تربية الأسماك
تربية الأسماك Fish Culture هي أحد فروع علم الأسماك Ichthyology وطبائعها، وتهدف إلى المحافظة على المخزون السمكي المرتفع وتحسين نوعيته في المصايد الطبيعية، وإنتاج الأسماك واستكثارها في مزارع خاصة بها لتوفير بروتين حيواني عالي القيمة الحيوية رخيص الثمن ضروري لغذاء الإنسان.
لمحة تاريخية
تُعد تربية الأسماك من الفروع القديمة لتربية الحيوان، وقد بدأ الصينيون بتطبيقها في زمن موغل في القدم يعزى إلى ما قبل 2000 ق.م، وانتقلت من الصين إلى بلدان أخرى في جنوب شرقي آسيا. ويُظن أن هذه التربية ظهرت في زمن أقدم من ذلك في منطقة الشرق الأدنى. كما بدأت التربية في الأحواض السمكية في مصر نحو 2500 ق.م. وقد تمَّ أول مرة في عام 1358م تأسيس أحواض لتربية أسماك الكارب (الشبوط) في تشيكوسلوفاكيا سابقاً والتي أصبحت منطلقاً لتربية الأسماك عامة في أوربة. وقد يكون الراهب دوم بينتشون Dom Pinchon أول من قام في عام 1420م باستخلاص البيوض والسائل المنوي من إناث الترويت الناضجة جنسياً وذكوره وخلطها للحصول على البيوض الملقحة Zygote.
لقد شاعت تربية الكارب (الشبوط) أساساً في المزارع السمكية في الكثير من بلدان الشرق الأقصى وأوربة في منتصف القرن السادس عشر للميلاد، لكن تِقانات التربية في أحواض التفريخ طُورت أول مرة في عام 1860م من قبل الهنغاري (المجري) ت.دوبيش T.Dubisch. وتمَّ فيما بعد، تحسين تِقانة إكثار أسماك الكارب والدوع الذهبي والتيلابيا (المشط) والترويت من قبل آخرين. فقد طور البرازيلي ر.ف. ايرينغ R.V.Ihering وبنجاح طريقة تحفيز نضج البيوض في الأسماك اصطناعياً بحقنها بهرمونات الغدة النخامية المنشطة للغدة التناسلية. وابتكر مربو الأسماك في أمريكة المفرخات (الحاضنات) السمكية لاستخدامها في الأبحاث العلمية على إكثار الأسماك اصطناعياً وتحسين وسائل إنتاج يرقاتها في المزارع التجارية. وفي عام 1960م تمكن «السوفيتي» كونراديث A.G.Konradt من جهة والصينيان هـ. و.كيو H.W.Ku وزميله ل.تْشُنغ L.Chung من جهة أخرى من إكثار الكاربيات الصينية Chineses Carps اصطناعياً.
وحدثت في العقود القلائل الأخيرة من القرن العشرين تطورات مهمة في تربية الأسماك بفروعها المختلفة. فهناك تربية مُكثفة للأسماك في المياه الدافئة وفي المياه الباردة في الكثير من بلدان العالم. كما أن مزارع الكاربيات والتيلابيا والترويت وغيرها في تطور مستمر مع مرور الزمن. ففي الدنمارك واليابان يتم الحصول على غلة سمكية خيالية تقدر وسطياً بـ 150 طن/هكتار سنوياً من الترويت القوس قزحي الذي يربى في أحواض صغيرة المساحة وبكثافة مرتفعة. أما في الصين فقد بُدئ في السنوات الأخيرة بتكثيف تربية الأسماك الكاربية والتيلابيا والحصول منها على ناتج سمكي مقداره وسطياً 6-10 طن/هكتار سنوياً.
بدأت تربية الأسماك في سورية عام 1956، واحتلت مكانة مهمة في التنمية الاقتصادية بعد إحداث المؤسسة العامة للأسماك عام 1974، وهي المؤسسة التي يُعول عليها في تطوير الثروة السمكية في سورية بمصادرها كافة.
