ما هو الإسلام؟
فخلال خمسة عشر قرناً من الإنتشار «الأفقي» طوّر الإسلام منظومات معرفية وبنىً أيديولوجية ومعانٍ متعلّقة بالهوية - تختلف بالكامل عن ذلك المحتوى البسيط، شبه البدائي، الذي كان للإسلام الأوّلي. - مع ذلك، فما يزال المسلمون يلحّون عموماً، بإصرار ملفت في سذاجته، على أنهم «بنيان» واحد متكامل - مرصوص، بهوية واحدة، وحقيقة واحدة: الإسلام! وذلك يعاكس بالكامل كل الوقائع التي نتلمسها في أية بقعة من ذلك العالم المترامي الأطراف، الممتد من جاكرتا إلى كازابلانكا - والذي يختلف تماماً عن غيتو «طيبة» الصغير، الذي انطلقت منه تلك الفكرة، التي يستحيل اليوم أن نلمس حوافها الأصلية الفعلية.
وأخيراً... صار الغيتو إمبراطورية:
كانت ابنة عاقّة، ناكرة للجميل: فما أن أنجبت اليهودية ابنتها الأولى، المسيحية، حتى راحت تلك الأخيرة بدوافع الكراهية المتأصلة بين الأم والابنة منذ اللحظة الأولى تعلن عقوقها على الملأ - ثم تجسّد ذلك العقوق عينياً عبر زواج الابنة من الفكر اليوناني، على يد الكاهن المتهلين، بولس الطرسوسي. لم تعد نصرانية متهودة: صارت مسيحية متهلينة. وفي أنطاكية، إحدى حواضر التهلين في ذلك الزمان، وتحت رعاية الطرسوسي ذاته، «دعي التلاميذ للمرة الأولى مسيحيين»!
وفعل الفكر اليوناني بالمسيحية فعلته:
1 - فقد جردها من لغتهاالأم، الآرامية - العبرية، وصفّاها من أي تعصّب لغوي، لأنه فكر كوزموبوليتاني: ليس لدينا اليوم حرف واحد في العهد الجديد، كتاب المسيحية المقدّس، إلا باللغة اليونانية - كأصل لكلّ الترجمات المتداولة الآن. وما يُحكى عن نصّ أصلي بلغة غير يونانية لمتى أو غيره، يظلّ - ما دام غير مؤيّد بالدليل العلمي - مجرّد كلام وتكهّنات.
2 - قضى الفكر اليوناني في المسيحية على مقولة الحامل القومي للمحمول الديني اليهودية الأصل والمنشأ. ففي عالم الهلينية المترامي الأطراف، المتعدد الجنسيات (- وأحياناً اللّغات -)، كان لابد للمسيحية أن تتخلّى عن قوقعتها القومية الحاخامية الحادّة، إذا ما أرادت الانتشار وتخطّي كل الحدود. وهكذا، فمنذ البلداية الأولى، لم تكن المسيحية قومية: كانت إيماناً بشخص يسوع المسيح كمخلص للذات المؤمنة به - بغض النظر عن جنسية هذه الذات أو لغتها أو لونها أو جنسها.
3 - ضمن صيرورة التهلين تلك، تخلّت المسيحية أيضاً عن الشكل اليهودي للألوهة - «يهوه»، الإله الذي لم يسمح لإله غيره بأن يوجد، ولم يسمح أتباعه بالتالي لأتباع إله غيره بأن يوجدوا، هو بالتالي أقسى شكل للألوهة وأكثرها إرهابية وتشرّباً للبدائية والبداوة والصحراوية. وإذا ما أخذنا الحضارية كمعيار لتصنيف مقولات الآلهة مراتبياً، فسوف يحتل يهوه الدرك الأسفل، كإله واحد أوحد، والذي لا تسمح وحدانيته المطلقة الدكتاتورية بأي شكل للتعددية الديمقراطية - والتعددية دعامة الحضارية الأولى. ولا يمكن إطلاقاً مقارنة يهوه هذا بالتعددية الحضارية الديمقراطية لآلهة اليونان أو سوريا القديمة.
«التعددية = ديمقراطية = حضارة؛ الوحدانية = قمع = بداوة».
الإله الأوحد اليهودي وكراهية «الغير» اليهودية وجهان لعملة واحدة - الإرهاب!
مقابل ذلك، فقد اهتدت المسيحية، في بحثها الدؤوب عن شكل للألوهة أكثرمناسبة للكوزموبوليتانية الهلينية ولخروجها الحضاري من الغيتو الحاخامي، إلى تركيبة جمع فيها بين التعددية الإلهية اليونانية الحضارية، والوحدانية الإلهية اليهودية الاستبدادية (-والبدوية-)، فكان أن ظهر للوجود ذلك «الإله الواحد في ثلاثة أقانيم» - لكن الكفة مالت غالباً لصالح التهلين، خاصة مع تبني المسيحية لعلم المصطلحات اليوناني الفلسفي لاستخداماتها العبادية: «أليس يسوع، أساس المسيحية وهيكل كنيستها، وهو اللوغوس اليوناني(1)؟».
الابن الوفي:
لقد خرج الإسلام من رحم اليهودية - التلمودية - الحاخامية!
فرغم كل ما قيل أو يقال حول العلاقة بين الإسلام والنصرانية(2) - وليس المسيحية - فالإسلام، في نهاية الأمر، لم يخرج إلا من الرحم الآنف الذكر. لقد أشار غنزبرغ في عمله الشهير أساطير اليهود إلى أن القرآن يعرف الهاغاداه أكثر مما يعرف التوراة - إنه ينظر إلى التوراة في الواقع في ضوء الهاغاداه(3). من الجانب الألماني، يطالعنا عمل أ. غايغر الطليعي، ماذا أخذ محمّد من اليهودية Was hat Mohammeds aus dem Judenthume aufgenomen؟ الذي قد يعتبر الأول من نوعه في حقل العلاقة الجوهرية بين الإسلام الأرثوكسي واليهودية التلمودية الحاخامية. مع ذلك، ففي اعتقادنا أن هـ. شباير هو أفضل من كتب، بتفاصيل وافية، في ذلك الحقل حتى الآن: الحكايا الكتابية في القرآن Die biblischen Erzنhlungen im Quran، هو عمل شباير المحوري، الذي نقدّمه أيضاً، ضمن هذه السلسلة.
فعلى سبيل المثال، في القرآن مئتا موضع تتطابق بالكامل مع مواضع هاغادية مقابلة من التلمود البابلي؛ عشرون موضعاً من الأورشليمي؛ وسبعة عشر موضعاً من المشنا. أما من الجانب الهالاخي - التشريعي، فالتطابق يبدو مذهلاً أحياناً: لاشك أن شاخت، في عمليه الهامين، مدخل إلى الشرع الإسلامي، وأصول الفقه المحمدي، اللذين يُشار إليهما كثيراً في الهاجريون، قد أوضح ذلك بالتفصيل(4).
