ملف حول مجزرة صبرا وشاتيلا... الجرح النازف - الذكرى ال28
مجزرة صبرا وشاتيلا... الجرح النازف
تمر الذكرى ال28على واحدة من أروع وأبشع الإبداعات في القتل والهمجية... على لوحة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها. رغم القهر... رغم المعاناة... رغم الألم مازالت صبرا وشاتيلا على قيد الحياة وها هي المجزرة رغم السنون مازالت شاهدة لم تستطع النسيان. مجزرة صبرا وشاتيلا... الجرح النازف ... جرح شعب مازال يجمع أشلاءه... جرح أرض مازالت تأن وتصرخ كما هي الحال في دير ياسين والحرم الإبراهيمي ... وصولاً إلى جنين وشفاعمرو.
تمر الذكرى ال28 على واحدة من أروع وأبشع الإبداعات في القتل والهمجية... على لوحة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها. رغم القهر... رغم المعاناة... رغم الألم مازالت صبرا وشاتيلا على قيد الحياة وها هي المجزرة رغم السنون مازالت شاهدة لم تستطع النسيان. مجزرة صبرا وشاتيلا... الجرح النازف ... جرح شعب مازال يجمع أشلاءه... جرح أرض مازالت تأن وتصرخ كما هي الحال في دير ياسين والحرم الإبراهيمي ... وصولاً إلى جنين وشفاعمرو.
وتبدء قصة المجزرة بعد ساعات قليلة من دخول جيش الإحتلال الإسرائيلي إلى مناطق بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية إبان الإجتياح الإسرائيلي للبنان برفقة الحليف الذي كان هذه المرة ليس كغيرها من المرات عربيا لبنانيا يتمثل بحزب الكتائب. وبعد إعلان الحليفان ضرورة تطهير المخيمات من الإرهابيين (الفدائيين) وفق خطة وضعت مسبقاُ. بدءت عملية
الإبادة يوم الخميس في 16 أيلول 1982 لتنتهي يوم السبت في 18 أيلول 1982.
والجدير بالذكر أن تسمية المجزرة بمجزرة مخيم صبرا وشاتيلا هو خاطئ ورغم أنها التسمية الوحيدة ولكنها لم تسمى هكذا عبثاُ. مخيم صبرا لم يوجد يوماُ بل هي منطقة مجاورة خارج حدود المخيم ومتاخمة لمنطقة الطريق الجديدة. ذات غالبية سكان لبنانية عكس مخيم شاتيلا الذي تغلب فيه أكثرية الللاجئين الفلسطينيين. والأرجح أنها سميت كذلك لامتزاج الدم
اللبناني بالدم الفلسطيني الذي أبيح في هذه المجزرة ونظراُ أيضاٌ لفقر المنطقتين الشديد سميت كذلك. ولقد شملت المجزرة منطقة بئر حسن ومنطقة صبرا ومخيم شاتيلا وما يحيطه.
وبعد الإتفاق بين الحليفين على مجريات الخطة أبقي على حصار المخيم من قبل الجيش الإسرائيلي ومنع الدخول أو الخروج منه أي قام فعلياُ بعزله عن الجوار ومن ثم توقف القصف المدفعي على المخيم وتوقت أيضاُ رصاصات القناصة الإسرائيليين مفسحة المجال لرجال الكتائب بتنفيذ مهامهم. وكان شعارهم كما صرح أحد ضباطهم "بدون عواطف, الله يرحمه" وكانت كلمة السر -أخضر- وتعني أن طريق الدم مفتوح. هذه تلخص مهام هؤلاء الرجال. لم يدخلوا
المخيم بحثاُ عن إرهابيين (كما زعموا) وإن وجدوا فلماذا لم نسمع عن أي محاولة لردع هذا الهجوم ولو حتى رصاصة واحدة.دخلوا المخيم واستخدموا جميع أنواع الأسلحة: الرشاشات، البنادق والسلاح الأبيض مفترسين كل ما في طريقهم. فلم ينجوا لا الفلسطينيين ولا اللبنانيين من سخط وجنون العدو -لم يفرقوا بين رجل وامرأة أو شيخ وطفل... كل كان له
نصيب من هذه المجزرة حتى الحوامل بقرت بطونهم وهدمت البيوت فوق رؤوس ساكنيها.
ثلاثة أيام والمجزرة مستمرة على مدى ساعات اليوم ال24 ولم تعلم وسائل الإعلام بخبر المجزرة إلا بعد انتهائها فرغم ما تسرب من أخبار عن مجزرة تدور في المنطقة لم يستطع أحد إستيعاب الأحداث وما يجري إلا بعد انهائها. ليدخل الصحافيين من بعدها إلى المخيم أو كومة الرماد كما صار ليتفاجؤوا بأحد ضباط الجيش الكتائبي يصرح أن "سيوف وبنادق
المسيحيين ستلاحق الفلسطينيين في كل مكان وسنقضي عليهم نهائياُ. وتناقلت الصحافة صور أشلاء وأجزاء بشرية في الطرقات والزواريب.. شلالات الدماء تغطي المخيم فاضت فوق الفبور الجماعية التي ضمت آلاف الفلسطينيين واللبنانيين. وحاول الجيش الإسرائيلي إخفاء آثار المذبحة ومعالم الحريمة مستخدماً الجرافات والآليات لكنه فشل.
وفي غمرة الأحداث وتسارعها دخل الصليب الأحمر إلى المخيم بعد صعوبات ومنوعات فرضها الجيش الإسرائيلي. لكن في النهاية كانت الحصيلة 3297 شهيدا من سكان مخيم شاتيلا ال20000 ومنهم 136 شهيداُ لبنانياُ موزعين على شوارع وزواريب مخيم شاتيلا (1800 شهيد), مستشفى عكا في بئر حسن (400 شهيد) ومستشفى غزة في أرض جلول (1097 شهيد).
