د . محمد ناصر الخوالده |
<!--<!-- |
2- مشروع نيوجرسي :
وكان هذا المشروع أكثر حذرا ، ويمثل مصالح الولايات الصغيرة المتخوفة من طغيان الولايات الكبيرة ، لقد طالب مندوب نيوجرسي بمجلس واحد تتساوى فيه الولايات في التمثيل ، كما كان الوضع في شروط الاتحاد ، على أن يمنح الكونغرس السلطة لفرض الضرائب وتنظيم التجارة (45).
وعلى الرغم من تعارض المشروعين وتباعدهما ، فإن المجتمعين تمكنوا بعد اجتماعات طويلة وسلسلة من التنازلات والحلول الوسطى من إيجاد أساس لا تفاق يقضي بأن يتألف الكونغرس الجديد من مجلسين ، كما ارادت الولايات الكبرى على أن يمثل كل ولاية بعضوين في المجلس الأعلى ، مهما بلغ عدد سكانها ومساحة اراضيها ، أما في المجلس الآخر فالشعب ينتخب نوابه مباشرة ، وترسل كل ولاية عددا من النواب يناسب مع عدد سكانها .
ورغم الصعوبات التي واجهها هذا الدستور ، فقد أمكن في سبتمبر 1787 تذليل العقبات وتوصل المؤتمرون إلى صيغة دستور جديد للبلاد ، يقيم حكومة فيدرالية قوية ، دون أن يقضي على كيانات الولايات واستقلالها .
وفي 17/9/1787 وقع جميع المندوبين على وثيقة الدستور ، ولكن بقى على هؤلاء المندوبين أن يعملوا على جعل ولاياتهم تقر هذا الدستور ، حيث اشترطوا أن هذا الدستور لن يوضع موضع التنفيذ حتى توافق عليه تسع ولايات على الأقل(46) .
وكان على كل ولاية أن تعقد مؤتمرا خاصا بها لإقرار الدستور الجديد ، وكانت ولاية بنسلفانيا أول ولاية ترفض الدستور ، ثم ولاية ماساستوشي ، وعندما وجه الدستور بمعارضة قام ماديسون وهاملتون بحملة إعلامية واسعة لشرح أهداف الدستور ، وفي عام 1708 بلغ عدد الولايات التي وافقت على الدستور تسعة ، وهذا العدد المطلوب لإقرار الدستور نهائيا(47) .
ولوضع الدستور موضع التنفيذ كان لابد من انتخاب رئيس للحكومة الفيدرالية ، فاتخذ الكونغرس التدابير اللازمة لإجراء أول انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة ، وأعلن أن الحكومة التي نص عليها الدستور الجديد سوف تبدأ عملها في 7 مارس 1769 ، رغم اختيار جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة رغم تنصيبه في 30 أبريل 1789 ، واختير جون ادارمز نائبا للرئيس ، ومدينة نيويورك عاصمة للاتحاد .
ورغم إقرار الدستور إلا أن الفيدراليين يدركون أنه رغم انتصارهم في كل الولايات ، فإن فئة كبيرة من الأمريكيين كانت لا تزال معارضة للدستور الجديد بصورة خاصة ، بسبب إهماله لقضية الحقوق الأساسية للمواطن كحرية التعبير والعبادة والنشر ، وكانت الولايات خائفة على استقلالها ، وقد تبنى الكونغرس كما يشير جير هارمون " عشر تعديلات ، ثماني منها تهدف إلى ضمان الحقوق الفردية والملكية الخاصة ، والاثنان الباقيان فإنهما لضمان حقوق السيادة الداخلية للولايات منتدبة خلال الحكومة الاتحادية ، وكان ذلك في 1789 "(48) .
وتجدر الإشارة إلى عدد كبير من التعديلات صدرت حتى بلغ تعدادها اثنين وعشرين تعديلا ، وكان آخرها التعديل الذي اقر سنة 1974 ، والذي يمنع تجديد انتخاب الرئيس أكثر من مرة واحدة .
مما سبق تعرفنا على قصة الدستور الأمريكي كيف جاء ومن وضعه ومن حمل الأمريكيين على قبوله ، وكم من التعديلات دخلت عليه ولكن ماذا يحمل هذا الدستور في طياته؟
ثانيا : السلطة التنفيذية " الرئاسة " The Presidency :
هناك قول شائع ومأثور عن الحاكم " الحاكم الأعلى يشتق جميع صلاحياته من الشعب …
إبراهام لنكولن
عندما كانت جميع الدول الأوروبية الرئيسية تتبع النظام الملكي الوراثي ، كانت فكرة وجود رئيس يحكم لفترة زمنية محددة هي في حد ذاتها شيء إبداعي ثوري ، والدستور يحدد المسؤولية التنفيذية للرئيس ، كما أنه يتطلب انتخاب نائب للرئيس ، ويحدد الدستور الأمريكي صلاحيات الرئيس بدقة ، وفي المقابل لا يضع أية شروط أو حدود معينة على سلطات نائب الرئيس ، أو الوزراء أو المسؤولين الفيدراليين الآخرين .
ويرى إسماعيل الغزال أن النظام الرئاسي مثالا للنظام الذي يأخذ على الأقل من الناحية النظرية ، بفكرة الفصل بين السلطات ، بما تنطوي عليه هذه الفكرة من عنصري التخصص الوظيفي والاستقلال العضوي "(49) .
وسوف نتعرف هنا على من يقود الولايات المتحدة الأمريكية ، من أين يأتي ؟ وما هي مهامه وصلاحياته ؟ وكيف يحاسب ؟
ويتسم النظام الرئاسي بخصائص ثلاثة أساسية تتلخص في التالي :
1- انتخاب رئيس الدولة ، أي رئيس السلطة التنفيذية بمعرفة الشعب ، ويترتب على ذلك دعم مركز الرئيس في مواجهة الكونغرس بوصفه منتخبا من الأمة ، وبما يضفي على أعضائه تمثيل الشعب والنيابة عنه .
2- الاستقلال العضوي : من هذا العنصر استقلال لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية إزاء الأخرى ، فلا تملك أي منها وسائل دستورية تستطيع بواسطتها أن تنال من السلطة الأخرى(50) .