بعكس المسيحية، فقد كان الإسلام، في بداياته التكوينية، بعيداً عن الهلينية، جغرافياً وغير جغرافي. وبعكس المسيحية أيضاً، لم يكن بولسَ رسولَ، الشخصية القيادية في الإسلام التكويني، بل عبد الله بن سلام ووهب بن منبه - وكعب الأحبار. لقد تكوّن الجنين الإسلامي في رحم اليهودية - التلمودية - الحاخامية؛ وحين خرج من الغيتو الضيّق إلى عالم الأغيار الواسع، حمل معه تحت جلده غيتو خاصاً به. - فرغم الانتشار الأفقي الشاسع للإسلام الأرثوذكسي؛ رغم الإمبراطوريات الإسلامية التي لم يمكن «لغيمة إلا أن تهطل فيها»؛ رغم مئات السنين من الابتعاد الزماني عن الهيولى القديمة: ظلت الإمبراطورية إمبراطورية - غيتو : غيتو روح؛ غيتو نَفْس؛ غيتو مبادئ؛ وغيتو عقائد. - مع ذلك، تظل نقاط خلاف بين غيتو الرحم وغيتو الوليد ترمي بظلالها غير الضعيفة في لاوعي الطرفين:
¯ بعكس اليهودية، أخذ الإسلام الطابع التبشيري والذي كان بحاجة ماسة له آنذاك
(-والآن؟! -) من أجل تضخيم مضطرد لبنيان القوة فيه. وهكذا، كان لابدّ له أن يمتد إلى شعوب وإثنيات ولغات مبتاينة - لكن الإسلام، بعكس المسيحية هنا، بدل أن يكسر جدران الغيتو الأصلي لإنشاء حضارة عالمية ذات حقيقة إسلامية، أجبر الحضارات على حمل هويته الخاصة وأدخلها بالتالي في «غيتووه» طارحاً أمامها خيارات ثلاثة: إمّا أن تتمثّل قيم الغيتو وعالمه؛ أو أن تعيش داخل جدران ذلك الغيتو معزولة ومقهورة وقابعة في غيتوهات أصغر تضيق باستمرار؛ أو أن تقاتل حتى الفناء. - باختصار: عوض أن يكسر الإسلام جدران الغيتو كي ينطلق حراً، خالياً من أثر الرحم الأصلية، وسّع جدران الغيتو حتى طوّقت العالم كله تقريباً. «لكنه ظلّ غيتو يهودي الرائحة والطعم والنكهة».
مقابل العبرية، فُرضت العربية على كل من أسلم أو تأسلم لأنها لغة الإله والملائكة والعبادات (ملائكة اليهود لا تفهم غير العبرية وبالتالي لا تستطيع أن تنقل إلى يهوه أية صلاة بغير تلك اللغة؛ وملائكة الإسلام لا تفهم إلا العربية).
مقابل يهوه، الإله الواحد الأحد الذي لا يسمح لغيره - ولا يسمح أتباعه لأتباع غيره - بالوجود؛ كان الله الواحد الصمد غيوراً واستبدادياً في مملكته (أوّل ما فعله محمد حين دخل مكّة كان إزالة الآلهة الأخرى المنافسة من الوجود - وإزالة أتباعها أيضاً من خارطة عالمه: إما بقتلهم أو بإجبارهم على الهروب أو بتركهم يعتنقون ديانة إلهه حتى لو كانوا ضمنياً غير مقتنعين بذلك وحتى لو كان هو ذاته يعرف أنهم منافقون - من دخل دار أبي سفيان فهو آمن!).
¬ لأن الإسلام خرج أساساً من رحم يهودي، فهو لم يستطع بالتالي أن يُنكر الشكل اليهودي للإله - والنصراني أيضاً. وهكذا كان الله أقل استبدادية من يهوه حيث سمح لليهود والنصارى بالتواجد - كمواطنين بلا درجة - في ظل «ذمّته»: دون أن يخلو الأمر، من حين لآخر، من غزوة هنا وإغراء هناك لأتباع هاتين الديانتين كي يهجروا معتقداتهم ويدخلوا في دين الله.
¬ لقد ساعد انتشار الإسلام إلى حضارات وثقافات متباينة في إضعاف تماسكه والإقلال من قساوة قشرته - بعكس اليهودية. وهذا ما أدّى بدوره إلى بروز حركات ثقافية وفكرية بلبوس إسلامي منذ بدايات الإسلام الأولى - وحتى الآن.
ما هو الإسلام؟
هل اتفق المسلمون يوماً على كل تفاصيل التراث الإسلامي بكل تناقضاته؟
هل توجد بين أيدينا مواد وثائقية يمكن أن تساعدنا في تكوين صورة مقبولة عن بدايات الإسلام التأسيسية؟
هل كان القرآن، مرجع المسلمين الأساسي، موجوداً زمن النبي، بحاله التي نعرفها الآن؟ وماذا نقول عن تلك الأحاديث في «الصحاح» والتي تتحدث عن شيء من عدم الأمانة في تناقلية النص المقدّس؟ وماذا أيضاً بشأن الحجّاج، الشخصية الأسوأ سمعة في تاريخ الإسلام، والذي يحكى عن دوره في إحدى عمليات تدوين النص القرآني - وكذلك عن بعض تلاعب له في النص، والأمر ليس بمستبعد بالنسبة لشخص على شاكلته؟
وإذا كان هنالك من يقول إن لديه مواداً تاريخية تثبت وجود مواد مكتوبة من هذا النص أو ذاك ترجع إلى البدايات الأولى، فما هو دليله على أن مواده التاريخية موثقة وقابلة لأن تعتمد؟
مثال بسيط:
لقد عرف عثمان بن عفان في التاريخ الإسلامي بلقب «ذي النورين» - على أساس أنه تزوّج اثنتين من بنات النبي: رقية وأم كلثوم. لكن بين أيدينا الآن دراستان تسحبان بقوة هذا المجد المتداول شعبياً من تحت قدمي عثمان، وترميان بالتالي بظلال قوية من الشك حول السيرة النبوية ككل: الأولى كتيّب لمؤلف إمامي يحمل عنوان بنات النبي أم ربائبه، والثانية دراسة لكاتب أعتقد أنه إمامي منشورة في إحدى الدوريات المصرية الإثارية الواسعة الانتشار، وتحمل عنوات بنات الرسول: من هن؟(5).
إن كل مافي الإسلام الأولي من تراث مكتوب ظلّ لفترة طويلة بحالة شفوية: ولا نعتقد أن شيئاً دون قبل الحقبة الأموية. والأمويون الذين لم يكونوا مسلمين عموماً، بل حكام باسم الإسلام، لا يوجد ما يمنعهم عن استخدام وسيلة الحكم هذه لغاياتهم الخاصة، حتى لو تناقض ذلك مع جوهر الإسلام المحمدي ذاته. فهل هذا الإسلام الذي يتداول حالياً في الأسواق والمكتبات والمساجد والتكايا، وعلى جبهات القتال في السودان والصومال وأفغانستان ومصر والجزائر.. هو ذاته تحديداً إسلام محمد؟ ببساطة: لا نعتقد ذلك.
منطقياً، فإن عليّ بن أبي طالب كان الإنسان الأقرب إلى شخص المؤسس؛ لذلك لا بد أن يكون الشكل العَلَوي - رغم مبالغات الشيعة وأساطيرهم التي أساءت كثيراً لهذا الشكل - للإسلام المحمدي هو النسخة الأقرب للأصل. لكن هذه النسخة أبعد ما تكون - أخلاقياً، فكرياً، وإلى حد ما دينياً - عن النسخة الأموية للشكل العمري للإسلام المحمدي: وهي النسخة المتداولة بشدة هذه الأيام.