وكما هي الحال في الماضي والحاضر سارع حكام العرب إلى إعراب أسفهم عما حدث واصفين ما حصل بجريمة حرب وهنا يقف خطابهم. ودعا المجتمع الدولي إلى تأليف لجان للتحقيق في الجريمة لكن هذه اللجان لم تصل لأي نتيجة أو حتى لم تدخل حيز الوجود أصلاُ لاصطدامها بحائط الردع الأميركي. وتشكلت لجنة تحقيق إسرائيلية بقيادة القاضي كيهان التي سميت لاحقاُ هذه اللجنة بإسمه. وتوصلت هذه اللجنة إلى عدة أمور منها أت لجيش الإسرائيلي لا يتحمل المسؤولية المباشرة عن المجزرة وألقت المسؤولية كاملة على ضباط حزب الكتائب (إيلي حبيقة و فادي أفرام). وأيضا عزل شارون من منصبه بعد أن كان وزيراً للدفاع في جيش الإحتلال الإسرائيلي التي حاصرت المخيم.وبعد اعتبار ما خصل جريمة شنعاء أقيمت محكمة عسكرية كنتيجة أخرى للتحقيقات غرمت لواء الجيش الإسرائيلي ب10 قروش = 14 سنتاُ أميركياُ
لأنه أسيء فهم أوامره كما وتم توبيخه وقد سمي الحكم بقرش شدمي لشدة ما به من سخف واستخفاف بمفهوم القضاء.
هذه كانت ردة فعل المجتمع الدولي, فجريمة حرب تهز شعوب العالم أجمع لا تهز حكومات الغرب والشرق قيد أنملة. مع أن اتفاقية جنيف عام 1949 والبروتوكول المتعلق بها عام 1977 ينص على أن تقوم الدول بمحاكمة الأشخاص المرتكبين لهذه الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم.
بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة وبعدما كان كل مخيم وكل ساحة ملعب لتركيع وسفك دماء الشعب الفلسطيني أصبح من العار التخفي في تقاليد الجبن والرجعية. فها هي المجزرة تدخل عامها ال 28بلا إسم ... بلا عنوان... بلا قضية ...محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض.
لكن هل هناك حقائق اخرى اخفيت كالصور التي تبين مدى بشاعة الامر لان العرب لا يصدقون دلك الا وادا راوه بام اعينهم و من هو المسؤول الاول عن الجريمة الشنعاء
تقرير عن مذبحة صبرا وشاتيلا
ثلاثة ايام سوداء!!!
تاريخ الشعب الفلسطيني ملئ بالايام السوداء، واحدى اكثرها حلكة هي الايام الثلاثة التي ارتكبت خلالها مذبحة صبرا وشاتيلا! لن ننسى!
لو ان الزمن قفز عن تلك الايام الثلاثة من منتصف ايلول عام 1982، فكانت نهاية يوم الاربعاء الخامس عشر من ايلول، تعلن بداية يوم الاحد التاسع عشر من ذات الشهر، لكان التاريخ قد تغير، ولكان بين الف وخمسمائة وثلاثة آلاف انسان فلسطيني ما زالوا احياء، او ربما قد توفوا نتيجة للمرض او الشيخوخة، ولم يضطروا لمواجهة موتهم البشع بايدي مجرمين فقدوا الحس الانساني، واضحوا ماكينات قتل لا قلب لها.
مئات من الفلسطينيين العزّل، من نساء واطفال وشيوخ، ذبحوا بايدي مجرمين امتهنوا قتل الابرياء، في زمن رديء ترك فيه الفلسطينيون في الشتات وحدهم دون نصير، فاعمل فيهم المجرم سكاكينه في وضح النهار، دون ان يهب "الاشقاء" للمساعدة، فبقي الفلسطيني وحده، يسطر ملحمة بطولية في دفتر الذاكرة الانسانية، الباقي بلا شك، حين سترمى بقية الدفاتر الى مزبلة التاريخ.
ائتلاف رجعي شارك فيه المحتل الاسرائيلي واليمين اللبناني بالقتل الفعلي، والرجعية العربية وقوى الاستعمار بالصمت وغض الطرف، ووقف الفلسطيني رافعا بندقيته في وجه آلة حرب حطمت جيوشا، وصمد، الى ان استشرس المتآمرون، فاضطر للتراجع خطوة، لانه انسان يكره الشر لاحد، فترك المقاتلون الفلسطينيون بيروت بعد حصار دام ثمانين يوما عليها، وخرجوا ظانين ان الضمانات الدولية بسلامة اهاليهم اهل للثقة، ولكن هيهات، فبعد اسبوعين ذبح اهاليهم في ضاحية بيروت الجنوبية، في مخيم شاتيلا وحي صبرا، وكانت المجزرة!
البداية:
جيش الاحتلال يحاصر شاتيلا
في الليلة بين يوم الثلاثاء الرابع عشر من ايلول، ويوم الاربعاء الخامس عشر منه، قتل الرئيس اللبناني بشير الجميّل في عملية تفجيرية استهدفت مقر حزب الكتائب في بيروت الشرقية، فزحفت قوات الاحتلال الاسرائيلية فجر اليوم التالي، وفرضت حصارا على منطقة صبرا وشاتيلا بدعوى "فرض الامن والنظام في المخيم الفلسطيني"، فقام عدد من سكان المنطقة بالتوجه الى قوات المحتل الاسرائيلي، محاولين طمأنته بعدم وجود سلاح بايدي اهالي المخيم، وحتى ان كان موجودا، فان كميته محدودة، وذلك في محاولة من الاهالي بابعاد الحصار عن بيوتهم، وبالعودة الى حياة طبيعية قدر المستطاع، ولكن هيهات، فلم يجد اهالي المنطقة اذنا صاغية لدى الجنود الاسرائيليين، الامر الذي جعل عددا من الشبان والشابات من سكان صبرا وشاتيلا، يخرجون لمواجهة الجنود الاسرائيليين بما لديهم من سلاح. وتؤكد الشهادات بان كمية السلاح الموجودة في المخيم ومحيطه بعد مغادرة المقاتلين، لم تكن لتكفي لساعات في مواجهة وحدة واحدة من جيش الاحتلال!
يجمع اهالي المنطقة، الناجون من المذيحة، بأن الحصار الاسرائيلي فرض لتمهيد السبل لقوات حزب الكتائب اليميني اللبناني لارتكاب مجزرتها. وهذا ما يؤكده بالفعل عدد كبير من الخبراء والصحفيين الاجانب الذين زاروا المنطقة بعيد المجزرة، واطلعوا على المواقع التي تواجد فيها جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي.
الخميس 16/9/1982:
بحسب الشهادات التي جمعت بعد المجزرة، فان المذبحة بدأت بين الساعة الخامسة والساعة السادسة والنصف من مساء يوم الخميس، السادس عشر من ايلول عام 1982. ويأتي هذا الفارق لعدة اسباب، اهمها، ان بعض الشهود رأوا قوات الكتائب وهي تتجمع في المنطقة المحيطة، وتتأهب للدخول، وبعضهم تفاجأ بهذه القوات وهي داخل احياء المخيم.
