تكنولوجيا الإعلام و الاتصال وعولمة الاقتصاد
إن نتحدث عن العولمة الاقتصاديات الوطنية (المتقدة منها على مجه التحديد) أمر وان نتحدث عن عولمة قطاعات من هذه الاقتصادي أمر ثان والمقصود هو إن ربط تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال بظاهرة العولمة إنما يجب إن يتم مسألتين متلازمتين:
المسألة الأولى, ومفادها إن التكنولوجيا الإعلام والاتصال المشكلة من المعلوماتية واتصالات وميدان سمعي وبصري لم تحدد مسار العولمة بقدر ما مهدت لها الطريق ويسرت لها السبل
المسألة الثانية, وترتبط بكون هذه التكنولوجيا لم تسلم هي نفسها من ظاهرة العولمة كما لم تسلم من قبل وان بمستويات اخف من ظاهرتي التدويل وتعدد الجنسية
من الثابت إذن على الأقل من الناحية الكرونولوجية لتتابع الأحداث إن مرحلة العولمة الاقتصاديات والمؤسسات المنتجة والمروجة لها ولا سميا مؤسسات الإعلاميات والاتصالات وتقنيات ومحتويات السمعي والبصري إذ أن "تراسل المعطيات بسرعة الضوء (300.000 كيلو متر في الساعة) ورقمنه النصوص والصوت والصورة وتوسل أقمار الاتصالات وثورة الهاتف وتعميم المعلومات في قطاعات إنتاج السلع والخدمات وتصغير الحواسيب وربطها داخل شبكة كوكبية قد مكنت من خلق انقلاب ضخم وشامل في نظام العالم"
وانطلاقا من كل هذا لم يتردد البعض في وصف اقتصاد نهاية القرن العشرين واقتصاد القرن الحادي والعشرين باقتصاد الرموز باعتبار إن المعطى التكنولوجي المركزي الذي جعلته وسائل الإعلام والاتصال ممكنا يتمحور حول اللامادية والسرعة والآنية والشمولية ......وما إلى ذلك
فالمؤسسات المالية الكبرى ،مثلا، تتناقل وتتبادل على مدى أربع وعشرين ساعة متصلة معطيات من كل نقطة على الأرض في الوقت الذي تعمل فيه كبريات بورصات العالم عبر شبكات تربط بعضها ببعض ....مؤسسة بذلك لما بدا يصطلح على تسميته بالشمولية أو بالشاملة
ما يصدق على المؤسسات المالية حيث تنتقل عبر الكوابل والأقمار الاصطناعية مئات مليارات الدولارات في هنيهات من الزمن يصدق بالتأكيد أيضا على مؤسسات أخرى غيرها كشركات النقل الجوي مثلا إذ نلاحظ إن شركة طيران كبرى كالخطوط الجوية السويسرية قد نقلت نظام محاسبتها ومصالح حجوزاتها إلى الهند نفس الشيء يقال بالنسبة لشركة سيمسن الألمانية التي نقلت إلى الفلبين نظامها الخاص بالمحافظة والصيانة المعلوماتية فيما يعمل مجلس الشيوخ الفرنسي على طبع نصوصه وترقينها في دولة ساحل العاج ... وهكذا.
وفحوى القول هو إن السلطة في ظل العولمة لم تعد تكمن في امتلاك الأدوات المادية من أراض موارد طبيعية وآلات وغيرها بقدر ما أصبحت تتمحور تدريجا حول التحكم في الأدوات اللامادية من بحث علمي وتحكم في التكنولوجيا العالمية في الإعلام والاتصال والمال لدرجة إن الحديث بدا يتركز على مجتمع الإعلام والاتصال والمعرفة أكثر منه على المجتمع الإنتاجي المادي المقدم نفسه على انه تقليدي .
