديث لدى الشيعة تشير إلى رفض أئمتهم لكل ما هو صوفي والعكس أيضاً صحيح لدى الصوفيين هنالك عدد كبير من الأسماء التي وردت في الكتب الشيعية، وهي تتهجم على التصوف وأعمالهم وطقوسهم مثل ابن بابويه (المتوفى السنة 381) في كتاب الاعتقادات )صفحة (121) مشيراً إلى أنهم غُلاة ويستبيحون الحرام(9).
ومن أبرز العلماء الذي هاجموا المتصوفة في إيران، رجل الدين المعروف باسم "الحر العاملي" وهو من أبرز علماء الاثني عشرية، وقد ألف كتاباً في انتقاد الصوفية بعنوان "الاثني عشرية في رد الصوفية" أورد فيه ألف حديث– موضوع قطعاً– عن أئمة الشيعة في رفض الصوفية وانتقادهم(10).
ومنذ ما يزيد عن ستة سنوات، وبسبب الانتشار الواسع لبعض الطرق الصوفية- كما يزعم المتصوفة- ولدت مشاحنات مع بعض عناصر الحكومة، واندلعت مصادمات عنيفة بعد قرار السلطات الإيرانية إغلاق مسجد للصوفية في مدينة قم المقدسة عند الشيعة(11).
وفي تقرير لمركز نيكسون يبين معدوه أنه على الرغم من أن تاريخ الصوفية في إيران قد شهد خلافات حادة بين الحين والآخر بين الطرق الصوفية وفقهاء الشيعة وعموماً فالعلاقات بين المجموعتين كانت في الغالب سلمية، فغالبا ما تسامح كلا الطرفين أو أهمل الآخر.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979م ظهر إلى السطح من جديد التوتر القديم والصراع بين "العارف" و"العالم" (أي بين المشايخ المحافظين والمتصوفة)، وكانت هناك تقارير عن تهديدات ضد الخانقات(مدارس الصوفية) أو المنازل التي يلتقي فيها الصوفيون والتي تعرض بعضها للهجوم من قبل الحشود الغوغائية وهذا أدى إلى تحديد نشاطاتهم بسبب الأجواء المعادية للصوفية من قبل المشايخ ذوي الرتب المنخفضة. وقد غادر إيران شيوخ بعض الطرق الصوفية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ونصحوا أتباعهم بخفض نشاطاتهم من أجل أمنهم وسلامتهم(12).
وفي تقرير آخر صادر عن وكالة الاستخبارات الإيرانية أشار إليه صباح الموسوي مدير مركز النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام في مقال له "ركّز جل تحذيره على الطرق الصوفية التي أخذت تنتشر بشكل لم يسبق له مثيل في إيران، وذلك على الرغم من القيود الذي تفرضها السلطات الحكومية على نشاطات هذه الفرق".
يضيف الموسوي أنه "عقب نشر التقرير المذكور أصدر آية الله فاضل ألنكراني- وهو أحد المراجع الستة الكبار في حوزة قم- فتوى دينية يحرم فيها المشاركة في جلسات الذكر التي تقيمها الفرق الصوفية أو الدخول إلى تكاياهم الخاصة. واصفًا عقائد الصوفية بالباطلة، وذلك لكون الصوفية قد أحدثت بدعة باسم الطريقة، وفرقت بينها وبين الشريعة، حسب نص فتوى ألنكراني.
وقد رأى بعض المراقبين أن فتوى ألنكراني هذه تأتي من خوفه على "نظرية ولاية الفقيه" وذلك بعد أن أخذ جمع كبير من الشباب الإيراني يتوجه نحو الفرق الصوفية، التي بدورها ترفض نظرية ولاية الفقيه وتدعو لإلغائها(13).
أشهر الطرق الصوفية:
1- طريقة نعمة اللهي :كانت في الأصل طريقة سنّية ولكنها تحولت إلى طريقة شيعية في القرن السادس عشر، ولهذه الطريقة في الوقت الحالي أربعة فروع، أحدها مشتق من مونس علي شاه ضرياساتيان، وشيخ هذه الطريقة الحالي هو الدكتور جواد نور بخش، ويعيش في لندن. وهذا الفرع نشط جداً في نشر الكتب حول الصوفية.