اتجاهات تربية الأسماك:
وهي تشمل ما يأتي
1 ـ تربية الأسماك في المصايد الطبيعية (مَرَابي الأسماك): تهدف هذه التربية إلى تنفيذ مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تحسين وسط الأسماك البيئي ومضاعفة المخزون السمكي وتحسين نوعيته في المصايد الطبيعية الداخلية والبحرية (الأنهار، البحيرات، خزانات السدود المائية، المضائق، الأهوار، البحار وغيرها)، وذلك بإتباع الطرائق التالية:
ـ استخدام المخزون السمكي استخداماً عقلانياً في المصايد الطبيعية بتنظيم عملية الصيد، وتحديد مقداره من الأسماك الاقتصادية والتخلص من الأنواع غير المرغوب فيها (الخشنة).
ـ القيام بما يلزم من عمليات الاستصلاح المناسب في هذه المصايد كإضافة المُخصبات الزراعية والتخلص من الأعشاب المائية الفائضة .
ـ تحسين التركيب النوعي للأسماك بما يناسب كل تجمع مائي.
ـ حماية المصايد الطبيعية من التلوثين الصناعي والبشري.
ـ حماية أمكنة التفريخ الطبيعي، وتهيئة الشروط المناسبة لتكاثر الأسماك الاقتصادية بإجراء عمليات الاستصلاح الملائمة وقت الضرورة، كإقامة ممرات العبور (السلالم) «المعابر السلَّمية أو المعابر ذوات الصنَّاعات» والتجهيزات الخاصة بحماية الأسماك في المنشآت المائية وإزالة العوائق الصنعية والطبيعية التي تحول دون وصولها إلى مناطق التفريخ.
ـ تهيئة أمكنة خاصة ثابتة أو عائمة لتفريخ الأسماك اصطناعياً في حال عدم توافر مواضع مناسبة للتفريخ الطبيعي، أو إنشاء مراكز تفريخ اصطناعية لتلقيح البيوض اصطناعياً وحضانتها في المفرخات، ومن ثم الحصول على فراخ الأسماك لإطلاقها في المصايد الطبيعية للاستغناء جزئياً أو كلياً عن التفريغ الطبيعي للأسماك.
ـ أقلمة أنواع جديدة من الأسماك المرغوب فيها، والاستعاضة عن الأسماك الخشنة بأنواع سريعة النمو تستهلك الغذاء الحي المتوافر في المصايد استهلاكاً أفضل من استهلا ك الأنواع المحلية. وقد تم بنجاح في سورية أقلمة الكارب العادي والمشط والترويت القوس قزحي والكارب العاشب في المياه الداخلية.
ـ تحسين شروط تغذي الأسماك بتوفير الغذاء الحي (الطبيعي) والأعلاف المناسبة في المصايد الطبيعية.
ويستخدم في بعض بلدان حوض البحر المتوسط نظام المصايد الطبيعية الذي يلجأ فيه إلى تسمين فراخ (إصبعيات) الأنواع التي تتحمل تغيراتٍ واسعة في ملوحة المياه (البوري وغيره) في مسطحات مائية مُسَيَّجة وتعليفها جزئياً، أو داخل الأشراك حيث تعيش الأسماك عيشةً شبه وحشية معتمدةً على الغذاء الطبيعي. ويُعرف هذا النظام، كغيره من المصايد الطبيعية، بأنه ذو كثافة سمكية منخفضة ويعطي إنتاجاً منخفضاً.
تربية الأسماك في المزارع السمكية: وتختلف عن تربية الأسماك في المصايد الطبيعية بكون جميع العمليات الإنتاجية فيها، بدءاً من طور البيضة وحتى الحصول على أسماك التسويق (أسماك المائدة)، تتم كلها تحت إشراف الإنسان، وبأنها ذات كثافة سمكية عالية وتعطي إنتاجاً مرتفعاً، في حين تكون إمكانية تدخل الإنسان في تربية الأسماك في المصايد الطبيعية، ولاسيما الكبيرة منها، محدودة جداً واقتصرت حتى اليوم على توفير الشروط المناسبة لتكاثر الأسماك، أما تدخل الإنسان في مجال تحسين أحوالها الغذائية فما يزال ضعيفاً.
ويتم في هذه المزارع تربية (استزراع) الأنواع السمكية السريعة النمو في أحواض (برك) مائية ترابية وإسمنتية ذات مساحة وعمق مناسبين تنشأ لهذه الغاية أو تُعدَّل لأجلها.