المواجهة مع الجنود الاسرائيليين كانت قد انتهت قبل دخول قوات المليشيا التابعة لحزب الكتائب اليميني، الامر الذي يدل على التنسيق بين الاخيرة وبين قوات الاحتلال الاسرائيلية، وعلى ان الحصار الاسرائيلي للمنطقة كان يهدف لافساح المجال لقوات الكتائب لدخول مخيم شاتيلا وحي صبرا.
استمر القصف الاسرائيلي المدفعي للمنطقة طوال نهار الخميس، واستمر القناصة الاسرائيليون باطلاق النيران على بيوت المخيم والحي من مواقعهم المحيطة، طوال النهار ايضا، الامر الذي اخلى كافة الشوارع من المارة، وابقى الناس في بيوتها (لقمة سائغة للقتلة). اعتقد الناس ان القصف الاسرائيلي هو "الحدث المركزي" لذلك اليوم، فقد اعتادوا عليه طوال اشهر الصيف خلال حصار الايام الثمانين لبيروت، ولم يعلم المواطنون ما تخبئه لهم الساعات القليلة القريبة، فانتظروا بفارغ الصبر انتهاء القصف، وعودة الامور "الى طبيعتها"!
مع حلول المساء، انسحبت القلة من المقاومين التي بقيت حتى تلك الساعة تواجه القصف المدفعي باطلاق الرصاص من بنادق الكلاشينكوف، واتفق المقاومون على العودة الى القتال مع بزوغ الفجر.
ومع بدء السماء بالاسوداد، هدأ القصف، فبدأت زفرات الارتياح تملأ فضاء البيوت، الا ان القصف المدفعي كان قد انسحب من مقدمة مسرح الاحداث، تاركا دور البطولة في تلك الساعة للقنابل الضوئية التي انارت سماء المخيم ومنطقته.
الفوج الاول من ضحايا المجزرة كانوا سكان حي الحرش وحي عرسال والحي الغربي، والمنطقة المحيطة بهذه الاحياء الثلاثة.
يروي شهود العيان، بان ساعات المساء حملت الى المخيم كما كبيرا من المركبات العسكرية "الكتائبية"، التي قدر عدد المسلحين فيها بين الف والف وخمسمائة مسلح. واكّد شهود العيان بان عددا من المركبات العسكرية الاسرائيلية كانت تسير مع المركبات الكتائبية.
مع غروب شمس الخميس، دخل الى مخيم شاتيلا قرابة ستمائة عنصر من عناصر المليشيا اليمينية، بعد تأكيد عدد من الشهود، ومنهم ضباط في الجيش اللبناني، ان المسلحين تجمعوا قبل دخولهم المخيم بجانب مقر القيادة العسكرية الاسرائيلية القريب.
بدأ المسلحون بدخول البيوت في المخيم، وبدأ السكان المحيطون بالمنطقة التي دخلها المسلحون اولا، يسمعون صوت اطلاق الرصاص، واصوات العويل والصراخ والبكاء. وتقول شاهدات عيان ان قسما من المسلحين بدأ يضرب الشيوخ والنساء والاطفال ويلقيهم ارضا، والبعض الآخر بدأ بالتفتيش عن "صبايا حلوات" كما قال احد المجرمين لزميله، اما البقية فقد بدأت باطلاق الرصاص دون تفرقة، في جميع الجهات، وترافق اطلاق الرصاص بصراخ همجي وحشي "موتوا يا ارهابيين".
تقول الروايات بأن فرقا من مليشيا الكتائب وصلت الى الملاجئ التي اختبأ بعض من اهلي المخيم فيها، الامر الذي يدل على وجود جواسيس بين اهالي المخيم، كانوا ينقلون الاخبار لمرتكبي الجريمة. وبعد المجزرة بدأت روايات عن سيارات غريبة دخلت المخيم قبل المجزرة، على الرغم من احكام المحتل الاسرائيلي قبضته على المنطقة، ومنعه ايا كان من الدخول او الخروج، حيث كان راكبوا هذه السيارات يسألون الاهالي عن مواقع الملاجئ في المخيم.
استغل المجرمون ساعات الليل، وقنابل الانارة الاسرائيلية، فدخلوا منطقة الاحياء المذكورة اعلاه، واقتحموا كل بيوتها، بالاضافة الى تلك المجموعة التي وصلت الى الملاجئ، واخرجوا الناس من منازلهم، ليلاقوا موتهم.
العديدون من الناجين تحدثوا عن ان مسلحي مليشيا الكتائب بقروا بطون الحوامل "لانهن رح يخلفوا ارهابيين"، وانهم خصوا الفتيان ايضا "لحتى ما يخلفوا ارهابيين زيهن"، وان العديد من المسلحين، شاركوا في عمليات اغتصاب جماعية لفتيات من المخيم، قبل قتلهن، دون ان يرمش لهم جفن.
من الجدير بالذكر ان القصف الاسرائيلي المدفعي تجدد بعد دخول المسلحين الى المخيم، حيث كان الاسرائيليون يختارون المواقع التي تقصف بدقة لئلا يتواجد فيها اي فرد من افراد مليشيا الكتائب. هذا دليل آخر على تورط اسرائيل الكامل بهذه المذبحة. كيف "غفلت اعين" اعضاء لجنة التحقيق الرسمية الاسرائيلية "لجنة كاهان"، عن هذه الادلة حول مشاركة قوات الاحتلال بارتكاب المجزرة!!؟؟
بعض سكان مخيم شاتيل وحي صبرا، ناموا تلك الليلة دون ان يعرفوا ان مجزرة ترتكب في ضواحي المخيم، لان الاحياء التي دخلها القتلة كانت الاحياء المتواجدة في اطراف المخيم.
توجه العديد من سكان مخيم شاتيلا وحي صبرا في تلك الليلة الى المستشفيات المحيطة بالمخيم، للاحتماء من القصف الاسرائيلي، كما توجه البعض الى الملاجئ، فكان مصير هؤلاء القتل الجماعي في اليوم التالي للمجزرة.
