بلاء المخدرات والمسكرات

 

 

 

الخطبة الأولى :

عباد الله : داءٌ خطير ، وبلاءً مستطير ، ما منشأ في مجتمع فسكتوا عن إنكارهِ ومحاربته إلا وكُتبَ على ذلك المجتمع الانهيار ولانحدار .

داءٌ خطير ، أثره المدمر على الأمم والشعوب أشدُّ من الحروب التي تأكل الأخضر واليابس وتدمر الحضارات .

أيها المسلمون : لقد حرصَ أعداءٌ الإسلامِ في كل مكانٍ وزمانٍ على إفساد شباب هذه الأمةِ ونخر أجسادهم وعقولهم ، وقد ظهرت محاولات إفسادهم في كل ميدانٍ بغزو مكثفٍ من جميع الاتجاهات ، ولعلَّ من أنكى الوسائل التي غزوا بها المجتمعات الإسلامية المخدرات والمسكرات ، حيث تفننوا في إرسالها بشتى الصورِ ومختلفِ التسميات ، وجعلوا تناولها وحملها أمراً في غاية السهولة على الصغار قبل الكبار ، حتى انتشرت لدى كثيرٍ من شباب المسلمين .

عباد الله : إن الحديث عن تفشي المسكرات والمخدرات ونسبها وقصصها وآثارها حديثٌ مؤلمٌ ، ولكنَّ السكوت عنه لا يزيدُ الأمر إلا إيلاماً ، فكم مزقت المخدرات والمسكرات من صلاتٍ وقرابات؟ وكم فرقت من علاقات وصداقات ، وكم شتت من أسرٍ وجماعات؟ والدٌ يشكي وأمٌ تبكي ، وزوجةٌ حيرى ، وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى فإلى الله وحده الشكوى ، ( يا أيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) .

أيها المسلمون: لقد كان انتشار المسكرات والمخدرات سمةُ من سمات الجاهلية قديماً، وكان ذلك من مفاخرهم ، ومما أضاعَ عقولهم وأوقاتِهم، حتى شع نور الإسلام في أرضهم ، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم محرراً لعقولهم ، ومستدركاً لما بقي من طاقتهم ، ومعلنا لهم ولغيرهم ( ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ) . أخرجه الإمام مسلم .

عباد الله: لقد جاء نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ليهدي الناسَ إلى فطرة الله التي فطرهم عليها، ثبت في الصحيحين في حادثة الإسراء أنه صلى الله عليه وسلم قال :وأتيت بإنائين في أحدهما لبنَّ وفي الآخر خمر، قيل : خذ أيَّهما شئتَ ، فأخذت اللبن فشربتُ ، فقيل لي : هُديت للفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمرَ ، غوت أمتُك ، وفي بعض روايات ابن جرير رحمه الله أن جبريل قال : أما أنها ستحُرم على أمتك ، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل .

أيها المسلمون : لقد كان بعض أهل الجاهلية يمتنعُ عن المسكرات لما ظهر له من خطرها وأثرها ، هذا أحدُهم كان شرّاباً للخمر مولعاً بها ، وذات يوم سكرَ فغمز مؤخرةَ ابنته وهو سكران ، وشتم والديه ، وأعطى الخمارَ مالاً كثيراً ، فلما أفاقَ وأخبروه بما فعل حرَّمها على نفسه و قال :

رأيت الخمر صالحةً وفيها * خصال تفسد الرجل الحليما

فلا والله أشربها صحيحاً * ولا أشفي بها أبداً سقيما

ولا أعطي بها ثمناً حياتي * ولا أدعو لها أبداً نديما

فإن الخمر تفضح شاربها * وتجنيهم من الأمر العظيما

عباد الله : إن للمسكراتِ والمخدرات آثاراً سيئةً على الفرد والمجتمع وعلى دين المرءِ ودنياه ، كيف وقد حكم الإله أنها موقعةٌ للعداوةِ والبغضاءِ ، صادة عن ذكر اللهِ وعن الصلاةِ ، ولقد وقف الطبُّ الحديثُ معترفاً بعظمة القرآن ومؤكداً الآثار السيئة والأضرار الصحية لهذا الوباء ، ومنها أثره على الأجنةِ والمواليد، ولو نظرنا إلى انتشارٍ الجرائمِ وتفشيها في المجتمعات لوجدنا أن تعاطي المسكرات والمخدرات أحدُ الأسباب الرئيسة في ظهورها ، حيث إن المدمن يقدم على طلبِ المالِ وتحصيله من أي مصدرٍ وبأي وسيلة حتى ولو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائِم بشتى صورها .

