روايات من الحصار (3): نقابة الصيادين في رفح
(جمال محمد بصلة يقف على أحد مراكب الصيد التي يملكها في رفح جنوب قطاع غزة)
"أنا صياد منذ 36 عاماً، منذ أن كان عمري 15 عاماً. بلدتي الأصلية هي الجورة، وهي مشهورة بصياديها. عندما هاجر أبي إلى غزة عام 1948، جاء إليها على متن قارب".
جمال محمد بصلة هو الناطق باسم نقابة الصيادين برفح في جنوب قطاع غزة. تمثل النقابة حوالي 450 من صيادي السمك المحليين، ويقع مقرها على شاطئ بحر رفح. يجلس جمال ومعاونيه في خيمة على شاطئ البحر، ويشربون الشاي وهم جالسون حول نار للتدفئة. فالجو عاصف، والبحر هائج، وهم ينتظرون تحسن الأحوال الجوية.
يقول جمال: "يستغرق تجهيز القوارب ساعتين أو ثلاث ساعات، ولكننا جاهزون كل يوم. نقوم بفحص الشبك، والوقود للمحرك، والبطاريات، ومخزون الطعام، ونظام التحديد الكوني، وكل متطلبات العمل. عندما يتحسن الجو سنكون جاهزين بسرعة". يعمل مع جمال في أوقات الصيف طاقم من 18 صياد، ويمكثون في عرض البحر لمدة قد تصل إلى 24 ساعة متواصلة. ولكن في فصل الشتاء فإن الطاقم يتكون من 6 أو 7 صيادين. يعمل الصيادون مع بعضهم منذ سنوات، ويوجد بينهم تفاهم كبير.
يوجد حوالي 3500 صياد يعملون على طول 40 كم من سواحل قطاع غزة. يعيل هؤلاء الصيادون حوالي 40000 نسمة، بمن فيهم عمال صيانة وبائعو سمك والآلاف من الأسر العاملة في مجال الصيد. ولكن قطاع صيد الأسماك مدمر بسبب الظروف على مدار الأعوام الخمس الماضية، خاصة الإجراءات العقابية الإسرائيلية التي تزداد تعقيداً فيما يتعلق بمدى إبحار الصيادين بدون التعرض للمضايقات وإطلاق النار. خالفت اتفاقية أوسلو معايير حقوق الإنسان من خلال القيود التي فرضتها على حركة المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك حق صيادي غزة في صيد الأسماك بحرية. ولكن الاتفاقية حددت بأن الصيادين الفلسطينيين يمكن أن يصطادوا في حدود 20 ميلاً بحرياً من شواطئ القطاع.
لكن جمال ورفقاؤه يقولون بأنه لا يمكن الصيد إلا في مسافة 2.5 كيلومتر لتجنب إطلاق النار. يقول جمال: "إذا أبحرنا أكثر من ذلك فإن الإسرائيليين يمكن أن يطلقوا النار أو يقطعوا شبك الصيد أو يدمروا القوارب، أو أن يجبرونا على العودة إلى الشاطئ. نحن نعاني من هذه القيود منذ عام 2003. وفي الآونة الأخيرة بدأوا يستخدمون الصواريخ والطائرات المروحية ضدنا". تؤكد نقابة الصيادين برفح بأن الزوارق الحربية الإسرائيلية متواجدة في عرض البحر على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، لذا فإن الصيادين لا يمكن أن يغامروا بالإبحار بعيداً عن الشاطئ.
تدعي إسرائيل بأن القيود على الصيادين جزء من استراتيجية أمنية شاملة لمحاربة تهريب الأسلحة والانتحاريين. لكن خليل شاهين، مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، يشير إلى أن إسرائيل لم تلتزم قط باتفاقية أوسلو المشار إليها أعلاه. "لم تسمح قط للصيادين بالإبحار 20 ميلاً بحرياً. أبعد مسافة سمح بها للصيد كانت 12 ميلاً بحرياً، وكان ذلك في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان صيادو غزة يصيدون حوالي 3000 طن من الأسماك سنوياً. انخفض الانتاج منذ العام 2002 بسبب القيود المتزايدة، وتبلغ كمية الصيد الآن حوالي 500 طن سنوياً. يعتبر هذا الأمر نتيجة حتمية للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة".
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقال أكثر من 70 صياداً من قطاع غزة خلال العام الماضي. ويعبر جمال وأصدقاؤه عن الإنزعاج بسبب عدم قدرتهم على كسب قوتهم من الصيد بشكل منتظم وبدون أن تكون حياتهم في خطر. عبد الله عضو في نقابة الصيادين، ويقول: "أبحر بقاربي مسافة 4-5 كيلومتر من الشاطئ. لا يوجد أمامي أي خيار آخر. أحياناً نتمكن من الصيد، وفي أحيان أخرى يبدأون بإطلاق النار ونحن نجر الشباك بعد الصيد، الأمر الذي يجبرنا على ترك ما اصطدناه".
يؤكد صيادو رفح بأن القيود المفروضة عليهم أثرت على نوعية الأسماك التي يصطادونها، حيث أنهم مجبرون على صيد سمك السردين والأسماك التي تعيش في المياه الضحلة. كما إنهم مجبرون على استخدام شبك صغير واصطياد سمك صغير لزيادة كمية الصيد. يدعي جمال بأنه لا يوجد أمامهم أي خيار آخر بسبب الحصار الإسرائيلي، بالرغم من اتهام الصيادين بإضعاف المخزون السمكي بسبب الصيد المكثف. المفارقة العجيبة أن عدد الصيادين في قطاع غزة زاد مقارنة بمنتصف التسعينيات من القرن الماضي، وذلك لأن آلاف العمال الذين كانوا يعملون في إسرائيل توجهوا للعمل في الصيد.
يعتبر البحر أكبر ثروة طبيعية في غزة، ويعتبر أعضاء نقابة الصيادين في رفح بأن الحل لمشكلتهم بسيط جداً، وأنهم لا يطالبون بأكثر من احترام حقوقهم التي تنص عليها اتفاقية أوسلو على إجحافها. يقول جمال: "نحتاج لأن يكون البحر مفتوح. أنا صياد متعلم، ولدي شهادة جامعية في الجغرافيا من جامعة بيروت. لكني عدت لمهنة الصيد لأني أعشق البحر". لدى جمال 6 أبناء وأخوين، ويقول عنهم: "كلنا نملك قوارب وشبك صيد، ونحن جاهزون للعمل".
ساحة النقاش