2- الطريقة الكوثرية وكان الحاج محمد حسن مارغيهمي والمعروف بمحبوب علي شاه بيرماراغه أحد أكثر شيوخ الصوفية في إيران في القرن الثاني عشر، واعترف به بصفته قطباً للطريقة النعمة اللهية الكوثرية حتى مات عام 1955م، ووفقاً لبعض التقارير فقط ترك وصية مكتوبة أوصى فيها أن يكون خليفته على أسغر ملكنيا وتلميذه المصدق والذين اتبعوه أصبحوا يعرفون باسم الطريقة النعمة اللهية الكوثرية، وذكر فاغفوري أن أعضاء هذه الطريقة الشيعة يلتزمون بالشريعة وهم دقيقون في مراعاة الاحتفال بمولد النبي ومولد الإمام علي بن أبي طالب والمناسبات الشيعية الأخرى.
3- طريقة نعمة الله جندبادي وأحد أبرز شيوخ هذه الطريقة في القرن العشرين السلطان حسين تابنده. لقد كان شيعياً محافظاً وكان ملتزماً بالشريعة بعناية.
4- الطريقة الشمسية وسيمت هذه الطريقة على اسم سيد حسين حسيني ويعرف أيضاً بشمس العرفا (1871-1935م) وقد انقسم أتباعه بعده.
5- صافي علي شاهي، وسميت هذه الطريقة باسم الشخصية الرئيسية فيها صافي على شاه أصفهاني .
6- الطريقة الذهبية وهذه كما يشير فاغفوري كانت في الأصل فرعاً من طريقة معروفة في آسيا الوسطى باسم كيراويه، ومؤسسها هو سيد علي حمداني المولود عام 1314م ومن نسل الإمام سجّاد وتلميذ علاء الدولة سمناني (توفي 736هـ،/1336م) والمركز الرئيسي لهذه الطريقة في مقاطعة فارس في إيران (وبخاصة مدينة شيراز) ولكن لها خانقاه في طهران وأخرى في تبريز(14).
أعداد الصوفية في إيران:
لا تتوافر إحصاءات رسمية عن أعداد الصوفية في إيران، ولكن عددهم يتراوح بين 2 إلى 5 ملايين حسبما يقول "حشمت الله رياضي"، وهو أستاذ سابق للفلسفة والأديان في إيران. ويضيف أن عددهم لم يزد عن 100 ألف قبيل الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979. ويزعم كذلك أن إيران اليوم تضم أكبر عدد لأتباع الطرق الصوفية في الشرق الأوسط. وأن المئات من الشباب الإيراني يتصوفون يوما بعد آخر(15).
نخلص من هذا التقرير بأن صوفية إيران ليست كالصوفية التي تنتشر بباقي البلدان الإسلامية، فهي أقرب إلى التشيع منها إلى صوفية الطرق التي تنتشر في ربوع العالم الإسلامي، ورغم ذلك فهناك عداء متبادل بين الشيعة وأتباع الطرق الصوفية في إيران.
لكن رغم هذا العداء فإننا نجد من الإيرانيين- خاصة قادة المذهب- شغف شديد لاجتذاب صوفية العالم الإسلامي، والتقرب منهم، ونلحظ ذلك من تزايد اللقاءات المتبادلة من كلا الجانيين، والغزل الصريح من قبل الشيعة لصوفية الخارج..
نفهم من ذلك أن الإيرانيين رغم تقربهم من صوفية الخارج إلا أنهم يكنون شديد العداء لصوفية الداخل (الإيراني)، والهدف من وراء ذلك هو الرغبة في اختراق المجتمعات السنية.
بدايات التصوف في العالم الإسلامي:
يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية بدايات التصوف بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر، وبني دويرة للصوفية، وهي أول ما بني في الإسلام، أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع، صار لهم حال من السماع والصوت، إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين"(2).
علاقة التصوف بإيران "فارس":
على يد أبي سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني (430هـ) وُضع أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة.
ويذهب مؤلف موسوعة الصوفية "عبد المنعم الحفني" وغيره إلى أن عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية (471ـ 561هـ)، هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها وكانت الرفاعية هي ثاني طريقة، وتلت هذه الطريقة المولوية المنسوبة إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي...
فقد مثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية... كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت 540هـ)... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549ـ 587هـ) صاحب مدرسة الإشرافالفلسفية(3).
رموز الصوفية من الأصول الفارسية:
برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا، كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم(4).