وتقسم المزارع السمكية إلى مزارع ذات مياه دافئة (الكاربية)، ومزارع ذات مياه باردة (الترويتية). ويُربَّى في المزارع الكاربية أساساً الكارب العادي، وكذلك الكارب العاشب والكارب الفضي والكارب الكبير الرأس (المُنقط) والتيلابيا والسلور وغيرها. في حين يربى في المزارع الترويتية أنواع من السلمونيات أهمها الترويت القوس قزحي والترويت النهري .
وتقام الأحواض السمكية في المزارع الكاربية على أراضٍ مرجية أو مستنقعية، يتم إمدادها بمياهٍ دافئة نسبياً تزيد درجة حرارتها على 20°م، ربيعاً وصيفاً، وتكون من مصادر مختلفة كالأنهار والبحيرات والمياه الجوفية والخزانات المائية ومياه تبريد المحطات الكهربائية وغيرها. أما السلمونيات فتربى في أحواض صغيرة المساحة نسبياً تقام على أرضٍ صلبة فقيرة بالمواد العضوية، يتم تغذيتها بمياه نظيفة مشبعةً بالأكسجين وباردة لا تزيد درجة حرارتها صيفاً على15 - 20°س. وتُجهز الأحواض ا لسمكية عادة بمنشآت خاصة لتغذيتها بالمياه وصرفها منها بالكامل وقت الضرورة. ويمكن أن يستخدم في تربية الأسماك الأحواض المائية التي لا يمكن تفريغها كلياً أو جزئياً من المياه لأنها تستخدم في أعمال الري أو لأهداف أخرى، شريطة إجراء التعديلات المناسبة لضمان صيد الأسماك صيداً كاملاً.
ويفضل أن تتم تغذية الأحواض السمكية بالماء وصرفه منها بمجريين مستقل كل منهما عن الآخر. ويمكن إيصال المياه إلى الأحواض بوساطة القنوات الترابية أو الإسمنتية أو الأنابيب المعدنية أو البلاستيكية. وتحاشياً لهروب الأسماك من الأحواض، ولدخول الأسماك والحيوانات الغريبة إليها تُرتب حواجز شبكية خاصة على مأخذ التغذية المائية ومنطلقات الصرف فيها.
وتبعاً للنظام الإنتاجي المتبع في التربية تقسم المزارع السمكية إلى مزارع متكاملة وغير متكاملة. ففي المزارع المتكاملة تربى الأسماك بدءاً من طور البيضة حتى وصولها إلى الوزن التسويقي المناسب. وتتضمن هذه المزارع أحواض الأمهات وأحواض التفريخ والحضانة والتنمية (التربية) والتسمين والتسويق وغيرها. أما المزارع غير المتكاملة فتقسم إلى مزارع إنتاج «الزريعة» ومزارع التسمين. وتتضمن مزارع إنتاج الزريعة أحواض الأمهات والتفريخ والحضانة والتنمية، في حين تشتمل مزارع التسمين (إنتاج أسماك التسويق) على أحواض التسمين فقط التي يتم فيها تسمين الزريعة التي يُحصل عليها إما من المزارع غير المتكاملة أو المزارع المتكاملة. ويُطبق في المزارع السمكية نظام الدورة الإنتاجية، أي المدة الزمنية التي تستغرقها تربية الأسماك حتى تسويقها. فإذا تم جمع المحصول السمكي في سنة واحدة فإن الدورة الإنتاجية تكون سنوية، أما إذا استغرقت تربية الأسماك حتى تسويقها سنتين أو ثلاثاً فإن الدورة الإنتاجية تسمى ثنائية أو ثلاثية.
وتبعاً للكثافة السمكية في وحدة المساحة يُميز:
ـ المزارع الواسعة: وتكون كثافة الأسماك ـ المعتمدة على الغذاء الطبيعي فقط ـ فيها قليلة وتعطي إنتاجاً منخفضاً، ولا يمكن زيادته إلاّ بزيادة مساحة المزرعة.