مع بزوغ فجر يوم الجمعة، السابع عشر من ايلول، بدأت آثار الجريمة بالتكشف، فقد انتشرت الجثث في الشوارع وفي البيوت، وعرف فيما بعد ان عدد الذين قتلوا في اليوم الاول، كان اكثر من عدد القتلى في اليومين التاليين، وذلك لعدة عوامل، منها هرب قسم كبير الى الشمال متوجها نحو بيروت، واحتماء قسم آخر في المستشفيا او في السفارة الكويتية القريبة او بمواقع الجيش اللبناني(؟؟).
الجمعة 17/9/1982:
يوم الجمعة، اي يوم المجزرة الثاني، كان حافلا بالنشاط الدموي لمجرمي الحرب القتلة، فقد وصلتهم تعزيزات على شكل قوات اضافية من مليشيا الكتائب، فدخلوا المخيم، وبدأوا باطلاق نداء "سلّم تسلم"، الا ان الجثث الملقاة في الشوارع، دلّت على امر واحد، هو ان هذا النداء الذي اطلق عبر مكبرات الصوت، كان نداء كاذبا، وان افراد مليشيا الكتائب، لو استطاعوا، لقتلوا كل ما يتحرك في المخيم ومنطقته.
اطلق المسلحون في اليوم الثاني للمجزرة، القنابل الفوسفورية على الملاجئ، مطورين بذلك اسلوب القتل، وبالتالي عدد الضحايا، فقضى غالبية من بداخل هذه الملاجئ حرقا، ومن لم يمت وحاول الهرب، انتظره المسلحون في الخارج، واطلقوا عليه الرصاص!!
احدى الامور التي ميزت عمليات القتل هي انها استهدفت عائلات باكملها، وكأن قتل العائلات هو الهدف الاول لدى مجرمي الحرب من قوات مليشيا الكتائب!
في حديث لصحيفة "جيروزاليم بوست"، اكد عدد من جنود الاحتلال الاسرائيلي، بانهم لم يسمعوا اصوات تبادل اطلاق نار من داخل المخيم، وقالوا ان اطلاق النار كان من طرف واحد، الامر الذي يدل على ان افراد مليشيا الكتائب كانوا يقتلون العزّل فقط، اذ انه لم يكن داخل المخيم الا قلة من افراد المقاومة الفلسطينية. وعلى الرغم من اقوال الجنود الاسرائيليين هذه، الا ان القوات الاسرائيلية لم تتدخل لمنع المجزرة، بل على العكس، استمر قصفها المتقطع للمخيم، واستمر حصارها حول بعض المداخل، لمنع الفلسطينيين من الهرب.
كانت التعليمات التي اصدرتها قيادة مليشيا الكتائب لافرادها الذين ارتكبوا المجزرة، واضحة وضوح الشمس، فاستعمال الرشاشات ممنوع الا عند الضرورة، "ويفضل استخدام السكاكين والحراب، لئلا ينتبه باقي سكان المخيم لما يحصل فيحاولون الهرب"!!
مع بزوغ شمس يوم الجمعة، دخلت الى المخيم عدة جرافات، عرف فيما بعد انها لدفن الجثث في قبور جماعية، اكتشف منها القليل فقط.
تسلسل احداث المجزرة يدل على كذب الشائعات التي اطلقها الاسرائيليون والكتائبيون، بان هناك آلاف المقاتلين الفلسطينيين في المخيم، فعدد الضحايا الشباب كان قليلا نسبة لعدد الضحايا من النساء والاطفال والشيوخ، بالاضافة الى عدم سماع اي صوت لتبادل اطلاق النار، بل على العكس، كان صوت الرصاص المسموع يطلق من طرف واحد دون رد، مما يدل على الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين العزّل!
استمرت المجزرة طوال الاربع والعشرين ساعة التي يتألف منها يوم الجمعة، فكان بهذا اطول يوم من ايام المجزرة بالساعات، وتواصلت خلال اليوم عمليات القتل الجماعي، اما عن طريق النحر بالسيوف او عن طريق اطلاق الرصاص او عن طريق دفن الضحية حيا في الرمال ليموت. واستمرت في هذا اليوم ايضا عمليات النهب والسرقة والاغتصاب، حيث كانت عمليات الاغتصاب تنتهي عادة بالقتل، خاصة عندما تكون المغتصبة فلسطينية.
تميز يوم الجمعة ايضا ياقتحام افراد المليشيا للمستشفيا، فحاولت طواقم منظمة الصليب الاحمر اخلاء هذه المستشفيات ونجحت في بعض الحالات، الا ان حالات اخرى انتهت بقتل المرضى والاطباء والممرضين والممرضات، خاصة الفلسطينيين منهم!!
السبت 17/9/1982:
كان من المفترض ان ينسحب مرتكبو الجريمة صباح يوم السبت، بحسب اقوال جاءت بعد المجزرة على لسان مسؤولين عسكريين اسرائيليين، ادعوا انهم اصدروا الاوامر لقوات المليشيا بالانسحاب "بعد ان اكتشفوا ما يحدث داخل المخيم"! الا ان الانسحاب لم يتم، بل استمرت عمليات القتل الجماعي، وتم الانسحاب من داخل المخيم فقط عند ساعات الظهر، ومن منطقة المخيم باكملها، بعد الظهر.
خلال ساعات النهار الثالث، اجبر سكان شاتيلا (من بقي منهم)، وسكان ضاحية صبرا بالخروج الى شارع شاتيلا الرئيسي، والوقوف على جوانبه، في ما يعرف بـ"المارش الاخير"، وكان هؤلاء السكان شهود على عمليات قتل واغتصاب، كانت تتم في الشارع، بصورة عشوائية، ان دلت على شيء، فعلى انعدام الحس الانساني للمجرمين من قوات الكتائب، وعلى كراهية هؤلاء لكل ما هو فلسطيني، كراهية زرعت فيهم بالتحريض العنصري والطائفي، وبمساعدة مشاهد القتل اليومي التي اضحت عادية في لبنان في مرحلة الحرب الاهلية.
تؤكد الشهادات بان عمليات القتل الجماعي والدفن في القبور الجماعية استمرت خلال ساعات النهار الاولى من يوم المجزرة الثالث، السبت 17/9/1982، وان المهاجمين لم يتصرفوا على اساس ان هذه ساعتهم الاخيرة في المخيم، بل على العكس، تصرفوا على اساس انهم باقون.
ظاهرة اخرى تميز بها اليوم الثالث كانت عمليات الاختطاف التي قام بها افراد المليشيا، فاختطفوا عددا كبيرا من سكان المنطقة، ووضعوهم في الشاحنات، واخذوهم الى مصيرهم المجهول، الذي ما زال مجهولا!!
