الامام اجمد بن حنبل رحمه الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

توطئة الإمام أحمد :
كان من أجل هؤلاء الأئمة ، وأفضل هؤلاء العلماء ، عالمٌ لا كالعلماء ، وعلمٌ لا كالأعلام ، جبلٌ أشم ، وبدرٌ أتم ، وحبرٌ بحر ، وطودٌ شامخ ، يعد بجدارة إمام القرن الثالث الهجري ، فريد عصره ، ونادرة دهره ، قَلَ أن يجود الزمن بمثله ، إنه أئمة في شخص إمام ، وأمة في رجل ، إنه :
أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، ورضي عنه ، وأسكنه فسيح جناته .

اسمه ونسبه :
قال عنه الذهبي في السير : " أحمد بن حنبل هو الإمام حقاً ، وشيخ الإسلام صدقاً ، أبو عبد الله ، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذُهْل بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي ، أحد الأئمة الأعلام .


هكذا ساق نسبه ولده عبد الله ، واعتمده أبو بكر الخطيب في " تاريخه " وغيره .
والدا الإمام أحمد : كان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو ، مات شابا له نحو من ثلاثين سنة .
وربي الإمام أحمد يتيماً ، وقيل : إن أمه تحولت من مرو ، وهي حامل به .
وعاشت معه أمه مدة من الزمن ، وكانت تأتي به إلى المسجد ، وتنتظره حتى يخرج ، فتذهب به إلى البيت .


مولد الإمام أحمد :
على ثرى بغداد ولد الإمام ونشأ وترعرع ، ولد سنة أربع وستين ومائة ، من أصلٍ عربيٍ أصيلٍ انحدر نسبه رحمه الله ، وعلى عصامية اليتم تربى ودرج في صباه ، مما ساعد على سمو نفسه ، وعلو همته ، ونمو مداركه وتعرفه على أحوال مجتمعه، وكانت بغداد آنذاك ليست كما هي في عقب الزمان والله المستعان ، حيث كانت حاضرة العالم الإسلامي ، ومهد العلوم والحضارة ، تموج بأنواع الفنون والمعارف ، وتزخر بشتى الأفكار والعلوم ، وعصره عصر نضوج الفقه وظهور الفقهاء ، واشتداد الجدل الفكري بين العلماء ، مع عدم استقرار الحالة السياسية، وكثرة الفتن مما ساعد على حسن توجه الإمام رحمه الله، فاتجه إلى تحصيل العلم ولزوم السنة ، فلم يحرض على فتنة ، ولم يواجه ذا سلطان مع قوة في الحق ، وحبٍ للخلق ، وذبٍ عن السنة وتحذيرٍ من البدعة .


أيها الأخوة . . . . في تاريخ الإسلام علماء ربانيون ، وأعلامٌ عاملون ، وأئمة مهديون ، هم من منة الله على هذه الأمة ، قاموا بالإسلام وللإسلام ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون به أهل العمى ، ويرشدون به من ضل منهم إلى الهدى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه ، يقتبسون من نور الوحي ، ويسيرون على مشكاة النبوة ، عقيدة وعلماً وعملاً ومنهجاً ودعوة ، فكم نفع الله بهم البلاد ، وكم هدى بهم من العباد .

همة الإمام أحمد في طلب العلم :
لقد أقبل الإمام الرقيق النحيل ، الربعة من الرجال والطوال ، ذو اللون الأسمر والتواضع الجم ، ينهل من العلم ، فحفظ القرآن وأقبل على الحديث والأثر حتى حفظ مئات الألوف من الأحاديث ، وما كتابه المسند إلا دليلٌ على طول باعه في علم السنة ، في مجال الرواية ، وقد جمعه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف ، واستغرق في جمعه أكثر من خمس عشرة سنة .


أما الدراية فهو من يجيدها ويستطيع الصيد في جوفها ، ملتزماً بفقه السنة ، والعناية بالدليل والأثر ، والأخذ بفتاوى الصحابة رضي الله عنهم .
طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، في العام الذي مات فيه مالك ، وحماد بن زيد .


رحل في طلب العلم إلى كثيرٍ من البلدان ، حتى قال عنه ابن كثير : لقد طاف في البلاد والآفاق ليسمع من المشايخ ، وكانت له همة عالية في الطلب والتحصيل ، فما ترك لحظة من لحظات شبابه وكهولته ، إلا حرص فيها على سماع حديث ، أو تصحيح رواية ، وما قصته في سماعه من عبد الرزاق الصنعاني في مكة وسفره معه إلى بلاده ، مع بعد الشقة وانقطاع النفقة ، إلا دليلٌ على علو الهمة ، ومضاء العزيمة ، حتى عد حافظ زمانه .