حيث يترتب على ذلك أن رئيس الدولة لا يملك سلطة حل الكونغرس ، أي السلطة التشريعية ، كما تعجز السلطة التشريعية بمفردها عن طرح الثقة بالحكومة وإسقاطها ، فتكون العلاقة بين السلطتين وفق تشبيه البعض ، أقرب إلى الزواج الكاثوليكي الذي لا يسمح بالطلاق، فكل سلطة ملتزمة بمعايشة السلطة الأخرى ، وتعجز عن التخلص منها طوال المدة المقررة لممارسة اختصاصاتها .
3- التخصص الوظيفي : ومؤاده أن تتخصص كل سلطة في أداء الوظيفة الدستورية المسندة لها ، فتختص السلطة التشريعية بسن القوانين والتشريعات ، والسلطة التنفيذية تنفذ القانون دون أن يكون لها حق الإسهام في اقتراحه أو إعداده أو وضعه(51) .
ويشير كمال الغالي إلى أن الدستور أقر جعل السلطة التنفيذية في يد الرئيس ، الذي يمثل الدولة بكاملها ، وهو مسؤول فقط أمام الشعب ، وليس أمام الكونغرس ، إلا أنه يمكن محاكمته إذا اقترف جرائم عظمى أمام الكونغرس(52) .
وبناء على ما تقدم يكون رئيس الولايات المتحدة رئيسا لدولة ورئيسا للحكومة ، حيث يمارس السلطة الفعلية ، ويرى محمود كامل ليلة " أن الرئاسة في الولايات المتحدة منصب خطير تقع على من يتولاه مسؤولية كبيرة ، تحتاج في المقابل إلى سلطة قوية عن طريق القوانين التي صدرت في عام 1921 "(53 ) .
ويوكل إلى الرئيس مهمة التعريف بالشئون السياسية الخارجية مع البرلمان والشيوخ، رغم أن السلطة العليا في هذا المجال هي لرئيس الدولة ، فهو الذي يرسم السياسة الخارجية ، وقد يغيرها حسب المتطلبات والظروف ، وبالإضافة إلى ذلك فإن القائد الأعلى للقوات المسلحة زمن الحرب والسلم ويقود الكونغرس بإسداء النصح والتوجيه له ، رغم أنه يكرس مبدأ المحافظة على الفصل بين سلطاته والسلطة التشريعية ، فهو يعلم أن التشريع يخص الكونغرس والنواب .
" فالرئيس الأمريكي كما تشير الدورية الأمريكية المتخصصة في القانون الدستوري يتمتع بوحدانية السلطة التنفيذية "(54) ، ويشير الكاتب حميد الساعدي إلى أن النظام الرئاسي يتميز بالخصائص الآتية :
1- انتخاب رئيس الدولة من الشعب مما يضمن مكانة موازية للمجلس .
2- عدم قدرة أي سلطة أخرى التدخل في وظيفة الرئيس ، وكذلك لا يمكن للرئيس التدخل في مهام وظائف السلطات الأخرى عملا بمبدأ فصل السلطات(55) .
ويعين الرئيس مساعديه ، لكن ذلك التعيين يكون خاضعا لموافقة الكونغرس عملا بالقاعدة " اللياقة المشيخية " ، ولكن محمود مصطفى يشير إلى " أن هذه الموافقة هي موافقة شكلية ، لأن الكونغرس يوافق غالبا على التعيينات المقدمة من الرئيس ، غير أن التطبيق العملي ومتطلبات السيادة الاتحادية قد خفضتا من حدة مبدأ فصل السلطات ، وهذا يرجع إلى الطابع الاتحادي للنظام الأمريكي "(56) .
فالمقصود هو ضمان حقوق الدول الأعضاء ، ومجلس الشيوخ هو الذي يتولى هذه الضمانة كونه ممثلا لهذه الدول ، ولهذا السبب خص مجلس الشيوخ بامتيازات عدة ، سيرد ذكرها بالتفصيل منها حق الموافقة على المعاهدات التي يبرمها الرئيس ، والمصادقة على التعيينات للوظائف الاتحادية ، ، غير أن كليلون روسيتر يمضي في القول : " أن بوسع رئيس قوي أن يكبح جموح ومقاومة مجلس الشيوخ ، كما فعل روزفلت عندما وقع اتفاقية مع بريطانية عام 1941 ، حيث اكتفى الرئيس بإعلام مجلس الشيوخ دون أن يطلب موافقته "(57) .
والسؤال الذي يطرح نفسه ، ما هي آلية انتخاب الرئيس ؟ وما هي الشروط اللازمة لانتخابه ؟ .
تذهب بعض المؤلفات إلى التأكيد على أهمية التعرف على آلية انتخاب الرئيس فيرى إسماعيل الغزال أن عملية انتخاب الرئيس ونائبه تمر بالمراحل الآتية :
1- تعيين مرشحي الأحزاب :
تجري هذه العملية بتعيين مندوبي الأحزاب على صعيد كل ولاية ، وتجتمع المندوبون لاختيار مرشح الحزب للرئاسة ، وفي بعض الولايات يجري تعيين المندوبين من مجموعة ناخبي الحزب ، بواسطة انتخابات رئاسية متتالية على صعيد القرى والمدن والولايات ، وفي البعض الآخر يجري تعيين المندوبين من قبل اللجان الحزبية ، وبعد الانتهاء من هذه العملية تبدأ المرحلة الثانية ، وهي أن يجتمع المندوبون في مؤتمر لاختيار المرشح الأفضل من بين المرشحين .
2- اختيار مرشح الرئاسة ونائبه :
في الواقع إن الشعب هو الذي يختار مرشحي الحزب الجمهوري والديمقراطي رئيس الولايات المتحدة ، غير أنه يسبق هذا الاختيار مرحلة تعيين الناخبين الرئاسيين في الأصل كانت المجالس التشريعية هي التي تتولى أمر التعيين إلا أنه استعيظ عن هذه الطريقة بمنح المواطنين حق اختيار الناخبين ، وكانت كاليفورنيا تتبع هذه الطريقة القديمة عام 1860م(58) .