في اليوم الثالث، شارك جنود الاحتلال الاسرائيلي بعمليات استجواب سكان المنطقة، ومن السكان من عاد الى منزله بعد الاستجواب، ومنهم من لم يعد ابدا.
عدد القتلى
هناك عدة تقارير تشير إلى عدد القتلى في المذبحة، ولكنه لا يوجد تلاؤم بين التقارير حيث يكون الفرق بين المعطيات الواردة في كل منها كبيرا. في رسالة من ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني يقال أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة، ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهن تلقت وثائق أخرى تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة. في تقريرها النهائي استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و800 نسمة. وفي تقرير أخباري لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يشار إلى 800 قتيل في المذبحة. قدرت بيان نويهض الحوت، في كتابها "صبرا وشتيلا - سبتمبر 1982"، عدد القتلى ب1300 نسمة على الأقل حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى. وأفاد الصحافي البريطاني روبرت فيسك أن أحد ضباط الميليشيا المارونية الذي رفض كشف هويته قال إن أفراد الميليشيا قتلوا 2000 فلسطيني. أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتاب نشر عن المذبحة أن الصليب الأحمر جمع 2000 جثة بينما جمع أفراد الميليشيا 1000 جثة إضافية مما يشير إلى 3000 قتيل في المذبحة على الأقل.
ردود الفعل في إسرائيل
هزت المذبحة الرأي العام والنظام السياسي في إسرائيل، عندما بلغ الجمهور الإسرائيلي أنها حدثت في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي. كما أنها عززت الشعور بأن الجيش الإسرائيلي قد تورط في حرب زائدة. في الأيام القليلة بعد الأحداث نفت الحكومة الإسرائيلية أية علاقة للجيش الإسرائيلي بالمذبحة، ولكن في 25 سبتمبر 1982 احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين في ساحة "ملخيه يسرائيل" (اليوم: ساحة إسحاق رابين) وسط تل أبيب) مطالبين بتعيين لجنة تحقيق خاصة للبحث في الأمر.
لجنة كاهن
في 1 نوفمبر 1982 أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهـَن، أن يرأس اللجنة بنفسه، حيث سميت "لجنة كاهن". في 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أريئل شارون يحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسعى للحيلولة دونها. كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس يييأركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات، قائلةً إنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت. رفض أريئيل شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع عندما تكثفت الضغوط عليه. بعد استقاله تعين شارون وزيرا للدولة (أي عضو في مجلس الوزراء دون وزارة معينة).
مرتكبو مجزرة صبرا وشاتيلا يرون جريمتهم بلا ندم .
قامت مخرجة ألمانية تدعي مونيكا بورجمان بعمل فيلم وثائقي عن مجزر صبرة وشاتيلا التي إرتكبهتا مليشيات مسيحية لبنانية بمساعدة إسرائيل في لبنان .
ويقدم فيلم المذبحة (Massaker) ستة من الرجال يتحدثون بصراحة لأول مرة عن دورهم في واحدة من أسوأ المجازر في الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وقالت بورجمان إنها تمكنت بعد عدة شهور من العثور على هؤلاء الرجال ومصادقتهم، وهم أعضاء في الميليشيات المسيحية اللبنانية التي ساندتها إسرائيل أن تنتزع منهم شهادة يدلون بها أمام الكاميرا.
وأضافت ، لقد كانت عملية طويلة لبناء علاقة من الثقة، دخلنا في حياتهم اليومية ، وموقفهم كان إننا لسنا شركاء ولا قضاة لهم..مشيرة إلى أنها أرادت أن تستكشف التوجه العقلي الفردي والجماعي الذي يمكن أن يؤدي إلى ارتكاب مثل هذه الفظائع.
وقتل المئات من اللاجئين الفلسطينيين بوحشية على أيدي الميليشيات على مدى عدة أيام في سبتمبر 1982 في مخيمي صبرا وشاتيلا خلال الغزو الإسرائيلي للبنان.
ويثير هذا الفيلم الوثائقي الانزعاج بسبب الانعدام التام تقريبا لإظهار الندم من جانب هؤلاء الرجال الذين كانت وجوههم في الظل من خلال عمل طاقم التصوير الألماني.
وقام الرجال وهم يتحدثون في غرفة خالية برسم خطوط بيانية توضح كيف تحركوا بانتظام عبر المخيمين وهم يقومون بإبادة الفلسطينيين.
وبحثوا في صور المذبحة وهم يحاولون تذكر ما إذا كانوا قد شاركوا في مشهد معين بينما تبين الكاميرا عضلاتهم وأيديهم وهي تمسك بسيجارة أو تداعب قطة بلطف.
وشرح أحدهم كيف امسك برجل كبير في السن ووضع ظهره على جدار وقطع جسمه على شكل صليب ... وقال سأعدمك باسم بشير الجميل ، مشيرا إلى الرئيس اللبناني الذي اغتيل قبل أيام من المجزرة.
وقال دون اكتراث وهو يصف عملية القتل واللحم والعظم البشري إذا شنقتك أو أطلقت عليك النار فسوف تموت لكن هذا قتل مزدوج. ستموت مرتين لأنك ستموت أيضا من الخوف.
وتستمر هذه الفظائع الأكثر وحشية في الحرب الأهلية اللبنانية في إثارة الجدل. وكانت القوات اللبنانية بقيادة الجميل قد جعلت من إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان قضية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي.
وقام المؤيدون الغاضبون من اغتيال الزعيم بالانتقام بعنف مفرط في مخيمي اللاجئين حيث كانوا يعتقدون أن القتلة اختبأوا.
وتحدث الرجال في الفيلم عن حبهم الشديد للجميل وكراهيتهم للفلسطينيين الذين تحدى وجودهم في لبنان سيطرة المسيحيين وكيف تمرسوا على العنف أثناء تطور الحرب وتزايدت الفظائع.
وقدموا بشكل عابر تفاصيل العلاقة بين إسرائيل والميليشيا التي تدربت على أيديها. ووصف الرجال رحلات إلي إسرائيل في عام 1980 حيث شاهدوا أفلاما عن محاولة النازي إبادة اليهود الأوروبيين في الحرب العالمية الثانية.