ـ المزارع المكثفة: وتكون كثافة الأسماك فيها مرتفعة. وتحتاج هذه الطريقة من التربية إلى تزويد الأحواض السمكية بالأعلاف والمُخصبات بانتظام من الخارج، وكذلك إدخال التحسينات اللازمة عليها كالتهوية وغيرها، مما يمكن بموجبها مضاعفة الناتج السمكي عدة مرات مقارنةً مع المزارع الواسعة.
ـ المزارع نصف المكثفة: تحتل من حيث كثافة الأسماك وإنتاجها موقعاً وسطاً بين النوعين السابقين. ويتم فيها تزويد الأحواض السمكية من حين إلى آخر، بكميات قليلة من العلف والسماد.
وفي سبيل زيادة الناتج السمكي على حساب كل الغذاء المتاح، ولاسيما الطبيعي، يُلجأ إلى التربية المشتركة المتزامنة في الحوض ذاته إما لأسماكٍ من النوع ذاته، ولكن أعمارها مختلفة (أي التربية المختلطة)، أو لأسماكٍ من نوعين مختلفين بنمط تغذيتهما، أحدهما أساسي والآخر جانبي (أي التربية الجانبية)، أو من أنواع سمكية متعددة متباينة بنمط تغذيتها (أي التربية المركبة).
وقد تكون المزارع السمكية أحادية الإنتاج أي متخصصة في تربية الأسماك فقط، أو متعددة الإنتاج، التي تنتج الأسماك محصولاً رئيساً أو ثانوياً، إضافة إلى إنتاج محصول آخر حيواني (كالبط مثلاً) أو نباتي (كالأرز وغيره).
تربية الأسماك في الأقفاص: وهي من الطرائق الشائعة اليوم في التربية السمكية المكثفة، إذ تربى الأسماك في الأقفاص ضمن بيئاتها الطبيعية سواء أكانت بحيرات أم سدوداً مائية كبيرة أم بحاراً. تكون الأقفاص عادة مصنوعة من شباكٍ ذوات فتحاتٍ مناسبةٍ لضمان التجديد المائي المطلوب فيها من دون السماح للأسماك بالمرور عبرها، وتُثَبْتْ في المياه الجارية على قوائم ثابتة أو جسور عائمة، أما في المياه الراكدة فتستخدم الأقفاص العائمة التي تثبت فيها بوساطة طوافات خاصة. وتعتمد هذه الطريقة من التربية على تقديم العلف الصناعي بغزارة للأسماك التي تربى بكثافة كبيرة.
أنواع أسماك التربية
الكارب (الشبوط) Cyprinus Carpio: من الأسماك النموذجية المحبة للدفء الشائعة في جميع مزارع المياه الدافئة في العالم، درجة الحرارة المثالية لنموه وتكاثره أعلى من 20°م، سهل التأقلم نسبياً، غذاؤه متعدد Polyphage، ونموه سريع. وهو يربى في أحواض مشمسة غير عميقة (1-2 متر)، ويمكنه تحمّل نقص الأكسجين مقارنةً مع الأنواع الأخرى. يصبح الكارب بالغاً جنسياً في المناطق الشمالية من العالم وعمره 4-6 سنوات، في حين يتم ذلك في البلدان الدافئة في العام الثاني أو الثالث من العمر. ويجري تكاثره في المناطق الضحلة من التجمع المائي الغنية بالأعشاب التي تلتصق عليها بيوضه الدبقة طوال مدة حضانتها وهي 3-6 أيام. ويتزامن التكاثر مع ارتفاع درجة حرارة الماء من 17-20°م. كما يمكن تفريخ الكارب اصطناعياً بمساعدة الحقن الهرموني، وعدد البيوض التي تضعها الأنثى (أي الخصوبة الكلية) 0.6-1.5 مليون سنوياً.
تبدأ صغار الكارب في المدة الأولى من حياتها بالتغذي بالعوالق النباتية والحيوانية، ثم تنتقل، مع تقدم العمر إلى التغذي بحيوانات القاع اللافقارية، وبعدها في الخريف تباشر بالتهام النباتات أيضاً. يلاحظ النمو الأعظمي للكارب في درجة حرارة 20-28°م وبمحتوى أكسجيني مقداره 5- 7 مغ/ليتر ماء صيفاً، ولا يقل عن 4 مغ/ليتر شتاءً.