وفي محاولة من الباحث للوقوف على أي تغيرات أو تطورات تتعلق بالشروط الأساسية، لتولي منصب الرئاسة في الولايات المتحدة ، فقد عثرنا في شبكة الانترنيت على المواصفات الأساسية التي يجب توافرها لمرشح لمنصب الرئاسة ، وهي على النحو التالي :
1- يتم انتخاب الرئيس من طرف الشعب ومن خلال انتخابات عامة لفترة أربع سنوات لفترتين رئاسيتين فقط .
2- يمنح الرئيس 200 ألف دولار بالإضافة إلى 50 ألف دولار مصاريف ، وحوالي 100 ألف دولار معفية من الضرائب خاصة بالسفر والترفيهات الرسمية .
3- ينصب الرئيس يوم 20 يناير عقب انتهاء انتخابات نوفمبر العامة .
4- أن يكون مواطنا أمريكي الأصل والمولد ، وألا يقل عمره عن 35 عام ، وعلى الأقل 14 عام إقامة في الولايات المتحدة(59) .
وإذا أردنا أن نتوقف عند مدة ولاية رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، فإنها كما جاءت في شروط الترشيح أربع سنوات ، وفترة تجديد واحدة فقط ، فقد نص دستور 1787 في نصه الأولى على إجازة إعادة انتخاب الرئيس دون تعيين حدا لهذا التجديد، غير أن جورج واشنطن كان قد رفض إعادة انتخابه لولاية ثانية سنة 1717 : " إني جددت له مرة واحدة ، بمعنى أنه بقي في الحكم 8 سنوات " فاعتبر هذا القرار الحكيم سابقة ، وجرى التقليد الطويل ضد ولاية ثالثة ، واستمر الحال على ذلك ، إلا أن الرئيس روزفلت الذي انتخب رئيسا عام 1932 وأعيد انتخابه 1936 ، ثم خرق التقليد عام 1940 لظروف استثنائية التي سادت العالم وسط حرب عالمية ثانية آنذاك ، وانتخاب مرة رابعة عام 1944 ، وتوفي وهو في منصب الرئاسة ، ونتج عن ذلك أدخل على الدستور التعديل الثاني والعشرون سنة 1947 وجرى تطبيقه ابتداء من سنة 1951 ، حرم بموجبه إعادة انتخاب الرئيس أكثر من مرتين ، وفي حال تطبيق إجراءات الابتشمنت وفي حال حصول فراغ في منصب الرئاسة ، فإن نائب الرئيس يتولى مكانه ، وهذا النائب لا يلعب دورا بارزا في الحياة السياسية ، فقط يصبح نائبا للرئيس إذا عجز الأخير عن ممارسة وظائفه ، وهذا النائب هو في نفس الوقت رئيس مجلس الشيوخ، وينتخب مع الرئيس لمدة أربع سنوات ، وتعديل عام 1947 ينص على أن الذي يأتي بعد نائب الرئيس في الخلافة هو رئيس مجلس النواب ، ثم رئيس مجلس الشيوخ المؤقت ، ثم سكرتير الخارجية ، فالمالية ، فالدفاع ، فالعدل ، فالبريد ، فالداخلية ، فالزراعة ، فالتجارة ، وذلك حتى لايخلو منصب الرئاسة أبدا(60 ).
1- سلطات الرئيس وصلاحياته :
مكتب رئيس الولايات المتحدة هو أحد أقوى، المناصب في العالم ، وينص الدستور على أنه يجب على الرئيس أن " يتأكد من أن جميع القوانين تنفذ على خير وجه " وللقيام بمهامه يترأس الجهاز التنفيذي للحكومة الفيدرالية ، وهي منظمة شاسعة تضم عدة ملايين من الأشخاص ، وبالإضافة إلى ذلك لها سلطات تشريعية وقضائية هامة .
أ- سلطات الرئيس التشريعية :
رغم إن الدستور الأمريكي نص على أن " جميع السلطات التشريعية من اختصاص الكونغرس ، إلا أن الرئيس كصانع رئيسي للسياسة العامة يلعب دورا تشريعيا رئيسي أيضا ، فيمكن للرئيس أن يصوت بحق الفيتو ضد أية وثيقة يمررها الكونغرس ، وما لم يصوت ثلثان في كل مجلس لأجل التغلب على حق الفيتو الذي استخدمه الرئيس فإن الوثيقة لا يمكنها أن تصبح قانونا .
" والكثير من التشريعات التي يصيغها الكونغرس قد تمت صياغتها بمبادرة من الجهاز التنفيذي ، وفي رسائل سنوية وخاصة للكونغرس يمكن للرئيس أن يقترح تشريعات يرى أنها ضرورية "(61) .
" وإذا ما اعترض الكونغرس وبدون النظر في هذه الاقتراحات ، فيحق للرئيس وهذا من سلطاته أن يدعوا الكونغرس إلى جلسة خاصة "(62) .
ولكن بعيدا عن كل هذا فإن الرئيس كزعيم لحزب سياسي ، ومنفذ لسياسة الحكومة الأمريكية ، فهو من موقع يمكنه من التأثير في الرأي العام ، وبالتالي التأثر في اتجاه التشريع داخل الكونغرس .
وفي محاولة لإصلاح علاقاتهم الحزبية مع الكونغرس ، فقد أنشأ الرؤساء الأمريكيون الأخرون مكتب علاقات خاص مع الكونغرس داخل البيت الأبيض ، حيث يحاول مساعدو الرئيس الحفاظ على الأنشطة التشريعية جنبا إلى جنب مع الكونغرس، ويحاولون حث الشيوخ والممثلين للحزب الجمهوري والديمقراطي لتأييد سياسة إدارة الرئيس .
ب- السلطات القضائية :
من بين صلاحيات الرئيس القضائية تعين المسئولين العامين الكبار ، فالرئيس يزكي القضاة الفيدراليين بما في ذلك أعضاء المحكمة العليا ، وهؤلاء يخضعون للتصديق من طرف الكونغرس ، والصلاحية الهامة الأخرى هي منح العفو الكامل ، أو المشروط لأي شخص يتهم بانتهاك فيدرالي ، باستثناء وحيد فقط إذا كان ذلك الاتهام موجه ضد رجال الدولة ، وصلاحية منح العفو صارت تشمل صلاحيات تقصير فترة الحبس وتخفيض المخالفات(63 ) .