المذاهب:
المذاهب في الإسلام، والتي يمكن تلمس أشكالها الجنينية حتى في الأيام الأولى، مسألة ليست غير مثيرة للتساؤل. فإذا كانت المسيحية قد انقسمت منذ البداية إلى أقلية انقرضت (النصارى) وأغلبية سادت العالم يوماً (المسيحية) بسبب ظهور بولس وسحبه إياها من الغيتو الحاخامي الضيق نحو عالم الأممين الواسع، فإنه لم يكن في الإسلام سحب كهذا. مع ذلك، فالفوارق الأيديولوجية العقائدية بين المذاهب - التيارات الإسلامية، لا تقلّ حدّة عن التناقض النصراني المسيحي. هذا يعني وجود أكثر من منظور للإسلام، كما أشرنا، منذ البداية الأولى. ولقد لعب الزمان، كالعادة، لعبته في بلورة تلك التناقضات عبر تيارات تحصّنت شيئاً فشيئاً خلف عباءة المذهب التي يصعب اختراق خيوطها الماورائية. ولا بأس هنا من الإدلاء ببعض الآراء، كمراقبين خارجيين، بتلك المذاهب وبمنظوماتها المعرفية والفكرية، وهو ما قد يفيد مساعدة القارئ الحيادي في التحضّر لدخول عالم «الهاجريون» الصعب، بأفكار غير ميثولوجية ولا عصبية:
I - المذهب السنّي:
وهو المذهب الأكثر انتشاراً والأوهى أسساً بين كلّ مذاهب الإسلام، خاصة وأنه يتبنى الأشعرية اللاعقلانية اللاسببية كعقيدة، ويغلق بالتالي عملياً ونظرياً، باب الاجتهاد - بمعنى أنه يرمي بالعقل في أقرب سلّة قمامة. هذا النوع من الإسلام هو الأسهل انتشاراً لأنه تحديداً الأقل تطلباً للتفكير ولإعمال العقل - وهكذا فنحن نجد أنّ قواعده الأرسخ هي بين الطبقات غير المثقفة أو تلك التي تلقت تعليماً مهنياً يعتمد التلقي أساساً ولا يحتاج إلى أدنى تفعيل لمقولات الفهم المثقفة (كالأطباء والمهندسين والصيادلة ومن على شاكلتهم).
وكما أشرنا، فالإسلام السنّي المتداول حالياً هو النسخة الأموية للشكل العمري للإسلام المحمدي - وقد حررها العباسيون، بعد دمغها بالختم الأشعري اللاعقلاني.
التيار الإسلامي السنّي - وهذا أمر يتضح بالكامل لكل من عايش التجربتين: الإسلامية السنية واليهودية الحاخامية - ممهور بالروح التلمودية. وأهم مراجعه تغصّ حتى الاختناق بالتراثيات الحاخامية. ورغم كل العدائية التي يظهرها شيوخ السنّة لليهود، إلا أنك تشعر بالمعاشرة وكأن حاخاماً صغيراً يسكن داخل كل شيخ، يبرمجه بأسلوب حاسوبي، ويتحكّم في تصرفاته منذ ولادته وحتى مماته.وحده عنصر الزمن، هذا العنصر السيء السمعة، هو الذي يجعل الشيخ يشعر أنه نقيص الحاخام مع أنه النتيجة الطبيعية له.
وفي اعتقادنا، فالمشكلة تتجلّى في دخول اليهود بكثرة في الإسلام زمن عمر بن الخطاب - عمر هذا شخصية نقية، لكنها، ككل بدوي، ساذجة ومعادية للثقافة والمعرفة، وبالتالي الحضارة. لقد اخترق اليهود رأس الدولة - الخليفة ذاته. فأوصلوه إلى أن يعيد تنظيف الهيكل ويلغي الحظر الذي فرضه هادريانس على سكنهم القدس، فاستحق بذلك أن يسمّيه هؤلاء اليهود أنفسه، في مدراش يرجع على الأرجح إلى الحقبة الأموية، صديق (أو حبيب) إسرائيل؛ بل بالغ بعضهم فاعتبره إيلياهو النبي، الشخصية اليهودية المقدسة التي يسبق ظهورها ظهور المشيح (المسيح اليهودي المنتظر)؛ وأطلق عليه بعضهم الآخر لقب مخلّص - فاروق.
لقد عاش التيار السني حالة سكونية معرفية متحجرة اعتمدت على تناغم مدروس بين المشايخ والخلفاء: تناغم يضمن فيه المشايخ للخلفاء أعلى حالات السكونية الاجتماعية - العقلية- المعرفية، وبالتالي - الاستقرار السياسي. مع ذلك، فهذا التناغم عرف في العصر الحديث - وهو ما يهمنا هنا - هزتين عنيفتين: الأولى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ظهور المفكرين المتأثرين بالغرب والذين نادوا بنوع من التحديث في الإسلام: لكن هذه الهزة انتهت (أو أنهيت) مع زوال الحقبة الليبرالية القصيرة وبداية ما سمّي بالإشتراكية القومية (وهي طبعاً ليست اشتراكية ولا قومية بل أصولية إسلامية محدثة)؛والثانية بدأت في نهاية السبعينات من هذا القرن (العشرين) مع انحسار المد القومي الإشتراكي (انحسار طبيعي لأنه كان مدّاً شاعرياً وليس عقائدياً فكرياً) وظهور بعض المفكرين النقديين، خاصة في مصر وإلى حد ما في لبنان وسوريا. وما ردات الفعل المريعة التي تواجه بها الهزة الأخيرة من المدافعين عن متحف السكونية المعرفية (أو أصحابه) إلا الدليل الدامغ على عمق تأثير الهزّة واتساع نطاقها.
وفي اعتقادنا، فإنّ التيارات العقلانية ضمن التيار السني تحديداً هي التي ستوصل في نهاية الأمر إلى خلق إسلام جديد - خاصة في مصر - والذي قد يكون نقياً من الحاخامية الفكرية. فالمثقفون من أصول سنية لا يعيشون إطلاقاً هواجس التشكيك بإسلاميتهم حين يقدّمون إطروحات جريئة بل حتى جذرية، خاصة وأن هؤلاء لا يمتلكون أحاسيس التكفيرية أو أن إسلاميتهم نفاقية - كتلك التي تعشعش في لاوعي أتباع المذاهب الأخرى من غير السنّة، والتي هي النتاج الطبيعي لصيرورة تكفير متواصلة منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً: هذا من ناحية. - ومن ناحية أخرى، فالمذهب السنّي، والذي يشبه في تناقضيته وهشاشيته اليهودية الأرثوذكسية، هو أسهل المذاهب كسراً: وبالتالي فهو الأكثر مساعدة لأفراده المثقفين على هجرانه إلى الأبد!