ويقل نشاط الكارب في تناول الغذاء مع انخفاض درجة الحرارة ليمتنع نهائياً عن تناوله، وتصبح حركته ضعيفة عندما تصل درجة حرارة المياه حتى 1-2°م. ولرفع الإنتاج السمكي يُعمد إلى تكثيف تربية الكارب وتقديم العلف الإضافي له على شكل عجينة أو مضغوطات جافة مكونة من أنواع الكُسْب المختلفة (ما يبقى من ثُفْل بعد عصر البذور الدهنية) والحبوب والنخالة وطحين فول الصويا والمخلفات الزراعية والمركزات العلفية وغيرها.
وعند تربيته بكثافة 60-80 ألف فرخ/هيكتار للصيفيات (الإصبعيات)، أو 4-5 ألف فرخ/هيكتار لثنائية الصيف (السنة الثانية من العمر) يراعى وجوب احتواء الأعلاف الجاهزة على أكثر من 26- 30% بروتين خام، و3-4% دهون، و40% مواد لا آزوتية، وأقل من 10% ألياف نباتية. وفي حال تربيته في الأقفاص أو الأحواض الإسمنتية يجب توفير البروتين الخام (لاسيما الحيواني) ومحفزات النمو بنسبة مرتفعة في غذاء سمك الكارب.
وللكارب سلالات كثيرة، أهمها: الكارب الحرشفي (جسمه مستور كلياً بالحراشف)، والكارب المرآتي (الحراشف مبعثرة على الجسم)، والكارب الخطي (الحراشف متوضعة فقط في الخطين الجانبيين للجسم) والكارب العاري (عديم الحراشف)، (الشكل 5).
إن الوزن التسويقي للكارب في العام الثاني من العمر 500-800غ للفرخ، وفي العام الثالث من العمر 1200-1500غ. ويصل المحصول منه في التربية المكثفة حتى عشرة أطنان أو أكثر في الهكتار. ويمكن زيادة الناتج السمكي وتنويعه في الأحواض بإدخال الأسماك الصينية أو التيلابيا في تربية مركبة أو جانبية مع الكارب.
الترويت القوس قزحي Salmo gairdneri: (الشكل 6) من أهم السلمونيات المرباة في مزارع الأسماك، وأُدخلت تربيته إلى أوربة من أمريكة الشمالية. كما أُدخل إلى سورية عام 1964. وشاعت تربيته في بلاد كثيرة من العالم بفضل تميزه بالصفات الإنتاجية المرغوب فيها، فهو متكيف جيداً لاستهلاك العلف الصناعي والتربية المكثفة، ونموه سريع، ولاسيما في السنوات الثلاث الأولى من عمره، ولحمه شهي ذو قيمة غذائية عالية.
يحتاج الترويت في أثناء تربيته إلى مياه جارية وصافية مشبعة بالأكسجين (أكثر من 7ملغ/ليتر ماء) خالية من الملوثات، ويربى في الأحواض والمسابح الخرسانية الصغيرة المساحة بالطريقة المكثفة وباستخدام علف اصطناعي جاف غني بالبروتين الحيواني.
وبغض النظر عن العناصر الغذائية الداخلة في تركيب العلائق الترويتية فإن نسبتها المئوية ـ التي تختلف بحسب عمر الأسماك ـ هي 28 -60% بروتينات، و5 -30% كربوهيدرات، و3-10% دهوناً.
يُكَثَّر الترويت اصطناعياً بحضن بيوضه المخصبة في أجهزة التفريخ بدرجة حرارة 6-10°م لمدة شهر أو شهرين، ومن ثم تغذى صغاره بأعلاف اصطناعية حتى تصل في السنة الثانية من العمر إلى الوزن التقريبي التسويقي وهو 125-200غ. وطُبق حديثاً نظام خاص لتربيته ضمن أقفاص شبكية في المياه الطبيعية العذبة والبحرية.
الكاربيات الصينية: وهي الكارب العاشب، والكارب الفضي، والكارب المنقط المنتشر طبيعياً في نهر آمور وأنهار مختلفة في أواسط الصين وجنوبيها، فالكارب العاشب Ctenopharinfodon (الشكل7) سمكة سريعة النمو، يبلغ طولها 120 سم، ووزنها حتى 32 كغ، تتغذى أساساً بالنباتات المائية.