وشرح رجال الميليشيات كيف بدءوا في اندفاع محموم التخلص من اكبر عدد ممكن من الجثث قبل وصول وسائل الأعلام وهو ما يرجع أليه جزئيا عدم وجود رقم محدد لشهداء المجزرة.
وقال أحدهم إن الجيش الإسرائيلي أعطاهم أكياس بلاستيكية للجثث وقال أخر انهم ساقوا الناس إلى عربات الجيش لنقلهم إلى الملعب الرياضي حيث تم قتلهم. وقالوا انهم استخدموا مواد كيماوية لتدمير كثير من الجثث.
وقال عدد منهم إن ضباطا من الجيش الإسرائيلي اجتمعوا مع زعماء الميليشيات في بيروت عشية المجزرة.
وعلى العكس المجازر التي وقعت في صراعات أخرى فان مرتكبي مذبحة صبرا وشاتيلا لم يقدموا أبدا للعدالة. وقالت بورجمان إن الفيلم لا يهدف أن يكون دليلا على الجريمة. وقالت "انهم يعيشون حياة عادية. وأحدهم يعمل سائق سيارة أجرة."
========================
أسماء مجرمي صبرا وشاتيلا
المقبور ايلي حبيقة، فادي افرام قائد القوات اللبنانية، فؤاد ابوناضر قائد القوات النظامية وابن اخت امين الجميل،
مارون مشعلاني، جورج ملكو، ميشال زوين
العملية وفقا لأرشيف القوات اللبنانية التي استقى منه آلان مينارغ معلوماته في كتابه عن حرب لبنان كانت مقررة قبل تصفية بشير الجميل وذلك بهدف تهجير المدنيين الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في بيروت وتطهير بيروت من كل وجود فلسطيني .
========================
قصص يرويها ناجون من مذبحة صبرا وشاتيلا
ماهر علي : "رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية ان القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم". هذا ما رواه ماهر مرعي - أحد الناجين من مجزرة صبرا و شاتيلا - وهو
يصف ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول 1982، قال :" رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم افهم، عدت إلى البيت لا خبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، اذكر أنى رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتفندق" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها. بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئا مريبا يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج من المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبى لا يجوز أن نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط. ظننا أنا ووالدي أن الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت واخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذهابا يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها أحد هي الأخرى. كان أهلها في صور أراد أبى أن يحضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والأطفال. رأيت جثتها في ما بعد في كاراج أبو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!! عندما دخل "الإسرائيليون" إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصي ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الأراضي التي احتلوها. اذكر أنى ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس في 16 أيلول - مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الاوزاعي سيرا على الأقدام (كان عمري 14 عاما). كنا "مقطوعين" من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط مع انه كان متوفرا بكثرة. عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، اذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان "الإسرائيليون" يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان أهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص. رأيت عند قسطل المياه "إسرائيليا" من اصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لأنهما وبختا فلسطينيا ارشد "الإسرائيلي" إلى الطريق التي هرب منها أحد الذين يطاردونهم، هكذا قالت أم الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء إطلاق الرصاص. حاول أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، - قنصهما "الإسرائيليون" من السفارة - ثم ما لبث أهل المخيم أن سحبوهما بالحبال. يومها رأيت ارييل شارون في هليكوبتر أمام السفارة، أحسست انه قائد "إسرائيلي" كبير، لم اكن اعرف من هو إلا بعد أن رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار أخبار المجزرة. تمكنا بعد ذلك من العودة إلى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملا سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما اخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة - أي الخميس وهو أول يوم في المجزرة. قال ماهر:"عندما أخبرت والدي عن الجثث، طلب منا أن نلزم الهدوء وإلا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان و أربع بنات وأبى و أمي. كان اخواي محمد واحمد خارج البيت وهما اكبر مني سنا. الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا. قرابة الفجر، صعد أخي إلى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها. كان النعاس قد غلبنا أنا وأبى - إذ بقينا ساهرين ننصت إلى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لآخر. لم نشعر بصعود ليلى وأختي إلا عندما نزلا. كنتا خائفتين فقد رآهما المسلحون. ما هي إلا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب. عندما فتحنا لهم اخذوا يشتموننا و أخرجونا من البيت ووضعونا صفا أمام الحائط يريدون قتلنا. أرادوا إبعاد ليلى إذ ظنوا أنها لبنانية لأنها شقراء، وابعدوا أختي الصغيرة معها لأنها شقراء هي الأخرى وظنوا أنها ابنة ليلى ! رفضت ليلى تركنا، أخذت أختي تصرخ وتمد يديها إلى أمي تريد "الذهاب" معها، كان عمرها اقل من سنتين وكانت ما تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فاصدر صوتا وضجة أخافتهم. كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد انهم ظنوا في تلك اللحظة أن الضجة صادرة عنه، لذا أدخلونا إلى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما أن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم اعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي إلى المرحاض وجدت أخي