ج- السلطات التنفيذية :
من خلال الجهاز التنفيذي نجد أن الرئيس يتمتع بصلاحيات واسعة لإدارة الشئون الوطنية ، وأعمال الحكومة الفيدرالية ، فيمكن للرئيس استصدار القوانين والنظم والتوجيهات التي تسمى الأوامر التنفيذية ، التي لها صفة الإجبار أو الإلزام القانوني على الوكالات الفيدرالية(64) .
ويرى كليلون روسير " إن الرئيس كقائد عام أو أعلى للقوات المسلحة ، فيمكن أن يستدعي وحدات الحرس الوطني للخدمة العامة .. وفي حالات الحرب أو الكوارث الوطنية يمكن للكونغرس أن يمنح صلاحيات أوسع لإدارة الاقتصاد الوطني ، وحماية أمن الولايات المتحدة(65) .
ولكن ما يحدث من بعض الرؤساء في الولايات المتحدة هو عدم التزامهم بالضوابط التي تحد سلطات الرئيس ، فريغان أغار على طرابلس وبنغازي دون إعلام الكونغرس ، ونيكسون تجسس على الحزب الديمقراطي مخالفا الدستور ، وغيرهم كثير، الأمر الذي يؤكد أن مصير الشعوب يمكن أن يقرره أفراد قليلون تحت ضغط أهوئهم ومواقفهم ونوازعهم كبشر .
د- السلطات التي تتعلق بالشؤون الخارجية :
بحسب الدستور فإن الرئيس هو المسؤول الفيدرالي والرئيسي عن علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأجنبية ، والرؤساء يعينون السفراء والوزراء والقنصليون، الذين يخضعون للتصديق من قبل مجلس الشيوخ ، وكذلك فإن الرؤساء يقبلون السفراء الأجانب وغيرهم من المسؤولين العامين ، بالتعاون مع وزير الخارجية يقوم الرئيس بإدارة كافة الاتصالات الرسمية مع الحكومات الأجنبية .
ويرى فوزي أبو ذياب أنه في بعض المناسبات يشارك الرئيس في مؤتمرات قمة ، حيث يلتقي زعماء الدول للتشاور المباشر فيما بينهم "(66) ، " وبناء عليه فقد ترأس ويلسون رئيس الولايات المتحدة الوفد الأمريكي لمؤتمر باريس ، الذي عقد عند نهاية الحرب العالمية الأولى ، كما تقابل الرئيس روزفلت مع قادة دول الحلفاء في أفريقيا وآسيا أثناء الحرب العالمية الثانية(67) .
ولهذا منذ عهد روزفلت أخذ الرؤساء الأمريكيون يجتمعون مع نظرائهم من قادة الدول لمناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية ، لأجل الوصول إلى اتفاقيات ومعاهدات ثنائية متعددة .
ومن خلال وزير الخارجية يكون الرئيس مسؤول عن حماية الأمريكيين في الخارج ، وحماية الأجانب داخل البلاد ، والرؤساء هم الذين يقررون ما إذا كان يجب الاعتراف بدولة جديدة ، والتفاوض على المعاهدات مع الدول الأخرى ، والتي تكون ملزمة على الولايات المتحدة عندما يتم التصديق عليها بثلثي مجلس الشيوخ ، كما أنه يحق للرئيس التفاوض مع الدول الأجنبية على " اتفاقية تنفيذية " ، التي لا تستدعي موافقة مجلس الشيوخ(68).
2- قيود على صلاحيات الرئيس :
رغم توفر هذه الصلاحيات غير عادية في يد شخص واحد ، قد تعطي له سلطة دكتاتورية على جميع المستويات ، وهذا ما فعله شخص مثل ريغان ، عندما أحس بأنه يمتلك زمام الأمور في الولايات المتحدة ففعل ما أراد حيث ضرب ليبيا ، وغزا غرينادا ، وحارب نيكارغوا كلها تحت حماية الدستور ، وموافقة الكونغرس وفي خضم الصلاحيات اللامتناهية المنوطة له . ومع وجود قيود على صلاحيات الرئيس ، والتي سنرد بعضها هنا ، إلا أن منصب الرئيس الأخطر في العالم يعطي أهمية لكل الشعوب لمتابعة الانتخابات الأمريكية ، إنما لمن سيكون على رأس هذه الإدارة ، ولهذا السبب نلاحظ الاهتمام الكبير بهذه الانتخابات .
" ونظرا للصلاحيات الواسعة لدور الرئيس وضع المحللون السياسيون تأكيدات كثيرة على سلطات الرئيس ، حتى أن بعضهم ذهب إلى وصف منصب الرئيس بالرئاسة الإمبراطورية أو (الرئيس المستبد ) في إشارة إلى الدور المتنامي الذي يمارسه روزفلت اثناء فترة حكمه والذي مارسه ريغان بشكل واسع(69) .
وإحدى الحقائق الهامة التي يواجهها الرؤساء هي ميراث مشاكل ، أحيانا تكون بيروقراطية من سلطة يصعب حلها ، أو التعامل معها بسرعة ، ولاسيما بعض القرارات التي تخص المواطنين العموميين الذين يحميهم القانون ، فقليل من الرؤساء رفضوا التجديد لفترة رئاسية ثانية ، وكل رئيس يحقق على الأقل بعضا من أهدافه التشريعية ، ويمنع بحكم الفيتو بعض القوانين التي يعتقد أنها ليست في صالح الأمة ، كما أن له صلاحيات إجراءات في الحرب والسلم ، كما أنه بحكم منصبه يمكن أن يقر سياسات وآراء يكون لها خطر على الخصوم السياسيين ، وعندما يثير الرئيس ذلك فإنه سوف يخضع لنقاش الشعب العام .
يرى المؤرخ الأمريكي هنري مشيل كوماجر " أن الانحطاط في القيادة الأمريكية ، وعجز البلاد على إفراز قيادة كبيرة ، ليست ظاهرة تقتصر على السياسة فقط ، بل تمتد إلى كل صعيد تقريبا في المجتمع الأمريكي "(70) .