2 - المذهب الإمامي
التيار الشيعي الإمامي الإثنا عشري، وفق ما عرفناه وعايشناه، هو الأخطر على العقل وحق التفكير بين كل مذاهب الإسلام - باسم العقل وحق التفكير بالذات: بل قد يكون أخطر حتى من تلك الحركات السنية المتطرفة التي تحارب في غير مكان لإعلان حق وجودها - ففي حين أن التيار الإمامي مؤهل بإمكانياته الخاصة لأن يبقى وينتشر ويقتحم حتى معاقل السنّة، فإن تلك الحركات البائسة ستنتهي بالانقراض حتماً - كما في مصر أو الجزائر أو أفغانستان - لأنها لا تمتلك مقومات الوجود الفعلية: إنها ردّات فعل على الزمن الذي نسيها وعلى الحضارة الحديثة التي اتهمتها بالمتحفية - وردة الفعل تنتهي بانتهاء الفعل.
المذهب الإمامي قادر على البقاء والانتشار: فبسبب تاريخه المليء بالصراع لأجل البقاء، تعلّم كيف يغيّر جلده «التَقَوي» باستمرار دون أن يغيّر دواخله بأية حال.
وبسبب مهاراتهم الذاتية الخاصة، فالإماميون هم أقدر المسلمين على تزييف الحقائق - وإضفاء لمعان يعمي الأبصار على مذهبهم. فباسم العقل - تلك الكلمة المغرقة في جاذبيتها لكلّ من يهوىالتفكير - الذي يعتبره الإماميون أحد مصادر عقيدتهم، يصادر الإماميون العقل: إنهم يصادرون العقل لصالح وَهْم عقل - عقل مزيّف لأنه محدد بالمقولات الإمامية. ففي حين يصفق لك الإماميون ويهلّلون حين تستخدم إحدى مقولات العقل في مناقشة التاريخ الإسلامي وتتفق معهم - وهم سادة الجدل التاريخي في الإسلام بسبب تاريخهم الصراعي الطويل مع السنّة - ضد التيار الإسلامي السنّي، فإنهم على استعداد لتكفيرك أو قتلك - وقد قتل الإماميون كثيراً من المفكّرين في لبنان وخارج لبنان، مثلهم مثل أتباع ابن تيمية عدوهم اللدود - حين تستخدم مقولات عقل أخرى في انتقاد جانب آخر يطال الإماميون الآن(6).
وفي حين يشكو الإماميون دائماً - الشكوى والبكاء واللطم والنواح معالم إمامية أساسية تساعد كثيراً في نطاق اللاوعي على خلق نوع من التلاحم بين طبقات العوام الإماميين - من التكفير الذي لاحقهم باستمرار، فهم لم يتوقفوا قط عن تكفير غيرهم، إن بأسلوب تَقَوي حين لا يكونون قوة حاكمة، أو بأسلوب علني فاضح - مع قيام أوّل دولة إمامية في التاريخ الحديث.
يتحدّث الإماميون، بطريقتهم الجذابة لأنصاف المثقفين من المسلمين، عن فتح باب الاجتهاد - بمعنى حرّية العقل (- أو هكذا تتصوّر -) في الدخول إلى الدين من أوسع أبوابه. لكن هذا الطرح التَقَوي سرعان ما ينكشف حين تدخل إلى قلب الإمامية: فباب الاجتهاد الإمامي ليس سوى كوة صغيرة في أعلى الحائط لا يمكن حتى لضوء الشمس أن يمرّ عبرها. والحقيقة تقول إن النصوص المقدّسة وشبه المقدسة تغطي كافة جوانب الحياة تقريباً - وهذه لا اجتهاد فيها. يبقى الاحتهاد ممكناً في تلك المساحات العبثية، كغسل الميت المسلم في منطقة انعدام الوزن في الفضاء؛ أو كصحة عقد نكاح امرأة استبدل رأسها برأس امرأة أخرى؛ أو كمضاجعة المرأة ذات البظر الطويل لزوجها المأبون: اجتهادات واردة فعلاً في النصوص الشرعية لأحد ممثلي مسرح اللامعقول الإمامي من العراقيين المقيمين في دمشق.
العقل المشروط، أو: العقلانية الناقصة - هو سرّ قوة الإمامية، خاصة بين أوساط العامة أو أنصاف المثقفين. لذلك يخشاها السنّة - ونحن معهم - لأن نصف الحقيقة أسوأ كثيراً من الكذب.
3 - المذهب الإسماعيلي
مشكلة هذا المذهب الشيعي الأصل نخبويته: فبعكس السنّة، الإسماعيلية تيار يبدو أنه من الصعب أن يتجذّر بين طبقات العامّة - لأنه فوق تفكيرها. لذلك انقرض الإسماعيليون بسرعة في مصر، البلد الذي أنهكه ثقافياً دخول عمر بن العاص وهروب النخبة الثقافية اليونانية، بعد وصول التيار الشافعي السنّي الذي قاده صلاح الدين الأيوبي. الإسماعيليون، الذين استوردتهم مصر من بلد الأعراف الثقافية الراسخة - سوريا - عبر تونس، والذين قدّموا لمصر حضارتها الثقافية الوحيدة حتى الآن (الناصرية كانت تياراً شعرياً عاطفياً هجيناً وليس حركة ثقافية راسخة بدليل زوالها آلياً بعد زوال المؤسس) بعد رحيل مدرسة الاسكندرية، لم يستطيعوا أن يتجذّروا بين طبقات مصر الشعبية: بسبب التركيبة الفكرية الخاصة بالفرد المصري والتي سيشير إليها الهاجريون بالتفصيل من جهة، ولأن الاسماعيلية، كفكر نخبوي عظيم، لم تسعَ كما يبدو إلى فرض مقولاتها على العوام.
ملاحظة:
لابد أن نذكر هنا أن الإسماعيلية، اليونانية القلب الإسلامية القشرة العربية اللسان، لم تضطهد المسلمين من غير الإسماعيليين عموماً ولم تقسرهم على اتباع مذهبها! ونحن هنا لا نستطيع اعتماد التشويهات المقصودة التي لطخ بها مؤرخو السنة الخلفاء الفاطميين لأن الوقائع تتحدث بشكل معاكس. فقد كان باستطاعتنا أن نجد كل المذاهب الإسلامية ناشطة في ظل الحكم الفاطمي لمصر. بالمقابل، فقد انقرضت الإسماعيلية تماماً في ظل الأيوبيين الشوافعة، الذين دمّروا حضارة مصر الثقافية، حين دمّروا التراث الفكري الإسماعيلي - وحولوا أغلفة كتب بيت الحكمة إلى أحذية لجواري الأكراد وجنودهم.
مع ذلك فالإسماعيلية لم تنته في وطنها الأم، سوريا: ربما لأن هذا الوطن، بسبب بنيانه الأنطولوجي - الأيديولوجي، قادر على امتصاص الفكر النخبوي وسرمدته مهما استفحلت مذاهب العوام.
... ورغم الانقراض المريع حضارياً، فقد استفادت الإسماعيلية من تجربة الحكم الفاطمي في مصر - إفادة لم تعرفها غيرها من الطوائف التي أينعت على هامش الإسلام السني: فمع الشعور الغامر بالحريّة والانفلات من قيود سلاسل الاضطهاد والتكفير السنية - التكفير هو السلاح الأقوى الذي يحتفظ به شيوخ السنّة لحماية عوامّهم من التيارات الإسلامية المتماسكة بنيوياً والقوية عقائدياً - لم يعد الإسماعيليون يخشون نشر أفكارهم ومعتقداتهم وتداولها أمام العامّة والخاصّة. ورغم الدمار الهائل الذي ألحقه الأيوبيون بالتراث الإسماعيلي العظيم، فالقليل الذي بقي يشير دون لبس إلى أن الإسماعيلية كانت صوت العقل الفعلي - وليس عقل الزيف - في عالم قتْل العقل ومصادرته.