الأصغر إسماعيل فأخذته معي و أقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الأرض، ما عدا اختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما أن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت. إسماعيل وأنا لم نتحرك. لزمنا الصمت فترة. لم اعد أستطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك. إذ كنت - عادة - اصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت أن يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي. وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد أن نفذوا جريمتهم. كان كل شيء ساكنا، أمسكت الباب كي لا يتحرك لانه كان يصر - في العادة - صريرا. خفت ان يسمعوه فيعودوا ورحت أحركه ببطء شديد. كما اعتقدت انهم ربما لاحظوا غيابي وانهم سيعودون لقتلي. لذا انتظرت بعض الوقت، وعندما تيقنت من خروجهم وعدم عودتهم خرجت من المرحاض و أبقيت إسماعيل فيه. بدأت أتفقد عائلتي. والدتي تظاهرت بداية بالموت وكذلك أختاي نهاد وسعاد، ظنا منهما أنى كتائبي. ولكن، والدي وباقي اخوتي "الخمسة" وليلى كانوا جميعا أمواتا، كانت أمي مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد. أمي ونهاد تمكنتا من الهروب معي وإسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لان الطلقات أصابت حوضها وشلت. تركناها وخرجنا لإحضار الإسعاف - يا لسذاجتنا- ولم نكن نعرف ماذا ينتظرنا في الخارج، الذين دخلوا إلى بيتنا كانوا خليطا من القوات اللبنانية وقوات سعد حداد، إذ كان بينهم مسلمون ولا يوجد مسلمون إلا مع سعد حداد. عرفنا انهم مسلمون من مناداتهم لبعضهم. كان بينهم من يدعى عباس و آخر يدعى محمود. بعد خروجنا من البيت تهنا عن بعضنا البعض. بقيت أنا وإسماعيل معا، واخذوا يلاحقوننا من مكان لاخر. أخذت انبه الناس لما يجري، فكثيرون كانوا ما يزالون في بيوتهم، يشربون الشاي ولا يدرون بشيء. اختبأنا في مخزن طحين ثم ما لبثوا ان اكتشفوا امرنا فهربنا مجددا. أطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق إسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان في الثامنة من عمره، عدت إليه وأمسكت بيده وهربنا معا. ثم ما لبثنا أن وجدنا جمعا حاشدا من النساء والأطفال كانوا يجرونهم إلى المدينة الرياضية حيث يتمركز "الإسرائيليون" فانضممنا إليهم". نهاد علي : بقروا بطن جارتنا : نهاد أخت ماهر كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت. الآن هي متزوجة ولديها ستة أطفال، قالت أنها كانت تحمل أختها الصغيرة على يدها عندما بدأ المسلحون بإطلاق النار"لا اعرف كيف سقطت من يدي، أصيبت بطلقة في رأسها وأنا أيضا وقعت على الأرض. أخذت اختي تحبو - وتفر فر - باتجاه أمي وهي تصرخ ماما.. ماما.. أطلقوا الرصاص على رأسها فسكتت على الفور. جارتنا ليلى كانت حاملا. عندما أصيبت بدأ الماء يتدفق من بطنها، وماتت. تظاهرت بالموت، وبعد خروجهم بقليل - لا ادري بكم من الوقت - بدأت أتفقد الجميع. فهمست لي أمي : ارتمي وتظاهري بالموت قد يعودون. أجبتها لا آبه، فليعودوا ! عندها خرج ماهر - وإسماعيل في ما بعد. كنت أظنهما ميتين. ما أن رأيت ماهر ارتميت على الأرض، فقال : لا تخافي أنا ماهر. عندها اطمأننت أنا ووالدتي، وقمنا لحمل اختي سعاد ومساعدتها على النهوض فلم نستطع. لقد كانت مشلولة. طلبت من ماهر وإسماعيل أن يهربا إلى خارج المخيم وان يركضا بأقصى سرعة حتى لو أضعنا بعضنا. لم يكن معنا مال، إذ اخذوا كل مالنا. كان لدينا عشرون آلف ليرة خبأناها في "كيس حفاضات" اختي الصغيرة، رغم أنى تظاهرت انه مجرد كيس حفاضات ! كان المسلحون يتكلمون بالعربية، لكن البعض منهم لم يتكلم على الإطلاق، كانوا شقرا، وعينوهم زرقاء، عندما هربنا، أضعنا ماهر وإسماعيل وبقيت مع أمي على أمل أن نذهب إلى مستشفى غزة لإحضار إسعاف إلى سعاد. أخذنا نتنقل من بيت إلى آخر ونحن ننزف. كثيرون لم يصدقوا في البداية أن مجزرة تحدث في المخيم، إلا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا. وصلنا إلى مستشفى غزة فوجدنا اخوي الكبيرين احمد ومحمد هناك أمام المستشفى. كانت الناس تتجمع عند مدخل المستشفى. كانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم. كان الصراخ رهيبا، كأنه يوم القيامة، تركنا المستشفى بعد أن نزعوا منا الرصاصات وهربنا إلى منطقة رمل الظريف. أمي تعبت كثيرا من انتفاخ صدرها بالحليب، فأختي الصغيرة كانت ما تزال ترضع قبل أن تقتل، ومع موتها بدأت أمي تعيش حالة الفطام ! كان فطاما نفسيا وجسديا لم تستطع تحمله فمرضت كثيرا". سألتها عن أختها سعاد التي بقيت في البيت، قالت انهم عادوا إلى البيت وضربوها "بجالون المياه" أطلقوا عليها النار مجددا ! "بعد الحادثة، لم نعد نتكلم مع بعضنا عما جرى. كنا نخاف على بعضنا من الكلام. لذا، لم اسأل سعاد شيئا ! ! ". عندما اذهب أحيانا لأنام عند والدتي، اذهب إلى بيتها في الروشة - الذي تسكنه كمهجرة منذ المجزرة. لا احب أن أنام في بيتها في المخيم، - حيث جرت المجزرة لأني عندما اذهب إلى هناك لا أنام أبدا. قليلا ما تأتي أمي إلى بيت المخيم. بل هي لا تهدأ في مكان منذ حادثة المجزرة، وتتنقل باستمرار بين بيوت الأقارب والأصدقاء. لم نعد كما كنا أبدا. تصوري أننا عدنا وفقدنا أخي إسماعيل في حرب إقليم التفاح". نهاد التي نجت من المجزرة، لا تجد اليوم ما تطعم به أطفالها، رغم تردادها كلمتي "الحمد الله" زوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، هو يعمل في البناء، لكن الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال الآخرون تقضي على إمكانية أيجاد أي عمل، حتى لو قبل أن يعمل باجر زهيد، فان ذلك الأجر لا يكفيه، بسبب الغلاء الفاحش في لبنان، وهو لا يستطيع إيجاد أي عمل آخر بسبب التقييدات المفروضة على عمل الفلسطينيين في لبنان. أم غازي : الجرح ما زال ينزف: "ستة عشر عاما مضت على المجزرة. كأنها البارحة" ! قالت أم غازي التي فقدت أحد عشر شخصا من أفراد عائلتها. "لا تقلقي يا ابنتي" - قالت لي "أنت لا تذكرينني بشيء. فأنا لم انس كي أتذكر والجرح ما زال ينزف. عندما جاء المجرمون إلى بيتي كنا نقيم ذكرى أربعين ابنتي. كانت قد توفيت في المبنى