ويضيف جون ستيرر الذي أدار الحملة الانتخابية للرئيس ريغان بأنه – أي ريغان – كان إنسانا غبيا ويقول : " إن أهم الأشياء التي تستوقف النظر في تاريخنا السياسي نجد الطريقة التي رشح بها ريغان منذ عام 1976 إلى 1980 وأنا أحتقر إمكانته العقلية " .
فكيف يمكن لأي رجل يتميز بأية كرامة أن يسمح باستخدامه من قبل رجل آخر ، عبر تقريبا عن احتقار واضح له .
وعلق لورانس باريت على ريغان قائلا : " إن رونالد ريغان سيكون أكثر رؤسائنا سذاجة منذ الرئيس آن هاردينج(71) .
والسؤال هنا رغم عدم وضوح الخطوط الفاصلة والصريحة التي تحد من صلاحيات الرئيس ، فما هي علاقة السلطة التنفيذية بالتشريعية ؟ بمعنى آخر ، ما مدى تأثير الرئيس على الكونغرس رغم دستورية الفصل بين السلطتين ؟ وهل يؤثر ذلك على الحياة السياسية ؟ .
3- علاقة الرئيس بالكونغرس :
يجيب فوزي أبو ذياب على التساؤل الذي نطرحه فيقول : " بالرغم من أن النظام الرئاسي الأمريكي يعرف بأنه نظام الفصل بين السلطات ، نجد الرئيس في هذا النظام يتدخل في السلطة التشريعية " الكونغرس " عن طريق حزبه ، الذي يتزعمه عندما يكون هذا الحزب هو المسيطر بأغلبية في الكونغرس "(72) .
ويمكن أن نجمل تأثيرات الرئيس على الكونغرس في النقاط التالية :
1- من حق الرئيس مخاطبة الكونغرس ، ويكون الخطاب الذي يلقيه الرئيس الأمريكي بمثابة عرض لبرنامج الحكومة ، وقد درج رؤساء الولايات المتحدة على إلحاق بعض الاقتراحات التشريعية بخطاب الرئاسة ، ويكون هذا التقليد بديلا عن حرمان الرئيس من حقه اقتراح القوانين ، بأن يكلف نائبا بالكونغرس من أعضاء الحزب ، بأن يقدم إلى الكونغرس باقتراح القانون الذي يرغب فيه(73) .
2- من حق الرئيس الاعتراض على التشريعات ، فكل مشروع قانون يوافق عليه الكونغرس، يعرض على الرئيس لتصديق عليه حتى يكون نافذا أما إذا اعترض الرئيس " الفيتو " فإنه يعيده ثانية إلى الكونغرس ، فإذا وافق عليه بأغلبية ثلثي الأعضاء يصبح المشروع نافذا(74) . ويتضح من ذلك أن حق الاعتراض المخول للرئيس هو اعتراض توفيقي، بمعنى أنه لا يمنع صدور القانون ونفاذه إذا أصر الكونغرس عليه .
إن سلطة الرئيس بما تحوزه من وسائل التأثير على الجماهير ومن خلال وسائل الإعلام، استطاعت أن تخاطب الجماهير مباشرة وتقيم اتصالا معهم ، دون مرور بالكونغرس، وأضحت القرارات المصيرية في حياة الشعب ، تعلن للشعب من قبل أن يخطر بها الكونغرس(75).
لقد وقفنا بكل التفاصيل على سلطة الرئيس في النظام السياسي الأمريكي ، ولكن بعد هذه الدراسة الواسعة ، والتعرف على التركيبة السياسية ، يمكن أن نؤكد بأن هناك سقوط للبنية السياسية الأمريكية ، وخاصة سقوط القيادة السياسية ، أي غياب أو ندرة القيادة الكبيرة والفعالة، فنلاحظ أن قيادات السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة هزيلة ضعيفة انتهازية ، ولا تلتزم بقيم أخلاقية عالية ، وعاجزة بشكل خاص عن الرؤيا الكبيرة والدقيقة للأحداث . حيث يستحوذ على تركيبها الذهني هاجس الصور أو الانطباعات الذهنية بدلا من الجوهر أو المفاهيم الجوهرية .
ويكتب أحد المعلقين المعروفين آرت كارى : " أبطالنا هم حاليا رؤساء من أمثال كندي بولستون نيكسون وكارتر ، وريغان وبوش والآن كلينتون " الذي بلغ قمة التفاهة القيادية " … ألا يدعو هذا إلى الاستغراب ؟ كيف يمكن لأمة كهذه الأمة أن تنتج موكبا يثير الشفقة كهذا الموكب ؟ ويضيف ساخرا وهو يعمل على إبراز الظواهر في الانتخابات بوش أعلن المرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس أن الانتخابات تدور حول المؤهلات ، وليس حول الأيديولوجية ولكن دووكاكيس ومساعديه ذوي المؤهلات ، خسروا في بضعة أسابيع 17% من المرشحين، أمام بوش غير مؤهل(76) .
ونشرت مجلة التايم في 9/11/1989 تساؤلا : هل ماتت الحكومة الأمريكية ، أمام ظاهرة سقوط القيادات السياسية ؟ .
ويقول الكاتب : " هناك نوع من المرض النفسي يسود مؤسساتها الأساسية ، حيث إن الكثير من الحماقة السياسية التي مارسها ريغان خلفت عجز الميزانية الرهيب ، والإفلاس الحالي الذي تعانيه " (77).
وآخر ما نختم به الإشارة إلى استبيان اتخذته مجلة لايف الأمريكية ، حيث طلبت من أكثر من ستين مؤرخا ومفكرا إعداد قائمة بالمائة شخص ، الذين مارسوا الأثر الأكبر في حياة الأمة الأمريكية في القرن العشرين ولا يقتصر هنا بالأسماء التي حققت شهرة ونفوذ أكبر ، بل الذين لعبوا دورا في حياة الشعب الأمريكي ، وجاءت النتائج بأن لم تضم القائمة أي من رؤساء الولايات المتحدة وعددهم 17 رئيسا(78) .
حيث لم يستطع أي واحد منهم ضمان مكان له في هذه القائمة ، وهذا كافي لإعطاء فكرة واضحة عن النوعية التي تميز الرجال في البيت الأبيض ، ويقول المعلق جون تشانلر في كتاب "الخطر والأمل " " إن الولايات المتحدة تنقاد برؤساء غير راغبين أو غير قادرين على توجيه أمريكا في مواجهة القرن العشرين .