الإسماعيليون، كما عرفناهم الآن، هم علمانيو الإسلام. ورغم ضآلتهم العددية - غير موجودين بفعالية خارج سوريا واليمن - فهم مؤهلون بالكامل، خاصة في سوريا، إذا سنحت الظروف، لتقديم نسخة عن الإسلام هي الأكثر قدرة على الدوامية - والأكثر انفتاحاً على مقولات العقل.
4 - المذهب العلوي
للأسف الشديد، فالمذهب العلوي لم يعرف قط تجربة الحكم التي عرفها الإسماعيليون في مصر الفاطمية - وخارجها. وهكذا، فهو لم يستطع قط أن يخرج من قوقعة الخوف التي أحاط بها نفسه في مواجهة سيف التكفير السنّي ذي السمعة الرديئة. ونحن لم نستطع التعرّف بالتالي على كل مكنوناته الحضارية - ولم نخرج إذاً من دوامة الحدس والتخمينات!
بعكس كل الطوائف تقريباً التي عاشت على هامش التيار السنّي، لم يحظ العلوين بلحظة راحة قط، وظلّوا بالتالي مطوقين في حصونهم الجبلية بسياج الإضطهاد السني الذي لم يترك يوماً الفرصة تفوته لقتل هؤلاء والتنكيل بهم، حتى كادت خرافية غيبتهم الكبرى عن الحضارة أن تقضي علىالجواهر الثقافية التي كانت أساس هذا المذهب.
العلويون - أو النصيريون كما كانوا يسمّون (نلاحظ هنا، أن بويريا، عاصمة النصارى، كانت موجودة في جبال العلويين، ولا بأس بنوع من التفكير حول العلاقة بين نصيري ونصراني) - برأينا، هم ورثة التراكمية الحضارية السورية: يمكن أن ندّعي بشعور من المبالغة، أن العلوية هي الديانة القومية لسوريا - كيف؟
إذا كانت الإسماعيلية - الهلينية- المتأسلمة أعمق ثقافياً من العلوية، فالعلوية أعمق أصالة من الإسماعيلية: الزواج اليوناني -الإسلامي في الإسماعيلية جعل الأقوى (- الهلينية -) يستوعب الأضعف :الإسلام. لذلك كان الإسماعيليون نخبويين. لكن العنصر الهليني في العلوية، حتى وإن بدا ملحوظاً عند أول محاولة تنقيب جدية، لم يستطع أن يطغى لأنه مواجه هنا بعناصر ثقافية قوية، مشكّلة من تراكمية صلدة للطبقات الحضارية السورية.
وإذا كانت السنّية ديانة البدو المتحوخمين الصحراوية - بكل جفاء الصحراء وعقم الحاخامية الفكري، فالعلوية ديانة الحَضَر الزراعية: يكفي كدليل على ذلك هذا الكم الكبير من الطقوس الزراعية، غير البدوية، في المذهب العلوي. وإذا سمحت الظروف الموضوعية وكشفت لناالعلوية عن كنوزها - وهذا واجب حضاري: فالحضارة يجب أن لا تبقى حكراً على قلّة نادرة - فسوف نتأكد ربما أن هذا التيار خزّان يخبئ بين طياته طبقات الحضارة السورية المتراكمة، والذي لم تنجح القشرة الإسلامية في إفساد محتواه.
لكن مشكلة العلويين هي السنّة!
العلويون، برأينا، لم يتخلّصوا قط من هاجس التكفير السنّي - وهذا يجعلهم يؤكدون باستمرار على إسلاميتهم (شبه السنّية) وينافسون أكثر أهل السنة تزمتاً في تزمتهم الديني، حتى وإن كانت القضية مصطنعة برمّتها.
يعرف العلويون في قرارة أنفسهم أن المسطرة السنّية غير صالحة لقياس الحق والباطل: مع ذلك فهم لا يملكون الثقة الكافية كي يقيسوا أنفسهم علناً بمساطرهم الخاصة الأكثر حضارية.
العلويون، للأسف، يبحثون الآن عن حقيقة وهوية على أحد رفوف السوبرماركت الإمامي في السوق الإسلامية العجفاء - لكنهم لا يعرفون أن هذه السوق، بكل بضاعتها، ليست أكثر من رف صغير في متحفهم الحضاري الغني.
4 - المذهب الدرزي
حين شاخ المذهب الإسماعيلي - الفاطمي، حين تعبت حضارته، حين وصل العقل السبعي إلى قمة نضجه، أينعت «دار الحكمة» المذهب - التيار الفكري الدرزي. ولمّا كانت مصر - وربما ما زالت!- غير مؤهلة لحركات أيديولوجية من هذا النوع، انتقل مؤسسو الحركة الدرزية إلى أرض الأفكار الخصبة - بلاد الشام.
إن من يدرس التراث الدرزي، كرسائل الحكمة على سبيل المثال، يكتشف بسهولة عمق هذا التراث وكثرة الروافد الفكرية فيه(7). إن «رسائل الحكمة»، دون مبالغة، هي دائرة معارف حوت أشياء كثيرة من علوم عصرها وثقافته، بدءاً بالفلسفة اليونانية وانتهاء بالإسلام الأرثوذكسي، مروراً بمقولات من الفرس والهنود وغيرهم.
لكن الحقيقة هي أن الدروز، بسبب مواقف الآخرين السلبية - السنّة تحديداً - منهم أوّلاً، وتركيبتهم العقلية الغيتوهية المشوهة ثانياً، أغلقوا أنفسهم على ما ورثوه من تراث حتى تجاوزهم الزمان ولفظهم في تجمعات إنعزالية ذات رائحة متحفية عموماً. وكما يفسد كل شيء طبيعي إذا حُجب عن الهواء وأشعة الشمس، فقد فسد الدروز عموماً: فقدوا حقيقتهم فراحوا يبحثون عنها في الهند، وفقدوا هويتهم فراحوا يبحثون عنها في جيش الدفاع الإسرائيلي.
الدروز، بعكس العلويين المنغرسين في أعماق الهوية السورية، يمتلكون موسوعات شبه غريبة عفا عليها الزمان وغيتوهات شبه مغلقة تفوح منها رائحة الفساد وحقائق شبه مائعة ينقصها الإحساس بالهوية. لذلك، فهم «أقل» من يؤمل منهم أن يشاركوا يوماً في نهضة حضارية إسلامية.
العدائية للإسلام:
هل حقاً أن هنالك مؤامرة عالمية تحاك خيوطها هنا وهناك ضد الإسلام والمسلمين؟!
هل حقاً أن الغرب الإمبريالي الإستعماري الرجعي - إلى آخر قائمة المصطلحات الشيوعية التحنيطية - يريد إسقاط الإسلام بعد أن أسقط الشيوعية؟!
فرق أساسي: الشيوعية ديانة أرضية؛ والإسلام يعزو علته الأولى إلى كائن غير أرضي هو الله.