وهي من الأسماك الاقتصادية المرغوب فيها غذاءً، وتمت أقلمته وإكثاره اصطناعياً بنجاح في الكثير من بلدان العالم، ويمكن تربيته بالطريقة المركبة مع الكارب العادي وغيره، كما يربى خصيصاً في قنوات الري ومصارفها بهدف تطهيرها من الأعشاب. ويصل الفرخ في السنة الثانية من العمر إلى الوزن التسويقي (حتى 1000 غ).
أما أسماك الكارب الفضي Hypophthalmichthys molitrix (الشكل8)
وأسماك الكارب المنقط (الكبير الرأس) Aristichthys nobilis (الشكل9) فيصل طول جسمها عادة حتى 1م ووزنها حتى 20 ـ 35 كغ، وهي من أنواع الصيد والتربية الواعدة، وتُكَثَّر اصطناعياً على نطاق واسع في المياه العذبة الدافئة، حيث يبلغ معدل نموها السنوي وسطياً 300 غ، كما تستخدم الهجن الناتجة من تزاوجهما أسماكاً للتربية. ويتميز الكارب الفضي من الكارب المنقط بلونه الأفتح وبوجود «قَصَرة» في الناحية البطنية من الجسم.
يتكون الغذاء الرئيسي للكارب الفضي من العوالق النباتية، في حين يتغذى الكارب الكبير الرأس بالعوالق الحيوانية أساساً وبالعوالق النباتية بدرجة ثانوبة.
تتشابه الكاربيات الصينية في خصائص تكاثرها، فكلها تتكاثر في الربيع والصيف في درجة حرارة لاتقل عن 18-20°م، وتتم عملية الإلقاح والتطور في البيوض وهي محمولة مع التيار المائي في المجرى نحو سافلة النهر ويراوح الخصب الكلي لهذه الأسماك ما بين 490 ألف وحتى 1 مليون بيضة.
التيلابيا (المشط) Tilapia: سمك نهري من أكثر أجناس الفصيلة البُلْطية Cichlidae انتشاراً وأهميةً اقتصادية، موئله الطبيعي إفريقية وشرقي البحر المتوسط، وينتمي إليه نحو 70 نوعاً تختلف فيما بينها بالشكل الخارجي والسلوك وطريقة التكاثر ونمط التغذي وخصائص النمو، ولكنها جميعاً تستطيع الحياة في مياه متباينة في ملوحتها ودرجة حرارتها تراوح بين 9 -10 و 42 -45ْم. وغالبيتها من الأسماك الآكلة كل شيء، بعضها يتغذى بالمواد الرمية والأعشاب المائية ومن ثم فهي لا تحتاج في أثناء تربيتها في الأحواض والأقفاص إلى أعلاف صناعية مُكلفة.
يصبح التيلابيا بالغاً جنسياً في عمر 3-4 أشهر، ويتكاثر عدة مرات في السنة (كل 3-6 أسابيع). ويختلف خصبه بحسب النوع والعمر والحجم، وهو سريع النمو يصل في نهاية السنة الأولى من حياته حتى وزن 300 - 800غ.
ونظراً لقيمته الاقتصادية العالية، إذ إنه مرغوب فيه جداً غذاءً، فقد انتشرت تربيته انتشاراً واسعاً في إفريقية وجنوب شرقي آسيا وفي كثير من أقطار أمريكة الجنوبية وأوربة وغيرها حيث يُربى تربيةً مركبة مع أسماك البوري والكارب والأسماك الصينية، كما يمكن استزراعه وحيداً في الأقفاص المائية.
من المشاكل التي تعوق تربية التيلابيا صعوبة التحكم في كثافة التربية بسبب نضجه الجنسي المبكر وتكاثره عدة مرات سنوياً، مما يؤدي إلى اكتظاظ الحوض وتفاقم المزاحمة على الغذاء ومن ثم ضعف نموه وانخفاض إنتاجه. ويُلجأ، تلافياً لذلك، إلى تربية هذا السمك إما مع الأسماك المفترسة كالسلور Clarias lazera أو تطبيق طريقة التربية الوحيدة الجنس، أو تربية الهجن الناتجة من تزاوج أنواع مختلفة للتيلابيا التي تكون عقيمة أو ذكوراً فقط.