أيها المسلمون : تفنن المجرمون في زماننا المعاصرِ في إنتاج أنواع المخدرات ، واستخدمَ العقلُ لتدمير العقلِ ، وكان تصدير المخدرات بأنواعها المختلفة أحد الوجوه الكالحةِ لجاهلية القرن العشرين ومع ذلك كلِه يبقى النصُّ القرآني عظيماً وشاملاً في حرمته لكل ما خامر العقلَ وغطاه وإن لم يذكر بنصه ، وجاءت نصوص السنةِ النبوية شاملةً في التحريم للخمر وجميع أنواع المسكرات لقوله صلى الله عليه وسلم : (( كل مسكر خمرٌ ، وكل خمرٍ حرام )) رواه الإمام مسلم ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن الحشيشة حرام يحد متناولها كما يحد شاربُ الخمر ، وهي أخبث من الخمر ، من جهتهِ أنها تفسدُ العقلَ والمزاجَ ، حتى يصير في الرجلِ تخنثٌ ودياثة ، وغير ذلك من الفساد . أ هـ ، فيا أخا الإيمان يا من تقاد بأمر الإسلاِم ، وتنتهي عند حدودهِ ، كفاكَ تحذير القرآن وأنها رجسٌ من عمل الشيطانِ، فهل أنت منته عن العصيان؟ يا عبدالله : في السنةِ المطهرةِ بيان أنًّ الإيمان وشرب الخمر لا يجتمعان، فهل ترضى لنفسك أن تكون من أتباع الشيطان ؟ يا مسلم حين لا يهون عليك دينك ، فعقلك حريُّ بالعناية وهو جوهرةٌ ثمينة لا أخالُك تفرط فيها لأتفه الأسباب :

أتأمن أيها السكران جهلاً * بأن تفجأك في السكر المنية

فتضحى عبرةً للناسِ طراً * وتلقى اللهَ من شر البرية

أيها المسلمون : يأبى الله أن يكون الثراءُ فيما حرم الله ، ومع ارتفاع أسعارِ المخدرات فمروَّجوها من أفقرِ الناسِ وأتعسهم حالاً ، أما المتعاطون فلا تزال تستنزف أموالهم حتى يضيقوا بنفقةِ أهليهم وأولادِهم وربما أضحت عوائهم عالةً يتكففون الناسَ ، وقد يبيع المبتلى أهله وعرضه مقابل جرعة مخدر أو شربةٍ مسكرٍ ، فهل من قلوبٍ تعي وعقول تفكر في النهاية الموحشةِ والآثار المدمرة لهذه البلايا ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).

وقال الحسن البصري رحمه الله : ( لو كان العقل يشترى ، لتغالى الناس في ثمنه ، فالعجبُ ممن يشتري بمالِه ما يفسده ).

عباد الله : لقد مر علينا في بلادنا هذه زمانٌ كان الذي يشربُ فيه الدخان يقاطعُ ويهجرٌ ويرمى بالفسقِ ، ثم أدخل أعداء الله أنواعاً وأشكالاُ من المخدرات والمسكرات ، فوقع فيها الغافلون فأصبح الناسُ يحذرون منها، والآن تسلط أعداء اللهِ على كل البلاد بلا استثناءٍ بمختلف أنواع السموم ، حتى تساهل الناسُ في الخمر والمخدرات وشربها ، ولم نعد نسمع من ينكر أو نبصر من يزجر كما كنا نرى ونسمع من قبل ، ولو ائتمرنا فيما بيننا ونصحنا المخالف منا لما وجد الشيطان سبيلاُ إلى ضعيفٍ بيننا .

أيها المسلمون: لابد من تكثيف التوعية بأضرار المسكرات والمخدرات والتركيز على ذلك في وسائل الإعلام المختلفة لتستيقظ الأسر وترعى أبناءها وتحافظ عليهم من رفاق السوءِ الذين يتربصون بهم كُلَّ مرصد، ولابد كذلك أن يتكاتف أفرادُ المجتمع مع الجهاتِ المسؤولة لنبذ المروجين والتبليغ عنهم ، والتحذير من التستر عليهم أو التهاون معهم ، أما المبتلى فهو مريض بحاجةٍ إلى المساعدةِ ، لا إلى مجرد الشفقةِ والسكوتِ أو التستر السلبي .

وختاماً : ففي القصاصِ وقتل المهربين والمروجين الذين يتكرر منهم ذلك أثرٌ في الحدِ من انتشارِ هذا الوباءِ ، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .

الخطبة الثانية

عباد الله : أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه أن عثمان رضي الله عنه قام خطيباً فقال : أيها الناس اتقوا الخمر ، فإنها أمُّ الخبائث ، وإن رجلاً كان مما كان قبلكم من العٌُباد ، كان يختلف إلى المسجد ، فلقيته امرأة سوءٍ، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل ، فأغلقت البابَ ، وعندها باطية من خمرٍ ، وعندها صبيٌّ فقالت له : لا تفارقني حتى تشرب كأساً من هذا الخمر ، أو تواقعني ، أو تقتل الصبِّي ، وإلا صحتُ ، يعني صرخت وقلت : دخل علي في بيتي فمن الذي يُصَدِّقُك؟ فضعف الرجلُ عند ذلك وقال : أما الفاحشة ، فلا أتيها ، وأما النفسُ فلا أقتلها فشرب كأساً من الخمر ، فقال : زيديني فزادته ، فو الله ما برح حتى واقع المرأة وقتلَ الصبي، قال عثمان رضي الله عنه: فاجتنبوها فإنها أمُّ الخبائث ، وإنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلبِ رجلٍ ، إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر .

فاتقوا لله أيها المسلمون ، واحذروا من كل ما يذهب عقولكم ويمحق أجوركم، ثم صلوا على خير البرية وهادي البشرية .

المصدر: صيد الفوائد ـ
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3270 مشاهدة
نشرت فى 13 يناير 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

939,153

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.