قديما كانت أمنا الحنونة مصر تطعمنا وتسقينا لبناً شهياً سائغاً للشاربين . كنا نحبها ولا نبخل عليها بحبة العرق ولا بقطرة الدم من أجل رفعتها فوق الأمم فأفاضت علينا بالخيرات من كل حدب وصوب. ولكن حدث مع تزايد صور الجحود من الأبناء ، وتكالب الأقوياء منهم على الاستئثار بأكبر كمية ممكنة من هذا اللبن لأنفسهم و حرمان غيرهم منه،  ومع توالي هجمات الطامعين الخارجين أيضا في هذا اللبن الشهي ، حدث أن ماتت الأم الصابرة كمداً وحزناً على ما حل بها . واستمرت ميتة حتى إذا ما قامت ثورة يوليو 1952م لم يكن قد تبقي من الأم الحزينة سوى جسدها المسجي فقط ، فلم يرحم الأبناء الثائرون ولا الطامعون الخارجون حرمة الجسد الميت ، ولا مرارة مذاقه فأخذوا في نهش الجثمان شلواً شلواً . واستمر النهش والهبش سنينا وعقوداً إلي أن أفاق الجميع على فاجعة أنه لم يتبق من الجسد الميت سوى الهيكل العظمي وحده فقاموا في يناير 2011م بهبة المنزعج الذي سكت دهراً ونطق كفراً . هب أبناء مصر أخيراً ، ولكن بدلاً من السعي إلي تدارك الخطر الداهم المحدق بحاضرهم ومستقبلهم، بدلا من ضخ الدماء والحيوية في أوصال الهيكل العظمي المسجي أمامهم في وقار، من أجل أن ينبت اللحم فيه مرة أخرى ، وتأخذ عجلة التنمية في الدوران  لكي يعود الخير عليهم جميعا، سارع الجميع بلا استثناء إلي سكب البنزين والسولار على هذا الهيكل من أجل المطالبة حينا بمصالح مادية فئوية رخيصة ، أو من أجل تحقيق بطولات وأمجاد شخصية أنانية حينا ثانياً، أو من أجل الوصول إلي كراسي السلطة والجبروت حيناً ثالثاً . نسي الجميع جثة الأم المسكينة ، نسي أن في حياتها ونجاتها نجاة لنا جميعا ، وفي هلاكها هلاك لنا جميعا بمصالحنا وأطماعنا الدنيئة . فلم تتبق لهذه الأم سوى لحظة واحدة وتفني تماماً من الوجود ، لحظة اشتعال النيران في الهيكل المشبع بالبنزين ، ترى من يرحم هذه المسكينة ويشعل فيها عود الثقاب ؟؟؟!!!!!!!! أتمني ألا يأتي بهذا أحدا أبناءها .        

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 204 مشاهدة
نشرت فى 21 سبتمبر 2011 بواسطة MahmoudMorad

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

60,094