نشأة التصوف بإيران والموقف الصفوي منه:
في مقال له بعنوان "الصوفية والصفوية" الإخوة الأعداء للباحث أحمد فهمي أشار إلى أن ظهور التصوف في إيران كان ردة فعل للتفسخ الأخلاقي والاختلال الاجتماعي الذي أحدثهما المغول في المجتمع الفارسي، فيقول في مقاله: "اكتسح المغول بلاد فارس حينما كان غالبية أهلها من السنة، وبعدما عاثوا فيها دماراً وخراباً وسفكاً، انهار المجتمع وشاع الظلم مع سيطرة المغول على حكم البلاد، ومن ثنايا التفسخ الأخلاقي والاختلال الاجتماعي تسربت دعاوى الصوفية بين جنبات المجتمع حيث وجدت المجال خصباً لنشر أوهامها المعروفة عن الزهد وترك الدنيا، وتكاثرت زواياهم ومراكزهم ومدارسهم والتي كانت تعرف بـ"الخانقاه"(5).
العلاقة بين الاثني عشرية والطرق الصوفية:
عندما بدأت الدعوة الصفوية الاثني عشرية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، اتخذت من الصوفية ستاراً ومعبراً لاختراق الأغلبية السنية في بلاد فارس، ومن خلال تحليل تاريخي للعلاقة بين الدعوة الاثني عشرية والطرق الصوفية في بلاد فارس يمكن ملاحظة مرحلتين أساسيتين مرت بها تلك العلاقة:
أولاً: المرحلة الأولى: الصوفية أداة لاختراق المجتمعات السنية:
كان الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية المنسوبة إليه يتخذ من انتمائه لإحدى الطرق الصوفية ستاراً لتشيعه، ونشط مع أبنائه وأعوانه في توظيف التمدد الصوفي في المجتمع السني وقتها؛ لكي يجعل من الصوفية جسراً بين التسنن والتشيع، وقد نجح في تحقيق نتائج قوية مكنت أبناءه من تأسيس الدولة وتمديدها، ومن ثم إجبار من بقي من السنة على التحول إلى الاثني عشرية، وظل المتصوفة المتشيعة يتمتعون لفترة بمكانة وحرية داخل الدولة الجديدة.
ثانياً: المرحلة الثانية: الصوفية أداة لتفكيك المجتمعات الشيعية:
عندما نشطت عملية تهجير علماء (جبل عامل) الشيعة من لبنان إلى إيران لتدعيم نشاط التشيع، اتخذ علماء جبل عامل موقفاً عدائياً من الصوفية، وساعدهم في ذلك تقريب الحكام الصوفيين للعامليين(6).
التمازج الصوفي الشيعي:
عن علاقة التصوف بالتشيع يشير الباحث الإيراني الأهوازي محمد حسن فلاحية في دراسته عن التصوف في إيران أنه وبعد زوال الحكم الصفوي في إيران ازدهر الفكر الصوفي أثناء الحكم القجاريين، الذين حكموا إيران حوالي مائتي عام (1779-1924) فقد ظهرت العديد من الفرق الصوفية التي هي أساساً ممزوجة بالمذهب الشيعي، في هذه الفترة تحديداً، فمن أهم الفرق الصوفية التي نشطت في هذه الفترة هي: "نعمت اللهي غونابادي، صفي عليشاهي، مونس عليشاهي، منورعليشاهي، كوثر عليشاهي، أويسية و غيرها من الفرق الصوفية التي تعتبر مزيجاً بين الفكر الصوفي القديم والفكر الإسلامي كما أحيى البعض من الصوفيين فرقاً كانت مندثرة مثل: الـ "خاكسارية، ذهبية و القادريه ". وظهرت فرق جديدة وهي عرفت فيما بعد على أنها أديان لكنها في الواقع طوائف صوفية ممزوجة بالمذهب الشيعي من أمثال الـ "البابية و البهائية"،على حد قول فلاحية(7).
وهناك العديد من الجوانب المهمة التي تميز الطرق الصوفية التي نشأت وما تزال قائمة في فارس/إيران، وأهم جانب يمكن ملاحظته هو التزامهم بالمذهب الشيعي (عرفان شيعي)(8).
عداء الاثنى عشرية للتصوف:
يضيف فلاحية في دراسته أنه على الرغم مما أشير إليه من روابط بين التشيع والتصوف، وتوثيقها بمستندات إلا أنَّ هنالك الكثير من المفارقات التي تحتم علينا عدم الربط الكلي بين التصوف والتشيع، ورغم أن الأئمة الاثنى عشر لدى الشيعة هم الأئمة أنفسهم، الذين يحتفي بذكرهم الصوفيون، إلا أن الشيعة هم أكثر الطوائف الإسلامية التي رفضت بشكل قاطع التصوف في كتبها. وتوجد الكثير من الأحاديث لدى الشيعة تشير إلى رفض أئمتهم لكل ما هو صوفي والعكس أيضاً صحيح لدى الصوفيين هنالك عدد كبير من الأسماء التي وردت في الكتب الشيعية، وهي تتهجم على التصوف وأعمالهم وطقوسهم مثل ابن بابويه (المتوفى السنة 381) في كتاب الاعتقادات )صفحة (121) مشيراً إلى أنهم غُلاة ويستبيحون الحرام(9).