الذي قصفه "الإسرائيليون" في منطقة الصنائع، وكان مقرا لابو عمار. جاء أفراد عائلتنا من صور للمشاركة في ذكرى أربعين ابنتي وكانوا جميعا هنا - نساء ورجالا. لم نكن نسكن في هذا البيت بل في الحي الغربي المتاخم لشارع المخيم الرئيسي - كان يوم جمعة. قتل يومها اخوتي وأولادي وزوجي واصهرتي". عندما دخلوا علينا كانوا اثني عشر مسلحا، يحملون البنادق والبلطات والسكاكين، لم نكن نعرف بالمجزرة بعد. كان الباب مفتوحا والبيت مزدحما بالنساء والأطفال والرجال. فصلوا الرجال عن النساء والأطفال. كانوا سيأخذون ابني محمود وكان يومها في الثامنة من عمره. قلت لهم "هذه بنت" فتركوه. اقتاد أربعة منهم النساء والأطفال اتجاه المدينة الرياضية وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الآخرين. أخرجونا من المنزل حفاة. مشينا على الزجاج المحطم والشظايا. في الطريق تعثر ابني بالجثث المذبوحة والمرمية هنا وهناك وكان يحمل أخته الصغيرة. صرخت قائلة "باسم الله عليك"، فانتبه المسلح وقلت له وهو ينتزعه من بين يدي: "دخيلك. لم يبق لي غيره". طلبت منه أن يقتلني بدلا منه. أتوسل و أتوسل - لكنه يصر على قتله. قال انه يريدني أن أعيش بالحسرة والحزن طيلة عمري. وبينما أنا اتوسله وارتمي على بندقيته و أديرها عن ابني، وضع يده خطأ على صدري. كنت اخبأ في "عبي" اثني عشر الف ليرة فانتبه وسألني ماذا اخبأ. قلت "إذا أعطيتك إياهم تعطيني ابني، فقال نعم. طلبت منه ان يقسم بشرفه، ففعل ! ! ! ! أعطيته المال وأخذت ابني الذي كان يرتجف من الخوف. منذ ذلك اليوم ظهرت خصلة بيضاء في شعره. وصلنا الى المدينة الرياضية فوجدنا "الإسرائيليين" هناك. أخبرناهم بما يحدث وطلبنا منهم ان يساعدونا ويذهبوا لإنقاذ أولادنا ورجالنا، قالوا: لا دخل لنا. هؤلاء لبنانيون منكم وفيكم. وحبسونا في المدينة الرياضية طيلة النهار. كانوا يتكلمون العربية. عند المغرب، أخرجونا قائلين: إياكم أن تعودوا إلى المخيم. اذهبوا إلى مكان أخر. ذهبنا إلى الجامعة العربية سيرا على الأقدام. وجدنا اثنين سوريين، ظننا في البداية انهما "إسرائيليان" فقد كان شعرهما أشقر وعيناهما زرقاوين. أخبرناهما بما حصل لنا، وقلنا لهما أننا نبحث عن مكان نبيت فيه. فتحوا لنا الجامعة، و أعطانا أحدهما بعضا من ثيابه مزقناها ولففنا الصغار بها، إذ لم يكونوا يلبسون ثيابا كافية عندما خرجنا، لم يكن لدينا قرش واحد. لا ندري إلى أين نذهب، ولا نعرف شيئا عن رجالنا وأولادنا. في أربعين ابنتي فقدت زوجي و أربعة أولاد وستة من أفراد عائلتي". ام غازي لم تسكن في بيتها مجددا، اذ لم تحتمل ذلك، عندما عادت الى المخيم استأجرت منزلا اخر. تهدم بيتها القديم في حرب المخيمات، وتعيش الان في ظروف مادية سيئة للغاية، كانت تتكلم على مهل وترتجف طيلة الوقت. تعيش منعزلة عن محيطها في الم لا ينتهي. شهيرة ابو ردينة : انقضوا على الرجال بالبلطات شهيرة ابو ردينة التي ترفض التكلم عن المجزرة عادة، تكلمت واخبرتني ماذا حدث. قالت : " كنا في الغرفة الداخلية نختبئ من القصف لأنها اكثر امانا وبعيدة عن الشارع - يقع بيتها في الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الاساسية - كنا كثرا في المنزل - قالت : بقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع اثناء الليل صراخا واطلاق رصاص. عرفنا حينها انهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الازقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت اختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري. ما ان اصبحت في الخارج حتى صرخت "بابا" بصوت مرعب ثم سمعنا اطلاق الرصاص . خرج والدي وراءها فقتل ايضا. (وجدت جثة اخت شهيرة في ما بعد - مربوطة الى النافذة وكانت منتفخة جدا. كان عمر اختي 17 عاما، اخي كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، اما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا، جاءوا صباحا واخرجونا من البيت، وضعوا الرجال امام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات. وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا الى الشارع الرئيسي و كنا نساء واطفالا فقط. وضعونا امام الحائط، وما ان هموا بقتلنا حتى سمعنا "اسرائيليا" يصرخ بالعبرية. لم نفهم ما يقول، لكنهم هم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها اخذونا الى المدينة الرياضية وحبسونا عند "الاسرائيليين" في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، اخبرنا "الاسرائيليين" ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا. بقينا هناك، الى ان بدأت الانفجارات. بدأت الالغام المزروعة في المدنية الرياضية تنفجر، فهرب "الاسرائيليون" الى ملالاتهم، وهربنا نحن باتجاه الكولا ". محمد ابو ردينه حاولوا ذبحنا على الطريق : محمد ابو ردينة ابن عم شهيرة كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة قتل يومها والده واخته وصهره. اخبرني محمد كيف قتلوا اخته. قال:"كانت حاملا عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين واخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل امام بيت شهيرة ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. انا وامي واختي اقتادونا مع الباقين من نساء والعائلة واطفالها الى المدينة الرياضية وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيرا ولم اع ما يحدث لنا. لم اع، الا اني كنت خائفا جدا، وعيت المجزرة عندما كبرت بسبب الظروف الصعبة التي عشناها بعد ذلك. تدمر بيتنا في حرب المخيمات واصبحنا بلا مأوى نتقل من مكان الى اخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض امي. في عام 1992 جاء احدهم واحضر لها شريط فيديو عن المجزرة فرأيت والدي واختي. عندها اصيبت بجلطة في الدماغ، تحولت بعدها الى مجرد صورة. كانت تتوه في الطرقات فاذهب للبحث عنها. كنت في حوالي الرابعة عشرة من عمري وليس لي احد. وجدت نفسي مضطرا للاهتمام بها بدل ان تهتم هي بي، الى ان ماتت عام 1995. اضطررت للعمل وانا صغير جدا. والدتي عملت لبعض الوقت في تنظيف مكتب علي ابو طوق اثناء حرب المخيمات. كان علي يعطف علينا وساعدنا في ترميم بيتنا
ساحة النقاش