الشباب المسلم إلى أين ؟

إنّ التضحيات الكبيرة التي يقدمها الشباب المسلم في هذا العصر تكاد تفوق الوصف والتصور، لقد كان عطاؤه دون حدود، لكنه في النهاية يصاب بالإحباط وخيبة 

الأمل فيمن حوله، فلا هم قادرون على تقديم تضحيات مثيلة، ولا هم قادرون على وضع تضحياته في المكان المناسب. الشباب اليوم يعاني أزمة قيادة وأزمة 

قدوة؛ إنّ غياب القدوة وعجز القيادة عن وضع استراتيجية واضحة للشباب المسلم من خلال الإمكانات المتوفرة والظروف المحيطة، وعدم القدرة على إيجاد 

الأوعية الشرعية لحركته أوقعه في بعض الممارسات غير المدروسة تماماً، والتي جاءت كردّ فعل لعجز بعض الشيوخ واستسلامهم للباطل، أو مهادنتهم 

لسلاطين الاستبداد السياسي، أو قعودهم عن قولة الحق، أو انسحابهم من الساحة وترك الشباب يواجه مصيره على يد أعداء الإسلام بمفرده، وقد يساهم بعضهم 

من حيث يدري أو لا يدري بإنهاك الشباب المسلم، والنيل منه؛ لمجرد بعض الأخطاء التي توظّف في النهاية لمصلحة أعداء الإسلام؛ إنّ الشباب المسلم اليوم 

يُرمى بالكثير من الصفات والنعوت التي تحاصره وتحاول شلّ حركته، وإخراجه من الساحة، والتخويف منه، وإقامة الحواجز النفسية بينه وبين الناس؛ ولقد 

استطاع الإعلام المعادي للإسلام أن يزرع مصطلح التطرف الذي يُدمغ به الشباب المسلم في كل مناسبة، ويجعل منه سلاحاً يُشهر وقت اللزوم؛ حتى أصبح كثير 

من بسطاء المسلمين ينظرون بارتيابٍ إلى كلِّ من يدعو إلى الله؛ دون الرغبة في مناقشة ما يدعو إليه وعرضه على ميزان الإسلام لمعرفة الحق من الباطل؛ 

ولقد ساهم بحملة التضليل هذه بعض علماء السوء وفقهاء السلطان الجائر عن سابق تصور وتصميم، لأنه جزءٌ من المهام المنوطة بهم في مخطط حملة 

الكراهية؛ كما سقط فيها بعضٌ من العلماء عن حسن نية؛ ظناً منهم أن الأمر يقع ضمن مهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وليس المطلوب هنا 

الدفاع عن خطأ الشباب، ولا حمايته، ولا تكريسه في عالم المسلمين، لكن المطلوب عند الحكم على الأعمال والتصرفات، وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن 

المنكر: القيام بعملية التصنيف في المواجهة، واتخاذ المواقف على ضوء رؤية واضحة، فقد يكون هناك خطأ - وكل ابن آدم خطّاء - من بعض الشباب العاملين 

للإسلام بسبب من ردّ الفعل، أو ضغط موقف غير إسلامي، أو ضعف ثقافة وضآلة فقه؛ ذلك أن وقوع الخطأ أمر محتمل منذ فجر الدعوة، والتصويب دائم منذ 

فجر الدعوة أيضاً، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للشباب الذين أخذوا أنفسهم بأكثر من الاعتدال: "من رغب عن سنتي فليس مني " وطلب إليهم الإيغال في 

الدين برفق ويسر؛ لكن الخطورة اليوم في هذا النوع من التضليل الثقافي، أنه يسوّي الخطأ بالانحراف، فهناك شباب مخطئون، وهناك أعداء منحرفون ديدنهم 

مطاردة الشباب المسلم، ومحاصرته، وتضخيم أخطائه، والإغراء به لقتل روح الفاعلية الإسلامية في نفسه، وإلغاء التوجه صوب الإسلام من نشاطه...

ولا شك أن الشباب المسلم يجب أن يكون أنظف الناس سلوكاً، وأعلاهم أخلاقاً، وأكثرهم وطنية، وأشدهم على أعداء الدين والوطن، وأحرصهم على مواجهة الاستعمار، وهم أجنحة الصحوة الإسلامية ورصيدها الدائب، ومعينها الذي لا ينضب.

إنّ التعصب والتطرف والتزمت، وهذه القائمة من المصطلحات التي لا نهاية لها، والتي قُذف بها الشباب المسلم بعد العجز عن تدجينه وتطويعه واحتوائه، هي 

الألغام التي زرعت على أرض الصحوة الإسلامية لتنفجر في كل سائر على الطريق.

ولعلّ المطلوب بإلحاح اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى: حماية الشباب من السقوط في مناخ التضليل الثقافي، والزيف الإعلامي، والقراءة التي تقدم له بأبجديات 

مغلوطة، الأمر الذي لا يقتصر سوءه على الواقع وإنما يمتدّ لتدمير المستقبل المأمول لهذه الأمة، حيث تفلسف الهزائم والنكبات ليُجعل منها انتصارات، وتُحسب 

الخسائر على أنها مكتسبات، ويُقرأ له التردي والانهيار على أنه تقدّم وإنجازات، وتوقظ النزعات الإقليمية وتكرّس على أنها دعوة إلى الوحدة والاتحاد، ويمارس 

الذل والاستعباد على أنه تحرر واستقلال، والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي على أنه ديمقراطيات شعبية، والتسلط الطبقي والحزبي والتمييز الطائفي على أنه 

تحقيق للدولة العلمانية المنشودة التي تؤمّن المساواة وتُنهي عصور الظلام والدولة الدينية!! والشباب إذا لم يُنتشل من هذا التضليل والضلال فسوف يكون غد الأمة أسوأ من يومها.

وفي اعتقادي أنه لا بد للشباب أن يعيش الحقيقة؛ بأن يحسّ الهزيمة ويتعرف على أسبابها، ويستشعر التحدي الذي يستنفر همته ويشحذ فاعليته، ويدرّب على 

استخلاص الدروس والعبر، فلا يكرر الخطأ؛ ويعرف الأمور على حقيقتها حتى يتمكن من التعامل معها. فهناك الكثير من المشكلات والقضايا "الاستراتيجية " 

التي لا يمتلكها جيل بعينه، ولا تختص بجيل ليدعي لنفسه حق التصرف فيها، ويحمل الأمة على مواقف متخاذلة من خلال واقع الهزيمة التي يعاني منها...

ولا خيار للشباب المسلم اليوم في التعرف على مشكلات أمته والتحديات التي تواجهها، والنزول إلى الساحة وحمل هموم جماهير الأمة، والاضطلاع بها 

والتضحية في سبيلها، واعتلاء أعلى المنابر العلمية 

المتخصصة التي هي من الفروض الكفائية بالنسبة لمجموع الأمة، أما الذي يختار طريقها فهي فروضه العينية؛ وحل معادلة انفصال العلم عن الدين حتى يولد 

الإنسان الجديد الذي تنتظره الحضارة الإنسانية؛ المسلم الذي يمتلك المعرفة وأخلاقها، والوسيلة وأهدافها.


 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 359 مشاهدة
نشرت فى 19 ديسمبر 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

383,535