ولعل إحدى ابرز العلامات على الميل المطرد باتجاه الاقتصاد اللامادي بروز شركات كبرى للإعلام والاتصال وتوسع نشاطها على المستوى الكوني ا من بين 20 مؤسسة صناعية كبرى نجد ستا منها متخصصة في الالكترونيات الدقيقة وفي المعلوماتية في حين لم يكن لمثل هذه الشركات اثر يكر قبل عشرين سنة
يقول ريكاردو بتريلا في هذا السياق : إن "عولمة رأس المال قد سرعت من وتيرة الاستثمارات والقطاع الإنتاجي بموازاة وتداخل التيارات التجارية عبر الجهات العالمية الكبرى وقد مكن هذا التداخل بدوره عبر التنمية الخارجية من تحفيز عولمة المؤسسات والاستراتجيات والأسواق :استثمارات مباشرة في الخارج نقل الصناعات وتحالفات امتصا صات اندماجات ...الخ وهكذا فكل مجموعة صناعية ومالية مهمة تتبع استرتيجية في كل جهات العالم وخصوصا في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وشرق وجنوب شرقي آسيا"
ف 90 بالمائة من ال37000 شركة متعددة الجنسيات وال206000 فرع خارجي التابع لها هي ملك ها العالم الأول والمائة القوية منها تمارس نفوذا ضخمة داخل دولها وخارجها : قدرات استثمارية هيمنة تكنولوجية وامتلاك الراءات في القطاعات العالية الدقة ....الخ
من الطبيعي إذن إن نشاطر ريكاردو بتريلا الرأي بان الغزاة الجدد وهم صانعو العولمة دون منازع هم أشخاص معنويون أو عاديون حتى و قدرات مالية هائلة يتصرفون بفضلها في تخصيص وتوزيع الموارد العالمية ويحددون القيم والرهانات والأولويات ويفبركون على مزاجهم قواعد اللعبة على المستوى العالمي : أسياد العالم هم اليوم قلة تتمثل في بضع مئات من الأشخاص رؤساء وأعضاء لجان تسير لمؤسسات قليلة العدد تعمل في ميادين الالكترونيات والمعلوماتية والاتصالات والبرامج والميدان السمعي والبصري والصحافة والنشر والتوزيع ربعهم متمركز في أوروبا ومثله في آسيا والباقي في أميركيا .......
وعلى ضوء التحالفات الإستراتيجية التي يبر ومونها في ما بينهم والاندماجات التي يخضعون لها فان عشر شبكات عالمية متداخلة وضخمه فقط هي التي تسير الاقتصاد وترسم معالمه المستقبلية فقليله اليوم هي الشركات التي تستطيع وحدها فرض منطقها وسلطانها على السوق العالمي وبالتالي فمفهوم القطب ذاته لم يعد ذلك المدلول الخطير ا انصرف الناس عنه لصالح مصطلح الشبكات التحالفات المتعددة الأقطاب
لم يعد السوق العالمي إذ في ظل ظاهره العولمة مجرد فضاء مادي تتم من خلاله العمليات التجارية المالية كما عدناها في مرحلتين التدويل وتعدد الجنسية بل أضحى الملتقى إعلاميا كوكبيا يجري في إطاره تبادل المعطيات والتحكميات المالية على حساب الاقتصاد الواقعي أو المادي وخرجت من صلبه مافيات نشيطة ذات خبره واسعة في مجال مضاربات المالية والعقارية واندحرت داخله مفاهيم المنافسة الحرة وقيم الشفافية لصالح الممارسات الاحتكارية وثقافة الارتشاء والتهرب من الضرائب وتبييض أموال المخدرات .....الخ
هذه العولمة التي صنعتها وكرستها وسايرتها تكنولوجيه الإعلام والاتصال من بين عوامل أخرى لم تسحب السجادة من تحت إقدام مفاهيم القومية بمعنى القطرية والسوق الوطني والحدود الجغرافية في حسب بل سحبتها أيضا من تحت إقدام الدولة وتشريعاتها ومعايرها ونظم تسيرها فتحولت الدولة إلى مجرد متفرج على قرارات تتخذ داخلها من طرف شبكات المال والإعمال العالمية فأفرغت بلك من دورها كفاعل رئيسي في عملية تحديد السياسة الاقتصادية وحتى من سلطتها الجنائية على الموارد العابرة لكيانها الجغرافي التنقل الحر للموارد ودون احترام المبادئ
وقد زادت من تعميق أزمة الدول سياسات الخصخصة واللاتقنين ومناهضة التشريعات التي من شانها إن تحول دون التنقل الحر للموارد ودون احترام المبادئ المقدسة لليبرالية الجديدة
هذه العولمة خلقت إذن مجتمع شبكات عالميا لا قرية كوكبية كما تنبأ بذلك مناك لوهمان إذ لا يعدو الأمر كونه نقلا للسالكات القطرية لا لصالح مؤسسات فوق قطرية وإنما لقوى خاصة ذات مصالح عالمية أنية ستدخل لا محالة في صراع مع ضرورات تنمية مستديمة موزعة توزيعا عادلا مقررة ديمقراطيا ومقبولة ايكولوجيا.... فعوض إن تخلق قرية كوكبية تعمل الشركات العملاقة على نسج شبكات للإنتاج والاستهلاك والترويج المالي وتقصى وقد تتضرر من هذه الشبكات....
ساحة النقاش