قد يكون هنالك بالفعل وجود لمؤامرة من هذا النوع. لكن إذا كان الأمر كذلك، فالمتآمرون الحقيقيون هم الإسلاميون أنفسهم، خاصة أولئك الذي يحاربون أي ميل لتحديث الفكر الإسلامي تحت رايات متباينة، يبدو بعضها الآن مهترئاً بالكامل.
بالمقابل، ثمة أصوات أخرى تعلو باضطراد بين المسلمين تعتبر أن ما يتداول حالياً من تجارب إسلامية حالية لا يعبّر إطلاقاً عن «جوهر الإسلام الحقيقي» الذي يمكن أن نجده في القرآن وفي الحديث النبوي المثبت. وهنا لابد من تقديم بعض الملاحظات:
1 - نحن لا نعيش في بطون الكتب بل في قلب مجتمع بشري متحرك تحكمه هذه القوى السكونية. ونحن لا نستطيع أن نقول مثلاً لحزب توده الشيوعي الإيراني، الذي شارك في تصفية نظام الشاه ثم تعرّض هو ذاته لتصفية أعنف على أيدي الخمينية: «إن الخمينية لا تعبّر عن جوهر الإسلام الإمامي». والشخص البشري، أياً كان، أهم بما لا يقارن من أية فكرة موضوعية، أياً كانت.
2 - يقال باستمرار الآن، في محاولة لخلق أوهام تبريرات، «يوجد مسلمون ولا يوجد إسلام». لكن أهمية الفكرة هي في إمكانية تجسيدها عملياً على أرض الواقع: وليس في بقائها محلّقة في أجواء المخيلة. والفكرة الرائعة إلى درجة عدم قابليتها للتطبيق هي فكرة ميتة أساساً: ولنا في الماركسية خير مثال.
3 - إن هؤلاء الذي يقتلون في أفغانستان والجزائر ومصر والسودان باسم الإسلام، لديهم أيضاً ترساناتهم اللاهوتية التي يبررون بها كل جريمة ترتكب - ولا عجب إذا وجدناهم يعتبرون أن الطرف الآخر هو البعيد عن «جوهر الإسلام الحقيقي». فالتراث الإسلامي هو أشبه ما يكون بمصباح علاء الدين الذي يستطيع أن يلبي احتياجات الجميع مهما تباينت.
إذاً، يجب أن نناقش الإسلام على أساس واقعه المعاش وليس نصوصه الموضوعة فوق الرفوف، والتي كثيراً ما تتضارب وتتناقض. وهكذا نشكّل موقفاً من الإسلام، إيجاباً أو سلباً، وفق مواقف الإسلام الفعلية من مسألة الإنسان وحقوقه الأساسية - وليس ما يدعى بحقوق الإنسان الإسلامية التي هي مصادرة للحقوق باسم وهم الحقوق الإسلامي - والتي تشكّل العنصر المكوّن للحضارة الحديثة.
¯ حقوق الإنسان الغيبية:
الدين، أولاً وأخيراً، مسألة اجتماعية - بيئوية - وراثية. « الصدفة -التربية» هي التي تجعل من موضوع جوهري هنا، كألوهية المسيح، مرفوضاً بالكامل هنالك؛ ومن حدث يعتبر تاريخياً فعلياً هنا، إسراء محمد ومعراجه، فانتازيا تخيلية «على الأقل» هناك. الدين، لأنه يحتل عقل الإنسان في وقت مبكر جداً - خاصة في الأقطار الإسلامية - وينغمس بالتالي في أعماق ذاته في وقت مبكر جداً، يرمي بشبكته حول عقل هذا الإنسان فيمنعه عن الرؤيا - والتفكير: ويمنعه بالتالي عن إدراك حقيقة أن « الصدفة - التربية» هي جرثومة الدين الأولى. باختصار: بدل أن يكون الإنسان مالكاً للفكرة، تصبح الفكرة مالكة للإنسان.
كل دين في هذا العالم يعتبر أنه «الحقيقة المطلقة» - وإلا لاستقال من الخدمة فأراح واستراح: ولمّا كان أتباع كلّ دين يعتبرون أنّ دينهم الخاص هو الحقيقة المطلقة، ولما كان بازار «الإديان - الحقائق المطلقة» بلا بداية ولا نهاية، ولما كان جوهر كل تلك الأديان « - الحقائق المطلقة» حبّة خردل ميتافيزيكية غير ملموسة ولا مثبتة مادياً وغير قابلة بالتالي لأن تفرض «كحقيقة مطلقة» - فالحل الأوحد، في اعتقادنا، لهذه المعضلة المتشابكة هو الاعتراف لكل دين بحقّه في التواجد والدعوة التبشيرية بما لا يضير الأديان الأخرى ولا يشوهها. - فأين الإسلام من كلّ هذا؟
ما من داعٍ لفتح دفاتر الماضي الوسخ - لأنه ماضٍ - خاصة وأن الجميع تقريباً صادروا الإنسان تحت رايات القداسة، بدءاً بمحاكم التفتيش وانتهاء بأحكام أهل الذمة - لمن يحرّف مسألة أهل الذمة عن حقيقتها، ويحاول إعطاءها طابعاً إيجابياً وهمياً عن طريق تلاعب استغبائي بالألفاظ: ننصحه هنا بقراءة أحكام أهل الذمة لابن قدامة المقدسي! لكن ما كان يُقْبل في الماضي لا يمكن أن نقبل به الآن: حتى وإن جاءنا محفوظاً في معلّبات «الحقيقة المطلقة» الفاسدة تلك. لكن الإسلام لم يتغيّر!
لقد استسلمت الكنيسة تحت وطأة مطرقة العقل - والعلمانية. واليهودية الأرثوذكسية - رغم وهم الصحوة، صحوة الموت، الذي يسوقه ابن عوباديا يوسف بأسلوب بوطوي يدعو إلى الشفقة والغيظ في آن - تسير في درب الإنقراض القصير: تجرّها فيه عربة العلمانية الصهيونية، بشقيها اليميني واليساري، الخارقة لجدار الصوت بسرعتها. ورغم محاولات المفداليين وضع حواجز تلفيقية في وجه تلك العربة، إلا أن ريح الزمن تلعب، لحسن الحظ، ضدهم. والحقائق التاريخية لليهودية الدينية صارت محط نقد حتى في الدوائر اليهودية ذاتها.
وحده الإسلام الذي لم يُسْمح للحداثة أو العلمانية بالاقتراب منه أو تصويره، ما يزال يعتبر نفسه «الحقيقة المطلقة» - والتي لا تسمح بالتالي لأية حقيقة أخرى، باعتبارها مزيفة، بأن تنافسها على أرضها. بل يزداد الأمر سوءاً بتقدّم الزمن لشعور الإسلاميين بزيف الكثير من حقائقهم وبالتالي خوفهم من اقتراب أية حقائق أخرى يمكن أن تحطّم الصدفة وتكشف العفن الداخلي.
أنتَ تمتلك فكراً مغايراً: حكمك الإسلامي: إما أن تعيش خانعاً بأسلوب أهل الذمّة، أو أن تهرب، أو أن تقتل!