ومن أبرز العلماء الذي هاجموا المتصوفة في إيران، رجل الدين المعروف باسم "الحر العاملي" وهو من أبرز علماء الاثني عشرية، وقد ألف كتاباً في انتقاد الصوفية بعنوان "الاثني عشرية في رد الصوفية" أورد فيه ألف حديث– موضوع قطعاً– عن أئمة الشيعة في رفض الصوفية وانتقادهم(10).
ومنذ ما يزيد عن ستة سنوات، وبسبب الانتشار الواسع لبعض الطرق الصوفية- كما يزعم المتصوفة- ولدت مشاحنات مع بعض عناصر الحكومة، واندلعت مصادمات عنيفة بعد قرار السلطات الإيرانية إغلاق مسجد للصوفية في مدينة قم المقدسة عند الشيعة(11).
وفي تقرير لمركز نيكسون يبين معدوه أنه على الرغم من أن تاريخ الصوفية في إيران قد شهد خلافات حادة بين الحين والآخر بين الطرق الصوفية وفقهاء الشيعة وعموماً فالعلاقات بين المجموعتين كانت في الغالب سلمية، فغالبا ما تسامح كلا الطرفين أو أهمل الآخر.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979م ظهر إلى السطح من جديد التوتر القديم والصراع بين "العارف" و"العالم" (أي بين المشايخ المحافظين والمتصوفة)، وكانت هناك تقارير عن تهديدات ضد الخانقات(مدارس الصوفية) أو المنازل التي يلتقي فيها الصوفيون والتي تعرض بعضها للهجوم من قبل الحشود الغوغائية وهذا أدى إلى تحديد نشاطاتهم بسبب الأجواء المعادية للصوفية من قبل المشايخ ذوي الرتب المنخفضة. وقد غادر إيران شيوخ بعض الطرق الصوفية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ونصحوا أتباعهم بخفض نشاطاتهم من أجل أمنهم وسلامتهم(12).
وفي تقرير آخر صادر عن وكالة الاستخبارات الإيرانية أشار إليه صباح الموسوي مدير مركز النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام في مقال له "ركّز جل تحذيره على الطرق الصوفية التي أخذت تنتشر بشكل لم يسبق له مثيل في إيران، وذلك على الرغم من القيود الذي تفرضها السلطات الحكومية على نشاطات هذه الفرق".
يضيف الموسوي أنه "عقب نشر التقرير المذكور أصدر آية الله فاضل ألنكراني- وهو أحد المراجع الستة الكبار في حوزة قم- فتوى دينية يحرم فيها المشاركة في جلسات الذكر التي تقيمها الفرق الصوفية أو الدخول إلى تكاياهم الخاصة. واصفًا عقائد الصوفية بالباطلة، وذلك لكون الصوفية قد أحدثت بدعة باسم الطريقة، وفرقت بينها وبين الشريعة، حسب نص فتوى ألنكراني.
وقد رأى بعض المراقبين أن فتوى ألنكراني هذه تأتي من خوفه على "نظرية ولاية الفقيه" وذلك بعد أن أخذ جمع كبير من الشباب الإيراني يتوجه نحو الفرق الصوفية، التي بدورها ترفض نظرية ولاية الفقيه وتدعو لإلغائها(13).
أشهر الطرق الصوفية:
1- طريقة نعمة اللهي :كانت في الأصل طريقة سنّية ولكنها تحولت إلى طريقة شيعية في القرن السادس عشر، ولهذه الطريقة في الوقت الحالي أربعة فروع، أحدها مشتق من مونس علي شاه ضرياساتيان، وشيخ هذه الطريقة الحالي هو الدكتور جواد نور بخش، ويعيش في لندن. وهذا الفرع نشط جداً في نشر الكتب حول الصوفية.