إن أكثر الأنواع شيوعاً في التربية المكثفة هي تيلابيا جاوا (الموزمبيقية) Oreochromis mossambica (الشكل10) والتيلابيا النيلية O.nilotica، والتيلابيا الزرقاء O.aurea.
أسماك البوري: تنتشر أسماك الفصيلة البورية Mugilidae في البحار الاستوائية وشبه الاستوائية، وهي سريعة النمو، ومرغوب فيها جداً غذاءً. ينتسب إليها 10 أجناس ونحو 100 نوع، يوجد منها في سورية ستة أنواع، ولكن أهمها من ناحية التربية البوري Mugil cephalus (الشكل11) «والطوبارة» M.capito ومع أن البوريات من الأسماك البحرية، لتكاثرها في البحر قريباً من الشاطئ، فإنها سريعة التأقلم مع المياه القليلة الملوحة وحتى المياه العذبة.
يتم التفريخ الطبيعي للبوريات بدءاً من أيار وحتى أواسط شهر آب، وخصبها 4-14 مليون بيضة. تتغذى أفرادها البالغة بالبقايا العضوية، والعوالق النباتية، والطحالب الملتصقة على الحجارة واللافقاريات الصغيرة القد.
ونستزرع صغار البوري في الأحواض حيث تصل في السنة الثانية من العمر إلى وزن 400-500غ. وتجمع الصغار من البحار في أشهر الصيف وفي الخريف أو يُحصل عليها اصطناعياً.
أسماك السلور (القط) Cat Fish: ويربى منها ثلاثة أنواع هي: سلور القنوات Ictalurus punctatus (الشكل12) و «القرموط» الكبير الرأس Clarias macrocephalus، و «القرموط» C.batrachus، لكن السلور هو أكثرها شيوعاً في المزارع السمكية. ومع أن السلور محب للدفء (درجة الحرارة الفُضلى لحياته 25 - 30°م) فإنه يتحمل انخفاض درجة الحرارة حتى الصفر مئوية مدةً طويلة في الشتاء. وهو ينتشر طبيعياً في مياه الأنهار والبحيرات في الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، كما يستطيع الحياة في مياه ملوحتها حتى 2.1%. وقد تمت أقلمته وتربيته بنجاح بالطريقة المكثفة في كثير من أقطار العالم، إذ إنه شديد التحمل للشروط البيئية السيئة، ومتقبّل للحياة في المياه القذرة الفقيرة إلى الأكسجين، ويصبح السلور بالغاً جنسياً في السنة الثالثة أو الرابعة من العمر، ويتكاثر طبيعياً في أيار وحزيران عندما تزيد درجة حرارة المياه على 25 ـ 30ْم، كما يمكن تفريخه اصطناعياً. ويقدر خصبه بنحو ستة آلاف بيضة. تُستزرع الأحواض بالأسماك ربيعاً عندما تزيد درجة حرارة المياه على 13ْم. وتتغذى يرقات السلور وفراخه بالعوالق الحيوانية، أما الأسماك البالغة فتأكل كل شيء (حشرات، قشريات، أسماك صغيرة). كذلك تمكن تغذيته بأعلاف اصطناعية، لا تقل نسبة البروتين فيها عن 30% على أن يكون نصفه من مصدر حيواني، أو بالأعلاف الخاصة بالترويت.
السلور سمك عديم الحراشف، لحمه شهي، نموه سريع، إذ يصل وزنه في السنة الثانية حتى 400 -500 غ، وفي السنة الثالثة من العمر حتى 800 - 1000غ.
الدنيس Sparus auratus: (الشكل 13) أسماك بحرية من الفصيلة السباريدية Sparidae المنتشرة في البحر المتوسط تتغذى بالرخويات والقشريات والأسماك، يصل طولها حتى 70 سم، تفضل الحياة على عمق 30 متراً في المياه المُعشبة ذات القاع الرملي، التي درجة حرارتها 0.6-24.6ْم، وملوحتها 30.4-39 جزءاً بالألف. تتكاثر الأسماك البالغة في تشرين الأول ـ كانون الأول على عمق يصل إلى 150متر. وهي من أسماك الصيد المهمة، وتتم تربيتها بالطريقة المكثفة وشبه المكثفة؛ إذ يصل وزنها إلى 350 غ بعد 16 شهراً من استزراعها في الأقفاص البحرية.