أنا، كمسلم، كصاحب «للحقيقة المطلقة»، لي كل الحق، أيها المغاير، أن أشتمك وأهينك وأخوّنك وأكفرك - عند أية مبادرة تهديدية لحقائقي المطلقة.
أنتَ، أيها المغاير، لا تمتلك أدنى حق في سؤالي، تاريخياً، عن حرب الجمل وصفين والنهروان، عن حادثة السقيفة وموقعة الحرة، عن تهديم الكعبة وسرقة الحجر الأسود - حتى لا ترمي بحجر شك على حقائقي المطلقة الزجاجية.
أنتَ، أيها المغاير، لا تمتلك أدنى حق في سؤالي أو حتى سؤال نفسك، عقائدياً، عن الحقيقة التاريخية لآدم وحوائه اللذين هبطا (كذا) - بلا كيف ولا كم - علىالأرض، في تاريخ نسيا تسجيله، ومكان نسيا ذكره، رغم أنهما تذكرا تفاصيل أخرى تبدو مملة.
¯ حقوق الإنسان الجنسية:
«في حين ترسل الولايات المتحدة مركبة فضائية إلى المريخ وتكتشف «جينة الشيخوخة» في الإنسان، ينقسم مشايخ مصر وشعبها، بطريقة لا تثير غير مشاعر القرف، في مسألة حقوق المرأة الجنسية البديهية، عبر انقسامهم في ختان النساء: هل سنشهد حرب بظر جديدة، بعد حرب الجمل القديمة؟».
يندر أن تجد ديانة في هذا العالم - باستثناء اليهودية التلمودية الحاخامية - تصادر الحرّية الجسدية وتقمع الجنسانية الأنثوية، كالإسلام: خاصة بعدما تخلّص الكاثوليك عملياً من عقدهم الجنسية الإخصائية المزمنة. ففي هذا الزمن القاسي، حيث الصعوبات الاقتصادية - «تكاثروا، فإني مفاخر بكم الأمم!» - تؤخر سنّ الزواج، يقف الإسلام بالمرصاد نظرياً لكلّ من تسوّل له نفسه حق ممارسة حياته «الطبيعية» خارج الإطار الذي وضعه الإسلام وفرضه على الجميع. والإطار الذي وضعه الإسلام، بالمناسبة، على اختلاف تسمياته - زواج، تسرّي، متعة الخ - هو في النهاية تشييء للمرأة لحساب جنسانية الرجل. وإلا فماذا نسمّي وضعية المرأة في التسرّي الذي زال عملياً من حياتنا الاجتماعية لكنه ما يزال يعشعش نظرياً في نظرة المسلم للمرأة؟
«والمرأة متاع، ضلع أعوج، شر كلّها، و... لعبة في زاوية البيت إن كانت لها حاجة وإلا: فلا؟!».
لو تناولنا هنا مشكلة المثلية الجنسية Homsexuality - الأكثر انفتاحاً على النقاش هذه الأيام، وأخذنا بعين الاعتبار أن نسبة المثليين الجنسيين أو أصحاب الميل الجنسي المزدوج bisexual في أي مجتمع بشري لا تقلّ عن 10%، وعرفنا أن مراكز العلم العالمية المحترمة تبدو منقسمة بشأن المسألة بين رأي «الجينية كعلّة» ورأي «التربية الاجتماعية - النفسية كعلة»، وأضفنا إلى كلّ ذلك الأزمات القاتلة أحياناً التي يعاني منها المثلي جنسياً: الرفض المزدوج لجنسانيته من مجتمع مليء بالمفاهيم الخاطئة الدينية جوهرياً حول الجنس ومن ذاته التي هي إفراز طبيعي لذلك المجتمع، لاكتشفنا أن الحلّ الإسلامي التقليدي (- القتل بأسلوب وحشي - ) لتلك المعضلة ليس أقل من كارثي. والحلّ صالح لكل زمان ومكان، لأن النص الذي يحمله صالح أيضاً لكل زمان ومكان.
كل جنسانية يعتقد أنّها منفعلة مصادرة:علمياً، لاتوجد جنسانية منفعلة-أنثوية كانت أم مثلية. (الغريب - وهذا جزء من التناقضية الإسلامية المدهشة - أن الإله الذي تدخّل بحسم في مسألة ثانوية جداً حضارياً وإن كانت مركزية بدوياً: إفك عائشة، وقف حائراً بنوع من اللامبالاة أمام جريمة إنسانية وحضارية ارتكبتها المرأة ذاتها، راح ضحيتها ألوف المسلمين وما نزال ندفع ثمن آثارها اللاحقة حتى الآن: حرب الجمل).
«المشكلة هي أن المسلم، حتى وإن عاش في أكثر دول العالم تحضّراً، فهو يحتفظ تحت جلده بذلك الموقف البدوي من مسألة الجنس: بكارة المرأة شرفها، وشرفها شرف القبيلة، وشرف القبيلة شرف الأمة....».ليس العقل هو أعز ما تملكه الفتاة الشرقية؟
والمشكلة الأكبر هي الرغبة بفرض تلك العقلية البدوية حتى في أعتى مراكز الحضارة: تحت رايات القداسة الوهمية ذاتها.
¯ حقوق الإنسان السياسية:
ماذا لو تأمّل واحدنا خارطة العالم وحاول تصنيف الدول وفق معيارين: الغالبية الدينية والديمقراطية السياسية - ماذا سيجد؟ باستثناء بعض دول إفريقيا وبقايا الركام الماركسي الذي سيسقط عاجلاً أم آجلاً ( «الطرفان على حد سواء يعانيان من أحد أشكال الإعاقة نحو التقدّم: إعاقة فكرية جينية جوهرياً عند الأول وإعاقة فكرية دوغماتية جوهرياً عند الثاني» - مع فارق غير بسيط هو أن السود عوّضوا عن تخلفهم الفكري بتقدمهم الجسدي المذهل، في حين لم تقدّم الماركسية سوى الإفساد المحمي بشعارات ذات قداسة أرضية كاذبة»)، سيلحظ بوضوح تام ذلك التناسب الكامل بين الانتشار الإسلامي والانحسار الديمقراطي - والعكس صحيح.فباستثناء لبنان الذي يسعون الآن إلى تكبيله بقيود «حريرية»، لا توجد دولة إسلامية تتبنى الديمقراطية السياسية - بالمعنى الفعلي للمصطلح.
من جهة، فالأقطار التي تدعي الديمقراطية هي أقطار تصادر الديمقراطية الفعلية تحت اسم ديمقراطية مزيفة:في مصر: يموت حزب الغالبية العظمى الوحيد بموت مؤسسه، وينشأ حزب غالبية عظمى غير وحيد هذه المرة (إحدى ضرورات الديمقراطية الكاذبة)؛في الجزائر: يتشكل حزب غالبية عظمى عبر مرسوم «عسكري» في أربع وعشرين ساعة أو ما شابه؛في تونس أو ما شابه: الديمقراطية موجهة والدكتاتورية أفضل بما لا يقارن من تلك الديمقراطية الموجهة - يكفي الدكتاتورية فخراً أنها رذيلة خالية من حمض النفاق.
