ظاهرة عجيبة تشهدها مصر في هذه الأيام وتنفرد بها ، إنها ظاهرة انتساب الفضل إلي غير أهله . لقد تعالت بعد ثورة الشباب المباركة في 25يناير الماضي أصوات الإخوان وملئوا الدنيا بصورهم وحضورهم الإعلامي والصحفي في كافة المجالات وكأنهم هم أصحاب الثورة والحاملين لمباخرها ، رغم أن مشاركتهم فيها جاءت متأخرة جدا أصلاً ، وغير مرحب بها من قيادات الثورة من الشباب . ولكن ما حدث أنهم انتزعوا صدارة المشهد الإعلامي والخطابي والسياسي بشكل لافت ، وتواري أصحاب الثورة الحقيقيين، في ظهور ولمعان ما كان أشد الإخوان تفاؤلا يحلم بربعه على أكثر تقدير. ولست هنا بسبيل تفنيد دعوى : من الذي من حقه تصدر الواجهة بعد الثورة دون غيره ؟ فتلك قضية عرضها وناقشها الكثيرون . بل ما يشغلني أكثر هو تفنيد الدعاوى الفكرية المرفوعة من قبلهم تبريرا لأحقيتهم في تصدر المشهد الحالي ومن بعده المشهد السياسي أجمع . وأنا هنا اعبر عن عقيدتي ورأي الشخصي فقط ، إذ أنني لا أنتمي إلي حزب سياسي معين ولا تيار ديني محدد ، ولا شاركت في الثورة أصلا لأنني أعمل خارج مصر حاليا، بل كلها قناعات شخصية بحتة . إنني أقول "لا" للإخوان لما يلي:

 1- أقول "لا" للإخوان لأنني مؤمن بأن الدين علاقة روحانية بين العبد وربه ولا ينبغي المتاجرة بها من أجل أغراض سياسية دنيوية زائلة ، فنجعلها معياراً لتمييز بين الأكفأ والأردأ من الناحية السياسية . ومن ثم ينبغي أن يظل التدين غاية عليا تتسيد فوق الغايات جميعا ، وليس مجرد وسيلة أو مطية لتحقيق أهداف ومصالح سياسية دنيوية . ما أتمناه هو أن ننحي التدين عن خلافتنا السياسية الدنيوية جانباً، لأننا جميعا مسلمون، فلا ينبغي أن نتخذ من الإسلام معياراً للمفاضلة بين الفرقاء السياسيين، فنزايد على الناس بتديننا مع أنه علاقة المفروض أن تكون سرية بيننا وبين الله ، فنقول هذا أفضل من ذاك لتولي الحكم لأنه مسلم، فهذه ليست ميزة متفردة في البعض وتغيب عن البعض الأخر، طالما اعترفنا للجميع بالإسلام، فضلا عن أننا لا نملك الآلية الدقيقة للحكم على درجة إسلام أحد من الناس، إذ لنا الظاهر والله ( وحده) يتولى السرائر. 2- وليس معنى كلامي هذا إبعاد الدين عن الدنيا، بل أنا مؤمن بضرورة أن نصلح أمور دنيانا بأحكام ديننا . إننا كمسلمين تقع على أكتافنا جميعا مهمة إصلاح الدنيا بالدين، ومن ثم فما أنكره على الإخوان هو أن تنفرد فئة من المسلمين فتعطي لنفسها الحق الأوحد بهذا الإصلاح، وتجعله معياراً لتميزها ، وتغفل حق الفئات الأخرى. ولا أدل على ذلك من اسم "الإخوان المسلمين" نفسه المعرف بالألف واللام !! لأننا تعلمنا في اللغة أن التعريف يكون في اغلب الحالات للتحديد ، وكأن الاسم في حد ذاته يستبعد الآخرين من المسلمين من غير الإخوان من الدخول في دائرة التميز الديني السابقة ، ومن ثم فلا حق لهم بالتالي في المنافسة على الحكم.

 3- أقول "لا" للإخوان لأنني مؤمن بأن ديننا الحنيف لا يعترف بمبدأ الوصاية على أحد في الدين ولا في الحياة نفسها، فالله جل شأنه خاطب رسوله الكريم بعبارة " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" فلماذا يتعمد الإخوان أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الأمة؟ و ينادون بأن صلاح الأمة سوف يكون علي يديهم وحدهم دون غيرهم ، وأنها سوف تظل في غيابات الضلال ما لم يتولوا هم الحكم.

 4- أقول "لا" للإخوان لأنني لا أتوقع ـ في ضوء المعطيات الثابتة عن الإخوان ـ ومن منطلق إيمانهم بعصمة الأئمة والمرشدين، أن يسمح الإخوان بالدولة الدستورية التي تفصل بين السلطات الثلاث ، وتفسح المجال للتمثيل النيابي وتداول السلطة، لأن فكرة الدولة الدستورية نفسها نقيض تمام لفكرة الدولة الدينية التي ينادي بها الإخوان أصلا . فإذا ما تولى الإخوان سدة الحكم سوف يكونون بين خيارين كلاهما مر : فإما الأخذ بالدولة الدستورية وبالتالي تقويض الأساس الأيديولوجي الذي قامت الجماعة عليه أصلا" الإسلام هو الحل"، وإما التمسك بالدولة الدينية وبالأساس الأيديولوجي للجماعة وبالتالي التضحية بالدولة الدستورية. المتوقع أنهم سوف يقيمون نظاماً ثيوقراطياً يذكرنا بالعصور الوسطي الأوربية ، ذلك النظام الذي يعتمد في المقام الأول على شعار "أن الحاكم هو ظل الله على الأرض" ومن ثم فلا ينبغي أن يتم الخروج عليه بأي حال من الأحوال ، لأن في الخروج عليه خروج على التفويض الإلهي له ، إن لم نقل خروج على الله نفسه . ومن هنا تعود للظهور مرة أخرى "نظرية السيفين" التي ذاقت أوروبا مرارتها طيلة العصور الوسطي.

5- أقول "لا" للإخوان لأنني أتوقع أنهم لو تولوا الحكم فسوف يكمموا الأفواه المعارضة ويقيدوا الحريات المخالفة لهم في معظم أنواعها، فلن يسمحوا بحرية العقيدة إذا سوف يعتبرونها إفساداً في الأرض، ولن يسمحوا بحرية الرأي والتعبير والاحتجاج حيث سوف يعتبرونها محاربة لله ولرسوله وللمسلمين وسرعان ما سوف يقيمون على المروجين لها حد الحرابة، ولن يسمحوا بحرية المرأة ومساواتها للرجل في الفرص والمزايا. وسوف يصبح الإعلام بكافة أنواعه إعلاما موجهاً لخدمة أهداف الجماعة ، فليس هناك أسوأ من الحكم الدكتاتوري من الحكم الثيوقراطي. 6- أقول "لا" للإخوان لأنني أتوقع أن يأتي موقفهم من الأخر ( الأقباط على وجه الخصوص) موقفاً مليئا بالاضطراب والتوتر ، إذ سوف يصر الإخوان على أخذ الجزية ، وعلى منع بناء دور عبادة جديدة لهم ، ورفض أن يكون لهم حزب ديني مسيحي ـ إلي أخر هذه الأشكال من الصدام والتي لن تكون من مصلحة الأمة المصرية بعنصريها .

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 610 مشاهدة
نشرت فى 21 سبتمبر 2011 بواسطة MahmoudMorad

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

60,226