ثالثا : السلطة التشريعية " الكونغرس " Congress :
تأسس الكونغرس بموجب المادة الأولى من دستور الولايات المتحدة ، الذي سن عام 1787(79)، ويتكون الكونغرس كما سنرى بالتفصيل من مجلسين مجلس النواب ومجلس الشيوخ :
1- مجلس النواب :
وقد يسمى بمجلس الممثلين ، حيث يشير مالك أبو شهيوة أن الممثلين يمثلون الشعب الأمريكي ، وأعضاءه ينتخبون لمدة سنتين ، هذه المدة القصيرة مقارنة بالفترة المعمول بها في بعض البرلمانات(80) .
ويبدو أن قصر هذه المدة قد يؤدي إلى الديموغوجية ، إذ جرى العرف في الولايات المتحدة على القول بأن ممثل الشعب يقضي السنة الأولى من ولايته محاولا نسيان الوعود المستحيلة ، التي كان يطلقها في حملته الانتخابية ، والسنة الثانية على إطلاق وعود جديدة لكي يعاد انتخابه .
ويشير د. إسماعيل الغزال أن أمر الاقتراع بالنسبة لمجلس النواب قد ترك أمره للولايات ، وقد وضع الدستور بعض القيود على ممارسة حق الانتخاب ، إذ طلب من الناخب الإلمام بالقراءة والكتابة ، وتفسير مواد الدستور ، ومن ثم دفع ضريبة الاقتراع Polltax (81).
غير أن الإشارة تجدر هنا إلى أن هذه الضريبة ، قد تم إلغاءها في التعديل الرابع والعشرين لدستور 1964 ، إذا لايمكن وصف هذه الاقتراع بأنه عام وشامل ، إن الغاية منه كانت إقصاء السود والهنود من ممارسة حق الانتخاب(82) .
وقد تدخل التشريع الاتحادي مرارا لتعديل إجراءات الاقتراع في الولايات ، فقد استبدل نظام القائمة الانتخابية بالاقتراع على أساس القضاء ، وينتج عن هذا التبديل إعطاء مرحلة اختيار المرشحين أهميتها في مراحل عملية الاقتراع ، وقد يجري تعيين المرشحين على مرحلتين :
الأولى : تفضي بتعيين المرشحين .
الثانية : الاقتراع .
ففي المرحلة الأولى يبرز دور الآلة الانتخابية للحزب ، وبالأخص الرؤساء في اختيار المرشح ، وقد يتم هذا الاختيار في الجمعيات الأولية .
غير أن الشروط التي يكتبها الدستور كما يسوق عبد الحميد النعنعي تؤكد على مبدأ المساواة مهما كانت الإجراءات الانتخابية المعمول بها ، حيث يترك المجال للولايات لتحدد تلك الشروط ، غير أنها لا تخرج عن أن يحتل نائب واحد لكل 30 ألف مواطن وأن يكون قد بلغ 25 عاما ، وأن يكون أمريكيا منذ سبع سنوات على الأقل(83) .
2- مجلس الشيوخ :
هذا المجلس يمثل الولايات الأعضاء في أمريكا ، ويتكون من عضوين عن كل ولاية من الولايات الأمريكية ، بصرف النظر عن عدد سكانها ، وكانت الهيئات التشريعية الرسمية في كل ولاية هي التي تختار أعضاء مجلس الشيوخ في الأصل غير أنه وبعد المصادقة في عام 1913 على التعديل السابع عشر للدستور ، الذي يقضي بأن ينتخب سكان كل ولاية عضوي مجلس الشيوخ اللذين يمثلان ولايتهم "(84) ، وجاء هذا التساوي في عدد ممثلي الولايات في مجلس الشيوخ لتحقيق المساواة بين الولايات للمحافظة على حقوق الولايات الصغرى من طغيان الولايات الكبرى في الكونغرس من ناحية ، وللحيلولة دون الاتجاه نحو حكومة موحدة .
ولكن ذلك لا يمثل في الأصل الديمقراطية حتى بالمفهوم الليبرالي ، إن مجرد وجود شخصين ينوبان عن مئات الألوف من الشعب في ظل مجتمع واحد ، يحق له تشريع وسن القوانين التي تتعلق بالدولة لهو زيف يؤكد بجلاء نظرية النيابة .
ويذهب أحمد كمال إلى القول : " بأن مدة ولاية السناتور ( الشيخ ) هي ست سنوات ، ويجري انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ مرة كل سنتين ، وقد قصد من ذلك المحافظة على الاستمرار في سياسة المجلس وأعماله ، ويرأس المجلس نائب رئيس الولايات المتحدة(85) .
ويؤكد التاريخ الدستوري للولايات المتحدة ، أن الغرض من تأسيس مجلس الشيوخ هو أن يتحقق مما يتخذه مجلس النواب من قرارات على أن يشكلان معا الكونغرس ، وهو الكونغرس في الحكومة المركزية ، وقد أعطى الدستور الكونغرس صلاحيات معينة ، إلا أنه مع مرور الوقت عملت تلك الصلاحيات على زيادة نفوذ أعضاءه ، وعلى جعله نظيرا لمجلس النواب من حيث الأهمية السياسية ، حيث خول مجلس الشيوخ وحده بتقديم المشاورة لرئيس الجمهورية ، فيما يخص المعاهدات وصلاحية الموافقة عليها ، كذلك المصادقة على تعيينات الرئيس وقد زادت هذه السلطات بعد ما تزايد انخراط الولايات المتحدة في السياسة الخارجية ، مما جعل منها قوة عالمية ، تتعهد بالتزامات ، وتتحمل مسؤوليات في الخارج(86) .
وبعد أن أصبح الجانب التنفيذي أكثر أهمية ، يرى جون لينر أنه رغم أهمية الجانب التنفيذي في ضبط الإجراءات والمبادرات التي يقوم بها الرئيس ، إلا أن أعضاء مجلس الشيوخ يمارسون نفوذا قويا ، مهما في الحياة السياسية الأمريكية ، حيث أصبح مجلس الشيوخ فريقا مهما للفوز بمنصب الرئاسة(87) .