«ربما أن تلك المجتمعات غير مؤهلة حتى الآن، لأسباب معرفية، لأن تكون ديمقراطية: وفي ذلك لا تختلف الأقليات غير الإسلامية، في بعض الأقطار - لقد كشفت حرب لبنان مثلاً، عن التخلّف الحضاري الهائل للمسيحيين، القابع خلف ستارة التحديث القشوري - عن الغالبيات المسلمة في هوس السيطرة والمصادرة».
كان يمكن لبعض تلك الأقطار، خاصة تلك المغرقة في عمقها الحضري، أن تصل إلى شكل «ديمقراطي - حضاري» لو أنها تُركت لتأخذ منحاها الطبيعي في التطور. فبعد خروج الانتدابات الأوروبية من تلك الأقطار (نحن، للعلم، نميّز تماماً بين الانتداب الفرنسي والاستعمار التركي)، بدأت ملامح حياة ديمقراطية بدئية تطل بوجهها على هذه الشعوب القابلة للتحضّر. لكن «حبيب الملايين» جاء-أو جيء به- بأمثولته القومية الاشتراكية القمعية لينهي التطور الطبيعي، وليغلق الأبواب والأنفس ثمان عشرة سنة أمام أي ارتقاء فكري حضاري حقيقي. ولأنه لم يسمح لغيره بأن يعلن وجوده، التجأ المجتمع، الذي فشل أن يعبّر عن نفسه فكرياً في مراكز معلنة والذي لم يقبل الانحطاط إلى سوية الفساد والانتهازية التي غرقت فيها المراكز الرسمية المعلنة الوحيدة، إلى مراكز أخرى غير معلنة سياسياً لكنها موجودة بحقها الخاص فكرياً: المساجد والكنائس. وهكذا، فما أن رحل حبيب الملايين، حتى كان المجتمع مقسوماً تحت سلطتين: سلطة حزب الدولة الفاسد الانتهازي الشكلية، وسلطة حزب رجال الدين، حزب الغالبية الساحقة «جداً»، القوي، الحاكم فعلياً.
ولأن حبيب الملايين كان ريفياً، فقد كان حزبه ريفياً أيضاً، بالمعنى السلبي للكلمة. وعوض عن أن يحضّر الريف، ريّف الحَضَر.ولأن حبيب الملايين كان ريفياً، ولأن الريفية تعني الغناء البسيط - وليس السمفوني - والشعر البسيط - وليس الفلسفة - والإيمان البسيط - وليس اللاهوت العقائدي - والعاطفة المجردة - وليس العقل العملي أو النظري: فقد انتهى حزبه معه: لأنه حزب حالة عاطفية وليس حزباً أيديولوجياً.
وأمثولة حبيب الملايين لم تكن غير قابلة للتطبيق.
من جهة أخرى، فالأشكال الإسلامية للحكم، بحقائقها الكبرى المعادية للصيرورة، لا يمكن أن تكون غير معيقة للديمقراطية. الديمقراطية، كما عبّر عن ذلك الكثير من الإسلاميين، كفر. والكفر، بديهياً، معادٍ للإسلام. وحتى لو طرح بعض الإسلاميين الديمقراطية كحلّ، فالأمر لا يتعدى جانبيبن تكتيكيين: من ناحية، الديمقراطية، بالنسبة لبعضهم، كحكاية سفن طارق بن زياد حين دخل إسبانياً: لا بد من إحراقها ساعة الوصول إلى الحكم، حتى لا يفكر أحد باستخدامها ثانية؛ ومن ناحية أخرى، فالديمقراطية، لبعضهم الآخر، هي ديمقراطية إسلامية - وهذه أحد اسوأ أشكال الديكتاتورية.
لكن الإسلاميين في الغرب يؤيدون الديمقراطية؟ الإجابة بسيطة. الإسلاميون، بكافة أنواعهم، يعيشون في الغرب تحت رايات الديمقراطية حريات لم يحلموا بها قط حتى في أوطانهم.
إذاً، الإسلاميون يرفضون، بنفاقية لا مثل لها، الديمقراطية في بلادهم لأنها تضرهم، ويقبلون بالديمقراطية في الغرب لأنها تفيدهم.
لكن: لماذا يكره الإسلاميون الديمقراطية؟ لأنها ببساطة تكشف عوراتهم؛ هم والأنظمة المتحالفة معهم. فالإسلاميون والأنظمة المتحالفة معهم، مهما اختلفت مسمياتها، وجهان لعملة واحد: رفض كافة أشكال الحريات. الإسلاميون، الذين يملأون الدنيا ضجيجاً هذه الأيام بصحوتهم - الضجيج أشهر أشكال التعبير عن الذات إسلامياً - لا يعرفون (ربما؟!) أن هذه الصحوة ليست أكثر من عارض لمرض حضاري مزمن اسمه غياب الحريّات وبالتالي الجهل. فلو تسلّل الفعل النقدي إلى مقولات الإسلاميين المحنّطة، لما اختلف مصيرها عن مصير مثيلاتها في الأديان الأخرى، ولا نتقل الإسلاميون من واجهة الأحداث إلى واجهات المتاحف. أما الأنظمة المتحالفة معهم والتي لا يهمها غير أن تبقى فيبدو أنها تفهم اللعبة جيداً، وتعرف أن الإسلاميين، حرّاس متاحف المفاهيم المحنّطة، هم أفضل من يحافظ على سكونية المجتمع في أدنى درجاتها، ويحفظ بالتالي للأنظمة أفضل الأجواء لحكم مستقر أبدي.
الإسلام الأرثوذكسي.. واليهودية
باستثناء قلة يهودية أرثوذكسية معزولة، يبدو الآن وكأن الإسلاميين هم المدافعون الوحيدون عن الأفكار والأعراف اليهودية الحاخامية، لأنها تسللت إليهم، بطريقة أو بأخرى، واستقرّت في دواخلهم. ولعب الزمن، كالعادة، لعبته الإخفائية إلى درجة أن مسلماً متطرفاً يشتم اليوم بالفم الملآن اليهودية الحاخامية دون أن يعرف أنه نتيجتها الطبيعية.
ليس من السهل الحديث عن يهودية الإسلام الأرثوذكسي الحاخامية، لأن المسلمين دأبوا على مر العصور على اتهام كل من ينتقدهم بأحد أشكال التهود. وشكّلوا بذلك في اللاوعي الجمعي للعامة نوعاً من الهاجسية التهودية لأية مقاربة نقدية إسلامية: فكيف حين تهدف تلك المقاربة إلى قلب الصورة رأساً على عقب؟
التراث الإسلامي في جانبه الروائي الميثولوجي، منقول على نحو شبه حرفي، عن مقابله الهاغادي اليهودي، بدءاً بحكاية عذاب القبر وانتهاء بقصص الخلق والطوفان وما شابه. والجانب التشريعي في الإسلام، لا يقلّ حرفية في نقله عن مقابله الهالاخي اليهودي من الجانب الروائي.
قد يُقال إن احتمالية النقل ليست وحيدة، وإن احتمالية أن يكون كلّ طرف وصل إلى مجموعة معارفه باستقلالية كاملة عن الطرف الآخر، أو أن يكون الطرفان استمدّا كل تلك المعارف من طرف ثالث - واردة تماماً.
بالنسبة للاحتمالية الأولى: يمكن لإثنين أن يتوصلا باستقلالية تامة إلى المعل�
ساحة النقاش