قال أبو زرعة الرازي : كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث ؟ فقيل له : وما يدريك ؟ قال : ذاكرته فأخذت عليه الأبواب .
قال الذهبي معلقاً : فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر ، والأثر ، وفتوى التابعي ، وما فسر ، ونحو ذلك .

وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك .

ثناء عليه :
إنه فقيه المحدثين ، ومحدث الفقهاء .
قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله : خرجت من العراق فما خلفت فيها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أتقى لله منه .


وقال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : عالم العصر ، وزاهد الدهر ، ومحدث الدنيا ، وعَلَمُ السنة ، وباذل نفسه في المحنة ، قَلَ أن ترى العيون مثله ، كان رأساً في العلم والعمل ، والتمسك بالأثر ، ذا عقلٍ رزين ، وصدقٍ متين ، وإخلاصٍ مكين ، انتهت إليه الإمامة في الفقه والحديث والإخلاص والورع ، وهو أجل من أنه يمدح بكلمي ، أو أن أفوه بذكره بفمي .

هذا هو إمام أهل السنة ، الإمام الفذ ، والعالم الجهبذ ، الإمام المفضل ، والعالم المبجل ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله ، من عرفته الدنيا ، وطار اسمه في الآفاق ، فذكره ذاع ، وصيته شاع ، إماماً عالماً فقيهاً محدثاً مجاهداً صابراً لا يخاف في الله لومة لائم ، يتحمل المحن في سبيل الله ، والذب عن سنة رسول الله ، ويقارع الباطل بحكمة نادرة ، لا تزعزعه الأهواء ، ولا تميد به العواصف ، حتى عد قمة عصره وما بعد عصره ، وأُجمع على جلالته وقدره ، إلا عند من لم يعبأ بهم .

قال عنه يحيى بن معين : أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد ، لا والله ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .

من كراماته :
قال عباس الدوري : حدثنا علي بن أبي فزارة جارنا ، قال : كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة .


فقالت لي يوماً : اذهب إلى أحمد بن حنبل ، فسله أن يدعو لي ، فأتيت ، فدققت عليه وهو في دهليزه ، فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء .
فسمعت كلامه كلام رجل مغضب ، فقال : نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفاً ، فخرجت عجوز ، فقالت : قد تركته يدعو لها .
فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي . قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة .
فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته ، فكان يصلي كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة .
قال عبد الله : رأيت أبي حرج على النمل أن يخرجوا من داره ، فرأيت النمل قد خرجن بعد نملاً سوداً ، فلم أرهم بعد ذلك .
قالت فاطمة بنت أحمد بن حنبل : وقع حريق في بيت أخي صالح ، وكان قد تزوج بفتاة ، فحملوا إليه جهازا بأربعة آلاف دينار ، فأكلته النار فجعل صالح يقول : ما غمني ما ذهب ، إلا ثوب لأبي ، كان يصلي فيه ، أتبرك به ، وأصلي فيه .
قالت : فطفئ الحريق ، ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير ، قد أكلت النار ما حوله وسلم .


قال ابن الجوزي : وبلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي أن حريقاً وقع في دارهم ، فأحرق ما فيها إلا كتاباً كان فيه شيء بخط الإمام أحمد .

قال : ولما وقع الغرق ببغداد في سنة 544، وغرقت كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد .

أيها الأخوة . . . إن ارتباط الأجيال اللاحقة والناشئة المعاصرة بسلفهم من العلماء الأفذاذ ، ينتفعون بسيرتهم ، ويسيرون على منهجهم ، ويقتبسون من نور علمهم وفضلهم ، لهو من أهم الأمور التي ينبغي أن نعتني بها ، لاسيما العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله ، ورجال الحسبة والإصلاح ، كيف ونحن نعيش في أعقاب الزمن حيث كثرت الفتن ، وطمت المحن ، واستحكمت الأزمات ، وعمت الخلافات ، وتباينت المشكلات والمعضلات ، ولا مخلص منها إلا الاعتصام بالكتاب والسنة ، والسير على منهج علماء سلف هذه الأمة رحمهم الله ، الذين يعدون أمثلة حية ، ونماذج فريدة ، تمثل التطبيق الحي السليم ، والمنهج العملي الصحيح للإسلام ، عقيدة وسلوكاً .

 

المصدر: صيد الفوائد / http://www.saaid.net/Doat/yahia/166.htm
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2022 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

902,611

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.