2- الطريقة الكوثرية وكان الحاج محمد حسن مارغيهمي والمعروف بمحبوب علي شاه بيرماراغه أحد أكثر شيوخ الصوفية في إيران في القرن الثاني عشر، واعترف به بصفته قطباً للطريقة النعمة اللهية الكوثرية حتى مات عام 1955م، ووفقاً لبعض التقارير فقط ترك وصية مكتوبة أوصى فيها أن يكون خليفته على أسغر ملكنيا وتلميذه المصدق والذين اتبعوه أصبحوا يعرفون باسم الطريقة النعمة اللهية الكوثرية، وذكر فاغفوري أن أعضاء هذه الطريقة الشيعة يلتزمون بالشريعة وهم دقيقون في مراعاة الاحتفال بمولد النبي ومولد الإمام علي بن أبي طالب والمناسبات الشيعية الأخرى.
3- طريقة نعمة الله جندبادي وأحد أبرز شيوخ هذه الطريقة في القرن العشرين السلطان حسين تابنده. لقد كان شيعياً محافظاً وكان ملتزماً بالشريعة بعناية.
4- الطريقة الشمسية وسيمت هذه الطريقة على اسم سيد حسين حسيني ويعرف أيضاً بشمس العرفا (1871-1935م) وقد انقسم أتباعه بعده.
5- صافي علي شاهي، وسميت هذه الطريقة باسم الشخصية الرئيسية فيها صافي على شاه أصفهاني .
6- الطريقة الذهبية وهذه كما يشير فاغفوري كانت في الأصل فرعاً من طريقة معروفة في آسيا الوسطى باسم كيراويه، ومؤسسها هو سيد علي حمداني المولود عام 1314م ومن نسل الإمام سجّاد وتلميذ علاء الدولة سمناني (توفي 736هـ،/1336م) والمركز الرئيسي لهذه الطريقة في مقاطعة فارس في إيران (وبخاصة مدينة شيراز) ولكن لها خانقاه في طهران وأخرى في تبريز(14).
أعداد الصوفية في إيران:
لا تتوافر إحصاءات رسمية عن أعداد الصوفية في إيران، ولكن عددهم يتراوح بين 2 إلى 5 ملايين حسبما يقول "حشمت الله رياضي"، وهو أستاذ سابق للفلسفة والأديان في إيران. ويضيف أن عددهم لم يزد عن 100 ألف قبيل الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979. ويزعم كذلك أن إيران اليوم تضم أكبر عدد لأتباع الطرق الصوفية في الشرق الأوسط. وأن المئات من الشباب الإيراني يتصوفون يوما بعد آخر(15).
نخلص من هذا التقرير بأن صوفية إيران ليست كالصوفية التي تنتشر بباقي البلدان الإسلامية، فهي أقرب إلى التشيع منها إلى صوفية الطرق التي تنتشر في ربوع العالم الإسلامي، ورغم ذلك فهناك عداء متبادل بين الشيعة وأتباع الطرق الصوفية في إيران.
لكن رغم هذا العداء فإننا نجد من الإيرانيين- خاصة قادة المذهب- شغف شديد لاجتذاب صوفية العالم الإسلامي، والتقرب منهم، ونلحظ ذلك من تزايد اللقاءات المتبادلة من كلا الجانيين، والغزل الصريح من قبل الشيعة لصوفية الخارج..
نفهم من ذلك أن الإيرانيين رغم تقربهم من صوفية الخارج إلا أنهم يكنون شديد العداء لصوفية الداخل (الإيراني)، والهدف من وراء ذلك هو الرغبة في اختراق المجتمعات السنية.
ـــــــــــــ
مراجع التقرير:
(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصر- إشراف: د. مانع الجهني: (1/249).
(2) الفتاوى لابن تيمية: (10/208-209).
(3) مقال: نشأة الصوفية- رأفت صلاح الدين- موقع صيد الفوائد.
(4) المرجع السابق.
(5) مقال: الصوفية والصفوية، الإخوة الأعداء- للباحث أحمد فهمي.
(6) المرجع السابق
(7) ملخص بحوث كتاب: 75 "التصوف المعاصر أفغانستان السودان العراق إيران"- مركز المسبار للدراسات والبحوث: (ص:16).
(8) فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية- ترجمة: د.مازن مطبقاني: (ص:25).
(9) ملخص بحوث كتاب: 75 "التصوف المعاصر أفغانستان السودان العراق إيران": (ص:17).
(10) مقال: الصوفية والصفوية" الإخوة الأعداء- للباحث أحمد فهمي.
(11) تقرير الصوفية تزداد شعبية في إيران- روكسانا صابري- موقع بي بي سي.
(12) فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية: (ص:23).
(13) مقال: مرجع شيعي يعلن ولادة قاتل المهدي المنتظر!- صباح الموسوي- مفكرة الإسلام.
(14) فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية:(ص:24-25).
(15) تقرير الصوفية تزداد شعبية في إيران- روكسانا صابري.