3- عمل الكونغرس :
يتمتع أعضاء الكونغرس بالحصانة البرلمانية ، ويعقد في جلسة سنوية مدتها 7 أشهر، تبدأ من يناير وتنتهي في يوليو ، لكل من المجلسين أن ينعقد منفردا لإدارة جلساته ، ولا يحق لأحداهما أن يؤجل انعقاد جلساته بشكل يؤدي إلى تعطيل الجلسات دون موافقة المجلس الأخرى(88) .
وهنا علينا أن نؤكد أن مناقشات الكونغرس لا تتسم بالنزاهة ، لأن رئيس مجلس الشيوخ هو نائب رئيس الولايات المتحدة . كما أن النظام الداخلي للمجلسين لا ينظم بصورة منهجية إدارة الجلسات ، وقد يلجأ الخطباء إلى تعطيل الجلسات ، وهذا ما حصل سنة 1957 ، إذ شغل السيد ج. ستروم تورمز منبر المجلس لمدة 24 ساعة و 18 دقيقة ، دون انقطاع وقد سبقه إلى ذلك السناتور ويتي مورس سنة 1953 ، حيث بقي يخطب 22 ساعة و 26 دقيقة " وقد أطلق على هذا النوع من تعطيل الجلسات كلمة Filibustering (89).
ويوجد في الكونغرس لجان دائمة كبرى ، وبإمكان هذه اللجان أن تنعقد في جلسات علنية ، وأن تشكل لجان تحقيق ، يكون من صلاحياتها دعوة أي شخص أمامها لتحقيق معه ، فإذا رفض الشخص الحضور يحق لرئيسها أن يصدر مذكرة جلب بحق الشخص الممتنع عن الحضور .
4- صلاحيات الكونغرس :
إن الصلاحيات الرئيسية للكونغرس هي صلاحيات تشريعية ، هذه الصلاحية يمارسها المجلسان على قدم المساواة ، إلا فيما يتعلق بقوانين الضرائب ، حيث يعود حق المبادرة بالقانون لمجلس النواب ، وإذا اختلف المجلسان في التصويت على اقتراح القانون يعين المجلسان " لجنة مصالحة " ، يكون من صلاحياتها إعداد مشروع قانون يحظى بموافقة المجلس ، وفي حال عدم اتفاق المجلسين على مشروع اللجنة يهمل مشروع القانون(90) .
كما أنه في بعض الأحيان ، كما هو الحال الآن ، قد يتكون الكونغرس من أغلبية حزب المعارضة للرئيس ، الأمر الذي يدفع النواب في الكونغرس إلى تعطيل أي قوانين من شأنها أن ترفع أسهم الرئيس وحزبه الحاكم ، وبذلك ينقل عمل الكونغرس كما ينص الدستور إلى حلقة أخرى من حلقات الصراع الحزبي ، التي تأتي نتائجه على حساب الشعب الأمريكي .
ونتوقف هنا على لجنة المصالحة هذه التي تخفي مسألة في غاية الأهمية ، تتعلق بالضرائب المفروضة على الشعب ، إن الشعب الأمريكي في هذه الحالة اختار نوابا في مجلس النواب ، وشيوخا في مجلس الشيوخ ، وقد سلم زمام الأمور ليقرروا ما نيابة عنه ، فهل احتياجات المواطن الأمريكي وحكوماته متضاربة لدرجة تجعل مما يختارهم ليمارس السلطة نيابة عنه في حالة تضارب ، إن هذا التضارب يبرز حقيقة الصراع بين الأفراد على المصالح الخاصة ، وليس على مصلحة الشعب الأمريكي ، الذي هو في الأساس من اختار هؤلاء جميعا لينوب عنه .
ويجمل محمود مصطفى صلاحيات الكونغرس في سن القوانين في المجالات التي تتعلق بالنواحي الوطنية والسياسية الخارجية ، وعند القروض باسم الحكومة الاتحادية ، وصك العملة ، وتحديد الموازين ، وتنظيم التجارة الخارجية ، وللكونغرس صلاحيات واسعة في شؤون الدفاع ، وإعلان الحرب ، وتشكيل الجيوش ، كما أنه يتمتع بحق قبول ولاية جديدة للاتحاد(91) .
غير أنه لا يحق للكونغرس إحالة السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية ، وقد أكدت عدم الاستحالة هذه المحكمة العليا ، بحكمها الصادر 1937 ، فيما يتعلق بالنظام الجديد ، غير أن الكثير من الحالات تبين أن السلطة التشريعية تسرق بشكل أو بآخر من قبل الرئيس بتواطؤ من الكونغرس ، من أجل تحقيق مصالح الولايات المتحدة ، خاصة فيما يختص بالسياسة الخارجية .
وبالإضافة إلى الصلاحيات التشريعية يتمتع الكونغرس بصلاحيات إضافية، أهمها الصلاحيات التأسيسية ، حيث يعود للكونغرس حق إعداد مشاريع التعديل الدستورية ، فهو الذي يتولى إعداد قانون التعديل ، وهو الذي يتولى اختيار طريق المصادقة عليه .
أ- إجراءات إعداد مشاريع التعديل تجري ، إما بناء على طلب الكونغرس ذاته ، أو بناء على طلب المجالس التشريعية المحلية ، إذا كان الكونغرس هو الذي قام بإعداد مشروع التعديل على المجلسين اللذان يتألف منهما الكونغرس ، إن يصوت على المشروع بأغلبية ثلثي الأعضاء لكل منهما ، أما إذا كان التعديل صادرا عن المجالس التشريعية للولايات الأعضاء، فإجراءات التعديل تكون أكثر تعقيدا ، فاقتراح التعديل يجب الموافقة عليه من قبل المجالس التشريعية المحلية بأغلبية الثلثين ، ومن تم وجوب الدعوة إلى مؤتمر وطني خاص ، يتولى صياغة مشروع التعديل(92) . إن هذا الوضع يوحي بأن التركيبة السياسية الأمريكية تبعد كثيرا على الديمقراطية ، حيث إن اقتراح تعديل من هيئة نيابية ، تكون إجراءات إعداد الموافقة بشكل سريع ، بينما إعداد التعديل من قبل قاعدة شعبية أوسع " المجالس التشريعية المحلية " يأخذ وقتا وإجراءات أعقد وأطول ، وكأن الكونغرس ينوب عن القاعدة حتى في الإحساس بالمشاكل التي يحتويها الدستور .