القاروص Dicentrarchus tabrax: (الشكل 14) من الأسماك البحرية المفترسة المنتشرة في البحر المتوسط تنتمي إلى الفصيلة القُشْرية Serranidae، غذاؤها مكون من الأسماك والحيوانات اللافقارية، يبلغ طولها متراً واحداً ووزنها 12 كغ. تتكاثر في مصبات الأنهار بدءاً من أيار حتى آب. تستجيب للتربية في الأحواض والأقفاص حتى يصل وزنها إلى 300 غ بعد 18 شهراً من تغذيتها اصطناعياً.
الهامور Epinephelus gigas: (الشكل 15) سمك مفترس من الفصيلة القُشْرية منتشر في البحر المتوسط يتغذى بالأسماك والرخويات والقشريات، يصادف على القاعين الحجري والرملي على عمق 10- 200 متر. وهو من أسماك الصيد والتصدير الفاخرة.
شُرع في السنوات الأخيرة بتربية الأنواع البحرية الثلاثة الأخيرة بالطريقة المكثفة وشبه المكثفة في بعض بلدان حوض البحر المتوسط (إيطالية، فرنسة، تونس، المغرب، وغيرها)؛ لارتفاع قيمتها التصديرية وزيادة الطلب عليها بدرجة فائقة، إذ يُستحصل على زريعتها من المصادر الطبيعية أو بالتفريخ الصناعي وتُسمن في أحواض ترابية بعمق 1.5 متر على مساحة تبلغ 4 هيكتارات، ويتم تغذيتها بالمياه البحرية التي تصرف أو تُجدد كلما لزم الأمر للتغلب على مشكلة ارتفاع الملوحة في المياه بنتيجة التبخر. وتقام الأحواض في منطقة المد والجزر أو في المنطقة الدائمة الانغمار بالمياه، وهي تشابه الأحواض في مزارع المياه العذبة من حيث المنشآت المائية، وتختلف عنها في بعض النواحي.
وتربى هذه الأسماك أيضاً، في المناطق الضحلة من الشواطئ بعمق 8م، في حظائر بحرية مسيَّجة من جميع الجوانب بشباك مناسبة، أو في أقفاص تقام في أمكنة محمية من الرياح والأمواج البحرية.
يراوح إنتاج المزارع البحرية بين 2 و 10 طن أو أكثر في الهكتار الواحد في حالة التربية في الأحواض، وبين 10-20 كغ من الأسماك في المتر المكعب من الأقفاص العائمة.
إنتاج الأسماك عالمياً وعربياً
تُعد الأسماك مصدراً مهماً للبروتين العالي القيمة الحيوية للإنسان، كما أن تكاليف الحصول على البروتين الحيواني من الأسماك أقل بكثير من تكاليف الحصول عليه من اللحوم الأخرى، لذا فإن دول العالم قاطبةً تولي اهتماماً متزايداً لتنمية مصادر ثروتها السمكية.
وتشير الإحصائيات المتوافرة إلى أن الإنتاج السمكي في العالم بمصادره المختلفة بلغ عام 1964 نحو 106 ملايين طن.
غير أن تقارير منظمة الأغذية والزارعة FAO تشير إلى تدني متوسط نمو الإنتاج السمكي في الستينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين بنتيجة الصيد الجائر والتقلبات البيئية وتلوث المياه. لذا، وفي سبيل توفير منتج بروتيني إضافي، شهدت تربية الأسماك تطوراً ملحوظاً إذ تصاعد الإنتاج السمكي في المزارع السمكية من 6.9 مليون طن عام 1984 إلى 15.8 عام 1993 بمعدل زيادة سنوية مقدارها 9%. وكان إسهام الدول الرئيسية المنتجة للأسماك بوساطة تربيتها لعام 1992 من مجموع الإنتاج العالمي من الأحياء المائية.
ساحة النقاش