ب- المصادقة على مشروع التعديل توجب هي الأخرى الاختيار ، سواء أكان إعداد مشروع التعديل قد قام به الكونغرس ، أو المؤتمر الاتحادي ، فمشروع التعديل يجب المصادقة عليه، إما من قبل المجلس التشريعية المحلي ، أو من قبل مؤتمر الولايات ، واختيار الطريقة تعود للكونغرس ، غير أن مشروع التعديل لا يدخل مرحلة التطبيق العملي ، إلا إذا صادق عليه ثلاثة أرباع الولايات على الأقل(93) .
إن اختيار الطريقة التي يتم بها الموافقة على التعديل ، أو إعداد مشروع له ، هي الأخرى تحقق سلطات الكونغرس ، الذي تعرف إلى أي مدى تؤثر فيه جماعات المصالح الخاصة ، فإن أي تعديل يرى أنه يشكل خطرا على هذا الجماعات فالكونغرس كفيل بقتله .
5- وسائل تأثير الكونغرس على الرئيس :
طبقا للدستور الأمريكي يختص الكونغرس بالوظيفة التشريعية ، وقد خوله الدستور بعض الوسائل التي يستطيع بها أن يؤثر في السلطة التنفيذية من أوقد أجمع العديد من الكتاب على الوسائل الآتية :
أ- سلطة توجيه الاتهامات الجنائي للرئيس الأمريكي The impeachment :
تقدمت الإشارة إلى أن السلطة التشريعية في النظام الرئاسي لا تملك سحب الثقة من السلطة التنفيذية ، وبالتالي الإطاحة بها . غير أن ذلك لا يعني انتفاء كل وسيلة لمساءلة رئيس الدولة ، فيملك الكونغرس الأمريكي توجيه الاتهام الجنائي للرئيس في حالة ما إذا ارتكب جريمة يتعين مساءلته عنها ، فيصدر مجلس النواب قرارا في هذا الصدد وتتم محاكمة الرئيس بمعرفة مجلس الشيوخ ، الذي يتعين أن يصدر قراره بالإدانة بأغلبية الثلثين ، فإذا ما صدر القرار بالإدانة يتم عزله ، ففي عام 1968 وجه الكونغرس اتهاما إلى الرئيس الأمريكي اندروجونسون ، إلا أن الاتهام فشل في إدانة الرئيس ، وكـان الكونغرس على وشك توجيه الاتهام للرئيس نيكسون(94) الذي آثر الاستقالة وأنقذه من المحاكمة صدور قرار خليفته فورد بالعفو عنه ، وهو قرار أثار سخط قطاعات عريضة من الشعب الأمريكي .
ب- يجوز الكونغرس وسائل غير مباشرة ، يستطيع بواسطتها التأثير في نشاط الرئيس الأمريكي ، ومثالها امتناع الكونغرس عن سن التشريعات التي يتبناها أعضاء الحزب ، الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي ، إذ تمتنع عن اعتماد المبالغ اللازمة لتنفيذ السياسة الحكومية، الأمر الذي قد يسفر عنه عجزها عن تنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية .
ج- يشارك مجلس الشيوخ رئيس الجمهورية في بعض الصلاحيات الرئاسية ، وقصد في ذلك كفالة حقوق الولايات ، باعتبار أن ذلك المجلس يمثلها على المستوى الاتحادي ، وتتلخص الصلاحيات المقررة لمجلس الشيوخ في هذا الصدد في اشتراط الموافقة على تعيين بعض كبار الموظفين ، مثل نائب الرئيس ، والوزراء ، والقضاة في المحكمة العليا ، والسفراء ، وينص الدستور كذلك على ضرورة موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ على المعاهدات المبرمة التي يبرمها الرئيس ، وينطوي هذا الشرط على تقييد حرية الرئيس الأمريكي في رسم السياسة الخارجية وتنفيذها "(95) .
وبعد هذا العرض ، هل يمكن اعتبار الكونغرس الأمريكي حامي النظام السياسي في الولايات المتحدة ، وهل كل ما كفله الدستور لهذه السلطة تخدم الصالح الشعب الأمريكي ، بصفة خاصة والعالم والسلام بصفة عامة ؟ .
إن عددا من الكتاب والمحللين الأمريكيين يرون عكس ما تقدم ، فهذا جان بيار فيشوا يرى أنه بالنظر للكونغرس الأمريكي لاشك أن المرء يصدم عندما يرى كيف أن توزيع السلطة يتم فعلا لتحقيق أهداف غير ديمقراطية ، فقد كتب الصحفيون وعلماء السياسة بل حتى أعضاء الكونغرس الأمريكي أنفسهم عيوب الكونغرس ونقائصه ، فبنيته هدامة وقواعد عمله تستهلك الكثير من الوقت إضافة إلى الأصول المرعبة ، فيه تجعله يعيق العمل التشريعي ، فأعضاء الكونغرس يقضون فترة طويلة من وقتهم في الألاعيب السياسية(96) .
ويشير الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في هذا الصدد إلى فساد الكونغرس ، حيث يقول: " ليس من الممكن أن أعبر كما يجب عن قلقي من الأثر السيئ الذي تمارسه المصالح الخاصة في واشنطن ، ففي كثير من الأحوال يمكن إقناع أعضاء الكونغرس الذين يتم شرائهم بالتهديدات السياسية من ناحية ، والمكافآت المالية من ناحية أخرى ، بالتصويت ضد مصالح البلاد . إن الكونغرس يتجه إلى أضعف الضوابط الأخلاقية في السياسة الأمريكية "(97) .
إن الفساد داخل الكونغرس منتشر لدرجة دعت أحد الباحثين إلى القول : إن الفساد منتشر في الحكومة كانتشار الجريمة في الشوارع ، ولكن العلاقة هو أنه لا يوجد من يصوت للمجرمين في الشوارع ، ولكن الشعب مازال يصوت للحكومة .
ساحة النقاش